المواجهة بين إسرائيل والحوثيين في اليمن: سيناريوهات التصعيد ومآلاته

  • اعتبرت إسرائيل الهجوم الحوثي على تل أبيب، في 20 يوليو، تجاوزاً للخط الأحمر، ما أنهى سياسة الاحتواء الإسرائيلية للهجمات الحوثية التي استهدفت مناطق جنوب إسرائيل، وإيلات تحديداً، منذ اندلاع الحرب في قطاع غزة.
  • من المتوقع أن تواصل إسرائيل استهداف المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون في حال أدّى هجوم للجماعة إلى إحداث أضرار في الداخل الإسرائيلي، في حين ستمتنع عن الرد في حال اُعتُرِضَت الهجمات الحوثية من قبل الدفاعات الجوية الأمريكية أو الإسرائيلية.
  • يحمل التصعيد بين الحوثيين وإسرائيل تداعيات إقليمية محتملة، فاستمرار المواجهة وتصعيدها سوف يُعمِّقان من أزمة أمن الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن، ويزيدانِ من حالة عدم الاستقرار في المنطقة، وربما انزلاقها لصراع إقليمي واسع.
  • من المهم احتواء التصعيد الحاصل بين الحوثيين وإسرائيل من طريق تسريع العمل على وقف إطلاق النار في قطاع غزة، والضغط على الأطراف من أجل التوصل إلى اتفاق يُنهي الحرب القائمة بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية.

 

نفَّذت إسرائيل، لأول مرة، هجوماً مباشراً على جماعة “أنصار الله” الحوثية في اليمن، عبر قصف ميناء الحديدة، الواقع غرب البلاد، في 20 يوليو 2024. جاء القصف الإسرائيلي رداً على هجوم حوثي على مدينة تل أبيب بمسيَّرة هجومية، نتج عنه مقتل مواطن إسرائيلي وجرح ثمانية. اعتبرت إسرائيل الهجوم على تل أبيب تجاوزاً للخط الأحمر، ما أنهى سياسة الاحتواء الإسرائيلية للهجمات الحوثية التي استهدفت مناطق جنوب إسرائيل، وإيلات تحديداً، منذ اندلاع الحرب في قطاع غزة.

 

سياق المواجهة بين الحوثيين وإسرائيل

بدأت هجمات جماعة الحوثي على إسرائيل قبل الحرب في قطاع غزة، ولكنها كانت قليلة وغير فاعلة، وقد وضعت إسرائيل الجماعة المسلحة اليمنية على خريطة التهديدات لأمنها القومي قبل سنوات، ولكنها لم تفعل شيئاً حيالها، من منطلق أن الحوثيين “أداة إيرانية” في المقام الأول بحسب الفرضية السائدة، لذلك استمرت إسرائيل في استهداف المصالح الإيرانية المباشرة دون استهداف القوى المسلحة المتحالفة معها في المنطقة.  وبعد اندلاع الحرب في غزة كثّفت جماعة الحوثي من هجماتها على إسرائيل، واستهدفت تحديداً منطقة إيلات، التي تُعد أقرب نقطة جغرافية لليمن. وبحسب المصادر الإسرائيلية، وصل عدد الهجمات الحوثية إلى 220 هجوماً منذ اندلاع الحرب على قطاع غزة، صُدَّ أغلبها بواسطة الدفاعات الجوية الأمريكية والإسرائيلية.

 

تبنَّت إسرائيل سياسة عدم الرد على الهجمات الحوثية، وحتى إنكارها في بعض الأحيان، وذلك في إطار التفاهمات مع واشنطن بترك “معالجة” تهديد الحوثي على كاهل الولايات المتحدة، من حيث تنفيذ هجمات على أهداف عسكرية في اليمن، في إطار عملية “حارس الازدهار”، أو الدفاع عن إسرائيل ضد الهجمات الحوثية بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة، وتأمين الملاحة البحرية. ويبدو أن هذه السياسة كانت نابعة من عدم رغبة إسرائيل في فتح جبهة جديدة بضغط من الشارع الإسرائيلي في حال أعلنت مراراً عن هذه الهجمات، وانحصارها في منطقة في الأطراف، فضلاً عن أن هذه الهجمات لم تكن موجعة وكانت تُعتَرَض قبل وصولها للهدف، وبسبب التفاهمات مع الولايات المتحدة بهذا الشأن.

 

اعتبر الجيش أن هجوم المسيّرة الحوثية، في 19 يوليو، تخطٍّ غير مقبول للخطوط الحمراء، فهي المرة الأولى التي تدخل فيها طائرة من دون طيار حوثية وتقتل مواطناً إسرائيلياً، مؤكداً أن الرد الإسرائيلي جاء لنقل رسالة مفادها أن إسرائيل لن تصمت على قتل مواطنيها، وأنها قادرة للوصول إلى أي منطقة وضربها، فالعملية العسكرية في الحديّدة كانت أبعد هدف وصل له سلاح الجو الإسرائيلي في تاريخه، لذلك أُطلِق عليها “الذراع الطويلة”.

 

اعتبر الإسرائيليون الهجوم الحوثي على مدينة تل أبيب، بمُسيَّرة هجومية، “تجاوزاً للخط الأحمر” (AFP)

 

الأهداف الإسرائيلية من الهجوم على ميناء الحديدة

أولاً، تهدف إسرائيل من ردها على الحوثيين إرسال رسالة للمنطقة عموماً، وللولايات المتحدة خصوصاً، أن سياسة الاحتواء انتهت بالنسبة لها في التعامل مع الهجمات الحوثية، وأنها في المرحلة المقبلة سوف تتخذ خطوات عقابية ضد جماعة الحوثي إذا استهدفت إسرائيل مرة أخرى.

 

ثانياً، تدفيع الحوثيين ثمناً باهضاً لهجومهم على تل أبيب، فمقابل استهداف شريان الحياة في إسرائيل، وهي منطقة المركز ورمز السيادة الإسرائيلية، جاء استهداف ميناء الحديدة الذي يُعدّ شريان الحياة ورمز السيادة والحكم لجماعة الحوثي.

 

ثالثاً، إعادة الهيبة لإسرائيل في المنطقة؛ فاستهداف الحوثيين لتل أبيب مسّ بها، وساهم في استمرار تآكل الردع الإسرائيلي، فجاء الهجوم الذي أُطلق عليه قصداً “الذراع الطويلة” لتذكير دول المنطقة عموماً، والمحور الإيراني خصوصاً، أن إسرائيل قادرة على الرد على جبهات بعيدة وبصورة فتاكة، ولوحدها.

 

رابعاً، منع النقد الداخلي على الحكومة الإسرائيلية على تهاونها مع هجمات الحوثيين، وخاصة في ظل استمرار الهجمات من الجبهة اللبنانية، حيث يهدف الهجوم إلى رفع المعنويات في الشارع الإسرائيلي الذي يشعر بالإهانة والإحباط من القصف المستمر على إسرائيل من لبنان واليمن دون توقف أو رد إسرائيلي حاسم.

 

خامساً، دَفْع الولايات المتحدة والغرب لتصعيد هجماتهم وردِّهم على الهجمات الحوثية على الملاحة البحرية، وعلى إسرائيل، حيث اتضح أن مستوى الهجمات الأمريكية-البريطانية على الحوثيين لم تردعهم، ولم تؤثر فيهم، بل صعّدت الجماعة مستوى الهجمات على الملاحة البحرية، وعلى إسرائيل. في هذا الصدد، يُعد الهجوم الإسرائيلي رسالة للأطراف الغربية بأهمية تصعيد مستوى الهجمات، وضرب الحوثيين بشكل متواصل لردعهم.

 

إسرائيل وتحديات مواجهة الحوثيين

تدرك إسرائيل أن هجومها لن يردع جماعة الحوثي من الرد، وقد يؤدي إلى استمرار هجماتها على إسرائيل، فبعد أقل من عشرة ساعات من الهجوم على الحديدة، أطلق الحوثيون صواريخ باتجاه إسرائيل، صُدَّت بواسطة منظومة الدفاع الأمريكية، ومنظومة “الحيتس 3” الإسرائيلية. جاء استهداف ميناء الحديدة، كما يقول المسؤولون الإسرائيليون، رسالة رمزية للحوثيين والمنطقة، حيث اعتبرت إسرائيل، كما أشرنا سابقاً، أن الميناء يُشكل الرئة الاقتصادية للحوثيين، ومحطة لوصول السلاح الإيراني لليمن، وضرْب الميناء هو عملياً ضرب للسيادة الحوثية في اليمن وقدرتها على الحكم.

 

ولا تملك إسرائيل سجلاً مليئاً لبنك أهداف في اليمن، مقارنة مثلاً مع إيران ولبنان وسورية. فلم يكن تهديد جماعة الحوثي على رأس سلم أولويات الاستخبارات العسكرية والموساد الإسرائيلي، وحتى الهجوم على الحديدة كان ضمن أهداف أُعدَّت سريعاً على ما يبدو، وهو هدف معروف مسبقاً للاستخبارات العسكرية ولم يكن نتاج جهد خاص.

 

تدرك إسرائيل أن ضربها أهدافاً تتبع الحوثيين لن يردعهم من الرد، وقد يؤدي إلى استمرار هجماتهم على العمق الإسرائيلي (AFP)

 

وقد بدأت الاستخبارات العسكرية والموساد في الفترة الأخيرة، كما يُتداول في الإعلام الإسرائيلي، ببناء بنك أهداف للحوثيين، والتعرف على جماعة “أنصار الله” في اليمن، في أعقاب الهجمات على إسرائيل بعد الحرب على غزة، وذلك تحضيراً لإمكانية قيام إسرائيل بتنفيذ عمليات هجومية بدلاً من الولايات المتحدة الأمريكية. وبالتالي، تملك إسرائيل بنك أهداف محدود في اليمن. وتشير المصادر الإسرائيلية إلى أنه قد يشمل بعض مخازن الأسلحة، ومنشآت تصنيع وتطوير المسيرات والصواريخ الباليستية، ومؤسسات وبُنية تحتية مدنية أخرى في اليمن. غير أن استهدافها لن يُؤثر كثيراً في دافعية الحوثي وقدراته الهجومية. وحتى مع وجود بنك أهداف محدود في اليمن، فإن قدرة إسرائيل على توسيعه يحتاج إلى وقت كما يقول المحللون الإسرائيليون؛ إذ إن الاهتمام الاستخباراتي الإسرائيلي بمصادر قوة الحوثيين داخل اليمن جديد، مما سيجعل المنشآت المدنية أهدافاً مركزية للهجمات الإسرائيلية على ما يبدو.

 

ويشير الخبير العسكري الإسرائيلي يوسي ملمان، إلى أن الهجوم على جماعة الحوثي لن يُسهم في ترميم منظومة الردع الإسرائيلية، إذ إن سلاح الجو الإسرائيلي معروف في المنطقة بقدراته للوصول وضرب أهداف بعيدة، فلا جديد يضيفه الهجوم على اليمن بالنسبة للقدرات الهجومية الإسرائيلية. واعتبر المحلل العسكري عاموس هرئيل أن الهجوم اليمني ورد الفعل الإسرائيلي يُشكل مرحلة جديدة في الحرب في قطاع غزة، وقد تتطور إلى حرب إقليمية متعددة الجبهات، وهو تطور لن تكون إسرائيل جاهزة له. أما الجنرال احتياط يسرائيل زيف فيعتقد أن إسرائيل تستطيع مواجهة تهديد الحوثيين، مؤكداً أنهم خصم لا يُمكن ردعه، ولن يؤثر قصف الميناء في الحديدة فيهم على رغم الألم الذي وجهته إسرائيل للحوثيين بقصفه، وفي اعتقاده تكمن المشكلة الحقيقيّة في إيران وليس جماعة الحوثي، وفي إمكانية اندلاع مواجهة متعددة الجبهات بسبب العامل الإيراني.

 

اقرأ المزيد من تحليلات «مهند مصطفى»:

 

سيناريوهات التعاطي الإسرائيلي تجاه الحوثيين

بالإمكان الإشارة إلى ثلاثة سيناريوهات محتملة لسياسات إسرائيل تجاه تهديدات الحوثيين، وهجماتهم ضدها:

 

السيناريو الأول، انحصار الرد الإسرائيلي على الهجمات الحوثية المؤثرة فقط (الوضع الحالي)

يَفترِض هذا السيناريو أن إسرائيل ستستمر في ضرب الحوثيين رداً على هجمات حوثية مؤثرة فيها، وهذا يعني أن إسرائيل ستهاجم المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون في حال أدّى هجوم للجماعة إلى إحداث أضرار في الداخل الإسرائيلي، في حين ستمتنع إسرائيل عن الرد في حال تم اعتراض الهجمات الحوثية من طرف الدفاعات الجوية الأمريكية أو الإسرائيلية.

 

وينطلق هذا السيناريو من محاولة إسرائيل تجنُّب توسيع المواجهة مع الحوثيين خوفاً من فتح جبهات قتالية أخرى، حيث استطاعت إسرائيل احتواء التهديد الحوثي لها من طريق صدّ أغلب هجماته عليها بمساعدة منظومة الدفاعات الجوية الأمريكية. وتعتبر إسرائيل أن المشكلة الحقيقية لا تكمن في تهديد الحوثيين بل في نفوذ إيران الداعم الأكبر لهم، لذلك من المفضل بالنسبة لدى إسرائيل تركيز خطابها وجهودها على المشروع الإيراني في المنطقة، وهو ما فعله نتنياهو في تأطير الصراع مع الحوثيين بوصفه جزءاً من الصراع مع إيران.

 

إلى جانب ذلك، فإن هذا السيناريو يخدم التصور الإسرائيلي في تأطير التهديد الحوثي بوصفه تهديداً إقليمياً وليس تهديداً ضد إسرائيل فقط، لذلك دعت إسرائيل دول المنطقة إلى التكاتف لمواجهة تهديد الجماعة اليمنية للملاحة البحرية التي تمس دول الاقليم وليس إسرائيل فقط.

 

يضاف إلى ذلك، من المتوقع أن تواصل إسرائيل تركيز جهدها العسكري على الجبهات الساخنة، وخاصة في الشمال وفي قطاع غزة، فهذه الجبهات تحتاج إلى تركيز الموارد عليها، فضلاً عن أن تهديد الحوثيين مؤقت ونابع من استمرار الحرب على قطاع غزة. كما أن الرد على الهجمات الحوثية المؤثرة فقط يعطي إسرائيل الشرعية الدولية والقانونية في الهجوم على منشآت يمنية تحت السيطرة الحوثية، وتحتاج إسرائيل في الوقت الحاضر إلى هذه الشرعية خاصة في ظل استمرار الحرب على قطاع غزة، والنقد الواسع الذي يطال إسرائيل لوقف حربها، وربط وقف التوتر في المنطقة بانتهاء الحرب في القطاع.

 

ويواجه هذا السيناريو عدة تحديات، أهمها عدم قدرته على ردع الحوثيين وضمان عدم استمرار هجماتهم على إسرائيل؛ والضغط الشعبي الداخلي الذي سيُطالِب الحكومة والجيش بالرد على هجمات الحوثيين بعد انكشاف حجم تلك الهجمات وتداعياتها على إسرائيل؛ كما أن هذا السيناريو سيُظهر إسرائيل وكأنها عاجزة ومترددة في مواجهة الحوثيين وتهديدهم المثابر لها.

 

استمرار المواجهة الإسرائيلية-الحوثية وتصعيدها سيُعمِّقان من أزمة الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن (AFP)

 

السيناريو الثاني، استحضار “السيناريو الإيراني” للحالة الحوثية 

ينطلق هذا السيناريو من أن إسرائيل وضعت جماعة “أنصار الله” في منظومة التهديدات الاستراتيجية عليها، وهو ما سيدفعها إلى بدء حرب استنزاف علنية وسرية ضدها، بما يشبه حرب الظل مع إيران. وهو ما يعني استمرار الهجمات الإسرائيلية على الحوثيين بغض النظر عن هجمات هؤلاء على إسرائيل، أو علاقة هذه الجبهة مع الحرب في قطاع غزة.

 

ويعتمد هذا السيناريو على أن الصراع مع جماعة الحوثي في اليمن لا يمكن أن ينتهي في ضربة واحدة، فالحوثي، كما يقول بعض المحللين الإسرائيليين، خصم لا يمكن ردعه، وفي نفس الوقت يُشكل تحدياً جديداً للأمن القومي الإسرائيلي، ولهيبة إسرائيل في المنطقة، لذلك فإن التعامل معه يكون من طريق مواجهة مستمرة ومتواصلة تؤدي  إلى القضاء على قدراته العسكرية وتدمير بنيته السلطوية. وهذا الأمر، وفقاً لأنصار هذا السيناريو، ممكن بالذات بعد انتهاء الحرب في غزة، حيث إن إسرائيل ستكون قادرة على التفرع لهذا التهديد، وضربه دون أن يُشكل تهديداً لها بسبب قدراتها الدفاعية، وقلة إمكانيات الحوثيين على تهديد العمق الإسرائيلي بصورة جدية. فاستمرار المواجهة مع جماعة الحوثي من طريق تنفيذ عمليات متواصلة في العمق اليمني، وفقاً لهذا السيناريو، هو الطريق الأفضل لإضعاف هذا التهديد قبل أن يكبر ويطور إمكانياته الهجومية التي ستتحدى المنظومة الدفاعية الجوية. ويعتمد هذا السيناريو على التجربة السابقة لإسرائيل مع الجبهات الأخرى، والتي أدى غياب المواجهة المتواصلة مع خصوم إسرائيل فيها إلى تطويرهم لمنظومات هجومية تُهدد الأمن الإسرائيلي، في ظل العجز الإسرائيلي على إنهائه دون خوض حرب طويلة ودامية مثل الحرب على حركة حماس في قطاع غزة.

 

وتكمن تحديات هذا السيناريو في أنه، أولاً، لا يوجد بنك أهداف كاف يمكن لإسرائيل أن توجع بها الحوثيين وتثنيهم عن مواصلة تهديدهم لإسرائيل؛ وثانياً، لا تملك جماعة الحوثي استقلالية سياسية كاملة في اتخاذ قرارات قد تدفعها لتغيير سياساتها تجاه إسرائيل؛ وثالثاً، تسليح الجماعة قادم بالأساس من إيران، ولذلك فإن ضرب قدراتها العسكرية لن يعيق إمكانية تسلحها المتواصل؛ ورابعاً، تُبدد هذه المواجهة موارد كثيرة، وبالتحديد مالية، يمكن بذلها في ضرب مصالح إيرانية من شأنها التأثير على قدرات الحوثيين؛ وخامساً، ستلاقي إسرائيل معارضة دولية لما يحمله هذا السيناريو من مخاطر زيادة التصعيد الإقليمي وتوسيع ساحة الحرب لجبهات أخرى.

 

السيناريو الثالث، اتباع سياسة الرد على أي هجوم حوثي يستهدف المصالح الإسرائيلية 

يَفترِض هذا السيناريو أن إسرائيل ستتبع سياسة الرد على أي هجوم للحوثيين بغض النظر عن تحقيق الهجوم أهدافه أم لا. وهذا معناه فتح جبهة مواجهة مستمرة مع جماعة الحوثي لن تتوقف إلا بتوقف الجماعة المسيطرة على شمال اليمن عن توجيه ضربات للمصالح الإسرائيلية. ويعتمد هذا السيناريو على أن الهجمات الانتقائية لمصالح الحوثيين لن تردعهم عن استمرار شن الهجمات على إسرائيل، وهذا ما حصل بعد الهجوم على ميناء الحديدة، حيث شن الحوثيون بعد ساعات قليلة هجوماً على إسرائيل نجحت والولايات المتحدة في التصدي له. وينطلق هذا السيناريو من أن الرد على كل هجوم سوف يُسهِم في تراجع دافعيّة الحوثيين لتوجيه هجمات على إسرائيل، وفي نفس الوقت يسهم في ترميم منظومة الردع الإسرائيلية، التي تعتبر أن أي هجوم على إسرائيل يجب أن يُواجه برد عسكري إسرائيلي بغض النظر عن نتائج هذا الهجوم.

 

استنتاجات 

يحمل التصعيد بين جماعة الحوثي في اليمن وإسرائيل خطراً على استقرار المنطقة أمنياً واقتصادياً؛ فالهجمات الإسرائيلية على الحوثيين سوف تزيد من تصعيدهم لهجماتهم على إسرائيل، وعلى الملاحة البحرية، وقد يرفع هذا الأمر من مستوى التصعيد إلى درجات أخرى، مما قد يؤدي إلى تصعيد إسرائيلي أكبر في حال تعرَّضت إسرائيل لهجمات موجعة من طرف الحوثيين. والتصعيد على الجبهة اليمنية قد لا يتوقف هناك، وإنما قد يمتد لجبهات أخرى في العراق وسورية، إلى جانب جبهات الشمال والجنوب. كما أن تصعيد المواجهة قد يؤدي إلى توريط دول عربية فيه بشكل غير مباشر، خاصة إذا أدى التصعيد بين الطرفين إلى انتهاك سيادة دول عربية التي قد تضطر لأخذ موقف ضد انتهاك سيادتها، مما يعرضها لخطر الانزلاق في المواجهة.

 

وبهذا، فإن استمرار المواجهة الإسرائيلية-الحوثية وتصعيدها سوف يُعمِّقان من أزمة أمن الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن، ويزيدان من حالة عدم الاستقرار في المنطقة، وربما انزلاقها لصراع إقليمي واسع. فحتى مع ترجيح سيناريو انحصار رد إسرائيل على هجمات حوثية موجعة تطال العمق الإسرائيلي، فإن ذلك لن يمنع تدهور المواجهة إلى صراع إقليمي تدخل فيه فواعل عسكرية مثل المليشيات العراقية، وإيران، وهو أمر يُنذر بحدوث تداعيات سلبية كبيرة على الأمن الإقليمي. وبالتالي، فإن من المهم أن يدفع الفاعلون الدوليون المؤثرون نحو احتواء التصعيد الحاصل بين الحوثيين وإسرائيل من طريق تسريع العمل على وقف إطلاق النار في قطاع غزة، والضغط على الأطراف من أجل التوصل إلى اتفاق يُنهي الحرب القائمة، مما يسهم في إنهاء التوتر في المنطقة.

 

المصدر : https://epc.ae/ar/details/scenario/almuajaha-bayn-israel-walhuthiiyn-fi-alyaman-sinariwhat-altaseid-wamalatuh

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M