محمد منصور
أفرزت الحرب في أوكرانيا العديد من النتائج الجيوسياسية والاستراتيجية على المستوى الدولي، إلا أن تسخين “النزاعات الجغرافية المجمدة” في عدة مناطق في العالم يمكن عدّه من أبرز هذه النتائج؛ فقد أعادت المعارك الحالية في أوكرانيا إلى الأذهان الملفات المتعلقة ببعض المعضلات التي طرأت على الوضع الدولي عقب الحرب العالمية الثانية وظلت دون حلول جذرية منذ نهاية الحرب وحتى الآن، مثل ملف سلسلة جزر “الكوريل” الذي ظل عقبة أساسية حيال التطبيع الكامل للعلاقات بين طوكيو وموسكو، وأدى إلى عدم توقيع الجانبين لمعاهدة سلام نهائية تكتب نهاية رسمية لحالة الحرب التي استعرت بينهما خلال الفصل الأخير من الحرب العالمية الثانية.
عودة الأضواء مرة أخرى لهذا الملف كانت من نتائج الوضع القائم حاليًا في أوكرانيا؛ فقد تسبب تموضع طوكيو في الزاوية المؤيدة لكييف في هذه الحرب وانضمامها إلى الدول التي وقعت عقوبات على موسكو في إنهاء الأخيرة لمشاركتها في المفاوضات حول جزر “الكوريل”، والتي كانت تجري -بصورة متقطعة- منذ خمسينيات القرن الماضي. التصعيد المفاجئ من جانب موسكو في هذا الملف وإن كان مرتبطًا بشكل أساسي بموقف طوكيو المؤيد لكييف يرتبط كذلك برواسب تاريخية واستراتيجية ترسخت خلال العقود الماضية حول سلسلة الجزر التي تتزايد أهميتها بالنسبة لكلا الطرفين سنة بعد أخرى.
جغرافيا وتاريخ جزر الكوريل
تمتد سلسلة جزر “الكوريل” -التي تضم نحو 56 جزيرة- على مسافة 1200 كيلو متر، وتربط -على شكل قوس- بين الطرف الجنوبي لشبه جزيرة “كامتشاتكا” الروسية والطرف الشمالي الشرقي لجزيرة “هوكايدو” اليابانية، وتشكل فاصلًا طبيعيًا بين بحر “أوخوتسك” الروسي والمحيط الهادئ.
الجزر المتنازع عليها بين روسيا واليابان هي أربع عشرة جزيرة من هذه الجزر، تنقسم إلى جزر سلسلة الكوريل الكبيرة بما فيها جزيرة “إيتوروب” التي تبلغ مساحتها 3 آلاف كيلومتر مربع وجزيرة “كوناشير” التي تبلغ مساحتها 1.5 ألف كيلومتر مربع، بجانب سلسلة جزر الكوريل الصغيرة ومنها جزيرة “شيكوتان” البالغة مساحتها 182 كيلو مترًا مربعًا، وجزر أخرى.
تم اكتشاف سلسلة الكوريل عام 1634 على يد البحارة الهولنديين، وتبلغ مساحتها الكلية 10.5 آلاف كيلومتر مربع، وتتألف هذه السلسلة من سلسلتين متوازيتين من الجزر هما السلسلة الكبرى والصغرى، تضمان مجتمعتين نحو 30 جزيرة كبيرة بجانب عشرات الجزر الصغيرة التي تنقسم بدورها إلى قسمين جزر الكوريل الشمالية وجزر الكوريل الجنوبية.
قام اليابانيون باستيطان هذه السلسلة من الجزر خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، لكن يمكن عدّ عام 1711 بداية التنافس الروسي – الياباني حول هذه الجزر، حين غزتها موسكو للمرة الأولى. وبحلول عام 1835، كانت كل جزر هذه السلسلة -عدا جزر الكوريل الجنوبية الأربع وهي “ايتوروب” و”كوناشير” و”شيكوتان” و”هابوماي”- قد أصبحت تحت السيطرة الروسية.
تم تأطير هذا الوضع قانونيًا بين موسكو وطوكيو عام 1855 بعد أن وقعتا معاهدة “شيمودا” التي أقرت سيادة روسيا على كامل سلسلة جزر الكوريل عدا الجزر الجنوبية الأربع التي احتفظت بكين بالسيادة عليها. إلا أن موسكو تنازلت لاحقًا عن كافة جزر الكوريل بموجب معاهدة “سان بطرسبرج” التي وقعتها مع اليابان عام 1875، وتنازلت بموجبها عن هذه الجزر مقابل تأكيد سيادتها على جزيرة “سخالين” الاستراتيجية.
