المواقف الإيرانية من انهيار نظام الأسد في سورية: محاولة استيعاب الصدمة

  • حاولت إيران التقليل من حجم التغييرات الجارية في الساحة السورية، ومن ثمَّ التخفيف من حجم الخسارة الإيرانية الناتجة عن تلك التغييرات. لكنّ الموقف النهائي الإيراني من العهد الجديد في سورية لا يزال غامضاً، وقيد التشكّل.
  • يسود الأوساط الرسمية الإيرانية اعتقادٌ بأن ما جرى في سورية، ليس إلّا خطوة أولى من أجندة هدفها مواجهة إيران، وأن هناك مشروع أمريكي-إسرائيلي لتقويض “محور المقاومة”، وأن المحطة المقبلة، قد تكون العراق، أو اليمن، ليأتي بعدها دور إيران.
  • أدى سقوط الحليف السوري إلى تعزيز عدم الثقة الإيرانية بروسيا، بوصفها حليفاً استراتيجياً، كما عزز هواجس إيران تجاه تركيا، التي اتهمتها العديد من الأوساط الإيرانية بأنها أدت دوراً أساسياً في إسقاط نظام الأسد.
  • يبدو أن هناك رهانات إيرانية في هذه المرحلة، على أن سورية لن تشهد استقراراً سياسياً في المستقبل القريب، وعلى أن السلطة الجديدة في دمشق، لن تستطيع فرض سيادة كاملة على الأراضي السورية.
  • حضَّت مواقف صادرة عن برلمانيين إيرانيين، ومراكز تفكير شبه رسمية، سلطات بلادهم على دعم بقايا “محور المقاومة” الموالي لطهران، لمنع تكرار ما حدث في سورية؛ وتسريع وتيرة التسلح النووي، لرأب الصدع الذي أصاب منظومة الردع الإيرانية.

 

أظهرت المواقف والتصريحات الإيرانية التي تلت سقوط مدينة حلب السورية في يد قوات المعارضة المسلحة تحوُّلاً تدريجيّاً باتجاه استيعاب حقيقة أفول النظام السوري، والتي رسمت نهاية المشروع الإيراني في سورية. وفي سياق هذا الاستيعاب، ومحاولة التخفيف من الانعكاسات الداخلية للحدث الإقليمي، حاول الجانب الإيراني التقليل من حجم التغييرات الجارية في الساحة السورية، ومن ثمَّ التقليل من حجم الخسارة الإيرانية الناتجة عن تلك التغييرات. لكنّ الموقف النهائي الإيراني من العهد الجديد في سورية لا يزال غامضاً، ويمكنُ القول إنه قيد التشكّل.

 

محاولة التقليل من حجم الخسارة

في تعليقه على الحدث السوري، أكد القائد الأعلى الإيراني علي خامنئي، في خطاب ألقاه يوم 11 ديسمبر، أن ما حصل في سورية “بلا شك نتيجة خطة مشتركة أمريكية صهيونية”، مُشيراً إلى أن “المقاومة ستتّسع أكثر من السابق، وتنتشر في كل المنطقة”، وتوجّه بالحديث إلى من وصفهم بـ”المحللين السذج الذين يتحدثون عن أن إيران والمقاومة سوف تضعف” بالقول: “إنها قوية وستصبح أكثر قوة”. واستطرد أنّ “المناطق المحتلّة من سورية ستتحرّر على أيدي الشباب السوريّين الغيارى؛ لا تشكّوا في أن هذا الأمر سيحدث”.

 

وبشكل عام، حاول الجانب الإيراني التقليل من حجم التغييرات الجارية في سورية، والتأكيد على أنها لا تأتي على حساب مصالحه. وذهب بعض المحسوبين على النظام الإيراني إلى أن تنظيم تحرير الشام قد تغير، وأنه يختلف عن جبهة النصرة، وتنظيم الدولة الإسلامية. وأكّدت الصحافة الرسمية الإيرانية، خصوصاً تلك المقربة من المحافظين والحرس الثوري، أن “هيئة تحرير الشام” وقائدها أحمد الشّرع (أبو محمد الجولاني)، تعهَّدا بعدم المساس بالمقدسات الشيعية، أو بالأقلية الشيعية في سورية. كما تعهدا بعدم المساس بالسفارة والقنصليات الإيرانية في البلاد. وألمحت وجوه من المحافظين الإيرانيين إلى وجود اتفاق مع الجولاني، بينما قالت وزارة الخارجية الإيرانية إن هذه التطمينات جاءت عبر مفاوضات غير مباشرة مع الهيئة، وقيادتها، توسطت فيها أطراف إقليمية. وفي كل ذلك، أرادت إيران إبراز أنها تمتلك قنوات تواصل مع المعارضين المسلحين، وأنها تقوم بالتنسيق معهم، لصون المزارات الشيعية، والمنشآت الإيرانية.

 

حاول الجانب الإيراني التقليل من شأن سقوط نظام الأسد في سورية، واعتبره “نتيجة خطة مشتركة أمريكية صهيونية” (أ ف ب)

 

وفي سياق محاولة التقليل من حجم الخسارة، أشارت مراكز التفكير المقربة من المحافظين، وبعض وجوههم الرسمية، إلى أن سقوط الجبهة السورية بقيادة الأسد، لا يعني رغم أهميته، أن محور المقاومة قد انهار؛ إذ بحسب هؤلاء: “لا تمثل سورية إلا محطة واحدة ضمن محور المقاومة إلى جانب العراق ولبنان وفلسطين واليمن”. وقال وزير الخارجية الإيراني، من جهته، أن “سقوط سورية لا يعني انقطاع خط الإمداد الذي تعول عليه محور المقاومة”، وأن خط الإمداد لم يكن محصوراً في الطريق البري، مستشهداً في ذلك بالإمدادات التي كانت تحصل عليها من وصفها بـ “المقاومة في اليمن”.

 

وبشكل عام، حاول المحافظون في إيران التأكيد على بقاء “حزب الله” صامداً وقوياً في جبهة المقاومة رغم انقطاع الاتصال البري به، زاعمين أن الحزب يمتلك الأدوات اللازمة لتحديث ترسانته من دون الحاجة إلى إيران.

 

ويمكن اعتبار تلك التصريحات، دلالة على هاجس انقطاع الاتصال البري بين إيران وأهم حليف لها في المنطقة. وزعمت مصادر مقربة من “الحرس الثوري”، من ضمنها “صحيفة جوان“، أن إيران لم تخسر شيئاً بسقوط الأسد، وأنها حققت على مدار الأعوام الفائتة كل ما كانت تصبو إليه، وأن الأسد تعاون إلى حدٍّ بعيد مع إيران.

 

تسويغ الانتكاسة المفاجئة للنظام السوري

ترابطت محاولات التقليل من حجم الخسارة التي مُنيت بها إيران، ومحور مقاومتها، بمحاولات رديفة، لتسويغ كل ما حدث، من منطلقات ثورية، تتناسب مع منطق النظام. وفي هذا السياق، أكدت المصادر المقربة من “الحرس الثوري” أن الأسد كان قد ابتعد عن إيران في الآونة الأخيرة، وأنه وضع ثقته في الأطراف العربية، وهي الأطراف التي خذلته أخيراً. كما أشارت هذه المصادر إلى أن القائد الإيراني الأعلى، كان قد حذَّر في وقت سابق بشار الأسد، من تداعيات عدة نقاط، منها: عدم انفتاحه على الشعب السوري، وعدم انتباهه إلى تحسين المؤشرات الاقتصادية، ووضع ثقته في المشاريع والمخططات والوعود الغربية. لكن بشار لم يأخذ النصائح على محمل الجد، ولذلك كان انهيار نظامه “متوقعاً”.

 

وعلى الرغم من كل المحاولات الإيرانية للتقليل من حجم الخسائر، والتبريرات المتتالية لسقوط النظام السوري، إلّا أن رصداً بسيطاً للمواقع الخبرية، والمواقف الصادرة عن المراكز المقربة من المؤسسات السيادية، يظهر بشكل واضح أن الجانب الإيراني تفاجأ بما حدث في سورية، وأنه لم يكن في تفاصيل المشهد. كما أن العديد من البرلمانيين، حتى في لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية، والعديد من الوزراء السابقين المحسوبين على “الحرس الثوري”، كانوا يؤكدون على أنهم لا يعرفون ما الذي يحدث، ويطالبون بتوضيح المشهد لهم. وكان التخبُّط واضحاً في تغطية التلفزيون الرسمي؛ إذ بدا متذبذباً بين وصف الثوار بالجماعات المسلحة المعارضة، أو بالإرهابيين، أو بالمعارضة القانونية. كما بدا المحللون في التلفزيون الرسمي متذبذبين أيضاً، وزعم الكثيرون منهم، حتى أولئك المرتبطين بالحرس الثوري، أن المقاومة قادمة، وأن الورقة ستنقلب في سورية.

 

وبغض النظر عن منطق الأحداث، فإن سرعة التطورات كانت مفاجئة؛ حيث أظهرت مختلف المراكز الرسمية، ومراكز التفكير والتحليل المقربة منها، استغرابها من سرعة تقدم المعارضين، وانعدام المقاومة الرسمية، وكانوا يتوقعون مزيداً من الصمود من الحكومة السورية، والحليف الروسي، ولم يستوعبوا أن ما جرى كان بالتنسيق مع النظام السوري.

 

وأظهرت أطراف عدة، استغرابها من أن الأسد لم يطلب من إيران أي مساعدة حتى اللحظات الأخيرة. وحاولوا تسويغ ذلك بأن الرئيس السوري كان يراهن على أطراف أخرى من غير إيران، وأنه وضع ثقته في الوعود العربية لإنقاذ نظامه. وعلى الرغم من الادّعاءات التي أكدت أن طهران لم تخسر شيئاً، وأن محور المقاومة لم يتأثر بما يجري، فإن الأوساط السياسية الإيرانية ليس في مقدورها تجاهل التحليلات التي تقول إن طهران هي الخاسر الأكبر في المشهد الدولي مما حصل في سورية، وربما هي الخاسر الوحيد؛ إذ قُضي تماماً على طريقها للتواصل البري مع “حزب الله”، كما قُضيَ على حليف من حلفائها الاستراتيجيين، واستبدل بجماعات أقل ما يقال عنها أنها ترى إيران العدو رقم واحد. وأشارت قراءات تحليلية شبه رسمية إلى أن الجميع تقريباً بما فيهم روسيا، حصل على ما يريده في سورية، أو حصل على شيء منه، مقابل التنازل عن موقفه، باستثناء إيران، التي كانت الطرف الوحيد الذي لم يعلم بما يجري في سورية.

 

أبدت أطراف إيرانية عدة استغرابها من عدم طلب الأسد أي مساعدة من إيران لمنع سقوط نظامه (أ ف ب)

 

تنامي الهواجس الإقليمية الإيرانية

في خطابه يوم 11 ديسمبر، اتهم القائد الأعلى علي خامنئي، دولة جارة لسورية (لم يسمها) بأنها أدت دوراً في الأحداث التي شهدتها سورية، وأدت لسقوط نظام الرئيس بشار الأسد على يد فصائل المعارضة المسلحة. وتابع: “لكلٍّ من المعتدين على سورية هدفٌ يسعى إليه.. بعضهم يطمح في احتلال الأراضي، وأمريكا تسعى لتثبيت أقدامها في غربي آسيا، لكن الزمان كفيل بإثبات أن لا أحد منهم سيبلغ أهدافه”. وثمّة وعيٌ إيرانيٌّ قائمٌ يتجلّى في المواقف المعلنة، بأنّ الساحة السورية كانت ساحة تنافسٍ بين إيران وتركيا، وأن إيران خسرت سورية لصالح الأتراك. وفي سياق هذا الهاجس، تحدثت مصادر رسمية في الجهاز الدبلوماسي والبرلمان عن أن تركيا احتالت على إيران وغشّتها؛ إذ كانت تركيا قطعت قبل نحو شهرين وعوداً صارمة، بعدم التدخل في سورية، وعدم المساس بالنظام القائم هناك، لكنها نكثت بالوعود.

 

وفي الإطار ذاته، غطت مراكز الرصد والتفكير الإيرانية، مواقف تركية تشير إلى أن الخطوة التركية التالية في وجه إيران، ستكون في “ممر زنغزور“؛ ليتضح أن الهاجس التركي سيكون هاجساً طاغياً في خلال المرحلة المقبلة.

 

لماذا لم تتحرك إيران لدعم الأسد؟

على الرغم من أنّ إيران الرسميّة بدت متفاجئة بما يحدث في سورية، ومتفاجئة أكثر بالتلكؤ السوري في مقاومة الهجوم، وبسرعة تقدُّم قوات المعارضة، فإنّ وجوهاً مهمة في النظام السياسي الإيراني، ظلّت حتى لحظة إعلان سقوط النظام، تتوقع انخراطاً إيرانياً في المواجهة لدعم نظام الأسد، باعتبار أن سورية محطة استراتيجية للمشروع الإقليمي الإيراني، لكنّ لم يحدث شيء كهذا على أرض الواقع.

 

ويبدو أن الأوضاع الميدانيّة ما كانت تساعد إيران على التدخُّل الفعّال لمساندة الأسد؛ فالأذرع الإيرانية التي كانت إيران تعوّل عليها في الحرب الأهلية السورية، لم تكن نشطةً في الآونة الأخيرة. وكانت طهران اعتمدت على “حزب الله” اللبناني في عمليّتها للذود عن النظام السوري في خلال العقد الثاني من القرن الحالي. وعمل “حزب الله” لصالح نظام الأسد، بشكل مباشر عبر “قوات الرضوان”، وبشكل غير مباشر من طريق إنشاء وتجهيز “حزب الله” السوري، وتنظيمات سورية أخرى. وشاركت في هذه العملية تنظيمات عراقية وفَّرت العدد الأكبر من المقاتلين، وتمتّعت بالتصاق بري بالساحة السورية من طريق هيمنتها الميدانية على العراق. لكنّ أياً من هذه التنظيمات لم يعُد فعالاً في المرحلة الراهنة كما في السابق؛ إذ كان “حزب الله” منهكاً ومنهاراً تقريباً بفعل الحرب مع إسرائيل. أما التنظيمات العراقية، فلم تستطع أن تتحرك في ضوء إغلاق الحكومة العراقية للحدود مع سورية، وحياد المرجعية الشيعية، ونتيجة وجود خلافات عميقة داخل الفصائل الشيعية بشأن المشاركة في هذه المواجهة. وبقي “فيلق القدس” الذي أدار الحرب في الأعوام الفائتة خارج الخدمة في ضوء مقتل غالبية قادته الميدانيين، والانتكاسة التي طالت صفوفه، وأدت إلى تهميش واضح لقائده الجنرال إسماعيل قاءاني.

 

ومن ناحية أخرى، كان هناك وعي إيراني بابتعاد الأسد عن إيران في خلال العامين الأخيرين، ومحاولته العودة إلى الحضن العربي. وتناولت عدة منصات إعلامية إيرانية بالتحليل بعض المزاعم التي أشارت إلى أن ثمة ضغوطاً مارسها نظام الأسد على القوات الإيرانية لمغادرة الأراضي السورية، وأن الامتعاض الإيراني من هذه الضغوط هو الذي يقف خلف تلكؤ طهران في الذّود عن الأسد وحماية نظامه، وذلك في ضوء الوعي بأن الأسد، حتى لو بقي في السلطة، فإنه سيواصل مسار إخراج القوات الإيرانية، والميليشيات من الأراضي السورية، وسيكون المصير واحداً.

 

التصور الإيراني للخطوات التالية

الوعي السائد في الأوساط الرسمية الإيرانية، أن ما جرى في سورية، ليس إلّا خطوة أولى من أجندة ستكون الغاية منها مواجهة إيران، وأن هناك مشروع أمريكي-إسرائيلي لتقويض محور المقاومة، وأن المحطة المقبلة، قد تكون العراق، أو اليمن، ليأتي بعدها دور إيران. وما اقتصر هذا الوعي على جانب واحد من المشهد السياسي الإيراني؛ إذ تشاطره المحافظون والمعتدلون، كما شاركت فيه وجوه ميدانية مؤثرة، وقادة الميليشيات الموالية لإيران، خصوصاً في العراق. وفي سياق هذا الوعي، دعا الجميع إلى الجاهزية للمرحلة القادمة، وعدم التعامل معها من منطلق اللافاعلية، واعتبارها مرحلة مصيرية، لا يمكن الاستهانة بها أو التفاوض عليها.

 

وأدى ما جرى في سورية إلى تعزيز عدم الثقة بروسيا، بوصفها حليفاً استراتيجياً؛ فقد كثرت المواقف التي تؤكد أن تجربة سورية تظهر خطأ التعويل على النظام الروسي الذي اتهمه بعض المحللين الإيرانيين “ببيع أقرب حلفائه مقابل الحصول على امتيازات يريدها”. وقد يؤدي هذا الوعي إلى إضعاف الجبهة الموالية لروسيا في القرار السياسي الإيراني، وخصوصاً بعض الأطراف في “الحرس الثوري”، التي تعول على التحالف الاستراتيجي مع موسكو.

 

يعتقد الكثير من الإيرانيون أن بلادهم خسرت نفوذها في سورية لصالح تركيا (أ ف ب)

 

وبدا هاجس الاختناق بين كماشتي الإسلام السياسي السُّني (أفغانستان وسورية) واضحاً في الأوساط السياسية الإيرانية؛ إذ اعتبرت تحليلات إيرانية أن هيمنة طالبان على الحدود الشرقية لإيران، وهيمنة هيئة تحرير الشام ذات النزعة السلفية الجهادية على الحدود الغربية للعراق تحدياً يجب التعامل معه، والتماس حلول للحؤول دون تحوله إلى تهديد استراتيجي.

 

وعلى إثر هذه الخسارة الاستراتيجية، يُمكنُ ملاحظة طلائع امتعاض واضحة بين المتشدّدين في الداخل الإيراني من جهة، وفلول المقاتلين العائدين من سورية الذين يُعرفون في إيران بـ “حُماة الحرم” من جهة ثانية، والميليشيات المدعومة من إيران في الخارج من جهة ثالثة. وحاولت الصحافة الرسمية الإيرانية، أنْ تنشر مواقف صادرة عن أقرباء قتلى “حُماة الحرم”، تؤكد من طريقها، أنهم غير نادمين على ما فعله أقرباؤهم في سورية. لكنّ ذلك لم يمنع استفحال السخط وسط تلك الفئات التي أبرزت تخلي طهران عن أهداف مقدسة، بعد ذلك الحجم الواسع من الضحايا، وبعد حجم كبير من الأموال، تم تقديره بثلاثين مليار دولار.

 

ومن المفترض أن ينعكس هذا السخط، بين “حُماة الحرم”، والميليشيات الأفغانية والباكستانية التي شاركت في الحرب الأهلية السورية على مواقف السياسية الداخلية، ويخلّف موجات من الامتعاض والشعور بتخلي المجتمع، والنظام السياسي عنهم. وهي حالة قد تكون مشابهة لما حدث في الولايات المتحدة بعد عودة المحاربين من فيتنام. وفي إطار هذه التداعيات، يمكن ملاحظة المواقف الصادرة عن برلمانيين، ومراكز تفكير شبه رسمية، بضرورة بذل جهد كبير، واتخاذ خطوات لازمة للجاهزية للمرحلة المقبلة، وإعادة ترميم نظام الردع الإيراني. ومن ضمن الخطوات التي أشاروا إليها، ضرورة العمل على دعم بقايا محور المقاومة، لمنع تكرار ما حدث في سورية. والعمل على الحصول على الأسلحة النووية في وقت عاجل، لرأب الصدع الذي أصاب منظومة الردع الإيرانية.

 

من جهة أخرى، يبدو أن هناك رهانات إيرانية في هذه المرحلة، على أن سورية لن تشهد استقراراً سياسياً في المستقبل القريب، وعلى أن الجهات المهيمنة في هذه اللحظة، لن تستطيع فرض سيادة وإرادة كاملة على الأراضي السورية. ومن المتوقع بحسب ما رشح من مراكز التفكير الإيرانية، أن تحافظ إيران على تواصلها مع المكونات الشيعية والعلوية الموجودة في سورية. وأن تعزز إيران هذا التواصل، وربما تدعم هذه تلك الجاليات بطرائق شتى للتأثير على المشهد السوري، والتفاوض مع النظام السوري القادم، والحصول على امتيازات. وبموازاة ذلك، يقترح بعض المحللين الإيرانيين إمكانية استخدام إيران الأكراد السوريين لحماية مصالحها في سورية ما بعد الأسد، وأداة للضغط ضد تركيا، باعتبارها اللاعب الخارجي الأبرز في المشهد السوري الجديد.

 

المصدر

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M