اعداد :
- أ. د. خضر عباس عطوان – جامعة النهرين، العراق-بغداد
- وحيد وحيدي مطلق – مدير الاتحاد العالمي للدراسات المستقبلية World Futures Studies Federation (WFSF) ، إيران-طهران
الملخص:
المستقبلات البديلة لإيران بعد خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي يتناول البحث بالتحليل رؤية لما ستكون عليه الخيارات المتاحة امام إيران بعد ان اعلنت الولايات المتحدة الخروج من الاتفاق النووي الذي ابرم بين القوى الكبرى الستة وإيران في جنيف في صيف 2015 .
Iran’s Alternative Futures After The United States Came Out Of The Nuclear Deal
- Khudher A. Atwan
- Victor Vahidi Motti
The paper examines the options available to Iran after the US withdrawal from the nuclear agreement between the six major powers and Iran in Geneva in the summer of 2015.
المقدمة:
في 8 أيار / مايو 2018 أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن الولايات المتحدة تنسحب من الاتفاق النووي الإيراني ، الذي تم التفاوض عليه خلال إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما.
وتسبب قرار الرئيس ترامب برفع معدل عدم اليقين ، واصبح المستقبل يبدو غامضاً اما كل من الاتفاق النووي ، وامام إيران في علاقاتها مع الولايات المتحدة ، واما البيئة الإقليمية التي تاثرت بذلك البرنامج والاتفاق المرتبط به ، وستتاثر بمرحلة ما بعد الاعلان عن الغاء ذلك الاتفاق من جانب الادارة الأمريكية .
ان البحث في مرحلة ما بعد الاتفاق النووي ، بكل ما تتضمنه من اتجاهات بحثية قابلة للتصور سيفتح نطاق البحث على مقاصد كثيرة ، ومسائل متعددة المستويات ، الا اننا هنا سنقصر البحث على نطاق صغير مرتبط بما ستؤول اليه إيران بعد الاعلان الأمريكي ، ليس على صعيد الوضع الداخلي ، فهذا متغير سيكون واقعا ضمن ما سيؤثر ، انما سنتناول ما سيحدث في العلاقات الإيرانية الخارجية ، وبضمنها علاقاتها مع البيئات الإقليمية والدولية ، وسيكون تركيزنا هنا على العلاقات مع الولايات المتحدة .
والمعضلة البحثية والفكرية التي سنركز عليها البحث هي :
- ان العالم اليوم يتجه الى رفع معدل عدم اليقين فيما يخص العلاقات المرتبطة بالاتفاق النووي .
وتلك المعضلة تدفعنا الى ايجاد اجابات على تساؤلات اولية ، ومنها :
- ما هو الاتفاق النووي ؟
- ما هي امتيازاته لكل من إيران والدول الموقعة عليه والدول الإقليمية ؟
- لماذا تحولت الولايات المتحدة من قبول الاتفاق الى رفضه ؟
- ما متاح لإيران في عالم ما بعد خروج الولايات المتحدة من التزامات ذلك الاتفاق ؟
- ما هي مستقبلات إيران في التعامل مع مرحلة ما بعد ذلك الخروج ؟
ان تلك التساؤلات ، تدفعنا الى التعامل مع فرضية اولية مضمونها : تكييف إيران لخياراتها الإقليمية والدولية مع البيئتين الإقليمية والدولية سيجعلها ترفع من معدل خياراتها في مرحلة ما بعد الخروج الأمريكي ، طالما ان الدول الاخرى الملتزمة بذلك الاتفاق لا تستطيع تحدي الارادة الأمريكية .
والمنهجية التي سنلتزم بها في التعامل مع موضوع البحث هي منهجية الدراسات المستقبلية / دولاب المستقبل .
واشارة الى كل من الفرضية والمعضلة البحثية ، والمنهجية المستخدمة ، تم تقسيم البحث الى العنوانات التالية :
- اولا-القدرات النووية الإيرانية : مؤشرات-دوافع –ضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية
- ثانيا-الاتفاق النووي : المضمون-النتائج-التأثيرات
- ثالثا-سيناريوهات إيران بعد اعلان الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي.
وهو ما يمكن تناوله عبر الاتي:
اولا-القدرات النووية الإيرانية : مؤشرات-دوافع –ضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية
تعد الطاقة النووية بحد ذاتها احد التقنيات التي اكتشفها العقل البشري ، والقائمة على شطر الذرة (اما ذرة يورانيوم 235 او يورانيوم 239 ، او من البلوتنيوم ، او غيرها من النظائر المشعة) مما يتسبب بظهور طاقة وحرارة كبيرة جدا ، وقد ظهرت الاكتشافات الاولى للشطر في نهاية القرن التاسع عشر ، الا ان العقل البشري اخذ يتجه الى البحث عن توظيف عسري للانشطار ، وهو ما تسبب بصنع القنبلة الذرية ، والتي تطورت عملية تصنيعها لاحقا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية الى اليوم ([i])
ان مبعث اكتشاف الطاقة النووية هو : بحث الانسان عن الطاقة ، والمسعى الى اكتشاف الجديد في حقول العلم المختلفة ، أي ان الاستخدام السلمي هو الحاضر كاساس في الوصول الى مرحلة شطر الذرة واستخراج الطاقة منها .
ان الانسان بدأ مع انواع بسيطة من الموارد التي استخدمها كطاقة ، ثم تطورت تلك الموارد الى استخدام الفحم باعتباره اكثر انواع الوقود الهيدروكاربوني المستخدم في انواع شتى من المجالات ، وما زال ، والى استخدام النفط والغاز الطبيعي (وهما مشتقات هيدروكاربونية ) في مجالات شتى ، الا ان الطاقة المستخرجة منها بقت محدودة قياسا الى ما يمكن ان يستخرج من شطر الذرة واستخراج لطاقة منها .
وبعد استخدام الولايات المتحدة للسلاح النووي في نهاية الحرب العالمية الثانية في اليابان ، وخشية الولايات المتحدة وبعدها الاتحاد السوفيتي من توسع الدول التي يمكن ان تحوز على السلاح النووي ، بوجود مسعى من دول عديدة لتطوير التكنولوجيا النووية المتاحة ، اتجهت ارادة القوى الكبرى الى انشاء الوكالة الدولية للطاقة الذرية في حزيران / يونيو 1957 ، بغرض تشجيع الاستخدامات السلمية للطاقة النووية ، والحد من امكانية اتساع نطاق التسلح النووي ، وللاضطلاع بهذه المهمة أي دعم الاستخدام السلمي ومنع الانتشار ، تقوم الوكالة بأعمال الرقابة والتفتيش والتحقيق في الدول التي لديها منشآت نووية ، كما تنظم عملية تبادل التكنولوجيا لهذا الغرض .
وقد ركزت الوكالة في عملها عبر التاريخ اللاحق على انشائها على مهام : السلامة والأمن في انشاء المفاعلات والقيام بالاشنطة النووية ، وتبادل العلوم والتكنولوجيا التي تسمح بتطوير الاستخدام السلمي للطاقة النووية ، والبحث عن كل ما من شانه توفير الضمانات والتحقق من ان استخدام الطاقة النووية لا يبتعد عن الاستخدام السلمي .
وبقصد منع التحول من حق الاستخدام السلمي للطاقة النووية الى الاستخدام العسكري ، اتفقت الارادة الدولية على اصدار معاهدة (الحد الجزئي من الاختبارات النووية) في عام 1963 ، وقامت الأمم المتحدة بالإشراف على هذه المعاهدة ، الا انها لم تكن تحمل ضمانات كافية لمنع الانتشار ، وصدرت وثيقة جديدة حملت اسم (معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية NPT ) فتح باب التوقيع عليها في تموز / يوليو 1968 ، ووقعت عليها 189 دولة ، وبقيت خارجها كل من الهند وباكستان واسرائيل ، وخرجت منها كوريا الشمالية عام 2003 ([ii]).
والالتزامات التي وافقت عليها الدول في تلك الاتفاقية تحمل مضامين متعددة ، وهي: عدم نقل التكنولوجيا النووية المستخدمة لاغراض عسكرية إلى دول أخرى ، وعدم تطوير الدول المالكة لترسانتهم من الأسلحة النووية ، وعدم استعمال السلاح النووي من قبل الدول المالكة إلا إذا تعرضت إلى هجوم بواسطة الأسلحة النووية من قبل دولة أخرى ، واتفقت الدول الموقعة على تقليل نسبة ترسانتها من الأسلحة النووية ، كما اتفقت على تكريس تعاونها وقدراتها النووية لأغراض سلمية . الا انه مع نهاية الالفية ارتفع عدد الدول المالكة للسلاح النووي ، وارتفع عدد الدول التي وصلت الى مرحلة العتبة أي القدرة على صنع السلاح النووي ([iii]).
وبقصد الحد من أي عملية انتشار ، فتح باب التوقيع على اتفاقية جديدة سميت بمعاهدة ( الحد الكلي من إجراء الاختبارات النووية Comprehensive Test Ban Treaty) والمعروفة اختصارا CTBT ، والتي فتح باب التوقيع عليها في ايلول/ سبتمبر 1996 ، لكنها لم تدخل حيز التنفيذ بعد ([iv]) ، لتلافي القصور الذي حدث في تتبع برنامج العراق النووي السابق على عام 1990 ، واتجاه كوريا الشمالية الى امتلاك السلاح النووي ، وغيرها ([v]).
وفيما يتعلق بقدرات إيران النووية ، فان إيران بدأت ببرنامجها النووي عام 1957 عندما قام الشاه بوضع الأساس لبرنامج نووي يوم 5 اذار/ مارس عام 1957 ، عندما تم الإعلان عن : (إتفاق للتعاون في مجال البحوث ومجال الإستخدامات السلمية للطاقة الذرية) ، تحت رعاية برنامج عدته الولايات المتحدة في عهد الرئيس أيزنهاور ، ومضمونه : (الذرة من أجل السلام).
وفي عام 1967 ، تأسس مركز طهران للبحوث النووية وتديره منظمة الطاقة الذرية الإيرانية ، وجهز المركز بمفاعل أبحاث نووية بقدرة 5 ميغاواط ، قدمته الولايات المتحدة ، كما منحت الولايات المتحدة المركز يورانيوم عالي التخصيب ، ثم وقعت إيران معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية عام 1968 ، وصادقت على المعاهدة عام 1970 ، وعمل الشاه على دعم عملية تطوير البرنامج النووي بالتعاون مع عدة دول ومنها فرنسا والمانيا وجنوب افريقيا والارجنتين ([vi])
وبعد تغيير النظام السياسي عام 1979 ، اخذت اغلب الدول بوقف تعاونها النووي مع إيران ، مما اضطرها الى تجميده حتى عام 1989 ، لتتجه بعدها الى البدأ بمشروع تطوير القدرات النووية بالتعاون مع الصين وباكستان وروسيا والارجنتين ، وعملت إيران على عدة اتجاهات : تطوير قدرات وخبرات محلية ، والعمل على امتلاك خبرة في مجال استخدام وانتاج تكنولوجيا المفاعلات النووية وتكنولوجيا دورة الوقود ، وشراء الوقود النووي ، وتوسيع دائرة التعاون مع دول مختلفة ([vii])
واستمر تطوير إيران لقدراتها النووية تحت العنوانات التالية : الرغبة بتوسيع المعرفة والاستخدام السلمي للطاقة النووية ، توسيع بدائل الطاقة التي تمتلكها إيران طالما ان النفط هو مصدر طاقة ناضب . ولم تظهر الوكالة الدولية طيلة المدة السابقة على عام 2002 اي شك بشان برنامج إيران النووي ، عندما اعلن في اب / اغسطس 2002 ، علي رضا جعفر زاده ، المتحدث باسم الجماعة الإيرانية التي تتبع المجلس الوطني للمقاومة في إيران ، عن وجود موقعين نوويين قيد الإنشاء ، وهما : منشأة تخصيب اليورانيوم في نطنز (جزء منها تحت الأرض) ، ومرفق المياه الثقيلة في أراك ، وان كل منهما لم يتم اعلام الوكالة الدولية به ، وهو ما عنى اخلال إيران بنظام الضمانات مع الوكالة ، وهو ما تسبب بازمة بين إيران والوكالة ولم تسمح إيران لمفتشي الوكالة بدخول الموقعين ، عندها قرر مجلس محافظي الوكالة أن المرافق يجب الإبلاغ عنها خلال مرحلة التخطيط ، وحتى قبل بدء البناء ، وهو ما وافقت عليه إيران في شباط/ فبراير 2003 . واخذت الازمة تتصاعد ، وتشكلت المبادرة الاوروبية الثلاثية (المانيا وبريطانيا وفرنسا) لايجاد حلول للازمة النووية الإيرانية خارج نظام الوكالة الدولية ، وتم التوصل الى اتفاق في تشرين الاول/ اكتوبر 2003 ، حيث وافقت إيران على التعاون مع الوكالة ، لتوقيع وتنفيذ البروتوكول الإضافي لضمانات الوكالة الدولية باعتباره التزاما طواعيا ، وكاجراء لبناء الثقة ، والموافقة على تعليق أنشطة التخصيب وإعادة المعالجة أثناء المفاوضات ، على ان تلتزم الدول الثلاث على الاعتراف بحقوق إيران في تطوير قدراتها النووية وتسهيل وصولها إلى تكنولوجيا حديثة. الا ان الوكالة الدولية وصلت في تقريرها نهاية عام ٢٠٠٤ الى نتيجة مضمونها : فشل إيران في عدد من الحالات ، وعلى مدى فترة طويلة من الوقت ، لتلبية التزاماتها بموجب اتفاق الضمانات ، وذلك فيما يتعلق بالإبلاغ عن المواد النووية ومعالجتها واستخدامها ، فضلا عن الإعلان عن المرافق التي تم تجهيزها وتخزين المواد بها ، وهو ما فتح مجال لظهور ازمة بشان البرنامج النووي ، اتجهت الى التفاقم في اب / اغسطس ٢٠٠٥ عندما فضت إيران أختام على معداتها لتخصيب اليورانيوم في أصفهان ، واتجهت الى التوسع باعمال التخصيب ، واكتشف بقايا تلوث اشعاعي ذو محتوى عسكري على معدات مختلفة في داخل إيران ، وتم التصويت من قبل مجلس محافظي الوكالة الدولية في شباط/ فبراير 2006 على احالة ملف برنامج إيران النووي من الوكالة الى مجلس الامن ، وكانت نقاط الاختلاف بين القوى الغربية والوكالة الدولية من جانب وإيران من جانب اخر هي : الالتزامات الطوعية لنظام ضمانات الوكالة الدولية ، ومدى التخصيب الذي تتجه اليه إيران ، فضلا عن عدم تصريح إيران بانشاء بعض المنشآت النووية ([viii])
واعلنت إيران على لسان رئيس جمهوريتها محمود احمدي نجاد في نيسان/ابريل 2006 نجاحها بتخصيب اليورانيوم عند مستوى 3.5% باستخدام 100 جهاز للطرد المركزي ، ورفض مناقشة وقف التخصيب في أي محادثات جدية بينها وبين القوى البرى والوكالة الدولية . وهو ما دفع مجلس الامن الى اصدار قراره الاممي رقم 1696 في تموز/ يوليو 2006 ، طالب فيه بتعليق إيران لجميع الأنشطة ذات الصلة بالتخصيب وإعادة المعالجة ، وبعد رفض إيران القرار اصدر المجلس القرار الاممي رقم 1737 في كانون الاول / ديسمبر عام 2006 ، فرض فيه سلسلة من العقوبات على إيران لعدم امتثالها لقرار مجلس الأمن 1696 ، وطالب بتعليق إيران الانشطة المتعلقة بتخصيب اليورانيوم بدون تأخير ، ومنع نقل التكنولوجيات النووية والصاروخية ، وهو ما دفع إيران الى البدأ بمفاوضات تسمح بها باجراء عمليات التفتيش بموجب اتفاق الضمانات ولكنها اعلنت انها لن تعلق أنشطتها المتعلقة بتخصيب اليورانيوم. وهو ما سمح بظهور ثلاثة اتجاهات :
الاول تزايد العقوبات المفروضة على إيران من قبل مجلس الامن ، بصدور القرارات 1747 في اذار /مارس 2007 ، والقرار 1803 في اذار/ مارس 2008 ، والقرار 1835 في ايلول/ سبتمبر 2008 ، والقرار 1929 في حزيران/ يونيو 2010 ، والقرار 1984 في حزيران/ يونيو 2011
والثاني باستمرار إيران باعمال التخصيب حتى وصلت الى مستوى 20% ، ورفع مخزونها من اليورانيوم عال التخصيب . وهذه النقطة اخفت خلفها تساؤلات عدة ، دفعت البعض للقول ان امتلاك برنامج نووي سلمي لا تتطلب رفع معدلات التخصيب ، كما ان كلفة البرنامج النووي الإيراني اعلى من ايراداته على المدى المتوسط قياسا بتطوير مصادر الطاقة الاخرى .
والثالث باستمرار المفاوضات المتعددة الاطراف مع إيران التي وصلت الى مرحلة متقدمة في اجتماعات مسقط نهاية عام 2014 ومستهل عام 2015 ، وانتهت الى توقيع الاتفاق النووي في صيف 2015 ([ix])
ثانيا-الاتفاق النووي : المضمون-النتائج-التاثيرات
في تشرين الثاني / نوفمبر 2013 انطلقت في جنيف مفاوضات بين القوى الكبرى الستة وإيران للتوصل الى اتفاق بشان برنامج إيران النووي ، مدفوعا بمخاوف غربية وإقليمية من مسعى إيران لتطوير برنامجها النووي ، ورغبة إيرانية (روسية-صينية) لانهاء العقوبات المفروضة على إيران بسبب ذلك البرنامج .
واخذت المفاوضات تسير بسرعة بعد سلسلة من اللقاءات جرت في مسقط في شهري تشرين الاول-تشرين الثاني / اكتوبر-نوفمبر 2014 ، اسهمت بحلحلة اغلب نقاط الاختلاف بشان ذلك البرنامج ([x])
واذا ما اتينا الى مضمون الاتفاق ، سنجد انه يتضمن الاتي:
-تخفيض عدد أجهزة الطرد المركزي لدى إيران بمقدار الثلثين ، من 19 ألف جهاز معلن عنه (منها 10200 جهاز قيد الاستخدام عند توقيع الاتفاق) إلى 6104 ، على ان تستخدم 5060 منها فقط لإنتاج اليورانيوم المخصب بنسبة 3.67% ، خلال فترة 15 سنة
-تتولى الوكالة الدولية للطاقة الذرية مراقبة جميع المواقع النووية الإيرانية:
- موافقة إيران على دخول مفتشي الوكالة بشكل محدود إلى مواقع غير نووية خاصة العسكرية منها ، في حال وجود شكوك في إطار البروتوكول الإضافي لمعاهدة حظر الانتشار
- رفع العقوبات الدولية المفروضة على إيران بالتدرج
- يعاد فرض هذه العقوبات في حال عدم تطبيق الاتفاق خلال 65 يوما ([xi])
أي ان الاتفاق منح لإيران امتيازات ، فهو وافق على منحها حق التخصيب ضمن مستويات دنيا ، ولمدة محددة ، كما وافق على رفع العقوبات عنها ، وهو بهذا حقق لها النتائج التي طلبتها في بداية محادثاتها ومفاوضاتها مع القوى الكبرى : امتلاك القدرة التخصيب ، وتتبع مضمون نتائج الاتفاق سنجد الاتي :
فيما يتعلق بإيجابيات الاتفاق وسلبياته بالنسبة لإيران ، نلاحظ ان إيران حققت المحافظة على البنية التحتية لبرنامجها النووي والاستمرار في انشطة تخصيب اليورانيوم رغم انه ضمن ضوابط وشروط مراقبة يتم النظر في الغائها بعد 10 سنوات ، كما ان رفع العقوبات عن النظام السياسي الإيراني سيسمح بالحصول على عائدات اضافية . وتكاد سلبيات ذلك الاتفاق تتعلق بوضع قيود على حرية إيران في رفع سقف التخصيب ، بالاضافة الى نقل اليورانيوم المخصب الى روسيا لمعالجته ، كما يحظر على إيران إنشاء مواقع تخصيب جديدة لمدة 15 عاما .
اما ايجابيات الاتفاق وسلبياته بالنسبة للولايات المتحدة ، فان الولايات المتحدة اعلنت انها حقت انجاز مهم ، عبر التفاوض من أجل حل احد اهم منازعاتها الدولية ، إلا إدارة الرئيس اوباما تنازلت عن شرطها الأساسي في انهاء وتفكيك منشأت إيران النووية .
ولم يكن الاتفاق النووي موضع اتفاق جميع الدول عليه ، فبرزت الدول الخليجية واسرائيل كمعارضين او متحفظين عليه له ضمنا او صراحة ، في حين قبلته الدول الستة وتركيا وغيرها . وموقف الرافضين والمتحفظين متعلق برؤيتهم للسياسة الإيرانية ، وانه تكمن المشكلة فيها وليس بالبرنامج النووي ، وان الاتفاق عالج جانب فني وترك المسالة السياسية الاهم ، في حين ان الدول التي قبلته ترى انه لا يوجد في ميثاق الوكالة الدولية والاتفاقات الدولية ما يمنع إيران ان تطور قدراتها النووية السلمية ، وان القيود هي على تطوير برامج نووية عسكرية ، وان الاتفاق يسمح بتوسيع العلاقات مع إيران .
وبالفعل وجدت إيران نفسها بعد الاتفاق في اطار مرونة كبيرة لتطوير قدراتها ، وتوسيع علاقاتها ، الا ان ما اثر عليها هو مسعاها في تطوير القدرات العسكرية خاصة الصواريخ البالستية ، والعمل على رفع سقف تدخلها بالشان العربي ، وهو ما تسبب بحصول توترات إقليمية اثرت على القرار الأمريكي ، ودفعت ادارة الرئيس ترامب في ايار / مايو 2018 الى الاعلان عن انسحابها من التزامات الاتفاق النووي ، والعمل على فرض عقوبات متدرجة على إيران ([xii])
وبالفعل فرضت العقوبات الأمريكية على إيران ، واخذت شركات عديدة بالانسحاب من إيران او وقف تعاملاتها معها ، وتصاعد الموقف بين الدولتين وفي اطار البيئة الإقليمية ، واصبحت الدول الاخرى الموقعة على الاتفاق في مأزق واقعي ، فالاتفاق من الناحية القانونية مستمر ، ومن الناحية العملية مجمد .
ثالثا-سيناريوهات إيران بعد اعلان الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي.
ان اعلان انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي ، وفرض عقوبات على إيران لعدة اسباب منها / تطوير برنامجها الصاروخي ، وتدخلها في دول عربية عدة ، واعلان الولايات المتحدة ان الاتفاق كان خطأ ، تسبب بان تجد إيران نفسها امام بيئة جديدة .
ويمكننا تطبيق تفكير مبني علي السيناريوهات والنظر في الآثار المترتبة انطلاقا من الافتراضات الأساسية المختلفة لما يمكن ان تجد إيران نفسها فيه بعد القرار الأمريكي . ويمكننا تطوير المتغيرات التي تظهر في أربعة سيناريوهات رئيسية ، و متابعة مسارات التأثير المباشرة وغير المباشرة باستخدام أداة تعرف باسم دولاب المستقبل.
والسيناريوهات الأربعة المتوقعة امام إيران هي:
- إلغاء الاتفاق النووي الإيراني: فبعد خروج الولايات المتحدة سيتجه الشركاء الآخرين في الاتفاق ، بما في ذلك إيران نفسها ، الى اعلان خروجهم ، وبالتالي فإن الاتفاقية ستنهار بالكامل.
- يظل الاتحاد الأوروبي في الصفقة : في هذا المستقبل ، سيظل الاتحاد الأوروبي ملتزماً بالصفقة ويركز على تعزيز مصلحته الخاصة على الرغم من خروج الولايات المتحدة.
- نموذج كوريا الشمالية المتكررة: يحدث هذا المستقبل فقط إذا قبلت إيران كل المطالب الأمريكية وبدأت إعادة التفاوض على صفقة جديدة. ويمكن أن يكون هذا مماثلاً للوضع فيما يتعلق بنزع السلاح النووي في كوريا الشمالية بالفرق الرئيسي الذي يرتبط به نزع سلاح إيران في الغالب بقدراتها الصاروخية ، اذ لم تختبر إيران سلاحًا نوويًا مطلقًا.
- التحالف بين الصين وروسيا وإيران: تسعى الصين إلى تعزيز اهتمامها العالمي في كل فراغ إقليمي ينشأ بسبب سياسة إدارة ترامب الخارجية أحادية الجانب. ولن تكون إيران استثناءً لهذه الاستراتيجية الكبرى ، خاصة إذا دعمها تدخل روسيا أيضًا.