لم يتم تفعيل هذه الاتفاقية بشكل كامل إلا بعد أن انتصرت اليابان على الإمبراطورية الروسية عام 1905 ووقعت معها معاهدة “بورتسموث” التي أكدت فيها موسكو على تنازلها عن كامل جزر سلسلة الكوريل وكذا بعض الأراضي الواقعة جنوبي جزيرة “سخالين”. خلال العقود اللاحقة، قامت الحكومة اليابانية بإعادة بناء المدن والبنى التحتية داخل جزر الكوريل، وتدفق على هذه الجزر آلاف اليابانيين الذين عملوا في الصيد والتعدين.
خسرت طوكيو مجددًا كامل سلسلة جزر الكوريل أواخر الحرب العالمية الثانية بعد أن أعلن الاتحاد السوفيتي الحرب على الإمبراطورية اليابانية في الثامن من أغسطس 1945، وتمكنت القوات السوفيتية بعد معركة عنيفة مع القوات اليابانية في جزيرة “شامسو” من السيطرة على كافة جزر هذه السلسلة لتحقق الهدف الأساسي الذي أعلنت الحرب على الإمبراطورية اليابانية من أجله، ألا وهو السيطرة على كافة جزر الكوريل، وهو الهدف الذي وعدت واشنطن موسكو بمساعدتها على تحقيقه خلال المباحثات التي ترافقت مع توقيع اتفاقية “يالطا” أوائل عام 1945.
النتيجة الميدانية السوفيتية في هذه المعركة وما تضمنه إعلان “بوتسدام” الذي أصدره الحلفاء في يوليو 1945 شكلا الأساس الذي استندت إليه موسكو لشرعنة سيطرتها على كافة أنحاء سلسلة جزيرة الكوريل، ومن ثم قامت بدمج هذه الجزر رسميًا ضمن أراضي الاتحاد السوفيتي في فبراير 1947، وأصدرت قرارًا بترحيل كافة السكان اليابانيين إلى الداخل الياباني. لم يستمر صمت طوكيو طويلًا حيال هذا الأمر، وأعلنت الحكومة اليابانية عام 1949 عدم وجود أي أساس قانوني لاتفاقية “يالطا”، وطالبت بالسيادة الكاملة على جزر الكوريل الجنوبية الأربع.
الكوريل في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية
ظلت طوكيو على موقفها هذا رغم قيامها بالتوقيع عام 1951 على معاهدة “سان فرانسيسكو” للسلام والتي شكلت الإطار الأساسي للعلاقة بين اليابان والحلفاء عقب الحرب العالمية الثانية. توقيع اليابان على هذه المعاهدة تضمن الموافقة على تخليها عن أي مطالبة بحقوقها في جزر الكوريل والمناطق جنوبي جزيرة “سخالين”.
هذا البند ارتكزت عليه موسكو للتأكيد على عدم سيادة طوكيو على هذه الجزر، في حين جادلت طوكيو بالقول إن الاتحاد السوفيتي لم يوقع على هذه الاتفاقية، وأن الجزر الأربع التي تطالب بها اليابان لا تتبع لأرخبيل الكوريل، وبالتالي لا يسري عليها هذا البند، وهو جدل مستمر حتى وقتنا الحالي.
خلال العقود اللاحقة، جرت محاولات من جانب كلا الجانبين لإيجاد حل لهذه المسألة، وكانت البداية بتوقيع كلا البلدين عام 1956 اتفاقية لإعادة تأسيس العلاقات الدبلوماسية بينهما وإطلاق الجهود لإنهاء حالة الحرب التي كانت تقنيًا مازالت مستمرة بينهما. تزامنت هذه الخطوة مع اقتراح سوفيتي بإعادة الجزيرتين الأصغر حجمًا من جزر جنوب الكوريل -وهما جزيرتي “شيكوتان” و”هابوماي”- إلى اليابان، مقابل تنازل طوكيو عن مطالبها في الجزيرتين الأكبر حجمًا “ايتوروب” و”كوناشير”.
كان الهدف الأساسي للاقتراح السوفيتي هو فك الارتباط بين اليابان والولايات المتحدة الأمريكية، لكن رفضت اليابان -بإيعاز أمريكي- هذا العرض، وأصرت على موقفها السابق الذي أعلنته عقب الحرب العالمية الثانية. وأدى ذلك إلى تفاقم التوتر بين الجانبين، خاصة فيما يتعلق بحقوق الصيد في بحر أوخوتسك وقبالة سواحل المقاطعات السوفيتية، وكذلك ملف إعادة أسرى الحرب اليابانيين.
وقد وصل التوتر إلى ذروته عام 1960 بتوقيع كل من واشنطن وطوكيو المعاهدة الأمنية الاستراتيجية بينهما، والتي على إثرها سحبت موسكو اقتراحها السالف ذكره، وأعلنت أنها لن تسلم جزيرتي “هابوماي” و”شيكوتان” ما لم تقم اليابان بإلغاء هذه المعاهدة، علمًا بأن موسكو حاولت عام 1964 إقناع طوكيو بإنهاء هذه الاتفاقية وإخراج القوات الأمريكية من أوكيناوا مقابل إعادة هاتين الجزيرتين إليها، لكن لم تفلح في هذه المحاولة.
تكررت محاولات حل هذا الملف خلال سبعينيات القرن الماضي الذي شهد تحسنًا ملحوظًا في العلاقات بين الاتحاد السوفيتي واليابان؛ فقد أظهرت الوثائق الدبلوماسية التي رفعت عنها السرية العام الماضي أن الزعيم السوفيتي ليونيد بريجنيف قام بطرح نفس الاقتراح السابق المتعلق بإعادة جزيرتين من جزر جنوب الكوريل الأربع إلى اليابان مقابل توقيع طوكيو على معاهدة مع موسكو تقر فيها بالوضع القائم في الكوريل خلال القمة التي جمعته ورئيس الوزراء الياباني تاناكا كاكوي عام 1973.
وهو ما كرره لاحقًا وزير الخارجية السوفيتي أندريه جروميكو خلال زيارته العاصمة اليابانية في يناير 1976 بهدف البحث عن نقطة مشتركة لإعادة إطلاق مباحثات السلام مع طوكيو، لكن كان الرد الياباني في الحالتين هو الرفض، فبدأت موسكو عام 1979 في إعادة تأهيل المواقع العسكرية الموجودة في الجزر الأربع، وحشدت قوات كبيرة في عدة جزر بالكوريل مثل “إيتوروفو” و”كوناشيري” و”شيكوتان”.
وعلى الرغم من “المرونة” التي شابت الأداء السوفيتي الخارجي خلال المرحلة الأخيرة من عمر الاتحاد، إلا أن تشدد موسكو تجاه هذه القضية ظل طاغيًا خلال حقبة ميخائيل جورباتشوف، عدا محاولة تمت خلال الأشهر الأخيرة من عمر هذا الاتحاد تواصل فيها المسؤولون السوفييت مع الحكومة اليابانية وعرضوا عليها اقتراحًا بتأجير جزر الكوريل الجنوبية الأربع وجزء من جزيرة “سخالين” لليابان، أو تجديد الاقتراح السابق بإعادة جزيرتين من جزر جنوب الكوريل الأربع إلى اليابان، لكن إصرار الأخيرة على الحصول على الجزر الأربع كاملة أجهض هذه الاقتراحات.
موسكو والنظرة الحديثة لجزر الكوريل
استمر التشدد الروسي في هذا الصدد بعد انهيار الاتحاد السوفيتي؛ إذ لم يتخذ الرئيس الروسي بوريس يلتسين موقفًا مغايرًا فيما يتعلق بهذه القضية، رغم تقديم اليابان مساعدات مالية كبيرة لروسيا، وهذا ظهر بشكل كبير خلال زيارته إلى طوكيو منتصف عام 1993 والتي لم تسفر عن أي جديد فيما يتعلق بهذه القضية.
بعد هذه الفترة، ظل ملف جزر الكوريل على حاله رغم منح روسيا عدة تسهيلات لليابان فيما يتعلق بجزر الكوريل الجنوبية، منها: السماح لليابانيين الراغبين في زيارة الجزر بدخولها دون تأشيرات، والسماح للصيادين اليابانيين بالصيد في المنطقة الروسية الاقتصادية. لكن هذا الوضع لم يدم طويلًا، فعادت التوترات للتصاعد ببطء بين الجانبين، خاصة على خلفية أنشطة الصيد اليابانية في هذه المنطقة، والتي بدأت وحدات حرس السواحل الروسية في التضييق عليها منذ عام 2006.
بدأت موسكو مطلع عام 2011 في تنفيذ استراتيجية جديدة تعتمد على توسيع التواجد العسكري على الجزر الأربع المتنازع عليها، وكذلك تعظيم الاستفادة الاقتصادية من هذه الجزر الغنية بالموارد الطبيعية. تمثل هذه الجزر موطئ قدم مهمًا للجيش الروسي في المحيط الهادئ، وتمثل نقطة ارتكاز تسمح بالاستفادة من المضائق غير المتجمدة الموجودة في هذا النطاق مثل مضيقي “فريز” و”كاثرين.
فيعد الأول الممر البحري الأساسي للقطع البحرية وسفن الشحن الروسية المنطلقة من موانئ جزيرة “ساخالين” ومحيطها، ناهيك عن كون هذه الجزر بمثابة بوابات حماية لبحر “أوخوتسك” الداخلي الذي ستفقد موسكو -في حالة تخليها عن هذه الجزر- حقوقها في هذا النطاق البحري. يضاف لما سبق احتواء هذه الجزر على ثروة سمكية متنوعة واحتياطيات كبيرة من الغاز والنفط تتراوح التقديرات الخاصة بها بين 400 و500 مليون طن، بالإضافة إلى المعادن النادرة التي تحتويها جزر الكوريل خاصة جزيرة “إيتوروب”.
لذا، سارت موسكو قدمًا منذ زيارة رئيس الوزراء السابق ديمتري مدفيديف إلى جزر الكوريل الجنوبية عام 2011 قدمًا نحو تحقيق هذه الأهداف، بالتوازي مع مساعي مشتركة مع طوكيو لحل هذه الأزمة. خلال زيارة مدفيديف السالف ذكرها، أصدر أمرًا يقضي بنشر أسلحة متطورة على جزر الكوريل الجنوبية، وتعزيز الفرقة الثامنة عشر -وهي القوة العسكرية الروسية الأساسية التي تتمركز في جزر “أيتوروب” و”كوناشير” و”سيكوتان”- حيث تلقت هذه الفرقة المزيد من الجنود والعتاد ووحدات الدفاع الجوي والساحلي منذ ذلك التوقيت وحتى الآن، ويقدر تعداد الجنود الموجودين في هذا النطاق بنحو 3500 جندي.
بداية هذا التعزيز كانت عام 2016 بوصول وحدات الدفاع الساحلي الصاروخية من نوعي “باستيون” و”بال” إلى جزيرتي “كوناشير” و”إيتوروب”، وتمركزها بشكل قتالي فيهما، بالتزامن مع تأسيس أسطول المحيط الهادئ الروسي عدة مرافق للصيانة والإعاشة، خاصة بهذه المنظومات التي تم تعزيزها أواخر عام 2021 بمنظومات إضافية من نوع “باستيون” التي يصل مداها إلى 450 كيلو متر. على مستوى الدفاع الجوي، خدم في هذه الجزيرة منذ عام 2016 منظومات الدفاع الجوي “تور-إم” و”بوك-إم”، وتم تعزيزها أواخر عام 2020 ببطاريات الدفاع الجوي بعيدة المدى “إس-300 في4”.
ما سبق يضاف إلى عمليات التحديث والإنشاء المستمرة للمواقع العسكرية الجديدة في الجزر الأربع، وهو ما آثار عام 2018 احتجاج طوكيو التي سبق واحتجت على قيام أسطول المحيط الهادئ الروسي بإرسال بعثة إلى جزر الكوريل الجنوبية لبحث إمكانية إنشاء قاعدة بحرية في جزيرة “ماتوا”، وهو ما أعلنت وزارة الدفاع الروسية أنه جارٍ بالفعل عام 2017. على مستوى التدريبات العسكرية، درجت القوات الروسية على تنفيذها بشكل دائم في هذا النطاق، كان أبرزها تدريبات تمت في سبتمبر الماضي، وأخرى تمت الشهر الجاري شارك فيها عشرة آلاف جندي واثنتا عشرة قطعة بحرية وأكثر من ثلاثين طائرة.
على المستوى الاقتصادي، تحظى جزر الكوريل -رغم مساحتها الضئيلة- بوزن اقتصادي وعسكري استراتيجي؛ إذ تحتوي على احتياطيات كبيرة من النفط والغاز، إضافة إلى الموارد المعدنية المكتشفة بما فيها الرينيوم والتيتانيوم والمغنيسيوم والكوبلت والنحاس والرصاص والزنك والبلاتين والذهب. على هذه الخلفية، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سبتمبر الماضي عن عزم موسكو إنشاء منطقة حرة لمدة 10 سنين على جزر الكوريل؛ بهدف تشجيع الاستثمار الخارجي، علمًا بأن موسكو استضافت في أبريل الماضي مؤتمرًا دوليًا للاستثمار في جزر الكوريل.
سبق وأعلن نائب رئيس الوزراء الروسي يوري تروتنيف في أغسطس الماضي عن خطة تنموية خمسية تستهدف النهوض بالبنية التحتية والاقتصادية لهذه الجزر، وهي خطة مبنية على الخلاصات التي توصل إليها مسؤولون روس سبق وزاروا هذه الجزر، مثل زيارة نائبَي رئيس الوزراء الروسي ديمتري جريجورينكو ومارات خوسنولين في أكتوبر الماضي ورئيس الوزراء السابق ديمتري مدفيديف في أغسطس 2018 وزيارة رئيس الوزراء الحالي ميخائيل ميشوستين في يوليو الماضي.
التعقيدات الأخيرة لهذا الملف
رغم مُضي موسكو قُدمًا في المسارات السالف ذكرها خلال العقدين الأخيرين، إلا أنها حاولت التوصل إلى حلول مع طوكيو؛ فقد التقى الرئيس الروسي مع رئيس الوزراء الياباني السابق شينزو آبي نحو خمسة وعشرين مرة بين عامي 2007 و2020 في محاول للتوصل إلى صيغة نهائية لحل هذا الملف، لكن لم تفلح هذه اللقاءات في التوصل لأي نتيجة، رغم تحقيق بعض التقدم في هذا الإطار خلال لقائهما في سنغافورة عام 2018، وحينها تم الاتفاق على تسريع وتيرة مفاوضات السلام بين الجانبين على أساس الإعلان المشترك الصادر عام 1956 الذي أشار إلى نقل اثنتين من الجزر إلى اليابان بعد إبرام معاهدة سلام، لكن كانت النقطة الخلافية هي إصرار روسيا على أن تعترف طوكيو أولًا بالسيادة الروسية على جزر الكوريل.
في مايو 2019، زار وزيرا الدفاع والخارجية الروسيين طوكيو، في محاولة للبناء على ما تم التوافق عليه في سنغافورة، لكن لم يصلا إلى أي جديد في هذا الصدد، ودخل الملف فعليًا في مرحلة من الجمود لم يحركها الاتصال الهاتفي الذي جمع في شهر يوليو من نفس العام الرئيس الروسي ورئيس الوزراء الياباني السابق يوشيهيدي سوجا والذي تضمن الاتفاق على نفس ما تم التوافق عليه سابقًا بين بوتين وشينزو آبي.
موقف هذا الملف ازداد تعقيدًا عقب إعلان موسكو مؤخرًا الانسحاب من مباحثات السلام مع اليابان بشأن هذه الجزر، خاصة بعد أن كانت ردود الفعل اليابانية على هذا الإعلان متشددة بشكل لافت؛ فقد تحدث رئيس الوزراء الياباني الحالي فوميو كيشيدا في مارس الماضي عن أن الجزر الأربع هي جزء لا يتجزأ من الأراضي اليابانية، وهي صيغة تجنب من سبقوه في منصبه استخدامها كي لا تتأثر العلاقات مع موسكو. هذه الصيغة وردت أيضًا في الكتاب الأزرق الخاص بالخارجية اليابانية والذي صدر هذا العام.
هذا التصرف إذا أضفناه إلى حديث وزير الخارجية الياباني هيديكي أوياما في اليوم الثاني من العمليات الروسية في أوكرانيا حول “احتلال روسيا الجزء الجنوبي من جزر الكوريل”، وكذا العقوبات المتعددة التي فرضتها طوكيو على موسكو، وتفكير طوكيو حاليًا في الانسحاب من مشروعي “سخالين-1″ و”سخالين-2” المشتركين مع روسيا لإنتاج الغاز المسال؛ يتضح لنا أن هذا الملف -المجمد منذ عقود- أصبح فوق نيران التسخين التدريجي، والتي قد تفتح الوضع الاستراتيجي في المحيط الهادئ على احتمالات قد تحمل في بعض زواياها ملامح بعض الجبهات التي كانت نشطة خلال الحرب العالمية الثانية.
.
رابط المصدر: