قد يبدو من الجائز اعتبار المعارك -التي دخلت يومها السادس- بين قوات الجيش السوداني وميليشيا الدعم السريع بمثابة تجربة حية يمكن من خلالها اتخاذ العبر والدروس بشأن عمليات دمج القوات “شبه العسكرية” والميليشيات في الوحدات النظامية للقوات المسلحة. لكن في جانب آخر، طرأت على هذه المواجهة -المفاجئة في بعض اتجاهاتها- ملامح ميدانية وعسكرية لافتة، ترتبط باستنساخ خططي وعملياتي لتجارب سابقة، كانت دول عربية أخرى محل تنفيذها خلال سنوات خلت.
وبغض النظر عن الخلفيات الإقليمية والدولية لتحرك ميليشيا الدعم السريع نحو العاصمة السودانية ومدن أخرى من شمالي البلاد وصولًا إلى جنوبها وغربها، وهي خلفيات كان لها انعكاس واضح على هذا التحرك، بشكل يهمش بشكل كبير دور “الخلافات الداخلية” في تحفيزه؛ إلا أن المؤشرات الميدانية خلال الأسبوعين الماضيين كانت تشير -بشكل واضح- إلى قرب اندلاع مواجهة ميدانية في عدة مناطق سودانية، خاصة بعد أن بدأ المسار السياسي في البلاد يشهد تراجعًا تدريجيًا عقب إرجاء توقيع الاتفاق السياسي النهائي بين الأطراف السودانية، المعروف ب”الاتفاق الإطاري” الذي كان مقررًا توقيعه في السادس من الشهر الجاري؛ بسبب تعثر المباحثات بين اللجان الفنية العسكرية بشأن صياغة التوصيات النهائية الخاصة بالإصلاحات الأمنية والعسكرية.
كان السبب الرئيس لهذا التأجيل هو تصاعد الخلاف بين قيادة الجيش السوداني وقيادة ميليشيا الدعم السريع، حول ملف دمج قوات تلك الأخيرة ضمن التشكيلات النظامية للجيش السوداني؛ نتيجة لوجود وجهتي نظر في هذا الإطار: بين من يرى ضرورة أن تتم عملية الدمج خلال فترة لا تتجاوز عامين أو ثلاثة أعوام، وبين رأي أخر يرفض الدمج عمليًا عبر اقتراح تنفيذ الدمج على مدى زمني طويل يصل إلى عشرة أعوام.
موازين القوى بين الجيش السوداني والدعم السريع
بشكل عام، كانت العلاقة بين القوات المسلحة السودانية وميليشيا الدعم السريع محكومة بتطورات المشهد السوداني العام خلال السنوات الأخيرة، وبشكل محدد تطورات الوضع في إقليم دارفور، وكذا ما طرأ من تغيرات على المشهد السياسي في البلاد. محور البداية لبروز دور قوة “الدعم السريع” في المشهد السوداني كان عام 2013، حيث تم تأسيسها لتضم الميليشيات التي كانت تقاتل الفصائل المسلحة المناوئة للحكومة السودانية في إقليم دارفور خلال السنوات السابقة، ومن ثم تم وضع هذه القوة تحت إشراف جهاز الأمن والمخابرات الوطني التابع للقيادة العامة للقوات المسلحة السودانية. إلا أن واقع الحال بعد ذلك أشار إلى أنها تمتعت باستقلالية متزايدة، حيث كانت تتبع مباشرة للرئيس السوداني السابق عمر البشير الذي كان بدوره يضع ثقة مطلقة في قائد هذه القوة محمد حمدان دقلو.
استقلالية هذه القوة وعلاقاتها مع الرئيس السابق “البشير” خلقت حالة من عدم التوازن في صفوف القوات المسلحة السودانية التي وجدت في تشكيل هذه القوة “عملية دمج غير مكتملة” لميليشيا ضمن تشكيلاتها القتالية، وهي حالة تعززت بعد صدور قانون عام 2017 يضفي الشرعية على “الدعم السريع” كقوة أمنية مستقلة، ثم تعديل هذا القانون في يوليو 2019،وحذف مادة منه كانت تنص على خضوع الدعم السريع لأحكام قانون القوات المسلحة، وهو ما عزز من استقلالية وحدات الدعم السريع عن الجيش، خاصة أن هذه الاستقلالية شملت أيضًا الجوانب الاقتصادية، حيث امتلكت ميلشيا الدعم السريع موارد مالية خاصة بها، تتمثل في عدد من الشركات التي تعمل في مجال التعدين واستخراج الذهب في دارفور وكردفان، وهو ما وفر لها موارد مالية مستمرة وممتدة، علمًا بأن الرئيس السابق “البشير” قد منح عام 2018 لهذه القوات حق التعدين في هذه المناطق.
ظلت العلاقة بين الجانبين -القوات المسلحة السودانية وقوة الدعم السريع- قائمة على حالة من “التوتر المكتوم” خلال المراحل اللاحقة؛ نتيجة للتطورات السياسية المتلاحقة التي شابت المشهد السوداني، خاصة بعد رحيل نظام حكم البشير عام 2019، وما ترافق معه من تفاعلات وأحداث، كان أبرزها ما يعرف باسم “مجزرة القيادة العامة”، التي تم اتهام الدعم السريع بالتورط فيها.
لكن رغم هذه الحالة كان كلا الجانبين في مرحلة ما بعد البشير في نفس الخندق، خاصة بعد توقيع اتفاق تقاسم السلطة الذي أصبح قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو بموجبه نائبًا لرئيس المجلس السيادي الفريق أول عبد الفتاح البرهان الذي يشغل أيضًا منصب قائد الجيش السوداني. اقترب الجانبان أكثر -بحكم الظروف القائمة- بعد أن شاركا في التحرك الذي تم في أكتوبر 2021 ضد الحكومة الانتقالية برئاسة عبد الله حمدوك.
خلال السنوات التي تلت عام 2013، راكمت قوات الردع السريع خبرات ميدانية كبيرة، ليس فقط بسبب سنوات القتال الطويلة في إقليم دارفور، بل أيضًا لمشاركة عناصرها في عمليات قتالية خارج الأراضي السودانية، وتحديدًا في كل من ليبيا واليمن، ناهيك عن الزيادة المطردة في أعداد منتسبيها التي كانت تقدر عام 2013 بنحو 40 ألف جندي، وتشير التقديرات الحالية إلى ان هذه الأعداد قد تتجاوز حاجز المئة ألف جندي.
من نقاط القوة الأساسية التي تمتلكها وحدات “الردع السريع” استحواذها على قطاعات عسكرية ومعسكرات استراتيجية في كافة أنحاء السودان، كان بعضها تابعًا سابقًا لأجهزة عسكرية وأمنية نظامية، بواقع أحد عشر معسكرًا رئيسًا معظمها داخل العاصمة، وسبعة قطاعات عسكرية تتركز في ولايات دارفور وبضع ولايات أخرى.
على مستوى التسليح، أظهرت الاستعراضات العسكرية التي شاركت فيها وحدات الدعم السريع تركز تسليحها على عدد محدود من المدرعات الخفيفة، بجانب أعداد ضخمة من سيارات الدفع الرباعي المسلحة بالرشاشات المتوسط والثقيلة المضادة للطائرات، وراجمات الصواريخ من عيار 107 و122 ملم، ومنصات الصواريخ المضادة للدروع، والمدافع عديمة الارتداد، مع عدم امتلاكها لأي دبابات أو مدافع ميدان. وعلى الرغم من وجود احتمالات معتبرة لامتلاك هذه الوحدات طائرات بدون طيار، ومساعيها لتجهيز مهبطين جويين على الأقل لاستخدام هذه الطائرات، فإنه لم تتوفر دلائل واضحة حتى الآن تؤكد هذه الاحتمالات.
على الجانب الآخر، يبلغ تعداد قوات الجيش النظامي في السودان ما يناهز 200 ألف جندي، من بينهم مائة ألف جندي قوات عاملة، وخمسون ألفًا يخدمون كقوة احتياط، بجانب عدد مواز لعديد قوة الاحتياط من القوات شبه العسكرية. على مستوى التسليح يمتلك الجيش النظامي قوة جوية تتألف من 191 طائرة حربية -بما في ذلك 45 مقاتلة، و37 قاذفة، و25 طائرة شحن، و12 طائرة تدريب، و72 مروحية – وقوة مدرعة تضم 170 دبابة، ونحو سبعة آلاف ناقلة جند وعربة قتال مدرعة، وقوة مدفعية وصواريخ تناهز الـ 400 مدفع و40 راجمة صواريخ، بجانب قوة بحرية تتألف من 18 قطعة بحرية. ويرصد الجيش السوداني لنفقاته العسكرية ميزانية تصل إلى 287 مليون دولار، تشمل الإنفاق على قاعدة التصنيع العسكري التي تضم مصانع لإنتاج الذخائر بمختلف أحجامها، والمركبات المصفحة وراجمات الصواريخ، وصولًا إلى طائرات التدريب.
“الصدمة” في مروي … والصدى في الخرطوم
بالنظر إلى ما سبق، يمكن القول إن ميزان القوة العسكرية بين الجانبين يميل إلى حد كبير لصالح الجيش السوداني، وإن كانت الخبرات القتالية السابقة لمقاتلي ميليشيا الدعم السريع، خاصة فيما يتعلق بتكتيكات حرب العصابات والقتال داخل المدن والمناطق الحضرية، ربما كان لها دور أساسي في تنفيذ خطة التحرك التي تمت في الساعات الأولى من صباح الخامس عشر من الشهر الجاري، والتي بدأت بشكل متزامن في كل من مروي “الولاية الشمالية”، وولاية الخرطوم وسط البلاد، وفي “الأبيض” كبرى مدن ولاية شمال كردفان. ومن ثم امتدت التحركات إلى ولايات دارفور، وبشكل خاصة مدن “نيالا” و”الجنينة” و”زالنجي” و”الفاشر”، وولاية القضارف، ومدينة “الدمازين” عاصمة ولاية النيل الأزرق، ومدينة “كوستي” عاصمة ولاية النيل الأبيض.
النقطة الأساسية في هذا الإطار أن عمليات الحشد التي بدأتها ميليشيا الدعم السريع قبيل بدء العمليات العسكرية كانت علنية إلى حد بعيد، ولم تحاول الميليشيا إخفاء تحركات وحداتها من معسكراتها وانتشارها في عدة نطاقات شمال ووسط وجنوب البلاد، لدرجة أن قيادة الجيش السوداني قد أصدرت بيانًا واضحًا في الثالث عشر من الشهر الجاري -قبل يومين من بدء العمليات القتالية- تحذر فيه من التداعيات الخطيرة لعمليات التحرك والتمركز التي تنفذها وحدات تابعة للدعم السريع في عدة مدن، من بينها مدينة “مروي” في الولاية الشمالية، التي شرعت ميليشيا الدعم السريع في تشييد معسكر لها في منطقة “فتنة” قرب مطار المدينة، ووصل إلى نطاقه خلال الأيام السابقة لبدء القتال أكثر من مئة عربة تابعة لها. هنا تظهر علامة استفهام لا يمكن تجاهلها، حول سبب حالة “المباغتة” التي شابت المشهد الميداني في السودان عشية بدء العمليات العسكرية في الخامس عشر من الشهر الجاري.
خطة التحرك المتزامن في المناطق السالف ذكرها لميليشيا الدعم السريع كانت تستهدف في مرحلتها الأولى دخول كافة القواعد الجوية الرئيسة لسلاح الجو السوداني، وكذا محاولة التحرك نحو ميناء “بورسودان” شمالي البلاد؛ لتحقيق هدفين رئيسين: الأول هو تحييد القواعد والمطارات الجوية الأساسية في السودان، والثاني هو ضمان التزود جوًا أو بحرًا بالإمداد المطلوبة خلال المرحلة المقبلة.
بطبيعة الحال، يمكن النظر إلى هذا التوجه من زاوية أنه يشابه إلى حد كبير الذهنية التي اتخذتها فصائل المعارضة المسلحة في سوريا ضد الجيش النظامي خلال السنوات التي تلت عام 2011، لكن واقع الحال أن ميليشيا الدعم السريع قد فشلت عمليًا في تحقيق هذا الهدف؛ فقد فشلت في دخول قاعدة العمليات الجوية الرئيسية لسلاح الجو السوداني في هذه المواجهة، ألا وهي قاعدة “وادي سيدنا” الجوية شمال الخرطوم، وهو نفس ما حدث فيما يتعلق بميناء “بورسودان”، في حين تمكنت الميليشيا من الدخول لفترات وجيزة إلى كل من مطار الأبيض في شمال كردفان، ومطار الفاشر في شمال دارفور، بجانب قاعدة “جبل أولياء” الجوية جنوبي العاصمة، وقاعدة مروي الجوية في الولاية الشمالية، وبالطبع مطار الخرطوم الذي كان مسرحًا لمعارك عنيفة نتيجة قربه من المحور الأساسي للاشتباكات.
وبرغم عدم تمكن الميليشيا من إدامة تواجدها داخل هذه المطارات فإنها ألحقت بمنشآتها والطائرات الموجودة بها خسائر مهمة ستؤثر بالتأكيد على عمليات القوات الجوية السودانية خلال المرحلة المقبلة؛ ففي مطار مروي تعرض مبنى المطار لأضرار كبيرة، وتضررت ثلاث طائرات للتدريب المتقدم صينية الصنع من نوع “FC-2000”. وفي مطار الأبيض، تدمرت بعض مباني المطار، ودُمّرت ثلاث قاذفات روسية الصنع من نوع “سوخوي-25”. وفي قاعدة جبل أولياء الجوية، دُمرت خمس مروحيات روسية قتالية على الأقل من نوع “مي-35″، بجانب تعرض ما بين 16 و20 طائرة عسكرية ومدنية متنوعة إلى التدمير أو الإعطاب في مطار الخرطوم الدولي.
عقب إطلاق ميليشيا الدعم السريع لتحركاتها نحو المطارات، بدأت في الدفع بعناصرها نحو مراكز الولايات، في حين استغلت امتلاكها لمجموعة من المعسكرات المنتشرة في أنحاء الأقسام الثلاثة للعاصمة الخرطوم، في إطلاق تحركات سريعة ومباغتة استهدفت بشكل أولى فرض أمر واقع في محيط مطار الخرطوم الدولي، والسيطرة على مقر القيادة العامة للقوات المسلحة السودانية شمالي المطار، ومنطقة القصر الجمهوري المطل على شارع النيل شمال القسم الجنوبي في العاصمة، ومن ثم السيطرة على جسور الحركة التي تربط بين القسم الجنوبي للعاصمة والقسمين الشمالي “بحري” والغربي “أم درمان”.
لتحقيق هذه الغاية، دخلت الميليشيا في اشتباكات عنيفة مع وحدات الجيش السوداني في نطاق مباني القيادة العامة، دون أن تتمكن من تثبيت تموضعها في هذا النطاق. وقد أسفر القتال خلال ستة أيام عن أضرار كبيرة في عدد من المباني العسكرية والحكومية، من بينها: مبنى قيادة قوات الدعم السريع، ومبنى القوات البحرية، ومبنى المخابرات العامة، ومبنى الكتيبة الاستراتيجية، بجانب مبنى وزارة الطاقة والتعدين، وهيئة سكك حديد الخرطوم، ومبنى المباحث الجنائية، ووزارة التعليم والبحث العلمي.
بدأت قوات الجيش السوداني في استيعاب صدمة هجوم ميليشيا الدعم السريع في اليوم الثاني للعمليات، حيث استغلت فشل الميليشيا في السيطرة على كافة القواعد الجوية، واستخدمت القوات الجوية المتوفرة، سواء مقاتلات “ميج-29” أو المروحيات القتالية “مي-35″، لاستهداف تمركزات وسيارات قوات الدعم السريع في العاصمة الخرطوم، وهي آليات لا تتميز بالتدريع او التصفيح، وبالتالي كان من السهل تدمير أعداد كبيرة منها عن طريق الجو.
وهو ما دفع وحدات الميليشيا إلى تحويل اتجاهات هجومها في العاصمة إلى المناطق الجنوبية من القسم الجنوبي للعاصمة، وتحديدًا مناطق حي النصر وشارع مدني والسوق العربي، بجانب منطقة المدينة الرياضية التي شهدت مواجهات عنيفة. كذلك تحرك عناصر الميليشيا في اتجاه القسمين الشمالي والغربي للعاصمة، خاصة القسم الغربي “أم درمان”، الذي يضم عدة مناطق مهمة منها مبنى “سلاح المهندسين”، وقاعدة “وادي سيدنا” الجوية، وكذلك مبنى التلفزيون والإذاعة الذي سيطرت عليه الميليشيا لفترة وجيزة.
من النقاط التي أثرت على تحركات قوات الدعم السريع حقيقة أن قسمًا مهمًا من هذه القوات ينتمي في الأصل إلى أجهزة عسكرية نظامية سودانية، مثل جهاز المخابرات وأجهزة عسكرية اخرى، وأُلحق بقوة الدعم السريع، وبالتالي كان قرار حل جهاز الدعم السريع محفزًا لهؤلاء للعودة إلى جهاتهم الأصلية في السلك العسكري النظامي، وهو ما أثر على أداء قوة الدعم السريع، خاصة على المستوى المعلوماتي والاستخباراتي.
مسألة نقص الذخائر ومحدودية الدعم المعلوماتي واللوجستي كانت من الأمور اللافتة أيضًا؛ إذ كانت تحركات عناصر ميليشيا الدعم السريع تتم على شكل مجاميع صغيرة، تتحرك بشكل كامل بسيارات بيك آب خفيفة التسليح، وبالتالي وجدت هذه القوات بعد انفتاحها في شوارع العاصمة وفي مناطق بعيدة مثل مدينة مروي شمال البلاد، ومدينة الأبيض في ولاية شمال كردفان صعوبة في تأمين احتياجاتها من الذخائر ومواد الإعاشة والمواد الطبية، وكذا مشاكل في التواصل مع قيادتها الميدانية وغرفة العمليات المركزية لقوة الدعم السريع، خاصة أن هذه القوات كانت مرتبطة بشكل كبير بمعسكراتها الرئيسة في الولايات السودانية المختلفة.
كذلك كان افتقار قوة الدعم السريع للدعم المدفعي الثقيل والدبابات بمثابة عامل حاسم في تحجيم تحركاتها الميدانية داخل العاصمة، خاصة أن القوات النظامية تمتلك قوة مدفعية كبيرة وقوة مدرعة معتبرة مكنتها من الدفع بعشرات الدبابات في اليوم الثالث للقتال من مقر سلاح المدرعات في حي الشجرة جنوب العاصمة باتجاه مواقع القتال الرئيسة قرب مبنى القيادة العامة.
عدم تمكن ميليشيا الدعم السريع من تحقيق أهدافها المرحلية في العاصمة عاد في جزء منه إلى تركيز وحدات الجيش النظامي على استهداف المعسكرات الأساسية للميليشيا في العاصمة، حيث تمتلك مقرًا للقيادة ومعسكرين رئيسين في القسم الجنوبي منها، وأربعة معسكرات في الخرطوم بحري، وثلاثة معسكرات في أم درمان، من بينها المعسكر الأكبر للميليشيا على الإطلاق “كري”. وقد كان شل فاعلية هذه المعسكرات، والتمكن من دخول بعضها، وكذا معظم المعسكرات الأخرى في كل من: الدمازين “ولاية النيل الأزرق”، وكوستي “ولاية النيل الأبيض”، وكادوقلي “ولاية جنوب كردفان”، وكسلا “ولاية كسلا”، وولاية القضارف والمقرات الواقعة في مدينة بورسودان؛ عاملًا مهمًا في تشتيت قوى الميليشيا، وإفقادها القيادة والسيطرة في عدة قطاعات.
في الوقت الحالي مازالت هناك اشتباكات جارية في العاصمة السودانية، خاصة في حي “جبرة” وسط القسم الجنوبي من العاصمة، وكذلك في عدة نطاقات من إقليم دارفور، خاصة مدينة “نيالا” عاصمة ولاية جنوب دارفور، التي تعمل فيها حاليًا الفرقة السادسة عشر من الجيش السوداني للسيطرة على مقار ميليشيا الدعم السريع هناك، وكذلك بعض الأنشطة المتفرقة لميليشيا الدعم السريع في الولايات الجنوبية. لكن في ظل عدم الحسم الميداني للمعركة في الخرطوم حتى الآن، تبقى الاحتمالات الميدانية مفتوحة على سيناريوهات عدة، بالنظر إلى ضرورة أن نضع في الحسبان مسألة الارتباطات الإقليمية والدولية لميليشيا الدعم السريع، وحتمية أن يكون تحركها الأخير قد تم بتنسيق وتخطيط يتجاوز مداه وأهدافه المجال المحلي السوداني.
.
رابط المصدر: