صلاح وهبة
في ظل حالة الانهيار التي يعاني منها تنظيم داعش الإرهابي في مختلف مناطق نشاطه في الشرق الأوسط، تلقى فرع التنظيم في ليبيا ضربة عنيفة نفذها الجيش الوطني الليبي ، إذ تمكنت القوات الأمنية من قتل “المهدي دنقو” أحد أبرز قادة التنظيم في ليبيا والعقل المدبر لعدد من العمليات الإرهابية وعلى رأسها مذبحة المصريين الأقباط التي نفذت على شاطئ مدينة سرت عام 2015 وراح ضحيتها 21 مصريًا.
عملية أمنية نوعية
أعلنت غرفة الإعلام الحربي التابعة للجيش الوطني الليبي، أن فرقة أمنية خاصة باللواء طارق بن زياد المعزز قد تمكنت من قتل الإرهابي المهدي دنقو واثنين من مرافقيه والقبض على مرافق آخر يدعى “اسمان نور” يحمل الجنسية السودانية، وأوضحت الغرفة أنه في إطار العمليات العسكرية للجيش الوطني الليبي في منطقة القطرون جنوبي ليبيا، ألقت فرقة المهام باللواء طارق بن زياد القبض على 3 جزائريين يتبعون تنظيم داعش بعد تسللهم عبر الحدود الجزائرية، وأثناء التحقيق معهم تم التعرف على تواصلهم مع الإرهابي “دنقو” من خلال أحد الأشخاص ويدعى “محمد كوسا”، ومن خلال أجهزة التتبع تم رصد تحركات الإرهابي المذكور ونصب كمين محكم في منطقة القطرون، وأسفرت الاشتباكات عن مقتله وعدد من مرافقيه.
وقال مدير إدارة التوجيه المعنوي في الجيش الوطني الليبي “خالد محجوب”، أن الإرهابي “المهدي دنقو” المكنى بـ”أبو بركات” هو العقل المدبر والمنفذ لعدد كبير من العمليات الإرهابية التي تم تنفيذها في ليبيا، وأن عملية اغتياله أخذت كثيرًا من الوقت وانقسمت إلى شقين الأول معلوماتي، والثاني عملياتي، إذ حاول”دنقو” مراوغة القوات الأمنية وتغيير أماكن تواجده عدة مرات والتوراي عن الأنظار والاختفاء، وكانت يتم تتبعه في كل مرة بشكل دقيق، ثم تم استهدافه أثناء محاولته دخول إحدى مناطق الجنوب بدقة كبيرة والقبض على أحد مرافقيه.
ويذكر أن الإرهابي “المهدي دنقو” ولد في أوائل الثمانينيات بمدينة سرت الليبية وعمل لدى أكثر من مجموعة إرهابية وانتهى به المطاف في صفوف تنظيم داعش، وتولى رئاسة المحكمة الشرعية التابعة للتنظيم في مدينة الموصل العراقية، قبل أن ينتقل لصفوف التنظيم في ليبيا، وتولى تدبير عدد من العمليات الإرهابية في ليبيا وفي مقدمتها حادث قتل 21 قبطيًا مصريًا بمدينة سرت في 15 فبراير 2015.
تأسيس جيش الصحراء
بعد أن فقد تنظيم داعش الإرهابي معقله الرئيس في مدينة سرت عام 2016، قام “دنقو” بتأسيس فرع جديد للتنظيم في الجنوب الليبي تحت اسم “جيش الصحراء” تكون من 3 كتائب تحت قيادته وعين لكل كتيبة قائد، وذلك بهدف التموضع في الجنوب واتخاذه قاعدة للتوسع نحو ليبيا دول الجوار الذين كان أغلب مقاتلي التنظيم ينتمون إليها، بالإضافة إلى عدد من المقاتلين الهاربين من مدينة سرت، وتجنيد عناصر جديدة وخاصة الأفريقية
وخطط “دنقو” لعدد من العمليات الإرهابية الكبرى التي شنها التنظيم كانت أحدها على بوابة الكنشيلو جنوب منطقة ودان، واثنان آخران استهدفا بوابة التسعين شرق مدينة سرت، ومنطقة زلة جنوب الهلال النفطي، كما ثبت تورطه في الهجوم على بوابة الفقهاء في الجفرة والتي قتل خلالها 12 عسكريًا ليبيًا، وضلوعه في تفجير محكمة مصراتة، وتمتعت عناصره بحرية حركة عبر الحدود الجنوبية لليبيا، مما دفع الجيش الوطني الليبي لشن أكثر من عملية عسكرية موسعة لكبح جماح فرع التنظيم الجديد.
واستفاد جيش الصحراء من التضاريس الصعبة في المناطق الصحراوية في جنوب ليبيا، واستغل حالة السيولة الأمنية في المناطق الحدودية للتمدد في دول الساحل والصحراء التي مثلت له موردًا بشريًا مهمًا كان يحتاج له، بالإضافة إلى الانخراط في عمليات تهريب البشر والتي كانت أحد أهم الموارد المالية للتنظيم، فضلًا عن أموال الفدية التي يتحصل عليها من عمليات الخطف، وكذلك نسج علاقات متشابكة مع القبائل والميليشيات الأفريقية التي نجحت في التمركز بالجنوب الليبي وقامت بتوفير جانب كبير من الاحتياجات اللوجيستية للتنظيم (أسلحة – ذخائر – طعام – وقود).
وشهدت السنوات التي تلت النشاط المتزايد للتنظيم خفوتًا في عمليات التنظيم، ولكن شهدت الأشهر الماضية من العام الجاري نشاطًا متزايدًا لتنظيم داعش الإرهابي في جنوب ليبيا، وهو ما يشير إلى استمرار “دنقو” في خدمة التنظيم الإرهابي، وتركزت أغلب هجمات التنظيم في منطقة “غدوة” التي تبعد قرابة 70 كم من جنوب سبها نظرًا لموقعها الاستراتيجي، إذ تربط “غدوة” مدينة سبها مع مع دول الجوار الإفريقي في مالي والنيجر تحديدًا، ما يعطيها أهمية استراتيجية تتيح التواصل بين عناصر التنظيم في ليبيا وهذه البلدان، بالإضافة إلى أنها تعد ملاذًا أمنًا لعناصر التنظيم كونها محاطة بمزارع كثيفة وأشجار النخيل فضلًا عن حدودها الصحراوية الجبلية الوعرة مما يزيد من صعوبة مهمة الجيش الوطني الليبي في تتبع العناصر ومطاردتها.
ختامًا، تشكل العملية الأمنية النوعية التي نفذها الجيش الوطني الليبي ضد الإرهابي “المهدي دنقو” القيادي بتنظيم داعش، ضربة قوية استهدفت قيادات التنظيم وذلك في ضوء تصاعد النشاط الإرهابي مرة أخرى في الجنوب بعد سنوات من خسارته الكبرى في مدينة سرت، وقد تعيق هذه العملية نشاط التنظيم بشكل مرحلي ولكن قد يتم استئناف نشاطه المتزايد مرة أخرى، في ضوء ما تشهده الساحة الليبية من تطورات على المستوى السياسي والاقتصادي، وهو ما يمهد الأرض أمام تنظيم داعش وغيره، لاستغلال هذه التطورات لممارسة نشاطها الدموي مرة أخرى.
.
رابط المصدر: