لا يمكن للبلاد أن تتغلب على المستقبل البائس بمفردها، وذلك بسبب فشلها في اتخاذ خطوات حاسمة، مما سيؤدي إلى كارثة في الأمن الإقليمي.
لقد كانت مشاركة ممثلي منظمة الأمم المتحدة في الحديث حول أزمة الجفاف التي يمر بها العراق في الوقت الحاضر في أوائل شهر يونيو/حزيران من العام الجاري سبباً بسيطاً للتفاؤل. في الوقت الذي كان فيه الألمان والأوروبيون يتذمرون من ارتفاع درجات الحرارة في واحدة من أولى موجات الحر خلال هذا العام، حيث وصلت درجة الحرارة إلى 30 – 34 درجة مئوية، كانت موجات الحرارة الممتدة في العراق، والتي بلغت فيها درجات الحرارة إلى أكثر من خمسين درجة مئوية، بالإضافة الى تأخر سقوط الامطار، سبباً في تدمير الأهوار.
المنظومة البيئية الواقعة في قلب منطقة الهلال الخصيب الشرق الأوسط، والتي تشمل مساحات أخرى واقعة على امتداد نهري دجلة والفرات، تواجه كذلك تحديات كبيرة. إذا ما استمر التغير المناخي في المنطقة بنفس هذه الوتيرة، فإنها ستعاني من أكثر من ٣٠٠ عاصفة رملية سنوياً بحلول عام 2050. تَبخر المياه وشحة الكميات المتدفقة من المياه، بالإضافة إلى قلة الامطار، كل هذه العوامل سينتج عنها انخفاض في منسوب المياه العام الى أدنى حد ممكن، كما ستؤدي قلة المياه الجوفية المتاحة للزراعة إلى عواقب وخيمة على سكان الأرياف والمدن. قبل أكثر من عام، أشار وزير البيئة العراقي جاسم عبد العزيز الفلاحي، إلى ما تنبأ به العلماء في وقت سابق. وبدأت تأثيرات هذه التنبؤات تظهر فعلياً، مما سيؤثر في العقود القادمة على الدول المجاورة والمجتمع الأوروبي.
كما هو الحال في دول الشرق الأوسط الأخرى، فإن الظروف المناخية التي تتدهور بشكل مستمر تؤثر على الحياة اليومية لشريحة كبيرة من سكان العراق، لا يزال هؤلاء السكان بحاجة إلى الوصول بشكل منتظم الى نفس الكمية من المياه النقية التي اتاحت للحضارات المتقدمة الازدهار على هذه الأرض قبل قرون خلت. ولكن هذا الأمر على وجه التحديد يصبح أكثر صعوبة ـ وذلك بسبب العديد من العوامل التي لا يمتلك العراق القدرة على التأثير فيها بشكل كبير.
شحة المياه تتسبب بالهجرة
في مطلع القرن العشرين، كان وصول حوالي 1350 متر مكعب من المياه في كل ثانية إلى العراق أمراً طبيعياً. أما اليوم يصل تدفق المياه إلى 149 متر مكعب فقط. تتعرض روافد الأنهار الكبرى في العراق، دجلة والفرات، للجفاف بشكل متزايد. بالإضافة إلى الجفاف الذي يعصف بالمناطق الجبلية العراقية، تقوم كل من إيران وتركيا ببناء السدود وغيرها من احواض خزن المياه، وأخذ المزيد والمزيد من المياه لسد احتياجاتها الخاصة. تركيا على وجه التحديد ـ وهي مصدر لما يقارب 70% من المياه العراقية العذبة، قامت بتصعيد سياساتها القمعية لفرض مصالحها الخاصة في شمال العراق (الكردي). هذا وعلى الرغم من اتفاقية عام 2021 بين أنقرة وبغداد المتعلقة بزيادة تدفق المياه الى العراق.
لقد تسبب التَبخر في تفاقم مشكلة نقص تدفق المياه المتجهة إلى العراق، حيث يؤدي هذا التَبخر إلى فقدان نحو 14.7% من المياه السطحية سنوياً في العراق. تشهد مناطق زراعة الحبوب، التي تقع على ضفاف نهري دجلة والفرات، والأهوار الجنوبية، تدهوراً كبيراً بسبب هذا الجفاف، مما يؤدي في بعض الحالات إلى جفاف تام. بالإضافة إلى ذلك، فإن بعض المسطحات المائية، مثل سد حمرين وبحيرة أم البني، فقدت أكثر من 50% من حجم مياهها. ومن المتوقع أن تتحول إلى صحاري قاحلة في غضون السنوات القادمة. وهذا الأمر بدوره، يتسبب في خسارة المجتمعات المحلية، خاصةً القائمة على الزراعة، وتربية الماشية، وسبل المعيشة للسكان العراقيين، الذين عاش البعض منهم في هذه البلاد لقرون طويلة، ليس لديهم خيار سوى الهجرة إلى المدن الكبيرة، حيث يجدون أنفسهم في صراع من أجل البقاء هناك أيضاً.
المصدر : https://www.bayancenter.org/2023/12/10631/