ويمكننا تطبيق أداة دولاب المستقبل وتصور الصورة الكبيرة والعواقب بعيدة المدى لكل افتراض ، وهو ما يمكن بيانه كالاتي :
1-الصفقة النووية مع إيران ستنهار بالكامل:
عندما يعلن شريك في صفقة انسحابه ، فإن هناك تداعيات ستظهر على الاتفاق النووي وعلى إيران ، اذ يتوقع في اطار هذا الاحتمال ان ينسحب شريك اخر من الاتفاق ، وعندها ستكون هناك عواقب مباشرة هي أعلى مستوى من العقوبات الأمريكية ضد إيران ، ولا سيما ضد الحرس الثوري الإسلامي .
ويتوقع في اطار هذا الاحتمال ان ينخفض الاستثمار الأجنبي في الاقتصاد الإيراني ، وستحدث صدمة أخرى لخفض قيمة العملة ، وسوف يتدهور الميزان التجاري ، وسيزداد سعر النفط عالميا لان هكذا عقوبات ستتسبب بتوقف لشحنات النفط الإيرانية وستسبب توترات إقليمية.
ويمكن أن يكون لكل من هذه التطورات المحتملة طبقة أخرى من النتائج . في هذا السيناريو ، سوف تتفاقم أزمة العملة في إيران. ويذكر انه خلال أوائل نيسان/أبريل 2018 ، كانت هناك صدمة عملة في إيران اذ ارتفع سعر الدولار الأمريكي ، وأغلق البنك المركزي الإيراني جميع متاجر صرف العملات للسيطرة على الطلب في السوق ، وإذا ما ألغي الاتفاق النووي من قبل جميع الشركاء ، سيكون لها تأثير كبير على الرأي العام الإيراني وتزيد من عدم اليقين حول المستقبل السياسي والاقتصادي للبلاد. نتيجة لذلك ، سوف تحدث المزيد من الصدمات المفاجئة لسعر صرف العملة المحلية مقارنة بالعملات الصعبة بما في ذلك الدولار الأمريكي.
إن الضغط على احتياطيات الدولار الأمريكي في البنك المركزي الإيراني بسبب الطلب غير العادي على العملة الصعبة لن يسهم إلا في المزيد من خفض قيمة العملة المحلية . أيضا ، فإن تقلبات سوق العملات تزيد من التضخم المتوقع الذي يحقق معدلات تضخم حقيقية أعلى. من ناحية أخرى ، سوف تتضرر منه صناعة التجميع والإنتاج بسبب الضغط على استيراد السلع الرأسمالية. ونتيجة لذلك ، سيقدم العديد من الإيرانيين افرادا وشركات لضائقة مالية ، وربما ستقدم بعض الشركات طلبًا للإفلاس. سوف ترتفع تكلفة الإنتاج بسبب تضخم سعر الدولار ، وانخفاض السيولة للصناعات ، وارتفاع عدم اليقين والمخاطر. وهذا لن يؤدي إلا إلى رفع سعر السلع إلى مستويات أعلى من ذلك ، ويزداد التضخم. في مثل هذه الظروف ، ستزداد القروض المتأخرة في الصناعة المصرفية.
وستكون النتيجة الرئيسية الأخرى للانهيار التام للصفقة النووية الإيرانية التأثير السلبي على الاستثمار الأجنبي. ويلاحظ انه حتى قبل الانسحاب الأمريكي ، تم تعليق عدد من المشاريع الاستثمارية في قطاع النفط والغاز والطاقة المتجددة. لذلك ، في حالة الانهيار التام للصفقة النووية ، سينخفض مستوى الاستثمار الأجنبي بسبب المخاطر السياسية والاقتصادية لممارسة الأعمال التجارية في إيران ، وعلى وجه الخصوص تقلبات سوق صرف العملات. وهذا بدوره سيؤدي إلى خفض معدل نمو الاقتصاد ، ويزيد من تفاقم الركود المزمن الحالي الذي تعانيه إيران ، وسيؤدي إلى موجة جديدة من البطالة. كما سيضع المزيد من الضغوط على البنوك التجارية بسبب المزيد من القروض المتأخرة.
من ناحية أخرى ، وبسبب ارتفاع أسعار النفط ، إذا تمكنت إيران من بيع نفطها او جزء منه ، فإن العائدات الحكومية ستزداد. ولكن بسبب تركز جميع العقوبات ضد البنك المركزي وصادرات النفط ، فمن غير المحتمل أن تستفيد البلاد من ارتفاع أسعار النفط الخام عندما ترتفع التوترات المصاحبة لخروج الشركاء من الاتفاق النووي .
والخيارات المتاحة امام الحكومة الإيرانية في ظل انهيار الاتفاق سيكون على الإدارة الرئيس الإيراني حسن الروحاني الاقتراض من البنك المركزي الإيراني ، وزيادة الضرائب أو توسيع القاعدة الضريبية ، وتخفيض ميزانيتها المخصصة لكل من مشاريع التنمية المدنية ورواتب موظفيها من أجل تعويض الانخفاض في عائدات النفط الحكومية.
علاوة على ذلك ، وبسبب انخفاض سعر البنزين المدعوم بشكل كبير للمستهلكين داخل البلاد ، سيكون هناك هامش مربح لتهريب الوقود في المناطق الحدودية. هذا قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار الطاقة داخل البلاد أيضا ، في اطار منطق اقتصادي يبحث عن الربح سواء من قب افراد او مجموعات منظمة منتفعة من الازمات . وتساهم هذه الديناميكية في مزيد من النشاط في الاقتصاد غير الرسمي.
إن فرض عقوبات مكثفة ضد قوات الحرس الثوري الإيراني من قبل القوى العالمية بالتنسيق مع الولايات المتحدة للحد من نفوذها السياسي والاقتصادي خارج إيران ، على سبيل المثال في سوريا ولبنان والعراق واليمن ، سيجعل من الأرجح أنها ستطور نشاطها الاقتصادي مرة أخرى داخل البلاد. مثل هذا التطور سيؤدي على المزيد من الحكم العسكري للاقتصاد ، أي عسكرة الاقتصاد الإيراني. ويؤدي الاقتصاد العسكري إلى مزيد من النمو وخلق فرص العمل في الصناعات الدفاعية ، مما يؤدي بدوره إلى تراجع الأنشطة الاقتصادية في القطاع المدني بسبب نقص الموارد المتاحة. بالإضافة إلى ذلك ، يمكن توقع حدوث تغيير كبير في الإدارة واستبدال كبار المسؤولين والنواب والمديرين الرئيسيين في جميع أنحاء الإدارة الحكومية الإيرانية لتكون الادارات الجديدة متلائمة مع الظروف التي تمر بها إيران .
2-عدم خروج الاتحاد الأوروبي:
ان الاعلان الأمريكي لم تنظم اليه دول اخرى ، ومن ثم فان الاتفاق في محتواه ما زال مستمرا ، وهنا ما يهم هو استمرار المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا ، بالتزامات الاتفاق مع إيران ، ويمكننا توقع بعض العواقب على المدى القصير ستؤثر على قرار الدول الثلاث ، مثل زيادة الاستقرار الإقليمي والأمن في الشرق الأوسط ، وزيادة الضغط من قبل الولايات المتحدة على الاتحاد الأوروبي. وتحسن الميزان التجاري لإيران ، وزيادة وجود البنوك الأوروبية في الاقتصاد الإيراني ، والمزيد من الاستثمارات الأجنبية ، والمزيد من السياح من أوروبا لزيارة البلاد.
وفي حالة التزام من قبل الاقتصادات الأوروبية الرائدة في السوق الإيرانية يمكننا أن نتوقع المزيد من الاستثمارات الأجنبية وتنفيذ العقود المتبادلة والاتفاقات التجارية او اغلبها في اقل تقدير . في هذه الظروف ، سوف يتطور قطاع الطاقة المتجددة في إيران ، وبالإضافة إلى ذلك ، سيحدث نقل التكنولوجيا في قطاع النفط والغاز. هذه المشاريع في الطاقة ستحفز معدل نمو الاقتصاد الإيراني.
النتيجة المهمة الأخرى ستكون المزيد من التعاون بين البنوك الإيرانية والأوروبية خاصة مع وجود توترات بين اوروبا والولايات المتحدة ، ويتعين على النظام المصرفي الإيراني تعزيز بنيته التحتية الرئيسية لتسهيل شراكة. كما يتعين على البنك المركزي الإيراني تحديث اللوائح الداخلية وفرض اعادة تنظيم على البنوك الإيرانية للامتثال للمعايير المالية الدولية. وستوفر عملية التغيير من هذا القبيل قوة دافعة لتحويل نموذج الأعمال للمصارف التجارية الإيرانية من الموارد المستندة إلى الإيرادات القائمة على الرسوم الى نظام مصرفي وبنكي متكامل. سيكون التغيير المحتمل الرئيسي هو أنه بسبب الاندماج في الشبكة المصرفية الأوروبية وزيادة الاستثمار الأجنبي ، يمكن للحكومة الإيرانية أن تحل محل الدولار الأمريكي باليورو بنجاح في جميع التجارة الدولية والمشاريع والعقود. وعلاوة على ذلك ، فإن المزيد من السياح الأوروبيين ، في ضوء انخفاض قيمة العملة المحلية في الآونة الأخيرة ، سيرغبون زيارة البلاد والبقاء لعدة أسابيع ، ونتيجة لذلك ، سينمو التوظيف في صناعة السياحة.
لكن الولايات المتحدة لن توقف المزيد من التدخل في الشان الإيراني وفي علاقات إيران الإقليمية والدولية . وحددت إدارة الرئيس ترامب بالفعل مهلة مدتها ستة أشهر لكي تنسحب الشركات الأوروبية من سوق النفط الإيراني. والإجراءات الرئيسية لإجبار دول الاتحاد الأوروبي على الخروج من إيران ستكون بفرض اعلى غرامات ممكنة ضد البنوك الأوروبية بسبب التعاون مع البنوك الإيرانية ، بالإضافة إلى زيادة التعريفات الجمركية على المصدرين الأوروبيين للسوق الأمريكية في حرب تجارية بدأت بالفعل بوقت تزامن مع اتجاه الولايات المتحدة الى تنفيذ عقوباتها ضد إيران صيف عام 2018 .
وفي ظل هذه الظروف ، سوف توطد تحالفات الولايات المتحدة مع عدة قوى في المنطقة ، مع: إسرائيل والسعودية ، مما يتوقع ان يؤدي إلى مزيد من التوترات الإقليمية وحرب جديدة محتملة في المنطقة بدلاً من الحروب الحالية بالوكالة ، في ظل اتجاه إيران الى رفع سقف تدخلها في عدة دول عربية .
إن الهدف الرئيسي للاتحاد الأوروبي من البقاء في الاتفاق النووي الإيراني هو بالطبع البحث عن تعزيز الاستقرار والأمن الإقليمي. وكلما زادت التوترات السياسية والعسكرية من ناحية ، سيتاثر الاتحاد الاوروبي ومصالحه في المنطقة عامة وبضمنها في إيران ، ومن ثم سيتعرض الاتحاد الى المزيد من النفقات التي يتعين دفعها لإنقاذ الصفقة ، والابقاء على سقف منخفض من التوتر مع الولايات المتحدة .
3-تكرار لحالة كوريا الشمالية:
ان الهدف الواضح للانسحاب الأمريكي من الصفقة هو استراتيجية إجبار إيران على نزع قدراتها الاستراتيجية ، واعلنت الولايات المتحدة ان هدفها ليس تغيير النظام السياسي في إيران انما تغيير سلوكه ، أي البحث عن خيار يشبه خيار وقضية كوريا الشمالية في مجال التجريد من السلاح.
وأعلنت الإدارة الأمريكية أنها لا تقبل سوى صفقة توافق فيه إيران على كل الشروط الأمريكية التي هي : التوقف الدائم للبرنامج النووي ، وتعليق برنامج الصواريخ ، وعلى وجه الخصوص خفض نفوذ إيران الإقليمي في البلدان العربية .
في هذا السيناريو ، أي اتجاه إيران الى قبول تطبيق الانموذج الكوري الشمالي ، لتسريع صفقة خاصة مع الولايات المتحدة ستكون له نتائج ايجابية على الداخل الإيراني .
ان الوصول الى هكذا مشهد ستساهم نتائجه الى المزيد من التفاعلات مع النظام المالي والمصرفي العالمي في الارتقاء بالبنية التحتية وتحديث البيئة التنظيمية للنظام المالي والمصرفي الإيراني . إن عملية اعتماد المعايير المالية والمصرفية الدولية ستجلب المزيد من الشفافية للنظام المالي للبلاد. وستؤدي زيادة الاستثمارات الأجنبية إلى ترميم مستوى التقنية في جميع القطاعات. وسيؤدي بدوره إلى تحسين إنتاجية الاقتصاد الوطني ويسرّع معدل نموه. وسيؤدي المناخ الإيجابي إلى هجرة عقول عكسية ستستفاد منه إيران ، اذ سوف يعود العديد من النخب الفكرية التي هاجرت إلى البلاد ويساهمون في الابتكار و ثقافة الأعمال.
بالإضافة إلى ذلك ، سيشجع الاندماج في النظام المصرفي العالمي المغترب الإيراني الثري على النظر في تحويل رأس ماله المتراكم إلى وطنه الأم. ودخول المزيد من رأس المال الخاص في الاقتصاد سيحفز نمو القطاع الخاص الحقيقي. فالصراعات الأقل مع العالم الخارجي وخاصة الولايات المتحدة وضمان الوصول إلى موارد العملة الصعبة بسبب العلاقة الفعالة مع النظام المالي الدولي ستؤدي إلى تحسين ميزان التجارة وزيادة مبيعات النفط الخام. وهذا بدوره سيقلل من أزمة العملة ، ويخفض من سقف التضخم المتوقع في الاقتصاد بسبب خروج الولايات المتحدة من الاتفاق وما صاحبه من توترات إقليمية ، وسيكون معدل التضخم أكثر استقرارًا.
ومع ذلك ، فإن مما سيرتبط بهكذا مشهد تقليص القوة العسكرية لإيران ، وهو ما سيعني ميزانية دفاع أقل ونقص العمالة في صناعة الدفاع. ومما يتوقع انه سيفرض على إيران المنزوعة السلاح الاستراتيجي تراجع نفوذها الثابت وقوتها الصلبة في المنطقة أيضًا ، رغم أنها تستطيع الحفاظ على القوة الناعمة إلى حد ما. يتعين على حكومة الإيرانية أن تشرع في إجراء بعض الإصلاحات السياسية الرئيسية ، وبطبيعة الحال لا يمكن تغيير النظام نظرا لاستناده الى عوامل مجتمعية اعتقادية وثقافية ، وهو السيناريو المثالي للولايات المتحدة لانها تريد دولة (حليف) قوية ومتماسكة من الداخل. وستؤدي الإصلاحات في السياسة الداخلية والخارجية أيضا إلى إصلاحات هيكلية ومؤسسية رئيسية في الاقتصاد. إن المزيد من الإصلاحات الاقتصادية والانتقال المحتمل إلى نموذج السوق الحرة سيعزز ويوطد أسس القطاع غير الحكومي .
4-وجود الصين وروسيا الفاعل في دعم إيران:
في هذا السيناريو ، نفترض أن الاتحاد الأوروبي يستسلم للارادة التي اعلنتها الولايات المتحدة. لكن الشريكين الآخرين للاتفاق وهما الصين وروسيا سيفضلان البقاء ملتزمين بمضمون الاتفاق .
ولحماية الاتفاق من اتجاه الولايات المتحدة الى استخدام الخيار العسكري ، سيفرض على روسيا والصين توفير الدرع العسكري ضد التحالف المتنامي للولايات المتحدة مع كل من وإسرائيل والسعودية ، كما يتوقع ان تؤدي الدولتان دورًا أكبر بكثير في اقتصاد النفط والغاز في إيران. وتبقى احتمالات اندلاع حرب جديدة في المنطقة خيار قائم رغم صعوبته .
وفي الاقتصاد ، قد تشهد إيران أيضًا تسونامي من سلع صينية منخفضة الجودة ورخيصة من شأنها أن تشل الاقتصاد الوطني الإيراني المتدهور أصلاً. وسيعاني الإنتاج الداخلي وبيع المنتجات الإيرانية بشكل كبير ويؤدي إلى مستويات قياسية من البطالة في قطاع التصنيع ، مما يؤدي إلى إغلاق العديد من المصانع والورش الصناعية. وحتى لو تم وضع تعريفات أعلى وأكثر صرامة لمنع هذا التسونامي للسلع الصينية ، فإن المشكلة الكبيرة ستكون بالفعل في تهريب البضائع عبر الحدود ، التي سوف تزداد سوءًا.
ومع ذلك ، فإن الاستقرار الإقليمي ، رغم هشاشته ، سيضمن وصول المصدرين الإيرانيين إلى الأسواق في البلدان المجاورة التي تعززها فقط انخفاض قيمة العملة الإيرانية ، وسيبقي أيضا صناعة السياحة في نطاق سوقها الإقليمي وذات الصلة بالدين والممارسات الاعتقادية ، خصوصا من العراق على نحو خاص ، مصدرا متدفقا للعملة الاجنبية.
عندما يغادر الاتحاد الأوروبي سوق إيران بالكامل وينضم إلى الولايات المتحدة في سياسة العقوبات الكاملة ، فمن المرجح مرة أخرى أن يتم توقع التزاوج بين العسكر والاقتصاد كحل فعال لمشاكل إيران الاقتصادية . وسيؤدي الوضع المتفاقم فيما يتعلق بالاحتياطيات من العملات الصعبة إلى إضعاف إدارة الرئيس روحاني ، وسيكون الاتجاه في إيران الى منح اليد العليا للأحزاب المتشددة والمنافسين السياسيين ، وسوف يفسر على أنه فشل كامل في جدول أعمال الرئيس الإيراني بوصفه محسوب على الجناح السياسي المعتدل. كما سيستمر الناس في احتجاجاتهم على مستوى البلاد في الشوارع ، خصوصا وان هناك عدم تقبل ثقافي في الداخل الإيراني لرفع مستوى التفاعل مع الصين وروسيا.
