د.رعدهادي جبارة
يحلو للبعض أن يردد ويكرر جملة ليس لها مصداقية، دون ان يتأمل فيها [لا فرق بين ترامب وبايدن] والبعض الآخر يستشهد بالمثل الايراني القائل( الكلب الاصفر أخو الثعلب) .
المفترض بنا — كدبلوماسيين و باحثين سياسيين وصحفيين– ان لا نتناقل هذه المقولة كالببغاء وأن لا نعتبرها صحيحة البتة.فالفرق بل الفوارق بينهما كثيرة.
فدونالد شخص طارئ على السياسة و”غشيم” في شؤون الرئاسة و حتى بروتوكولاتها ، قضى عمره يرتاد صالات القمار و يتاجر بالويسكي والخمر ويعاقرهما ،و يشتري كازينوهات الرقص والدعارة و يزيد أرصدته من عائداتها في البنوك ، ويتهرب من دفع الضرائب ، حتى غدا مليارديراً، لكن لا حظ لديه من ثقافة، او فكر، وليس له مراس سياسي ولا حنكة قيمة.
و “دونالد” هذا كاثوليكي المذهب ،و متزوج من عارضة ازياء ، متهور و مزاجي ،و مبغض للصحافة وشريحة الصحفيين.
و هذه الصفات كلها تختلف عن صفات بايدن البروتستانتي المذهب ، و الذي شغل منصباً عالياً في الطبقة السياسية وهو في الثلاثينات من عمره ، ليكون رئيساً للجنة السياسة الخارجية بمجلس الشيوخ ، ويعاد انتخابه لأربع دورات متتالية عن بنسلفانيا.
و “جو” كانت له لقاءات كثيرة ومئات الاجتماعات مع مئات الوزراء والزعماء والنواب والسفراء ، ثم ما لبث ان اختاره الرئيس الاسبق باراك اوباما ليكون نائبه لثماني سنوات.
وبايدن منفتح على ذوي الاصول اللاتينية و المسلمين وعقد كثيرا من الاجتماعات الخفية الرسمية والمشاورات العديدة مع سفراء الجمهورية الإسلامية الإيرانية في الامم المتحدة، منذ كان في نيويورك السيد نجاد حسينيان ، وبعده كمال خرازي حتى محمد جواد ظريف ، وهو السفير الذي اختاره الرئيس حسن روحاني كوزير للخارجية ، و امتدحه القائد الخامنئي وشهد له باخلاصه ونزاهته.
لقاءات جو بايدن واجتماعاته مع السفراء الايرانيين جعلته يحمل فهما دقيقا للساحة الإيرانية، ومجرياتها وشخوصها ، لا سيما وان الاتفاق النووي بين ايران ومجموعة 5+1 عندما وقّع عام 2015 كان بايدن و كيري الساعدَين الايمن والايسر للرئيس اوباما.
فرقٌ آخر بين دونالد و”جو” ، وهو أن الاول وعد بمغادرة الاتفاق النووي مع ايران ، و نفذ وعده ، ثم قرر أن يفرض عقوبات خانقة ومشددة وقصوى على طهران ، والثاني (اي :جو) الذي وعد بالتفاهم مع طهران والعودة الى المسار الدبلوماسي معها ، والى الاتفاق الذي اعتمده سلفه ورئيسه اوباما.
ولنتساءل عن فوارق أخرى بين المذكورَين.
ألا يختلف من أيّد وساند خنق المظلوم جورج فلويد الاسود، وقاتليه وقمع المحتجين، عمّن اختار كاميلا هاريس ذات البشرة السمراء والاصول اللاتينية نائبة للرئيس ؟!
وهل يستوي من أيّد و ساند الرياض في حربها الطاحنة على اليمن ومن لم يفعل ذلك بل رفض و أدان حرب اليمن و وعد بالضغط لوقفها وحقن دماء اليمنيين،؟
وهل يمكن ان يكون لا فرق بين دونالد المؤيد لإبن سلمان في تقطيعه لأعضاء عدنان خاشقجي بالمنشار ،و بين “جو” الذي أدان جريمة قنصلية اسطنبول وطالب بمعاقبة قتلة عدنان ومقطّعيه بالمناشير؟!
واخيراً؛
هل يستوي من قتل الفريق قاسم سليماني وتفاخر بجريمته، و “جو” الذي كان نائباً لاوباما عندما قتل الإرهابي بن لادن؟
ذكرنا الفوارق بينهما ولم نقل إن فلاناً خير من الاخر..و بعيداً عن الحب و البغض، فإن الانصاف يقتضي ان ننتظر السبعين يوماً المتبقية من حكم الارعن طرمبه و انقضاء عام أو أكثر على بدء رئاسة بايدن لنحكم عليه من خلال سلوكه ، و مواقفه و قراراته ، و استبداده و عنجهيته من عدمه ، و حينذاك فلكل حادث حديث.
*باحث اسلامي، دبلوماسي سابق
المصدر: عبر منصات التواصل للمركز