مع مرور 8 سنوات على انقلاب 3 يوليو 2013، تنامى الحديث عن فرص حلحلة الوضع، وبرزت أصوات تنادي بالتصالح مع نظام السيسي وتهدئة الأوضاع، والبعض تخطى ذلك بالحديث عن ضرورة إعلان القوى الثورية والمعارضة الاستسلام وفق رؤية النظام للمشهد، ولإحداث مصالحة حقيقية لابد من إدراك عدة أبعاد خاصة بطبيعة الأزمة وإمكانية الحل.
إن الحديث عن المصالحة لا يأتي إلا بعد حالة من الخلافات الجذرية بين الأطراف المختلفة تصل إلى الرغبة في استئصال كل طرف للآخر، ولكن الوضع في مصر مختلف نسبيًّا فمحاولة الاستئصال تأتي من طرف واحد وهو النظام العسكري الاستبدادي الذي ينفرد بتشكيل المشهد، في حين أن الطرف الآخر أقصى مايطلبه هو إبعاد المؤسسة العسكرية عن المشهد السياسي، وهو مايعكس حالة من تباين التوجهات لدى الأطراف المختلفة.
وبالنظر إلى سياسات النظام مابعد 2013 فإنها كلها تصب في تدمير المجتمع المصري وهدم بنيانه، إذ أن النظام قرر استئصال جزء أصيل من المجتمع المصري وهو التيار الإسلامي بتغذية دوافع الكره والبغض بين فئاته، فالتيار الإسلامي كان يقوم بأدوار اجتماعية وتعليمية وتربوية فضلًا عن دوره في تعزيز الجوانب الأخلاقية لدى المجتمع وبالتالي أدت عدم قدرته على أداء تلك الأدوار التقليدية إلى تنامي أشكال من العنف الهيكلي تتجلى في البطالة وانتشار الأمراض والجريمة والانتحار والتوسع في جرائم القتل بجانب حالات التفكك الأسري وهو ماتنامى بشكل كبير خلال العشر سنوات الأخيرة، ويرجع ذلك إلى التركيز على تأمين النظام وتسخير كل شئ لخدمة هذا الهدف مع إغفال احتياجات المجتمع ومشاكله وضعف السياسات التنموية للنظام وعدم فاعليتها. وعلى العكس من ذلك قام النظام بإشراك المجتمع في صراعه وهو ما عمق الأزمة وصعب من الحل وأدى إلى تراكم الكراهية والعداوة بين الأطراف المنخرطة فيه سواء على الصعيد السياسي والنخبوي أو المجتمعي.
ومنذ الانقلاب خرجت العديد من المبادرات والدعوات لإجراء “مصالحة” بين النظام ومعارضيه وعلى رأسهم الإخوان ولكن لم تكلل أي من هذه المبادرات بالنجاح، إذ تم إطلاق قرابة 20 مبادرة للتصالح مع الإخوان اشتركت جميعها في مطالب رئيسية وهي وقف التنكيل والملاحقة لأفراد الإخوان والعمل على عدم إقصائهم وعودة الجماعة للحياة السياسية، ودعوة الجماعة إلى نبذ العنف، وبالنظر في جميع المبادرات فإنها لم تعالج جذور المشكلة ولا يمكن إطلاق صفة مصالحة عليها إذ أنها تدور حول فكرة الهدنة أو التهدئة إن صح التعبير، وهنا لابد من التأكيد على أن أي حل لابد فيه من معالجة الأسباب الجذرية للصراع، وبالرغم من ذلك لم يتجاوب النظام مع تلك الدعوات، إذ أنه لايعترف بوجود طرف آخر بالأساس، وتشير إجراءاته إلى حرصه على ترسيخ مبدأ الصراع الصفري القائم على أنه لامخرج من الصراع أو انتهائه إلا بإزالة الطرف المقابل وهو التيار الإسلامي بشكل عام والإخوان بشكل خاص.
ومع ذلك أبدى القائم بأعمال المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين “إبراهيم منير” استعداد الجماعة قبول أي عرض يخدم مصلحة الشعب المصري، بالتزامن مع بدء الاتصالات الدبلوماسية بين القاهرة وأنقرة استعدادًا لتطبيع العلاقات، مؤكدًا أنه “إذا عرض على المعارضة المصرية، ونحن جزء منها الحوار مع النظام، بما يتضمن حل ملف المعتقلين والمختطفين وأصحاب الدم ويحسن أحوال الشعب، لن نرفض، وإذا رفضنا نكون مخطئين بالتأكيد”.
ويمكننا تصنيف الوضع في مصر ضمن الصراع النشط الذي يصعب معه المصالحة، فالنظام لازال يتخذ إجراءات تصعيدية كأحكام الإعدامات والتصفيات وممارسة الإرهاب على الخصم. بل تخطى ذلك إلى إقرار قانون يمكن من فصل الموظفين المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين من الوظائف الحكومية، دون أي إجراءات تأديبية، وبالفعل بدأت بعض المؤسسات بتجهيز قوائم الأسماء تمهيدًا لفصل المدرجين بها.
إمكانية تغيير الوضع القائم وحلحلة الأزمة
إن الحديث عن أي تغيير يتطلب من المؤسسة العسكرية الاعتراف بحق القوى المدنية وفي القلب منها جماعة الإخوان في الوجود وممارسة النشاط العام دون إقصاء وتقييد. فالوصول إلى مرحلة التفاوض كخطوة أولية للمصالحة يتطلب اعتراف الأطراف المعنية بأنها لاتستطيع فرض إرادتها أو إلغاء الطرف الآخر فالاعتراف المتبادل شرط ضروري لبدء أي تفاوض.
وأخيرًا، هناك عاملان رئيسيان يساهما بشكل كبير في تغيير منحنى أي صراع أولهما تغير القيادة في كلا الطرفين، إذ عادة مايصاحبه تغيير في تقييم مجريات الصراع وهذا لا يعني أن التغيير حتمي في اتجاه التهدئة وإن كان هو الأغلب، ولكن قد يتولى القيادة بعض القادة المتشددين ممن يعملون على ضخ دماء جديدة في نهج الاستئصال وتعقيد الصراع، والعامل الثاني، هو تغيير التحالفات سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي، بشكل يعطي فرصة كبيرة للضغط على الأطراف في اتجاه الحل، ودائمًا ما يصحبه بروز أصوات تدعو إلى المصالحة كما حدث عند بدء الحديث عن تقارب تركي مصري.
.
رابط المصدر: