- بسمة قضماني
- السفير روبرت فورد
- جيمس جيفري
تستمر عمليات القمع والاعتقالات ضد الناشطين والعاملين في المجال الإنساني في سوريا. كما أن البلاد على شفير أزمة جوع حقيقية ما لم يتم إجراء تغييرات على طريقة توزيع المساعدات. وفي هذا الصدد وغيره من الجوانب الانسانية والسياسية، يبحث اثنان من السفراء الأمريكيين السابقين ومسؤول من المعارضة السورية الدروس الدبلوماسية والجيوسياسية والإنسانية العديدة التي ينطوي عليها الصراع لإدارة بايدن.
“في 5 آذار/مارس، عقد معهد واشنطن منتدى سياسي افتراضي مع بسمة قضماني وروبرت فورد وجيمس جيفري. وقضماني هي عضوة في “اللجنة الدستورية السورية” و “لجنة الصياغة السورية” ومؤسسة “المجلس الوطني السوري” المعارض. وفورد هو سفير الولايات المتحدة السابق في سوريا في الفترة 2011-2014، وزميل أقدم في “معهد الشرق الأوسط” و”زميل كيسنجر الأقدم” في معهد “ييل جاكسون للشؤون العالمية”. وجيفري شغل منصب الممثل الأمريكي الخاص المعني بشؤون سوريا (2018-2020) ونائب مستشار الأمن القومي الأمريكي في الفترة 2007-2008؛ ويرأس حالياً “برنامج الشرق الأوسط” التابع لـ “مركز ويلسون”. وفيما يلي ملخص المقرر لملاحظاتهم”.
بسمة قضماني
الوضع في سوريا مريع، حيث تستمر عمليات القمع والاعتقالات ضد الناشطين والعاملين في المجال الإنساني على حد سواء. كما أن البلاد على شفير أزمة جوع حقيقية ما لم يتم إجراء تغييرات على طريقة توزيع المساعدات. وبالنسبة للعديد من السوريين، أصبح تأمين الغذاء هو الشاغل الوحيد، ولا يستطيع المواطنون العاديون حتى شراء الخبز.
وليس من الواضح إلى أي مدى قد تكون العقوبات مسؤولة عن هذه المعاناة، لكن الحملة الدعائية التي يقوم بها بشار الأسد تشدّد على وجود رابط كبير بين المسألتين. فالعقوبات مفيدة إذا كان المجتمع الدولي حريصاً على جعلها “أكثر ذكاءً” وإذا لاحقت أفراداً. لكن منع الحصول على الأموال اللازمة لإعادة الإعمار أمر مؤلم. من الضروري أن يحصل السوريون على قنوات بديلة – يجب تقديم الأموال لمجموعة متنوعة من الجماعات خارج سيطرة الأسد؛ وتُشكّل المعابر الحدودية “السرية” إحدى الخيارات التي يمكن توسيع نطاقها.
وبالفعل، من المهم التساؤل عما إذا كانت هناك أدوات أخرى متاحة إلى جانب العقوبات. هل يقتصر هدف الولايات المتحدة في سوريا على كونها المعرقل، أو على منع روسيا من الانتصار؟ هذه استراتيجية اعتمدتها موسكو في الماضي وليس الولايات المتحدة. والمشكلة هي أن الاستثمار من قبل الدول الغربية كان ضئيلاً للغاية ومتأخراً للغاية، وهذا النهج غير الحاسم لم يترك لهذه الدول سوى القليل من الخيارات الجيدة.
ويُعتبر الوضع الذي وصلت إليه العملية الدبلوماسية غير مشجع أيضاً. وهناك بعض الأمل لإحداث تغيير مع إدارة بايدن، وبعض الأمل في المحاسبة مع قيام ألمانيا مؤخراً بمحاكمة مجرمَيْ حرب سوريَيْن، الأمر الذي قد يحرج حلفاء الأسد. لكن عموماً، هناك أمل ضئيل للغاية في التوصل إلى حل عبر المسار الدبلوماسي الحالي. إن إحدى المشكلات الرئيسية هي أن الأسد شجع الاستقطاب مراراً وتكراراً، وأن الكثيرين وقعوا في ذلك الأمر. والسؤال الآن وراء [أي خطة] يستطيع الناس أن يتّحدوا؟ هذا هو الوقت المناسب لاتخاذ خطوة إلى الوراء والتفكير في الخيارات الأخرى، ولكن في الوقت الحالي لا توجد إشارة من أي مصدر حتى أن هناك مجال للدبلوماسية.
إن السياسة الحالية هي وصفة لاستمرار الحرب وانعدام الأمن وانتشار الجهاديين. وروسيا هي القوة الحاسمة في الوقت الحالي، ولهذا السبب نتحدث معهم. ولا يوجد حل مثالي، لكن من الضروري أن تتحد البلاد تدريجياً.
روبرت فورد
ارتكبت إدارة أوباما خطأين أساسيين في بداية الأزمة السورية. الأول هو أننا لم نفهم بين عامي 2012 و2013 أن ما يحصل هو حرب فعلية. فقد قلنا، وكنا على قناعة تامة، أنه لن يكون هناك حل عسكري للأزمة. إلّا أن ميزان القوى العسكري لطالما كان القضية الأساسية. كنا نتجاهل ما كان الأسد يحاول تحقيقه: النصر بالنسبة له هو البقاء في السلطة. لقد أخطأت الإدارة الأمريكية خطأ فادحاً، وأثر ذلك على سياستها بشتى الطرق.
ثانياً، اعتمدنا كثيراً جداً على الروس بين عامي 2012 و 2014. فقد اعتقدنا أنهم قادرون على تقديم حلول وسط سياسية مهمة من حكومة الأسد، ولم ندرك أبداً أنهم لم يكونوا مهتمين بالقيام بذلك. إن القول بأنك لا تحب بشار الأسد أمر واحد، وهو ما قالوه مراراً، وانتزاع تنازلات من الأسد أمر مختلف تماماً. لقد كان الاعتماد على روسيا متجذراً في الأمل وليس في التحليل.
وتتطلب جوانب أخرى من الأزمة اهتماماً إضافياً من قبل العلماء والمؤرخين أيضاً. ففي عام 2013، درسنا احتمال فرض منطقة حظر جوي في سوريا، لكن أحداً لم يبدِ تأييداً كبيراً لهذه الفكرة في الولايات المتحدة. كنا حذرين للغاية من الانخراط العسكري المكلف والطويل الأمد. لكن في عام 2015، طبّقنا منطقة حظر جوي شرق نهر الفرات، وكانت تكاليف الحفاظ عليها أقل بكثير مما كان متوقعاً.
وفيما يتعلق بالقضايا الإنسانية، توفي عدد إضافي كبير من المدنيين في السنوات الأولى للحرب، لأن الأسد اعتبر السيطرة على المساعدات مسألة سيادة وطنية. ولم توافق الأمم المتحدة سوى في أواخر عام 2013 على قرار المساعدات عبر الحدود القاضي بمرورها عبر تركيا وليس دمشق. لكن لا تزال حدود سيادة الدولة، والقانون الدولي من الأسئلة التي تحتمل نقاشاً كبيراً، وسوريا خير مثال على ذلك.
افترضنا أيضاً أننا إذا مارسنا ضغطاً كافياً على الأسد وزمرته، فسيضطر إلى التفاوض. ومع ذلك، فقد تراجع العديد من المحللين عن هذه الفكرة، وعند استعادة الأحداث الماضية، ليس من الواضح أن الضغوط الاقتصادية كانت ستجبره على التفاوض.
واليوم، تطوّر الوضع العسكري إلى درجة أصبح الرجوع إلى الوراء يتطلب استثمارات ضخمة، وليس هناك إقبال على القيام بذلك. فالعقوبات لن تجدي نفعاً أيضاً، لأن الأسد لا يهتم بشعبه. أنا أتفق مع هدف العقوبات، لكني أشك في أنها الأداة الصحيحة.
من الضروري أن تتوقف الولايات المتحدة وتفكّر في ماهية المصالح الأساسية لأمنها القومي. إن احتواء تنظيم «الدولة الإسلامية» هو مصلحة أساسية، ولدى أمريكا أيضاً مصلحة أخلاقية وربما أمنية قومية في مساعدة اللاجئين. لكن ضاعت الفرص التي كانت لواشنطن في الفترة 2013-2014. وبدلاً من الضغط من أجل الحصول على تنازلات غير منطقية من نظام الأسد، سيكون التركيز على المصالح الأساسية استراتيجية منطقية.
جيمس جيفري
من وجهة نظر تاريخية، شكلت سوريا صراعاً انتقالياً. فقد انتقلت الأزمات من تلك الاعتيادية التي شهدناها بعد 1989 (على سبيل المثال، التدخل البوسني) إلى المواجهات المدوّلة مثل تلك التي نشهدها اليوم في ناغورنو كاراباخ ومضيق تايوان. وأصبحت سوريا في حالة صراع على مستوى الدولة والتي تضع القضايا الأمنية الأساسية في الشرق الأوسط على المحك. ولم تتمكن أي من الإدارتين الأمريكيتين السابقتين من فهم هذه المشكلة – بحيث عجزتا عن التصوّر ولم يقتصر فشلهما على السياسة فقط.
ومن بين الأخطاء ذات الصلة كان ميل الولايات المتحدة إلى النظر في كل واحدة من تداعيات الصراع المروّعة بمعزل عن غيرها. فقد تمّ التعامل مع أزمة اللاجئين، وموجة الهجمات الإرهابية في أوروبا، ومخاوف تركيا من قيام دويلة لـ «حزب العمال الكردستاني»، والعديد من القضايا الأخرى على أنها مشاكل أصغر حجماً ولا بدّ من معالجتها بشكل فردي من قبل أطراف مختلفة من البيروقراطية الأمريكية. وقد تغيّر ذلك في أيلول/سبتمبر 2018 حين انتهك الأسد الاتفاق الخامس لوقف إطلاق النار، وهذه المرة في الشمال. وكانت تلك لحظة حاسمة لأن واشنطن أدركت أخيراً أن المشاكل الأصغر حجماً هي نتاج المشكلة الأساسية نفسها، وهي الضغط الذي يفعله الأسد لتحقيق نصر عسكري كامل، والذي كان على وشك تحقيقه في ذلك الوقت.
واتخذت إدارة ترامب موقفاً بعدم السماح للأسد بالمضي قدماً في هذا الهدف. اتفقنا على استجابة منخفضة المخاطر كررت المقاربة الأمريكية إزاء التدخل الإيراني في العراق والغزو السوفيتي لأفغانستان – أي أننا لم نكن مستعدين لاستثمار الموارد الضرورية للتوصل إلى حلّ، بل فقط لحرمان الطرف الآخر من الانتصار. وكان الأمل في أن يؤدي ذلك إلى حل وسط قادر على إفشال الأهداف الإيرانية والروسية في المنطقة. لقد جمعنا كافة مواردنا معاً، وكان ذلك كافياً لتجميد الصراع. ولا تريد الولايات المتحدة أن تبقى الأمور في حالة مراوحة وحسب، لكن مخاطر تحقيق إيران-روسيا انتصاراً هي كبيرة للغاية، لذا فهذه هي الطريقة التي يتمّ بها التعامل مع الصراع في الوقت الحالي.
ولم تضع إدارة بايدن حتى الآن سياسة شاملة لسوريا. فهي تميل، على مستوى العمل المتوسط إلى المرتفع، إلى التركيز على السياسة المعتمدة إزاء تنظيم «الدولة الإسلامية» وأزمة اللاجئين لأن هذه هي الخطوات التي يمكن للولايات المتحدة اتخاذها بشكل فعال. لكن المشكلة أن هاتين المسألتين لا تزالان تجسدان الأزمة الكامنة، لذلك سيكون من الصعب حلهما بمعزل عن القضايا الأخرى.
أعد هذا الملخص كالفن وايلدر.