قاسم قصير
يوم السبت الماضي في السابع عشر من تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري كان المسؤولون الايرانيون يحتفلون بذكرى المولد النبوي الشريف واسبوع الوحدة الاسلامية الذي اعلنه الامام الخميني قبل ثلاثة عقود، وكان يشارك في الاحتفالات وفي مؤتمر الوحدة الاسلامية الذي يقيمه مجمع التقريب بين المذاهب الاسلامية في اوتيل ازادي (الحرية) في طهران حوالي خمسمائة شخصية سياسية ودينية وفكرية من داخل ايران ومن انحاء العالم، وقد اعلن المسؤولون الايرانيون في هذا المؤتمر استمرار دعمهم للقضية الفلسطينية وقوى المقاومة والوحدة الاسلامية ومواجهة المشؤوع الاميركي–الاسرائيلي في المنطقة.
وفي مساء هذا اليوم وقبل ان يغادر المدعوون الى المؤتمر ايران، اندلعت في شوارع العديد من المدن الايرانية التظاهرات والاحتجاجات على قرار الحكومة الايرانية بزيادة اسعار البنزين ثلاثة اضعاف (من دولارين للعشرين ليتر الى ست دولارات، مع اعطاء حصة شهرية لأصحاب الدخل المحدود بسعر مخفض)، وقد ادت هذه التظاهرات الى قطع بعض الطرقات واحراق عدد من المؤسسات الرسمية وسقوط العديد من الضحايا بين قتيل وجريح، وقد عمدت السلطات الايرانية الى مواجهة المحتجين بقوة والى قطع الانترنت بين ايران والخارج، ووقف جميع المسؤولين الايرانيين خلف قرار الحكومة الايرانية مع السعي الى شرح ابعاد القرار واهدافه والحرص على منع ارتفاع الاسعار وتأمين الخدمات للشعب الايراني.
وقد ارتفعت في بعض التظاهرات شعارات ترفض استمرار الدعم الايراني لقوى المقاومة في لبنان وفلسطين والدعوة لتخصيص تلك الاموال لخدمة الشعب الايراني.
وبعيدا عن اتهام بعض الجهات الخارجية وبعض القوى المعادية للنظام الايراني بالوقوف وراء هذه التظاهرات المعارضة لزيادة اسعار البنزين، فانه من الواضح ان الجمهورية الاسلامية الايرانية تواجه اليوم تحديا كبيرا بين الاستمرار في مشروعها السياسي الكبير على مستوى المنطقة وبين الضغوطات الداخلية والعقوبات الاميركية وزيادة التحديات امام القوى الحليفة لإيران في لبنان والعراق وفلسطين وسوريا واليمن.
المشروع الايراني الذي بدأ منذ انتصار الثورة الاسلامية في شباط (فبراير) 1979 قام على عدة اسس كبرى ومنها: الاستقلالية عن الشرق والغرب، دعم القضية الفلسطينية وقوى المقاومة ومواجهة الكيان الصهيوني والدعوة لإزالته كونه غدة سرطانية، تبني مشروع الوحدة الاسلامية في مواجهة الانقسامات المذهبية، مواجهة الاستكبار الاميركي واعتبار اميركا الشيطان الاكبر، دعم القوى المستضعفة في العالم، العمل على اساس الاكتفاء الذاتي وبناء الاقتصاد القوي.
لكن هذا المشروع واجه، منذ العام 1979 وحتى اليوم، تحديات وحروب ودخل في صراعات عديدة، واتهمه البعض بانه يعمل لبناء امبراطورية فارسية او استعادة الدولة الصفوية او العمل لنشر مذهب التشيع على حساب المذاهب الاخرى، وبانه دخل في تحالفات اقليمية ودولية على حساب بعض شعوب المنطقة، ولجأ الى سياسة المصالح والبراغماتية في الكثير من مواقفه وسياساته على حساب المواقف الثورية والمبدئية.
وقد تكون بعض السياسات التي اعتمدها النظام الايراني وبعض المواقف والتصريحات التي كان يطلقها عدد من مسؤولي النظام او من المؤيدين له في المنطقة تساعد البعض في قبول هذه الاتهامات او تصديقها او ايجاد المبررات لاتهام إيران بالتخلي عن مبادئها الاسلامية والوحدوية والثورية والانفتاحية على شعوب ودول المنطقة.
وفي المقابل فان ما تواجهه ايران من حصار وعقوبات من قبل اميركا تهدف الى تركيعها واخضاعها، ونظرا لاستمرار ايران بدعم قوى المقاومة والقضية الفلسطينية، ولان الكيان الصهيوني لا يزال يعتبر ايران وحلفائها الخطر الأكبر عليه، كل ذلك قد يعطي ايران نقاطا ايجابية يجب اخذها في الاعتبار عند تقييم الدور الايراني.
لكن المشكلة تكمن في انه بعد اربعين سنة من انتصار الثورة الاسلامية الايرانية ورغم كل النجاحات العسكرية التي حققتها ايران وحلفاؤها في المنطقة، يبدو ان هناك تحديا كبيرا يواجهه المشروع الايراني والاسلامي المقاوم اليوم يتعلق بتقديم النموذج السياسي والاقتصادي والاجتماعي الناجح والقادر على مواجهة العقوبات والحصار الاميركي، ولعل ما يجري اليوم في لبنان والعراق من احداث، وما جرى من تظاهرات في ايران احتجاجا على رفع اسعار البنزين، كل ذلك يكشف المخاطر التي تواجهها ايران وحلفاؤها في المنطقة.
فكيف سيوفق هذا المشروع بين الاستمرار بتبني سياسة المقاومة والدفاع عن القضية الفلسطينية ومواجهة الضغوط الاميركية وبين تأمين حاجات الشعب وحماية الاقتصاد واقامة المشروع السياسي الناجح؟.
نحن اليوم امام تحديات كبرى، والمعركة لم تعد تقتصر على الجانب الامني والعسكري، بل هي مواجهة شاملة وهناك نقاط ضعف عديدة في الجبهة الايرانية ولدى حلفائها في المنطقة، فهل سيتم التغلب على هذه النقاط والاستفادة من هذه التحديات لإعادة النظر بالأداء وتحصين الداخل؟ امام سنكون امام تجربة جديدة تشبه ما جرى مع الاتحاد السوفياتي عام 1989 والذي انهار من الداخل رغم كل القوة العسكرية والسياسية والتكنولوجية التي كان يمتلكها؟
المسؤولون الايرانيون وحلفاء ايران في المنطقة، وخصوصا قادة حزب الله وبعض الشخصيات المقاومة المتحالفة مع ايران، يؤكدون انهم قادرون على مواجهة التحديات، وان الرهان على سقوط المشروع الايراني بسبب هذه التحديات لن يتحقق.
لكن هناك شخصيات من داخل ايران ومن المؤيدين للمشروع الايراني تؤكد: ان الصمود والانتصار في هذه المعركة الصعبة والجديدة يحتاج لتكتيكات جديدة واعادة النظر في الاداء داخليا وخارجيا دون التخلي عن الثوابت، وهكذا يتم تحويل التحدي الى فرصة؟
فهل يستجيب القادة الايرانيون لنصائح بعض الاصدقاء؟ او تتحقق احلام المعادين لهذا المشروع وتعود المنطقة الى ما قبل الحادي عشر من شهر شباط (فبراير) 1979؟
لننتظر ونراقب ونتابع ما يجري من بيروت الى طهران.
رابط المصدر: