المعادن الحيوية في القطب الشمالي.. شراكة مرتقبة بين روسيا والصين (تقرير)

يمثل استخراج المعادن الحيوية في القطب الشمالي وموارد النفط والغاز غير المستغلة عنصرًا رئيسًا في إستراتيجيات القوى الكبرى المتنافسة حول زيادة نفوذها العسكري وهيمنتها على المنطقة ولا سيما روسيا والولايات المتحدة وأوروبا.

وتتوقّع دراسة جيوسياسية حديثة -حصلت وحدة أبحاث الطاقة على نسخة منها ومقرها واشنطن- أن تحتل قضايا استخراج المعادن الحيوية مكانة كبرى في علاقات الشراكة الإستراتيجية المتنامية بين روسيا والصين في القطب الشمالي خلال العقد المقبل.

وتطمح الصين إلى تعزيز التعاون في ملف المعادن الحيوية في القطب الشمالي، وسط التقارب القوي مع روسيا منذ غزو أوكرانيا التي عمّقت صِدام موسكو مع الكتلة الغربية بصورة يصعب ترميمها على المدى المتوسط، وربما الطويل.

وتعمّقت الروابط الاقتصادية والتجارية بين البلدين بصورة ضخمة وغير مسبوقة خاصة على مستوى تجارة الطاقة (النفط والغاز والفحم) بعد العقوبات الغربية التي لا تهتم الصين بتنفيذها مع حرصها على استقبال المزيد من الشحنات المقدمة بخصومات سخية أيضًا من الجانب الروسي.

الصين تقلب معادلات القطب الشمالي

أصبحت الصين -حاليًا- الشريك التجاري الأول لروسيا بما يعادل أكثر من نصف تجارتها الخارجية، كما أصبحت بكين مصدرًا رئيسًا للتقنيات المهمة للقطاعات الإستراتيجية الروسية مثل الدفاع والاتصالات.

وتضع الصين أنظارها على المعادن الحيوية في القطب الشمالي لتعزيز هيمنتها الحالية على سلاسل توريد هذه المعادن اللازمة لصناعات الطاقة المتجددة بفروعها المختلفة بداية من السيارات الكهربائية وحتى مشروعات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وغيرهما.

وترددت روسيا تاريخيًا في منح الصين وجودًا في سياسات القطب الشمالي، وهو موقف مشترك بين دول مجلس القطب الشمالي وخاصة كندا والنرويج وروسيا والدنمارك/غرينلاند والولايات المتحدة.

الرئيسين الصيني شي جينبينغ ونظيرها الروسي فلاديمير بوتين
الرئيس الصيني شي جين بينغ ونظيره الروسي فلاديمير بوتين – الصورة من atlantic council

ورغم هذا الاتفاق بين دول القطب الشمالي على مبدأ استبعاد الصين من الوجود في المنطقة؛ فإن الحرب الروسية الأوكرانية الأخيرة عمّقت الشرخ بين روسيا والغرب وفتحت الطريق أمام بكين لاستغلال الفرصة وتعميق التعاون الإستراتيجي مع موسكو في خطط تنمية القطب الشمالي، بحسب الدراسة المنشور على موقع معهد ماكدونالد لوريير في كندا (Macdonald Laurier Institute).

ووصلت العلاقات بين روسيا والصين في عهد الرئيسين شي جين بينغ وفلاديمير بوتين إلى أعلى درجة من الانفتاح منذ مرحلة الاتحاد السوفيتي، مع زيادة ابتعاد موسكو عن الغرب ورغبتها في خلق إطار جيوسياسي أعمق يعتمد أكثر على آسيا.

ويتوقّع معهد ماكدونالد المتخصص في أبحاث السياسة العامة، أن تظهر آثار هذا التقارب الإستراتيجي بين روسيا والصين في القطب الشمالي بصورة واضحة خلال العقد المقبل، رغم المخاوف التي ستظل قائمة لدى موسكو بشأن الأهداف النهائية لبكين من هذا التعاون.

كما يتوقّع المركز أن تحتل المعادن الحيوية في القطب الشمالي إضافة إلى موارد النفط والغاز غير المستغلة مكانة كبيرة في خطط التعاون الإستراتيجي بين البلدين، إضافة إلى تنويع طرق الشحن البحري العالمية من خلال زيادة التبادل التجاري عبر طريق بحر الشمال الذي تطمح روسيا لأن ينافس طريق البحر المتوسط عبر قناة السويس مستقبلًا.

احتياطيات المعادن الحيوية في القطب الشمالي

تمتلك روسيا رواسب معدنية هائلة إضافة إلى موارد نفطية غير مستغلة تمتد عبر مناطق القطب الشمالي، مثل النيكل والنحاس والبلاتين وعدد من المعادن الأرضية النادرة.

كما تقدر احتياطيات روسيا من النفط غير المستغل تحت أعماق القطب الشمالي بأكثر من 316 مليار برميل نفط مكافئ، بحسب دراسة معهد ماكدونالد لوريير.

ويمكن لهذه الموارد أن تمكّن الصين من الحفاظ على هيمنتها العالمية الحالية على سلاسل توريد المعادن الحيوية والأرضية النادرة بداية من قطاع المنبع (الاستكشاف والإنتاج)، حتى قطاع المصب (التكرير).

وتمتلك الصين أكبر احتياطيات للمعادن الحيوية والنادرة في العالم بتقديرات وصلت إلى 161 مليون طن متري، تليها روسيا بنحو 72.26 مليون طن متري، بحسب الدراسة.

ويوضح الرسم البياني التالي -الذي أعدّته وحدة أبحاث الطاقة- أكثر 10 دول إنتاجًا للمعادن النادرة بين عامي 2022 و2021:

أكبر 10 دول منتجة للمعادن الأرضية النادرة

ومن المتوقّع أن يستفيد قطاع المعادن الروسي الذي يحقق تقدمًا بطيئًا من خبرة الصين المتراكمة في تعدين ومعالجة المعادن الأرضية النادرة، ما سيكون له تأثيرات واضحة في تعاونهما باستخراج المعادن الحيوية في القطب الشمالي.

ويتوافق تعزيز التعاون في هذا الملف، مع اتجاه الصين المتزايد على مدى العقد الماضي لزيادة الاستثمارات في المعادن الروسية بالقطب الشمالي.

على سبيل المثال: استثمرت الصين في تعدين النحاس بمنطقة نوريلسك الروسية، كما استثمرت في تعدين التيتانيوم في جمهورية كومي المتمتعة بالحكم الذاتي في الاتحاد الروسي.

كذلك تستثمر الصين في تعدين اليورانيوم شرق سيبيريا، ومن المتوقع أن تجد مناخ الاستثمار في القطب الشمالي أكثر انفتاحًا من هذه المناطق، ما قد يعزز خطط التعاون بين البلدين في تنمية معادن المنطقة.

وتمتلك الصين أوراق تفاوض كبيرة في هذا المجال بالنظر إلى موقعها الجغرافي وحجم احتياطياتها الضخمة من المعادن إضافة إلى مجموعة الخيارات الواسعة أمامها لاستيراد النفط والغاز الطبيعي من بلدان أخرى غير موسكو، ما قد يمكّنها من اقتناص فرص استثمارية هائلة في القطب الشمالي خلال السنوات المقبلة، بحسب الدراسة.

 

المصدر : https://attaqa.net/2024/06/14/%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b9%d8%a7%d8%af%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d9%8a%d9%88%d9%8a%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%b7%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d9%85%d8%a7%d9%84%d9%8a-%d8%b4%d8%b1%d8%a7%d9%83/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M