- كافاريلا
- ساشا غوش-سيمينوف
- كينيث أر. روزين
ستبقى سوريا ساحة حرب في المستقبل القريب لأن أي جهة لا تتمتع بالقوة الكافية لتحقيق انتصار شامل، ولأن نظام الأسد أفسد العملية الدبلوماسية. وفي هذا الصدد، يناقش خبيران في شؤون سوريا الإجراءات الإنسانية والتجارية والأمنية اللازمة لتحقيق الاستقرار في شمال شرق البلاد ومنع تنظيم «الدولة الإسلامية» ونظام الأسد من بسط نفوذهما الضار هناك.
“في 20 نيسان/أبريل، عقد معهد واشنطن منتدى سياسي افتراضي مع جينيفر كافاريلا وساشا غوش-سيمينوف. وكافاريلا هي زميلة لشؤون الأمن القومي في “معهد دراسة الحرب” وزميلة زائرة في “معهد الأمن القومي” بـ “جامعة جورج ميسون”. وغوش-سيمينوف هو المدير التنفيذي والمؤسس المشارك لـ “People Demand Change Inc.“، وهي شركة ناشئة تركز على مراقبة وتقييم المساعدات الإنسانية وبرامج التنمية في الشرق الأوسط. وفيما يلي ملخص المقرر لملاحظاتهما”.
جينيفر كافاريلا
ستبقى سوريا ساحة حرب في المستقبل القريب لأن أي جهة لا تتمتع بالقوة الكافية لتحقيق انتصار شامل، ولأن نظام الأسد أفسد العملية الدبلوماسية. ونتيجةً لذلك، ليست هناك طريقة مباشرة لحل النزاع، مما يترك المنطقة في حالة عدم يقين كبيرة بشأن مستقبلها الاقتصادي.
وبالنسبة لواشنطن، فإن اختيار الشركاء الذين عليها التعاون معهم هو مسألة أساسية. وقد اقترح البعض نقل مسؤوليات معينة إلى روسيا، لكن القيام بذلك سيكون خطأ. فموسكو موجودة في سوريا لممارسة نفوذها على حلف “الناتو”. وبالإضافة إلى إعاقة الاستقرار، ساعد وجودها إلى استيلاء نظام الأسد على المساعدات المتجهة نحو شمال شرق البلاد.
وحقق ما يقرب من 900 عسكري أمريكي في سوريا إنجازات رائعة في الأراضي التي يعملون فيها، من بينها الضغط المستمر على فلول تنظيم «الدولة الإسلامية» في الشرق. في المقابل، شهدت المناطق الخاضعة للروس عودة ظهور «داعش» بشكل أسوأ بكثير. ومع ذلك، فإن حملة الاغتيالات المنخفضة المستوى التي يقودها التنظيم تتسبب بتوترات اجتماعية وتدهور الحوكمة في الأراضي الخاضعة لسيطرة «قوات سوريا الديمقراطية» التي يقودها الأكراد، وربما يجعل من الصعب الدفاع عن المركز العسكري الأمريكي على المدى الطويل.
ولدى «قوات سوريا الديمقراطية» مهمة مستحيلة في ظل الظروف الراهنة. وحيث أن مسؤولياتها هائلة وتواجه ضغوطاً شديدة، فلن تتمكّن من مواصلة ما تفعله في حال انسحاب الولايات المتحدة. وعلى الرغم من كونها بقيادة كردية، إلا أن تحالفها يشهد مرونة أمام الانقسامات العرقية. وهي تميل إلى إعطاء الأولوية للمساعدة في المناطق الكردية في شمال البلاد، لكن عملها الإجمالي لتلبية الاحتياجات المحلية كان لافتاً. ولديها التزام حقيقي تجاه المجتمعات العربية في محافظة دير الزور، وتحالفها قادر على الصمود على المدى الطويل، على الأقل من بعض النواحي. ومع ذلك، فإن الدعم الأمريكي والدولي أمر بالغ الأهمية، وإلا فلن تستطيع «قوات سوريا الديمقراطية» إحراز تقدم كبير. وبشكل خاص، يجب توافر المزيد من الوجود المدني الأمريكي وليس فقط العسكري.
لقد أرادت إدارة ترامب الانسحاب فوراً من شمال شرق سوريا، لكنّ تداعيات ذلك كان يُتوقع أن تكون خطيرة. فإذا استولى تنظيم «الدولة الإسلامية» على أراض مجدداً، فسيصبح الوضع أكثر تأزماً من المرة السابقة. كان يتعيّن على الولايات المتحدة أن تستقي العِبر من الانسحاب مبكراً جداً نظراً لما حدث في أعقاب خروجها من العراق عام 2011، ولكن يبدو أنّها تكرر هذا الخطأ في أفغانستان وربما مجدداً في سوريا.
وفيما يتعلق بالمساعدات، على المسؤولين الأمريكيين الكفاح من أجل الحفاظ على الآلية الدولية العابرة للحدود. لكن إذا عجزوا عن ذلك، فعليهم التعاون مع تركيا لمواصلة تقديم المساعدات إلى شمال شرق سوريا. ومن المهم منع تضييق الخناق على إدلب، لكن من الضروري توسيع المساعدات العابرة للحدود فيما يتخطى تلك المنطقة.
ومن جهتها، لا يزال أمام تركيا العديد من القضايا العالقة مع «قوات سوريا الديمقراطية» – فانسحاب العناصر الأجانب التابعين لـ «حزب العمال الكردستاني» هو نقطة شائكة أساسية بالنسبة لأنقرة. وقد طالب المسؤولون الأتراك بالعديد من التنازلات، وعلى واشنطن أن تجد حلاً وسطاً. ومع ذلك، يتسم الأتراك بالمرونة [في هذا الموضوع]، وقد نجحت الولايات المتحدة عدة مرات في ممارسة نفوذها لحثهم على تغيير سلوكهم – على سبيل المثال، أدّى التهديد بفرض عقوبات إلى قيام أنقرة بإلغاء هجوم [كانت تزمع شنّه] في عام 2019.
إن مسألة النازحين داخلياً هي أيضاً ملحة بشكل متزايد، سواء من وجهة نظر إنسانية أو من منطلق مجابهة تنظيم «الدولة الإسلامية». وتُعد عودة النازحين داخلياً إلى وادي نهر الفرات مشكلة بالنظر إلى الظروف السيئة والآفاق الاقتصادية المتردية في تلك المنطقة. وهم يُرغمون بالتالي في العودة إلى مجتمعاتهم قبل أن يصبحوا مستعدين لذلك.
ساشا غوش-سيمينوف
يتباين الوضع الاقتصادي في أراضي «قوات سوريا الديمقراطية». فقد تم تحرير بعض المناطق قبل غيرها بفترة طويلة، مما أدى إلى انتعاش متدرج. بالإضافة إلى ذلك، تسببت الحرب بتراجع كبير في الروابط التقليدية بين المراكز الاقتصادية المحلية. فالتجارة عبر النهر كانت مزدهرة في دير الزور، لكنها الآن في حدها الأدنى. وبدلاً من ذلك، تم إعادة توجيه هذا النشاط نحو «إقليم كردستان العراق»، مما أرغم «قوات سوريا الديمقراطية» على التعامل مع آليات اقتصادية جديدة وسط معالجة المشاكل الأمنية في الوقت نفسه.
على سبيل المثال، تميل الطرق المتاحة للتجارة إلى المرور عبر مناطق ريفية ذات كثافة سكانية منخفضة، حيث يمكن لتنظيم «الدولة الإسلامية» وقوات نظام الأسد استغلال المسافرين. وغالباً ما يؤدي هذا التدخل إلى إعاقة تقديم الخدمات، مما يؤدي بدوره إلى حالة استياء. فضلاً عن ذلك، وبينما تركّز الولايات المتحدة على دير الزور، يركّز القطاع الإنساني على محافظة الحسكة، الأمر الذي يسلّط الضوء على الفجوات وغياب التنسيق بين الجهات المانحة الدولية.
وشهدت “الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا” تغييرات هيكلية جذرية، حيث انتقلت من الكانتونات لتصبح تنظيماً على غرار المحافظات. ودأبت السلطات على دمج الأراضي بشكل انتقائي، مستندةً في قراراتها إلى ظروف مختلفة. وقد نشأ نسيج ترابطي مهم بين الرقة وكوباني والحسكة، لكن حلول الوسط السياسية أدت إلى مزيد من الاستقلال الذاتي لدير الزور.
بعبارة أخرى، إن الإجراءات البيروقراطية معقدة، وإنجاز العمل يتطلب التحدث مع فئات مختلفة من الناس. لكن كل محافظة تملك شيئاً يريده الآخرون، لذلك لا يمكن لأي منها العمل بمفردها. فالحسكة تملك القمح، لكنها تفتقر إلى المياه لأن نهر الخابور جاف أو غير صالح للاستعمال. أما دير الزور، فتوجد فيها المياه والنفط، لذا كانت الحسكة تضخ منها مياه الري. وبالنسبة للرقة، فهي مركز تجاري رئيسي.
ومن جانب الأمم المتحدة، برز الكثير من الشركاء لمواجهة الأزمة الإنسانية الحادة، لكن جائحة فيروس كورونا لا تزال تسبب مشاكل كبيرة. فخلال الآونة الأخيرة، فُرِض الإغلاق التام عدة مرات لأن المجتمعات تفتقر إلى البنية التحتية الضرورية لتوفير الرعاية الصحية لمواجهة الوباء بأي طريقة أخرى.
وبالتالي، تُعتبر التجارة عبر الحدود شريان الحياة الرئيسي. فـ «إقليم كردستان العراق» تجمعه روابط اجتماعية وثقافية وسياسية واقتصادية مهمة مع شمال شرق سوريا – وستبقى المنطقتان مترابطتين دائماً في السراء والضراء. وتُعد المساعدات العابرة للحدود مهمة، ولكن الوضع شبه المستقل الذي يتمتع به «إقليم كردستان» لا يوفر الظروف الأفضل لمثل هذه المساعدة من وجهة نظر قانونية. وإذا أرادت الحكومة الاتحادية العراقية الانخراط في ذلك، سيتعيّن عليها إعادة فتح معبر اليعربية.
ومن أجل تحقيق الاستقرار وإعادة الإعمار على نطاق أوسع، من الضروري توفير الحماية للقوات الأمريكية. لذلك تتمتع واشنطن بميزة التحكم بتوقيت هذه العملية. على سبيل المثال، إذا التزمت بإبقاء قواتها العسكرية في المنطقة لمدة خمس سنوات، فحينئذٍ ستضطر كافة الجهات الفاعلة إلى العمل ضمن هذه الحسابات – وقد تلتزم بعضها باستثمارات ملموسة رداً على ذلك. وبالمثل، يمكن للوكالات الأمريكية الالتزام داخلياً بأنواع محددة من البرامج تمتد على مدى خمس سنوات.
ورغم أن شمال شرق سوريا يختزن ما يكفي من الموارد الطبيعية لتأمين حاجاته، إلا أنه سيحتاج في مرحلة ما إلى قاعدة ضريبية، لن يتمكن من توفيرها من دون كسب التأييد المحلي. وهذا هو الطريق الذي يجب أن تسلكه السلطات، والذي يشمل زيادة الرسوم الملموسة للاستيراد/التصدير. كما يجب توسيع رقعة المساعدات عبر الحدود؛ فالاعتماد الكامل على معبر فيشخابور غير كافٍ.
رابط المصدر:
https://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/almstqbl-alaqtsady-lshmal-shrq-swrya