النزاع في السودان: أزمة لجوء جديدة في انتظار أفريقيا

محمود سلامة

 

إن ما يمر به السودان في الوقت الراهن من نزاع مسلح بين الجيش وميليشيا الدعم السريع ينذر بكارثة إنسانية جديدة ليس فقط للسكان المحليين الذين يتجاوز عددهم 46 مليون نسمة، وإنما يمتد ليطال أكثر من 1.1 مليون لاجئ يتمركز معظمهم في ولايتي الخرطوم والنيل الأبيض. ويعد تعليق الأمم المتحدة عدد من البرامج الإنسانية في السودان تجاوز عددها 250 برنامجًا بسبب القتال وانعدام الأمن، وخروج نصف مستشفيات الخرطوم من الخدمة بعد خمسة أيام من الصراع مؤشرين رئيسين على أن الأوضاع في طريقها نحو مزيد من التعقيد، الأمر الذي يمثل ضغوطًا على المستفيدين من تلك البرامج ودافعًا لهم للنزوح خارج بؤرة الصراع، سواء إلى ولايات سودانية أكثر أمانًا أو إلى حدود دول الجوار.

أوضاع اللاجئين في السودان

وفقًا لأحدث بيانات المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، فإن عدد اللاجئين تحت مظلة المفوضية في السودان تجاوز 1.1 مليون لاجئ في 2022. ويمثل اللاجئون من جنوب السودان الغالبية العظمي منهم، يتبعهم في الترتيب اللاجئون من إريتريا ثم سوريا وإثيوبيا، إلا أن العدد الفعلي قد يتجاوز مليوني لاجئ وفقًا لمنظمة العمل الدولية، يضاف إليهم ما يزيد على 1.8 مليون نازح داخليًا بسبب الصراع أو التغيرات المناخية. وعلى الرغم من أن 70% من اللاجئين في السودان يعيشون خارج معسكرات أو مخيمات اللاجئين، فإنهم يعانون بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية، وشح الدعم الذي يتلقونه من المنظمات الأممية العاملة في السودان.

الدولة عدد اللاجئين
جنوب السودان 807532
إريتريا 117955
سوريا 93480
إثيوبيا 57682
جمهورية أفريقيا الوسطى 28035

الجنسيات الخمس الأعلى بين اللاجئين في السودان 2022.. المصدر: المفوضية السامية لشؤون اللاجئين UNHCR، 2022.

وعلى الرغم من أن السودان يمتلك خطة استجابة تهدف إلى حماية اللاجئين وتوفير المساعدات اللازمة لهم لسد احتياجاتهم والمساهمة في بناء قدراتهم منذ 2020، فإن سوء الأوضاع الاقتصادية هناك مثّل تحديًا أمام السلطات والمنظمات غير الحكومية السودانية للوفاء بالتزاماتها تجاه اللاجئين.

وتشير تقارير منظمة العمل الدولية إلى أن اللاجئين –خاصةً في شرق دارفور- يعانون من التمييز العنصري عند تلقي الخدمات، بجانب أن فرص إشراكهم في سوق العمل ضعيفة جدًا، ويرجع ذلك إلى عدم كفاية الخدمات الحكومية في الإقليم وزيادة احتمالية الصراعات القبلية.

ولا يختلف الأمر كثيرًا بالنسبة للاجئين في غرب كردفان الذين يعانون من: نقص الخدمات التعليمية، وزيادة معدلات التسرب من التعليم، وضعف فرص التوظيف أو تحقيق دخل يساعدهم على المعيشة والاندماج بشكل أفضل في المجتمعات المحلية على الرغم من أن النسبة العظمي منهم في سن العمل.

ولا يقتصر الأمر على خدمات التعليم أو التوظيف، وإنما يمتد ليشمل الخدمات الصحية التي يحصل عليها اللاجئون في السودان فضلًا عن سوء التغذية التي عاني منها الأطفال، حيث يعاني النظام الصحي السوداني بسبب سوء البنية التحتية ونقص الإمدادات الطبية وقلة العاملين المؤهلين خاصةً في المناطق التي يعيش فيها اللاجئون؛ ويؤكد على ذلك التقرير الصادر عن اليونيسيف بشأن النظام الصحي في السودان، حيث أوضح التقرير أن 30% من السكان لا يمكنهم الوصول للمرافق الصحية في غضون 30 دقيقة، وتفصل 20% من السكان ساعة كاملة عن أقرب مقدم خدمة صحية؛ ما يعني أن هناك تفاوتات كبيرة في تقديم الخدمات الصحية بسبب النطاق الجغرافي أو الوضع الاقتصادي للأفراد.

كل ذلك يشير إلى أن اللاجئين في السودان لا يتمتعون بالحد الأدنى من الخدمات الأساسية كالصحة والتعليم والعمل اللائق، علاوةً على سوء الوضع الأمني بسبب النزاعات القبلية التي تطورت إلى نزاع مسلح طويل الأجل في كثير من المناسبات.

التأثير المتوقع للنزاع الحالي على موجات النزوح واللجوء

أسفر الصراع الدائر بين الجيش السوداني وميليشيا الدعم السريع عن مقتل ما يزيد على 300 وإصابة نحو 3200 شخص وفقًا لبيانات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في السودان (أوتشا). وقد خرج العديد من المستشفيات (70% من مستشفيات مناطق الاشتباكات) من الخدمة، وانقطعت الكهرباء عن الخرطوم بالتزامن مع استمرار نقص المياه والغذاء، الأمر الذي دفع آلاف السكان للنزوح نحو الريف.

وقد امتدت موجات الخروج من العاصمة السودانية إلى البعثات الدبلوماسية والرعايا الأجانب، حيث بدأت معظم دول العالم في إجلاء رعاياها ودبلوماسييها من الخرطوم بعد 6 أيام من الاشتباكات هناك، الأمر الذي يشير بوضوح إلى أن الأوضاع هناك في طريقها نحو مزيد من التدهور.

وفي ظل صعوبة قيام المنظمات الإغاثية بدورها وتعليق معظم المنظمات الأممية عملها، فإنه من المتوقع أن تتزايد موجات النزوح الداخلي واللجوء لدول الجوار بأعداد كبيرة، وقد كانت تشاد أولى الدول المتأثرة بموجات اللجوء بسبب الصراع في السودان، حيث عبرت مفوضية اللاجئين عن قلقها بسبب تصاعد العنف الذي أدى خلال أسبوع واحد إلى فرار ما يقدر بنحو 10 إلى 20 ألف شخص معظمهم من النساء والأطفال إلى المناطق الحدودية لتشاد، ليتجاوز العدد الفعلي للاجئين السودانيين هناك 400 ألف لاجئ يحتاجون إلى الدعم والمساعدة العاجلة، فضلًا عن وجود تقديرات غير رسمية بفرار أكثر مز ١.٥ مليون سوداني من مجتمعاتهم المحلية.

ولا يعبر العدد الذي أعلنته مفوضية اللاجئين عن واقع نزوح السودانيين القسري بسبب النزاع الحالي، بل يمثل فقط مؤشرًا لما يمكن أن يسفر عنه استمرار هذا النزاع من موجة نزوح جماعي قد تشبه في طبيعتها ما أسفرت عنه الحرب في شمال إثيوبيا، حيث أدى النزاع المسلح طيلة عامين في إقليم تيجراي إلى نزوح أكثر من مليوني شخص داخليًا وإلى دول الجوار بعد فشل محاولات التهدئة بين طرفي النزاع، فضلًا عن أن السودان نفسه قد عانى من موجة نزوح مشابهة تجاوزت مليوني شخص أثناء النزاع في دارفور في 2003.

الأمر الذي من خلاله يمكن استخلاص أن مثل هذه النزاعات غالبًا ما تكون طويلة الأمد، وتتسبب في تهجير عدد ضخم من الناس من موطنهم الأصلي قسريًا، وصعوبة إعادتهم طوعيًا بعد انتهاء النزاع.

اللجوء إلى دول الجوار والحاجة إلى الدعم الدولي

تشير بيانات مفوضية اللاجئين إلى أن عدد اللاجئين السودانيين يقدر بحوالي 850 ألف لاجئ في مختلف دول العالم يتمركز غالبيتهم في تشاد وإثيوبيا ومصر، علاوةً على أكثر من 3 ملايين نازح داخليًا؛ وهو عدد قابل للزيادة غير المسبوقة بسبب النزاع الحالي، الأمر الذي يفسح المجال للحديث عن البدائل المطروحة أمام اللاجئين المحتملين من السودان إلى دول أخرى في حالة استمرار النزاع لمدة تزيد على سنة واحدة، فنجد أن مصر تأتي كأفضل الخيارات أمام السودانيين، حيث أن هناك أكثر من 5 ملايين سوداني في مصر خارج مظلة مفوضية اللاجئين ولا تعاملهم السلطات المصرية كلاجئين وإنما يتمتعون بالخدمات الأساسية كما يتمتع بها المصريون.

البديل الثاني يتمثل في التحرك نحو حدود تشاد، حيث يبلغ عدد اللاجئين السودانيين في تشاد حوالي 400 ألف لاجئ تحت مظلة مفوضية اللاجئين، وقد يزيد العدد عن ذلك عند إضافة من هم خارج سجلات المفوضية. إلا أن تشاد قد لا تمثل أفضل البدائل بسبب ما يعانيه السودانيون هناك سواء داخل مخيمات اللاجئين أو في المجتمعات المحلية، حيث يجدون صعوبات في الحصول على الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة والعمل اللائق.

أما إثيوبيا فتمثل الخيار الثالث، حيث يقترب عدد اللاجئين السودانيين في إثيوبيا من 30 ألف لاجئ وفقًا لمفوضية اللاجئين، إلا أن الأعداد غير الرسمية قد تتجاوز ذلك العدد نتيجةً لطبيعة الحدود بين البلدين والعلاقات القبلية التي قد تتمتع بها قبائل البلدين؛ ولكن الصراعات المستمرة في منطقة الفشقة وسوء الأوضاع الأمنية والاقتصادية في إثيوبيا يمثلان عامل طرد للسودانيين أكثر منه كعامل جذب.

من كل ما سبق، يمكن القول إن عددًا من الدول الأفريقية وفي مقدمتها مصر على أعتاب موجة جديدة من اللجوء والنزوح القسري مصدرها السودان، وهو ما يتطلب اتخاذ جملةً من الإجراءات لتخفيف وطأة تلك الموجة على الدول المستقبلة للاجئين، أهمها أن يبدأ الفاعلون الدوليون ممثلون في الاتحاد الأفريقي والمنظمات المعنية التابعة للأمم المتحدة في دفع طرفي النزاع نحو التهدئة واختيار التفاوض للوصول إلى حل يحفظ أرواح السودانيين ويمنع تهجيرهم، وإن تطلب ذلك فرض عقوبات على كل من يدعم طرفي النزاع بالسلاح، وأن يقدم المجتمع الدولي الموارد المادية اللازمة لاحتواء النازحين وتقديم المساعدات الإنسانية سواء داخل السودان أو في دول الجوار طوال فترة النزاع، وتقديم آلية تضمن إعادة اللاجئين والنازحين إلى موطنهم وإعادة دمجهم في مجتمعاتهم من جديد عند انتهاء النزاع.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/76832/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M