لا يزال الوضع في اغلب المدن العراقية المنتفضة غير واضح المعالم، كر وفر، هدوء في احيان، وصخب في الايقاع احيانا اخرى، هكذا هو الحال منذ مطلع تشرين الاول المنصرم.
يصعب على اي مراقب ان يتنبأ بنتيجة موجة الاحتجاجات اين سينتهي بها المطاف، فلا تزال الامور تسير بطريق معتم لا يعرف نهايته احد من بني البشر او قد يكون هنالك من يخطط لكل ما حدث وسيحدث؟.
المظاهرات العراقية ليس لعاقل ان يقول انها غير عفوية ومدفوعة الثمن لجهات معنية، كون اغلب الاحتجاجات التي سبقت الخروج الاخير لم تتمكن من تحقيق شيئ ما، ذلك كونها نظمت بدعوات من قبل جهات معينة حزبية او غيرها لذا فان نسبة المشاركة كانت منخفضة نسبيا ولم تستطيع الصبر امام الاهمال او القمع الحكومي لها.
في حين ان اهم ما يميز المظاهرات الجارية هو الشعبوية وعدم الركون لجهة بعينها وهذا الامر يمكن ان يكون سر استمراريتها ونجاحها في الايام القادمة فيما اذا لم يتم قمعها بقوة وقسوة مفرطة.
ففي اول مرة يحدث ان تتعطل الدوائر الرسمية وتنخرط في المظاهرات السلمية في عهد ما بعد 2003، ما يعطي تأكيدا ان الجماهير وصلت الى طريق مسدود مع الطبقات الحاكمة ولم تعد اساليب الخداع والمماطلة تجدي نفعا مع الجموع الغاضبة.
رغم اصدار الحكومة الكثير من القرارات العاجلة والتي لم يتمتع اغلبها بغطاء قانوني وهذا ما يجعل امكانية توقفها امام اي طعن قانوني سيوجه اليها من قبل الجهات التنفيذية في حال ارادت ذلك امر وارد الحصول، فبهذه الطريقة تبقى الحال كما هي ولا يمكن ان نرجوا اي خير من ذلك.
بعد مرور عدة ايام على التظاهرات لم تتبلور لغاية الآن قيادة تعلن انها الجهة الوحيدة التي تمثل الجموع الثائرة، وهي الجهة المخولة بالتفاوض مع الجهات الرسمية في حال نزلت عن تعاليها وعقدت العزم على التحدث معهم والنظر في مطالبهم عن كثب.
بقاء المتظاهرين بهذه الصورة دون اختيار مجموعة تمثلهم سينعكس بصورة سلبية عليهم، اذ من المتوقع ان تتعامل الجهات الحكومية مع الجماهير على انهم ثلة خارجة على القانون والدليل على ذلك هو قطع بعض الطرق وحرق عدد من الدوائر الحكومية هنا او هناك، في حين هذا الاسلوب المتبع من قبل المتظاهرين هو للضغط على المتنفذين من اجل الفات نظرهم لمطالبهم وعدم التمادي في صأد الابواب في وجوههم.
الحكومة في بياناتها المتعددة تركز دائما على ان الموضوع ليس بهذه البساطة التي يرونها المتظاهرون، فالاستقالة تدخل البلاد في معترك الفوضى والفراغ على مختلف الاصعدة وهو ما لا تريد حدوثه، لكنها في المقابل عاجزة عن اعطاء تطمينات لابناء الشعب كون الامور اخذت بالتراكمية ولا يمكن السيطرة عليها في الفترة الزمنية المتبقية من عمر الحكومة.
فالخطاب الاخير لرئيس الحكومة تضمن اشارات عديدية من بينها هو عدم وجود بديل ملائم، وهنا مغالطة واضحة تماما، كون العراق يزخر بالامكانات الوطنية، لكن المقصود هنا عدم وجود بديل على مقاس الكتل السياسية قادر على تمرير الصفقات التي تمرر في الغرف المظلمة.
على مدى سنوات لم يتم تشغيل اي مصنع تم ايقافه نتيجة الظروف التي مرت بها البلاد، كما لم يتم انشاء اي منشئة بدورها تشغيل الكثير من الايادي العاطلة، ويبدو لم يكن في النية الالتفات الى هذا الملف الحيوي الذي في حال اهُتم به سينعكس بشكل او بآخر على الاقتصاد الوطني.
ما يقدم للمتظاهرين في ساحات الاحتجاج من مأكل ومشرب وخدمات متنوعة دليل قاطع على ديموتها، اذ يتواصل الدعم اللوجستي الى جانب اساليب الضغط على الحكومة في آن واحد، لكن يبقى السؤال الابرز هنا هو من سينتصر بهذه المعركة الشعب ام الحكومة؟.
اذا ما ارادت ابناء الشعب المنتفضين في عدد من المدن تحقيق مطالبم ينبغي عليهم تحديد ماذا يريدون، فان الاكتفاء بالحظور في ميادين الاحتجاج لا يفي بالغرض، فلابد من اجراء تنسيق مشترك بين الاشخاص الذين يتم اختيارهم من قبل المتظاهرين، وهؤلاء يقومون بأجراء لقاءات واجتماعات للخروج برؤية موحدة فيما يتعلق بالمطالب المشروعة التي يجب ان لا تخرج عن إطار النقاط التي سيرد ذكرها.
اولا- تكوين لجنة او ممثلين عن المتظاهرين السلميين المنضبطين واجراء مباحثات مع الجهات الحكومية.
ثانيا – التأكيد على سلمية التظاهر لسد الطريق امام الجهات التي تحاول تشويه صورة المتظاهرين وتقريبها من الشغب.
ثالثا- عدم رفع سقف المطالب لضمان تحقيق جزء منها ليس بالضرورة جميعها.
رابعا – الابتعاد عن المطالب غير الدستورية والتي لا يمكن تنفيذها مثال ذلك الغاء النظام وتعديل الدستور ….الخ، كون هذه المطالب تحتاج الى سقف زمني بالاضافة حساسية المطالب وتعقيدها.
خامسا – الاستمرار في التظاهر والاعتصام لكي يثبتوا ان خروجهم باق لحين تحقيق المطالب المشروعة، كذلك لايصال رسالة ان من ينتفضون في الوقت الحالي يتمتعون بقدر كاف من الوعي الاجتماعي والسياسي وان غايتهم هي ضمان مستقبل افضل.
رابط المصدر: