وضحاء شامس
أولاً: التطورات السياسية الداخلية والخارجية العُمانية
مجلس الشورى العُماني والمطالبات الشعبية:
يحاول مجلس الشورى العُماني بعد مضي 28 عاماً على تأسيسه ممارسة صلاحياته التشريعية والرقابية الممنوحة، وعلى الرغم من ذلك ما زال أداؤه يواجه الكثير من الانتقادات الشعبية،[1] وقد يعود ذلك إلى واقع بعض الصلاحيات غير الفاعلة في المجلس،[2] بينما يرى آخرون أن ذلك يعود إلى تدني مستوى الوعي الانتخابي عند الناخبين، حيث يستند غالباً على دعم القبيلة، بالإضافة إلى خصائص العضو المنتخب التي تعكس مثل هذه المحددات.[3] وكمثال على الأخيرة، شهد عام 2018 غياب معظم أعضاء مجلس الشورى عن إحدى الجلسات النقاشية مع مجلس الدولة، ما أثار استغراب المتابعين عن قرب لأداء المجلس العُماني ومطالبتهم بتفسير هذا الغياب.[4] و قد أشارت إحدى التبريرات إلى وجود إشكاليات إجرائية تنظيمية متمثلة في تأخير تقديم الدعوات لحضور هذه الجلسات. [5]
ومن جانب آخر، برزت الخلافات الداخلية بين أعضاء مجلس الشورى في الجلسات المعلنة، حيث شغلت استقالة أحد أعضاء المجلس الرأي العام،[6] وذلك بعد انسحاب العضو من جلسة مناقشة بيان وزارة التنمية الاجتماعية وإعلان استقالتهِ – غير الرسمية – عبر تغريدة على موقع تويتر.[7] وقد فُسِّر الانسحاب على أنه “أحد أشكال الاعتراض على إدارة الجلسة بالإضافة إلى تأخر وزارة التنمية الاجتماعية في تقديم بيانها للمجلس مما هضم حق البيان في الدراسة وحق الأعضاء في إعداد مداخلاتهم”.[8] بينما يرى البعض الآخر في مواقع التواصل الاجتماعي أن تقديم الاستقالة كان محاولة للفت انتباه الناخبين قبل نهاية الدورة البرلمانية، وتسليط الضوء على العضو من أجل انتخابه في الفترات البرلمانية القادمة.[9] وحتى كتابة هذا السطور يشكل مجلس الشورى أداة غير مؤثرة بشكل فاعل في صنع القرارات الوطنية، حيث يقف المجلس عاجزاً في ضوء التحديات التي تواجه صلاحياته التشريعية والرقابية الممنوحة.
سجال حول التاريخ العُماني
صاحبت موضوع التاريخ العُماني تداعيات سياسية جمّة خلال عام 2018، حيث رصد النشطاء العُمانيين من خلال مواقع التواصل الاجتماعي مجموعة من “التجاوزات” على التاريخ العُماني تتعلق بنسب الشخصيات التاريخية البارزة إلى دولة الإمارات حسب رأيهم، وما رأوه من محاولات متكررة لتشويه خريطة سلطنة عُمان وطمس الحدود الجغرافية الرسمية. وقد كانت هناك مطالبات بضرورة تسجيل موقف للتاريخ العُماني عبر الدفاع عن عنه والرد على بعض الاستدلالات التاريخية المستمرة من خلال مجلس الشورى، وقد جرت مناقشتها كإحدى القضايا الملحة مع وزير الإعلام، وذلك لإدارة أدوات الإعلام المتاحة وغير المتاحة للتصدي لمثل هذه الظاهرة.[10]
وفي إطار ما سبق، أحدث إنتاج المسلسل الإماراتي “المهلب بن أبي صفرة” خلافاً بين العمانيين والإماراتيين على اعتبار أن الكثير من الناشطين العمانيين يرون أن الشخصية التاريخية تنتمي في أصلها إلى عُمان، ووصل الحال إلى وصف بعض المغردين العمانيين هذه التجاوز بـ”السرقة”، وتم تدشين وسمين: أحدهما بعنوان #المهلب_بن_أبي_صفرة_العماني، والآخر بعنوان #المهلب_بن_أبي_صفرة_الإماراتي.[11] كما ذكر تقرير في مجلة ناشيونال الإمارتية “أن أبوظبي تنقّب عن تاريخ البحارة الإماراتيين في زنجبار”،[12] وقد رأى بعض العمانيين أن هذا التنقيب محاولة لصناعة تاريخ إماراتي على حساب التاريخ العُماني في شرق أفريقيا بشكل عام وفي زنجبار خاصة.[13] أما فيما يرتبط بالحدود الجغرافية العُمانية، تفاعل نشطاء عُمانيون وخليجيون مع وسم #مسندم_عمانية في موقع تويتر، بعد أن دُمجت محافظة مسندم العُمانية مع الأراضي الإماراتية في أحد الإعلانات الترويجية.[14] وتكررت إشكالية خريطة السلطنة في أحد الكتب المعروضة والمعنونة بـ “الإمارات” في معرض مسقط الدولي للكتاب، حيث ظهرت الخريطة على غلاف الكتاب باسم دولة البحرين، وعليه تم سحب جميع النسخ المتوفرة من دار النشر.[15] و بناء على ما سبق حث السيد أسعد بن طارق[16] في أحد لقاءاته الرسمية إلى وقف العراك الافتراضي بين العُمانيين والإماراتيين مشيراً إلى أن ” جارك سيظل جارك”.[17]
قضية شبكة التجسس
في أغسطس عام 2018 انتشرت أنباء عن اكتشاف شبكة تجسس جديدة للمرة الثانية في سلطنة عُمان،[18] وقد أشارت بعض التفاصيل المسربة حسب مواقع التواصل الاجتماعي إلى تورط خمسة متهمين من سلطنة عمان ودولة الإمارات العربية المتحدة،[19] إلاّ أنه ولغاية كتابة هذه السطور لم يتم التعليق على تلك التفاصيل رسمياً، كما فعلت السلطنة عند اكتشاف أول شبكة تجسس تابعة لجهاز أمن دولة الإمارات في عام 2011 والتي أعلِن أنها تستهدف نظام الحكم في عُمان.[20] أدى ذلك إلى إثارة العديد من التساؤلات الشعبية حول أسباب عدم الإقرار بوجود شبكة التجسس الثانية. وقد حاول البعض اقتناص الإجابة على التساؤلات في اللقاءات الرسمية مع شخصيات سياسية عمانية بارزة، حيث جاء الرد من الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية للسلطنة يوسف بن علوي قائلاً: “هذه الأمور تحصل بين الجيران ونحن نتعامل مع الجيران بشيء من اللطف”.[21]
العلاقات الدولية ما بين المناورات العسكرية والتطبيع
ركزت السلطنة في السنوات الأخيرة على إعداد وتجهيز قواتها العسكرية والأمنية في ضوء توتر الأوضاع السياسية على مستوى المنطقة الخليجية والعربية،[22] ويؤكد التقرير الذي نشره معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI) “أن سلطنة عُمان أنفقت نسبة 12% من ناتجها المحلي على التسلّح في عام 2017” ،[23] وفي نفس العام احتلت السلطنة المرتبة 12 عالمياً في ترتيب شراء الأسلحة، بمبلغ يعادل 783 مليون دولار،[24] وتعدُّ الولايات المتحدة المورد الأول للمعدات العسكرية لسلطنة عُمان، تليها المملكة المتحدة.[25]
وقد شهد عام 2018 تنفيذ عدد من المناورات العسكرية في سلطنة عُمان، متمثلة في تمارين “الجهد المشترك 10″ و”الشموخ 2″ و”السيف السريع 3”.[26] واستمرت التمرينات العسكرية حتى بداية عام 2019، وذلك بمشاركة السلطنة في التمرين العسكري العماني-الإماراتي “تعاون 2″،[27] الأمر الذي أدى ببعض العمانيين إلى التوجس بشأن المناورات العسكرية المكثفة في الفترة الأخيرة، سيما بالنظر إلى اضطراب الأوضاع السياسية في المنطقة.[28] ويرى البعض “أن هذه المناورات العسكرية العُمانية تحمل رسائل ضمنية للحد من الأطماع الجيوسياسية الإقليمية والعالمية”.[29] وفي المقابل نفى اللواء الركن أحمد النبهاني علاقة المناورات العسكرية بالأوضاع السياسية الراهنة، حيث أكد أنها ليست موجهة ضد أحد.[30]
على الصعيد اليمني، يرى بعض المراقبين أن السياسة الخارجية العُمانية بدأت تتخذ موقفاً منحازاً غير مصرح بهِ نحو الحوثيين، فقد اعتبر البعض استقبال الجرحى الحوثيين في مستشفيات السلطنة وتدخل السلطنة في توفير طائرة عُمانية لنقل الحوثيين لإجراء محادثات السلام بين الأطراف اليمنية في جنيف من ضمن الدلائل التي تؤكد على تنامي دور السلطنة في القضية اليمنية،[31] بينما يرى آخرون أن ما تقوم بهِ السلطنة لا يخرجها عن دائرة الحياد، بل هي محاولة إلى تقريب وجهات النظر بين الأطراف اليمنية وحل النزاع فيما بينهم.[32] ورغم النفي المتكرر من قبل السلطات العمانية، فإنها كثيراً ما تتعرض للنقد من قبل عدد من الجهات الإعلامية لعدم قيامها بإجراءات صارمة لوقف تدفق السلاح إلى الحوثيين عبر حدودها البرية.[33]
في المقابل، فقد تصدّرت المشهد السياسي العُماني في عام 2018 زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى سلطنة عُمان،[34] وقد أثارت هذه الزيارة ردود أفعال استنكارية على المستوى العربي، حيث رآى فيها الكثيرون نقضاً لمبادرة السلام العربية،[35] وأن هذه الزيارة ليست في صالح القضايا العربية.[36] وبتسليط الضوء على موقف العُمانيين لزيارة نتنياهو، دشن العُمانيون وسماً بعنوان #عمانيون_ضد_التطبيع عبروا به عن رفضهم لهذه الزيارة،[37] وفي خضم الانتقادات والاحتجاجات لزيارة نتنياهو العلنية إلى سلطنة عمان تم اعتقال عدد من النشطاء على الإنترنت كسلطان المكتومي[38] وعدي العميري[39] ومصعب الذهلي[40] و هيثم المشايخي،[41] وقد كتب بعض المعتقلين بعد إطلاق سراحهم رسائل اعتذار للحكومة العُمانية، مؤكدين أنهم لم يجبروا على ذلك.[42]،[43] وفي ذات السياق جاء التصريح الرسمي على انتقادات استقبال نتنياهو في سلطنة عُمان من قبل الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية يوسف بن علوي في أكثر من لقاء أشار فيه إلى “عدم وجود تطبيع مع إسرائيل وإنما السلطنة تولي اهتماماً كبيراً بالقضية الفلسطينية، وأن دورها ليست كوسيط بل ميسر”،[44] مضيفاً أن السبيل إلى ذلك هو “البحث عن الحلول السلمية لإنهاء الصراع في الأراضي الفلسطينية”،[45] كما “أن قيام الدولة الفلسطينية المستقلة ضرورة استراتيجية ليست فقط للفلسطينيين وإنما للمحيط بالكامل”.[46] وفي بيان آخر، حث يوسف بن علوي “أن تتخذ الدول العربية إجراءات مطمئنة لإسرائيل كي تشعر بالأمان في محيطها العربي، بهدف وضع حد للحروب التي دارت طيلة العقود الماضية بين الجانبيين”.[47]
ثانياً: المستجدات القانونية والحالة الحقوقية العُمانية
الوجه الآخر للحريات العامة
من أبرز المستجدات القانونية والحقوقية التي طرأت على سلطنة عُمان في مطلع عام 2019 ما جاء في اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، حيث سحبت السلطنة تحفظها على الفقرة (4) من المادة (15) التي تنص على أن “تمنح دول الأطراف الرجل والمرأة نفس الحقوق فيما يتعلق بالقانون المتصل بحرية حركة الأشخاص وحرية اختيار محل سكناهم وإقامتهم”،[48] وما زالت السلطنة تتحفظ على بعض الأحكام والنصوص الواردة في الاتفاقية، ومن أبرزها ما يرتبط بقضية التبني وقضية منح المرأة الجنسية لأبنائها،[49] مبررة ذلك بتعارض تلك النصوص مع أحكام الشريعة الإسلامية والتشريعات المعمول بها في السلطنة.[50]
وأفصح تقرير “الحرية في العالم” لعام 2018 الصادر عن منظمة فريدوم هاوس (Freedom House) إلى أن تصنيف سلطنة عُمان يندرج تحت الدول “غير الحرة”، حيث انخفض مجموع نقاط حقوق الإنسان بمقدار نقطتين.[51] وأشار مؤشر “حرية الصحافة” في العالم لعام 2018 إلى تراجع ترتيب سلطنة عُمان درجة واحدة لتحتل المرتبة 127 من أصل 180 دولة.[52] كما أدان مركز الخليج لحقوق الإنسان قانون الجزاء العُماني 2018/7، مطالباً السلطات العُمانية بإلغاء المواد الآتية: المادة (116)، والمادة (118)، والمادة (121)، والمادة (123)، والمادة (125)، وذلك من أجل حماية حرية تكوين الجمعيات والأحزاب والمنظمات المدنية والحقوقية، وحرية التعبير وحرية الرأي، ودعى المركز إلى الالتزام بضمان حق التجمع السلمي و إلغاء عقوبة الإعدام.[53] وفي ضوء ما سبق فقد شهد عام 2018 وبداية عام 2019 ما وُصِف بالانتهاكات من قبل عدد من المنظمات الحقوقية، كان من أبرزها: “وفاة الناشط حسن البشام وهو يقضي فترة عقوبته في سجن سمائل المركزي بتهمة الإلحاد وإعابة الذات السلطانية”،[54] و”صدور حكم بسجن الكاتب عبدالله حبيب لمدة 3 سنوات بتهمة تتعلق بازدراء الأديان والتجديف في الذات الإلهية”،[55] علماً أنه تم إطلاق سراحهُ بعد أن شمله العفو الذي أصدره السلطان قابوس بمناسبة عيد الفطر.[56] كما نشرت المحامية بسمة مبارك مقالاً بعنوان “أكتب دفاعاً عن حقي” كشفت فيه عن تعرضها لمضايقات أثناء ممارستها لمهنة المحاماة لعدم ارتدائها الحجاب.[57]
وفي ذات السياق، باتت مصادرة الكتب في معرض مسقط الدولي للكتاب أحد المشاهد المتكررة بشكلٍ سنوي وخاصة في السنتين الأخيرتين،[58] حيث بلغ عدد الكتب المسحوبة من معرض مسقط الدولي للكتاب في دورتها 24 ما يقارب 30 كتاباً،[59] وعلى الرغم من مصادرة مجموعة الكتب من المعرض قامت بعض دور النشر بنشر الكتب المسحوبة بصيغة PDF في مواقع التواصل الاجتماعي، كما تم توفيرها للشراء بمواقع بيع الكتب الإلكترونية.[60]
الوقفة الاحتجاجية للباحثين عن العمل
ما زالت قضية الباحثين عن العمل تشكل أزمة داخلية متصاعدة في سلطنة عمان، حيث توضح الاحصائيات أن نسبة الشباب الباحثين عن العمل في الفئة العمرية 15-29 سنة وصلت إلى 74% عام 2018، يمثل فيها الذكور نسبة 37%، أما الإناث فبلغت نسبتهن 63%.[61] وفي مطلع شهر يناير 2019، انتقلت مطالبات الباحثين عن العمل من وسم #باحثون_عن_عمل_يستغيثون من موقع تويتر إلى أرض الواقع أمام مبنى وزارة القوى العاملة بمحافظتي مسقط وظفار، جاءت على شاكلة وقفة احتجاجية سلمية، ناشد فيها الباحثون عن العمل الوزارة بتوفير الوظائف وإحلال العمالة الوافدة.[62] وقد منعت التغطية الإعلامية نقل تفاصيل التجمع السلمي، حيث تم “مصادرة أجهزة مذيعان من قناة هلا أف إم وهما: قصي منصور، ومازن الشبيبي”،[63] كما طُلِب من المذيعين بقناة الوصال محمد العلوي وإيناس ناصر مسح الصور والمغادرة.[64] وحتى كتابة هذه السطور تستمر مطالبات الباحثين عن العمل تحت شعار” التجمع السلمي حق وليس جريمة”،[65] وتعدُّ هذه القضية الأبرز في خضم الأوضاع الاقتصادية الحالية في السلطنة والتي تعاني من اضطراب أسعار النفط،[66] “وعدم انسجام مستوى الإنفاق مع حجم الموارد المالية، بالإضافة إلى الآثار المترتبة على المالية العامة للدولة نتيجة العجز المتراكم خلال السنوات 2015-2017 والتي أبرزها ارتفاع الدين العام”.[67]
وقد تم الإعلان عن مرسومٍ سلطاني بإنشاء المركز الوطني للتشغيل وإصدار نظامه،[68] حيث يعمل حسب تعبيره “على ترشيح الباحثين عن العمل للوظائف، ويضع برنامج قائم على استبدال العمالة الوافدة بالعمالة الوطنية وأيضاً التنسيق مع جهات التدريب والتأهيل لإلحاق الباحثين عن عمل بالبرامج التدريبية، كما يقوم بعمل خطة متكاملة لمعالجة المواءمة بين المخرجات واحتياجات سوق العمل، كذلك يعمل المركز الوطني للتشغيل على مراجعة التشريعات المنظمة للمهن والأنشطة”.[69] والسؤال الذي يطرح نفسهُ هنا: هل سيستطيع المركز الوطني للتشغيل استيعاب أعداد الباحثين عن العمل وتحقيق جميع مطالبهم وطموحاتهم في ظل ارتفاع أعدادهم سنوياً؟ وهل سيكون توفير 5000 وظيفة شاغرة في القطاع الحكومي، كما ورد في ميزانية عام 2019، كافٍ فعلاً أمام ارتفاع أعداد الباحثين عن عمل؟[70]
ثالثاً: رؤية عُمان 2040
أعلنت سلطنة عُمان عن رؤية 2020 في عام 1995، وتعدُّ هذه الرؤية المستقبلية للاقتصاد العُماني الأولى من ناحية الرؤى الاقتصادية على مستوى دول مجلس التعاون،[71] وقد طرحتْ الكثير من التساؤلات حول مدى تمكن الرؤية من تحقيق أهدافها الموضوعة في السنوات الأخيرة وخاصة أنها تشرف على نهاية فترتها، حيث يرى بعض الباحثين أن هناك إخفاق في تحقيق أهداف الرؤية وخاصة تلك المرتبطة بتنويع قاعدة الإنتاج وتقليل الاعتماد على النفط، والتوازن بين مصروفات ودخل المال العام، وتنمية الموارد البشرية، وتطوير ودعم القطاع الخاص ليشارك في عملية التنمية والنمو الاقتصادي.[72] وعلى الرغم من ذلك فقد تم تجاهل تقييم رؤية 2020 والإعلان عن بدء إعداد رؤية جديدة 2040 وفق “المنهجية التشاركية” حسب تعبير منظميها.[73] وفي الوقت الذي استعرضتْ فيه الوثيقة الأولية لرؤية 2040، أثارت الوثيقة تساؤلات جدلية في أوساط الرأي العام، من قبيل: “هل نحن مستعدون للتغيير من أجل تحقيق هذه الرؤية الطموحة؟”[74] و”كيف يمكننا تمويل مشاريع الرؤية ونحن لا نزال نفكّر في تخفيض عجز الموازنة من خلال مصادر تقليدية كفرض الضرائب واستحداث رسوم جديدة أو تقليص الإنفاق الحكومي على مشاريع حيوية؟”[75]، و”كيف ستواجه رؤية 2040 مسألة الباحثين عن العمل، والأيادي العاملة الوافدة، وفرص الاستثمار المتكافئة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة؟”[76]، و”لماذا لم يستند القائمين على الوثيقة بعمل مؤشرات وطنية تتوائم مع المؤشرات الدولية ومع تطلعات المجتمع وخصائصه؟”، و”ما المعايير والأسس التي تم على إثرها تحديد درجات التحسن والتغيير التي ستحدث خلال عام2030، 2040؟”، و”هل يمكن لأفراد المجتمع الحصول على هذه المعايير؟”[77] وقد طرح الباحث العُماني سيف المعمري قراءته النقدية حول رؤية 2040، حيث يرى أن الرؤية ليست “رؤية شعب” كما صُوِّرَ لها، فهي محصورة في تقديم المقترحات والملاحظات، كما تحاول استبعاد صفة استفراد الحكومة بالرؤية، وإضافة الشرعية عليها حتى يتحمل جميع فئات المجتمع مسؤولية ما إن فشلت في المستقبل، وعلاوة على ذلك فإن وجود مدافعين عن رؤية 2020 هي محاولة آخرى للحفاظ على مكانة الحكومة وصورتها التي تقدم نفسها كحكومة مؤهلة للمرة الثانية لصياغة رؤية جديد أمام المجتمع”.[78]
خاتمة
جاء عام 2018 في سلطنة عمان ليتبع مساراً مماثلاً للسنوات التي سبقته. فتواصل الوضع الاقتصادي في تبوأ جزء ليس بهين من الشأن العام، متمثلاً في تفاقم مشكلة البطالة، وطرح السلطنة مبادرة رؤية 2040، كآخر جولة من الجولات المتكررة في دول مجلس التعاون لطرح رؤى اقتصادية لعل وعسى تنتشلهم من الاعتماد المتفاقم على إيرادات النفط، الذي وصل الى مرحلة حرجة في عمان مع تفاقم عجز ميزانية الدولة والدين العام. أما على المستوى الدولي، فقد يكون التطور الأبرز الذي تصدر الصحف هو زيارة رئيس وزراء الكيان الصهيوني للسلطنة، طارحاً التساؤلات حول دور التطبيع في تفاقم الاعتمادية على القوى الخارجية والغربية منها خصوصاً في توفير الغطاء الأمني للمنطقة. أما على المستوى السياسي الداخلي، فإن التواصل في التضييق على النشطاء مع محدودية فاعلية مجلس الشورى، يجعل التحديات السياسية نحو المشاركة الشعبية في اتخاذ القرار وترسيخ المواطنة تحدياً مستمراً في سلطنة عمان، كما هو الحال في بقية دول المجلس.
لقراءة الجزء التالي من الاصدار
لقراءة النسخة الكاملة من الاصدار (PDF)
لعرض قائمة المحتوى للاصدار
موسى الفرعي، “التاريخ ما نقش على حجر،” تويتر، 12 اغسطس 2018، < https://twitter.com/moosaFarei/status/896488367491211266 >.