- يعاني النظام المصرفي العراقي من اختلالات هيكلية وثغرات في الحوكمة تستغلها مصارف خاصة مرتبطة بقوى سياسية وميليشيات للقيام بعمليات غسل أموال، وتهريب الدولار إلى إيران، وتمرير الأموال إلى وكلاء إيران في المنطقة.
- تخشى الأوساط السياسية والاقتصادية العراقية من فرض إدارة ترمب عقوبات مالية إضافية على المصارف العراقية، بما يهدد بأزمة اقتصادية تطاول البلاد بأكملها.
- يبدو أن إدارة الرئيس ترمب ستواصل نهج الضغط التدريجي بإضافة المزيد من المصارف العراقية إلى القائمة السوداء، بهدف وقف وصول الدولار إلى إيران وحلفائها في المنطقة، وتغيير سلوك الميليشيات الشيعية الموالية لإيران في العراق.
يعاني النظام المصرفي العراقي اختلالات هيكلية كبيرة، زاد من آثارها الضغوط الأمريكية التي تصاعدت مع عودة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، ما رفع حالة الترقب والقلق تحسباً لفرض واشنطن عقوبات مالية إضافية على المصارف العراقية تُهدِّد بأزمة اقتصادية تطاول البلاد بأكملها.
القطاع المصرفي العراقي: تحولات جذرية ونتائج سلبية
شهد القطاع المصرفي العراقي تحولات جذرية منذ عام 2003، فبعد عقود من سيطرة المصارف الحكومية (القطاع العام)، فُسح المجال واسعاً لإنشاء المصارف الخاصة التي تصاعد عددها من 17 إلى 80 مصرفاً، بينها فروع لعدد من المصارف الأجنبية. إلا أن أداء هذه المصارف لم يرتق إلى مستوى التطلعات في دعم الاقتصاد الوطني ودفع عجلة التنمية المستدامة، وفوق ذلك تحوَّل وجودها إلى عبء على الدولة باعتبارها أدوات في أيدي النخب السياسية، لتحقيق مصالح فئوية وشخصية ضيقة، وتتجاهل دورها الأساسي في تمويل المشاريع وتقديم الخدمات المصرفية المعيارية للشركات والأفراد.
تتجلى إشكالية المصارف العراقية في إحجامها، لأسباب هيكلية تتصل بعدم امتلاكها البنية التحتية ولا الملاءة المالية ولا الخبرة العملية، عن تقديم الخدمات المصرفية الأساسية، وبخاصة الإقراض والتمويل إلا في حدود ضيقة وبشروط تعجيزية وفوائد فاحشة، في ظل عدم وجود إجراءات تصحيحية فاعلة من البنك المركزي لمعالجة ما يتسبب به هذا السلوك من بقاء معظم الكتلة النقدية خارج النظام المصرفي، وعدم تحولها إلى ودائع وحسابات جارية من أجل توجيهها نحو الاستثمارات المنتجة، كما يجدر بأي مصرف في العالم.
وانغمست بعض هذه المصارف في ممارسات مالية مؤذية للاقتصاد، أهمها المضاربة بسعر الدولار الذي احتكرت -بفضل صلاتها السياسية- حقَّ الوساطة في بيعه بين البنك المركزي والتجار، إلى جانب تقاضي رسوم عالية على التحويلات المالية، وإصدار فواتير الاستيراد المزورة وخطابات الضمان الوهمية للشركات والأفراد المرتبطين بالقوى المتنفذة ذاتها، لتمكينهم من الفوز بالعقود والمقاولات الحكومية بالرغم من عدم امتلاكهم الخبرة العملية والقدرة المالية؛ الأمر الذي قاد إلى استنزاف شديد لاحتياطي البلاد من العملة الصعبة، والاستيلاء على مبالغ ضخمة من الأموال العامة، وارتفاع التضخم، وإضعاف قيمة العملة الوطنية.
وتورَّط عدد من هذه المصارف في عمليات غسل الأموال وتمويل جهات مسلحة، سيما الميليشيات الشيعية الموالية لإيران في العراق والمنطقة، بل إن تنظيم “داعش” استطاع الاستفادة من البيئة المصرفية الفاسدة لنقل وتحويل الأموال من العراق وإليه عبر سلسلة من الوسائل أبرزها ما عُرف بـ “شبكة الراوي” التي أُطيحت عام 2018.
العقوبات الأمريكية تضاعف أرباح المصارف
كل المخالفات المشار إليها أعلاه كانت مُشخصة مبكراً بتفاصيلها من طرف المسؤولين الماليين الأمريكيين في “هيئة إعادة إعمار العراق”، وهو الهيكل الإداري الذي تولى الإشراف على المساعدات الأمريكية للعراق بين عامي 2003 و2013، وبخاصة استغلال مزاد العملة الذي تم التحقيق فيه من قبل اللجنة المالية في البرلمان خلال رئاسة السياسي الراحل أحمد الجلبي عام 2015، وانتهى إلى إحالة الملف إلى هيئة النزاهة متضمناً اتهامات مباشرة لإدارة البنك المركزي بالكذب وإخفاء المعلومات، والتواطؤ في تهريب مئات مليارات الدولارات، قبل وفاة الجلبي بثلاثة أسابيع.
ومع ذلك، لم يتخذ الجانب الأمريكي أي إجراء مضاد حتى مايو 2018، حين وضعت وزارة الخزانة الأمريكية آراس كريم حبيب، رئيس حزب المؤتمر الوطني خلفاً للجلبي، وبنك البلاد الإسلامي الذي يرأسه، على القائمة السوداء للجهات التي يحظر عليها التعامل بالدولار الأمريكي بتهمة “استغلال النظام المصرفي العراقي لتمرير الأموال إلى فيلق القدس الإيراني ورفد أعمال إرهابية للفيلق”، وهو الاتهام الذي رفضه المعني بشدة في ذلك الوقت، لكنه عاد مؤخراً إلى الاعتراف به مؤكِّداً في مقابلة تلفزيونية ضلوعَه في استثمار النظام المصرفي العراقي لنقل الأموال من الحرس الثوري الى حزب الله اللبناني. وفي نوفمبر 2019 أُضيف مصرف العطاء الإسلامي (البلاد سابقاً)، ومصرف نور العراق الإسلامي وشركة الخالدي للصرافة، إلى القائمة السوداء الأمريكية.
ولم يعد الملف إلى الواجهة حتى مطلع عام 2022، حين بدأ مكتب الإرهاب والاستخبارات في وزارة الخزانة الأمريكية حملةَ ضغوط مكثفة على العراق من أجل مكافحة “غسل الأموال وتهريب الدولار”. وأعلن البنك الفيدرالي الأمريكي فرض إجراءات تدقيق مشددة على المصارف العراقية من خلال تسجيل طلباتها في منصة إلكترونية خاصة، مع توفير تفاصيل كاملة عن نوع السلعة أو الخدمة وهوية مرسل ومستقبل الحوالات، وهو الأمر الذي لم يكن يطبق سابقاً. وفي يوليو 2023، أعلنت الخزانة الأمريكية معاقبة 14 مصرفاً عراقياً، جُلها مصارف إسلامية، في إطار الحملة المتواصلة للحد من قدرة إيران على الوصول إلى الدولار.
أدت هذه الإجراءات إلى انخفاض حاد في حجم مبيعات البنك المركزي العراقي من الدولار، مع بقاء سعر الدولار في السوق الموازي أعلى من السعر الرسمي بما بين 15 إلى 20 نقطة، ما حدا برئيس الوزراء محمد شياع السوداني إلى الإعراب خلال مقابلة تلفزيونية نهاية يناير 2023، عن اعتقاده بأن أي حوالات تتجاوز 40 مليون دولار يومياً هي بالتأكيد عملية تهريب وغسل أموال. لكن مبيعات المركزي من الدولار عادت بعد وقت قصير إلى الارتفاع التدريجي حتى كسرت حاجز 300 مليون دولار يومياً، وهو رقم غير مسبوق بالرغم من إضافة الخزانة الأمريكية بنك الهدى إلى قائمة المصارف المعاقبة نهاية يناير 2024، فيما حظر البنك المركزي العراقي بعد شهر من ذلك ثمانية مصارف أخرى من التعامل بالدولار، و197 محل صرافة.
وأظهرت بيانات البنك المركزي العراقي المنشورة على موقعه الإلكتروني ارتفاع استيرادات العراق من السلع والخدمات إلى 94,686 مليار دولار في عام 2024، في حين أن مبيعات البنك المركزي من الدولار، رغم ارتفاعها 25 مليار دولار عن السنة السابقة، كانت نحو 81 مليار دولار أمريكي فقط، 90% منها كانت في صورة حوالات واعتمادات مستندية، في حين ذهب الباقي إلى السوق الداخلي وتأمين طلبات المسافرين للسياحة والعلاج والدراسة والادخار وغيرها.
تحالف السياسة والمال
ثمة اعتقاد سائد في العراق بأن كبار رجال المال والأعمال، على اختلاف انتماءاتهم القومية والطائفية، الذين يسيطرون على الأنشطة الاقتصادية الأكثر ربحية، لاسيما المنحدرين من خلفيات اجتماعية متواضعة والذين صعدوا إلى قمة الهرم الاقتصادي من دون مقدمات، هم إما مجرد واجهات أو شركاء بحصة الأقلية للزعامات السياسية والدينية والميليشياوية التي وضعت أيديها على مقدرات الدولة. لكن في المقابل وما عدا نماذج نادرة، من الصعب العثور على روابط مباشرة أو غير مباشرة بين ملاك المصارف الخاصة ورموز السلطة، واستعراض عينة من الأسماء المرتبطة بالمصارف المعاقَبة يمكن أن يعطي صورة تقريبية عن طبيعة العلاقة بين الطرفين:
- حمد ياسر الموسوي: شارك في تأسيس بنك الهدى عام 2007 كشركة مساهمة وتولى إدارتها. تنقل خلال الأعوام التالية بين القوى السياسية، على ما يبدو بحثاً عن ظهير نافذ يُسهل أعماله، فترشّح مع الصدريين في انتخابات 2010، ثم مع “حزب الدعوة- تنظيم العراق” عام 2014، قبل أن يعلن تشكيل الحزب المدني ويتحالف مع ائتلاف دولة القانون الذي حقق حلمه بدخول البرلمان في دورتي 2018 و2021. ورد اسم الموسوي بقوة في “تحقيق” اللجنة المالية باعتباره اللاعب الأكبر في عمليات تهريب الدولار، حيث اتُّهم بتحويل 6,554 مليار دولار إلى حساب المصرف في بنك الإسكان الأردني للفترة من 2012 إلى 2015، حوّل منها 5,778 مليار دولار إلى حساب شركة الطيب للتحويل المالي في البنك ذاته، التي قامت بدورها بتحويل مبلغ 5,704 مليار دولار إلى حساب شركة الكمال للصرافة في الأردن – وتعود ملكية الشركتين للموسوي وإخوانه – التي تكفلت بتحويل المبلغ إلى مستفيدين مجهولين. وما لم تقله اللجنة المالية في تقريرها، أن الإطار الزمني لهذه التحويلات يتوافق تماماً مع قرار رئيس الوزراء آنذاك نوري المالكي، بدعم إيران في حربها إلى جانب نظام بشار الأسد، من خلال تمويل وتسليح الميليشيات الشيعية في سورية، وهو النشاط الذي يبدو أنه أخذ طابعاً استراتيجياً في السنوات اللاحقة من خلال تحويل العراق إلى أن يكون المصدر الرئيس لتمويل أذرع إيران في الخارج، وتضخيم كلفة التعاقدات الحكومية بمعدلات قياسية وخاصة مشتريات السلاح. وفي 8 أغسطس 2019 طلب مجلس القضاء الأعلى العراقي من مجلس النواب رفع الحصانة البرلمانية عن “الموسوي” وذلك على خلفية اتهامه بالاستيلاء على مؤسسة إعلامية ومبالغ مالية، لكن الطلب أُهمل، كما حصل مع تقرير اللجنة المالية والاتهامات الصريحة التي وجهها إلى “الموسوي”.
- علي غلام الأنصاري: برز اسمه بقوة في الأوساط المالية عام 2012، حين استطاع مع عائلته الاستحواذ على ملكية بنك الشرق الأوسط للاستثمار الذي تأسس عام 1993، بفضل الأرباح الكبيرة التي حققتها شركته، شركة “الندى” للتحويل المالي، من مزاد البنك المركزي. هذا النوع من الشركات نما بشكل كبير مطلع العقد الماضي بفضل ما عُرف وقتها بـ “الصكوك الطيارة” التي كانت البنوك الحكومية تمنحها للشركات التي لم تكن تملك أساساً رأس مال حقيقياً يخولها المشاركة في مزاد العملة. تحوَّل الرجل خلال السنوات التالية إلى عملاق مالي ولُقب بـ “ملك الدولار” بعد أن صارت مصارفه الثلاثة، الشرق الأوسط للاستثمار ومصرف الأنصاري ومصرف القابض، تستحوذ وحدها على قرابة نصف مبيعات البنك المركزي (وصلت المبيعات خلال أزمة العراق المالية عام 2022 إلى أكثر من 48 مليار دولار)، الأمر الذي أثار الكثير من اللغط الإعلامي على هامش ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق الموازي إلى مستويات قياسية في النصف الثاني من عام 2022. لكن بدلاً من معالجة هذا الوضع أو إصدار بيان لتفسير أسباب هذه المعاملة التفضيلية، بدأ البنك المركزي يصدر نشرة مبيعات يومية مختصرة تخلو من أسماء المصارف ومكاتب الصيرفة ونسب مشترياتها كما هو معتاد. وقبل ذلك بعام، كان “غلام” طرفاً في فضيحة مالية كبيرة حين ألزمت محكمة استئناف الرصافة مصرف الرافدين بدفع 600 مليون دولار إلى شركته “بوابة عشتار”، بسبب فسخ عقد توفير خدمات الدفع الإلكتروني الذي تضمن مخالفات قانونية خطيرة، وتخلى “غلام” عن المطالبة بالتعويض تحت ضغط الإعلام والرأي العام، والأرجح أن إلغاء العقد كان بسبب احتكار شركات محدودة المجال الجديد. واتَّهم تقرير اللجنة المالية مصرف الشرق الأوسط للاستثمار و”شركة الندى” بتحويل أموال بطرق مشبوهة دون تحديد قيمتها. وحصل علي غلام مؤخراً على الجنسية البريطانية، مما يؤشر إلى حجم الثروة التي جمعها أو ربما يشرف على إدارتها نيابةً عن المتنفذين الذين استحوذوا على جزء كبير من موارد الدولة.
- حسن ناصر جعفر اللامي، المعروف بـ”أبو رامي”: رجل أعمال ومصرفي برز اسمه في القطاع المالي بعد عام 2003، عبر شركة بغداد للصرافة، قبل أن يساهم في تأسيس عدد من المصارف العراقية، منها مصرف عبر العراق للاستثمار (2006) ومصرف نور العراق الإسلامي (2016)، والمصرفان حالياً في طور الاندماج تحت اسم “مصرف الإعمار الإسلامي”. ورغم تسجيل أسماء شركاء آخرين في سجلات الملْكية للمصرفَين، فإن الاعتقاد السائد هو أنهم غالباً مجرد واجهات لإخفاء هوية المستثمرين الحقيقيين، نظراً لتكرار ظهور الأسماء نفسها في شركات ومصارف أخرى مرتبطة به وتحمل نسب الأسهم ذاتها. ويملك اللامي أيضاً 40% من أسهم المصرف المتحد للاستثمار الذي ارتبط اسمه بفضيحة تمويل صفقة أجهزة كشف المتفجرات المزيفة، ووُجهت إليه كذلك اتهامات بتهريب الدولار وغسل الأموال، ووضع لفترة تحت وصاية البنك المركزي. ولعب “اللامي” دوراً محورياً في تأمين فواتير الاستيراد المزيفة للمصارف المتورطة، ما أدى إلى تسميته بـ “ملك الفواتير المزورة”، بالإضافة إلى تورطه في غسل الأموال وتمويل الميليشيات الشيعية عبر المنطقة، وتسهيل تهريب النفط الإيراني عبر شبكة مصرفية معقدة تشمل العراق وسورية ولبنان وإيران. وفي فبراير 2023، حقق معه الأمن الوطني العراقي بشأن هذه الأنشطة، ما أثار تساؤلات حول حجم نفوذه داخل المنظومة المالية والدعم السياسي الذي يحظى به.
إخفاق النظام المصرفي الحالي
اتخذت الحكومة العراقية إجراءات مختلفة في محاولة لتخفيف الضغوط على النظام المصرفي العراقي، منها ما يتعلق بحصر نظام بيع الدولار في مجموعة من المصارف الموثوقة، وفرض إجراءات تخص تدقيق التحويلات المالية عبر التعاقد مع شركة K2 Integrity الأمريكية، وفرض بعض أنظمة توطين مرتبات موظفي الدولة في المصارف، وتنفيذ بعض القيود على استخدام البطاقات المصرفية خارج العراق، لكن كل تلك الإجراءات لم تُسهم في الحد من التحديات التي تفرضها العقوبات الأمريكية على العراق، والتي قد تصل إلى معاقبة البنك المركزي أيضاً. وتكمن الإشكالية في مجموعة من العوامل، أبرزها:
- ارتباط المصارف بالأحزاب والشخصيات الحاكمة والمليشيات، وحرص هذه الجهات على حماية مصالحها المالية في مواجهة أي إجراءات حكومية فاعلة.
- ضعف الثقة بين وزارة الخزانة الأمريكية والنظام المصرفي الدولي من جهة، والمصارف العراقية من جهة ثانية، بسبب التاريخ الطويل من التحايل والتهرب والتلاعب بالأنظمة المصرفية والتورط في عمليات التهريب وغسل الأموال.
- حاجة الحكومة إلى المصارف المحلية للحصول على العملة المحلية مقابل الدولار، إذ يتم توزيع العملة التي تم تحصيلها من السوق كمرتبات لموظفي الدولة.
- حاجة إيران والمليشيات المرتبطة بها إلى استمرار التمويل الخارجي لبعض الجهات والأطراف، مثل حزب الله والحوثيين، والتي يتم معظمها عبر النظام المصرفي العراقي.
- ارتباط السوق العراقي من خلال الأنظمة والتسهيلات التجارية بالسوق الإيراني الذي يصدّر بضائع وأغذية ومحاصيل زراعية ومواد مختلفة بما لا يقل عن 15 مليار دولار سنوياً، عدا استيرادات العراق الرسمية من الغاز والكهرباء الإيرانيَّين.
- ارتباط النظام المصرفي العراقي بتجارة النفط وشبكات تهريب النفط التي يعود معظمها إلى أطراف إيرانية، والتي اعترف وزير النفط العراقي ببعضها مؤخراً.
- فشل تطبيق أنظمة الحوكمة في النظام المصرفي، كانعكاس لفشل التطبيقات العملية لها في كل مؤسسات الدولة.
- ترهل وانتشار الفساد في المؤسسات الرسمية المرتبطة بالنظام المصرفي، مثل وزارة المالية والبنك المركزي.
كل هذه المعطيات وغيرها لا تتيح التفاؤل بإمكانية حدوث تطور لافت في النظام المصرفي في العراق، أو في الحد الأدنى إيقاف العقوبات الأمريكية التي يتعرض لها. وعليه، يُتوقع فرض عقوبات إضافية على المزيد من البنوك العراقية. ففي ظل ظروف المنطقة حالياً، يبدو أن إدارة الرئيس ترمب ستواصل نهج الضغط التدريجي بإضافة المزيد من المصارف العراقية إلى القائمة السوداء، مستهدفةً تلك المرتبطة بالميليشيات الموالية لإيران. والتعويل مرحلياً على إعادة توزيع النفوذ داخل القطاع المصرفي، مع استفادة المصارف غير المتورطة بتمويل الميليشيات والتعامل مع الحرس الثوري الإيراني، من حصة أكبر في مزاد العملة. واستمرار ارتفاع سعر الدولار في السوق الموازية، سيجبر الحكومة على إصلاحات جزئية وتعزيز الرقابة على المصارف المتبقية. ويظهر أن اهتمام واشنطن منصبٌّ على وقف وصول الدولار إلى إيران وحلفائها في المنطقة، كما أن ورقة التهديد بالعقوبات المالية أثبتت نجاعتها في تغيير سلوك الميليشيات الشيعية الموالية لإيران في العراق، وإجبارها على وقف هجماتها على القوات الأمريكية وإسرائيل.
وقد تذهب إدارة ترمب إلى سيناريو أكثر خطورة، كأن تتجه إلىفرض عقوبات مالية على البنك المركزي العراقي. فمع إصرار البنك المركزي العراقي على سياساته الحالية في شراء الوقت وتقديم الوعود إلى الجانب الأمريكي، وتاريخه الحافل بالتواطؤ مع النخب الموالية لإيران وغض النظر عن عمليات التهريب وغسل الأموال وتمويل الميليشيات، يزداد احتمال أن تعتبر الإدارة الأمريكية البنكَ أساس المشكلة ومفتاح حلها في الوقت ذاته. وهذا السيناريو الخطير سيؤدي إلى تجميد احتياطيات العراق من العملة الصعبة وحظر تعاملاته الدولية، مما سيؤدي إلى أزمة مالية حادة ونقص في السلع الأساسية، ما قد يدفع إلى تحركات شعبية تطيح حكومة الإطار التنسيقي الشيعي. ولكن حتى الآن لا يظهر أن واشنطن لديها النية فعلياً للتوجه إلى مثل هذا السيناريو.
الاستنتاجات
يدفع العراق ثمناً باهظاً لتلكؤ امتد إلى عقود في تطوير نظامه المصرفي من خلال آليات وقوانين تعزز الشفافية والحوكمة في أداء المصارف العراقية الرسمية والخاصة. وهذا التلكؤ لم يكن ناجماً عن ضعف خبرة بقدر ضعف الإرادة السياسية، فالنظام المصرفي الهش والمتخلف عن السياق الدولي هو بيئة خصبة لغسل الأموال، سواء كانت أموال الفساد في الداخل أو أموال تجارة المخدرات وتهريب العملة والأسلحة والنفط في الخارج.
وتتجلى الأزمة في العراق اليوم أن المعالجة الجذرية لنواقص وثغرات النظام المصرفي العراقي، ضمن عملية إصلاح اقتصادي شامل، ستُرتب أثماناً سياسية واقتصادية واجتماعية كبيرة ليست الحكومة الحالية والقوى المرتبطة بها مستعدة لها. وواشنطن بدورها لا تمتلك رؤية واضحة حول الطريق لإصلاح النظام المصرفي ومعالجة الثغرات فيه، والوقت المطلوب لذلك، والكلف التي يمكن أن تترتب عليه، والأطراف السياسية الداخلية التي سوف تتحمل هذه الكلف، سواء بمواجهة أزمات اقتصادية كبيرة أو احتجاجات اجتماعية تشكل على الدوام عامل ضغط وعرقلة لاتخاذ الفاعلين السياسيين مثل هذه الخطوات.