وعلى الرغم أن الانسحاب الاتحاد الأوروبي سيضر بمشروعات النفط والغاز في إيران ، فمن المرجح أنه بسبب مبادرة طريق الحرير الجديد التي اطلقتها الصين ، وجعلت اكبر خطوطها تمر عبر إيران ، فانها ستسهل في إطلاق استثمارات جديدة ومشاريع عمل مدنية جديدة في إيران ، اذ يمكن توقع زيادة في التوظيف في قطاع بناء الطرق الجديدة والموانئ والبنى التحتية ، على الرغم من تزايد البطالة في قطاع الصناعات. كما يمكن توقع تدخل الصين لتمويل المشاريع في إيران من خلال بنك التنمية الآسيوية كطريقة للتكامل الوثيق مع البنوك الإيرانية في القطاع المالي لتكون قادرة على دعم مبادرة طريق الحرير وما يرتبط به من منشآت وبنى تحتية .
الخاتمة:
في ختام هذا البحث بينا ان الولايات المتحدة اتجهت في ربيع عام 2018 الى اعلان انسحابها من الاتفاق النووي الإيراني .
ان الاتفاق النووي الإيراني جاء ليضع تسوية ملائمة لإيران وللقوى الكبرى بشان قدرات إيران النووية ، بعد ان اخذت تلك القدرات تتزايد بعد العام 2002 ، ووصلت الى مستوى متقدم في مجال التخصيب ، وعد الاتفاق تسوية تسمح لإيران بالاستمرار بالتخصيب ضمن مستويات متدنية ، ضمن نظام الرقابة والتحقق الذي تقوم به الوكالة الدولية للطاقة الذرية .
والاعلان الأمريكي بالانسحاب ، ترتب عليه ، اتجاه دول مختلفة اما الى وقف تطوير علاقاتها مع إيران او الى الانسحاب من إيران ، ووقف العلاقة معها ، وهذا ما تسبب بحدوث توتر إقليمي ، الى جانب مشاكل داخلية في إيران اخذت تبرز بحدة .
ان الانسحاب الأمريكي مرتبط بايجاد ضغط على إيران في نقاط محورية : انهاء برنامجها الصاروخي البالستي ، ووقف نفوذها وتدخلها في الدول العربية ، الى جانب رؤية أمريكية ترى ان الاتفاق لا يلبي احتياجات ومصالح الولايات المتحدة .
وتوصل البحث ان امام إيران خيارات محددة للتعامل مع مرحلة ما بعد الانسحاب الأمريكي من الاتفاق ، فهي اما ستشهد خروج دول الاتحاد الاوروبي من الاتفاق وينهار بشكل كامل ، او ستبقى تلك الدول ضامنة لاستمراره ، او ستتجه إيران الى فتح خيار لصفقة جانبية مع الولايات المتحدة ، او ان تتجه إيران الى طلب تدخل روسي-صيني اكبر لحماية إيران من أي احتمال لصراع عسكري مع الولايات المتحدة .
والباحثان ، يذهبان الى ان الخيار الاكثر رجحانا في ضوء المنهجية المتبعة للبحث هو المزاوجة بين الخيار الاول أي انهيار الاتفاق ، وبين الخيار الرابع أي مزيد من التدخل الروسي-الصيني لمنع حدوث صدام عسكري إقليمي ، والاستفادة من مزايا الاقتصاد الإيراني .
[i] – Şebnem Udum, Nuclear Energy And International Relations: Outlook And Challenges For Newcomers, Perceptions, Volume Xxii, Number 2-3, Summer-Autumn 2017, P: 58-59.
[ii] -آمال بن صويلح ، الوكالة الدولية للطاقة الذرية بين تطبيق القانون والتحديات المعاصرة ، اطروحة دكتوراه ، جامعة الاخوة منتوري –قسطنطينة ، الجزائر ، 2017 ، ص104.
[iii] -المصدر نفسه ، ص299.
[iv] -اشترط لدخول الاتفاقية حيز التنفيذ ان توقع عليها 44 دولة حددت بالاسم ، وحتى صيف عام 2018 كان قد وقع على الاتفاقية 183 دولة ، وصادق عليها 159 دولة ، منها توقيع 41 دولة من الدول المحددة بالاسم (باستثناء كوريا الشمالية والهند وباكستان) ، في حين صادقت عليها 36 دولة من الدول المحددة بالاسم (وقع لكنه لم يصادق عليها كل من اسرائيل وإيران والولايات المتحدة ومصر والصين).
معاهدة حظر التجارب النووية وعمليات التفتيش الموقعي ، موقع اللجنة التحضيرية لمنظمة الحظر الشامل للتجارب النووية ، فينا ، بتاريخ 30 اب/ اغسطس 2018 ، على الرابط: https://www.ctbto.org/fileadmin/user_upload/pdf/IFE14_Arabic_ebook.pdf
[v] -تراري رابحة ، الاليات الدولية لنزع السلاح النووي ، رسالة ماجستير ، جامعة د.الطاهر مولاي-سعيدة ، الجزائر ، 2014 ، ص84-85.
[vi] -عدنان هياجنة ، ازمة الملف النووي الإيراني وسيناريوهات الموقف الأمريكي المحتمل ، مجلة دراسات شق اوسطية ، العددان 40 و 41 ، عمان ، 2007 ، ص13.
[vii] – زينب خالد عبد المنعم السيد ، الملف النووى الإيرانى والمستقبل السياسي لمنطقة الشرق الأوسط “2003 – 2016” ، المركز الديمقراطي العربي ، حزيران / يوليو 2017 ، ص11.
[viii] -عبدالله فالح المطيري ، أمن الخليج العربي والتحدي النووي الإيراني ، رسالة ماجستير ، جامعة الشرق الاوسط ، عمان ، 2011 ، ص51-52.
[ix] -تقرير : اهم بنود الاتفاق النووي ، موقع الجزيرة نت ، بتاريخ 14 تموز 2015 ، على الرابط: http://www.aljazeera.net/encyclopedia/events/2015/7/14
[x] – مسؤول أمريكي: الاتفاق مع إيران نتيجة مفاوضات سرية جرت في مسقط ، بتاريخ 26 نوفمبر 2014 ، على الرابط : https://www.dw.com/ar-ae/
[xi] – زينب خالد عبد المنعم السيد ، الملف النووى الإيرانى والمستقبل السياسي لمنطقة الشرق الأوسط “2003 – 2016” ، مصدر سبق ذكره ، ص13.
[xii] -ترامب ينفذ تهديده وينسحب من الاتفاق النووي ، بتاريخ 18 ايار/ مايو 2018 ، على الرابط : https://www.dw.com/ar-ae
رابط المصدر: