تحدثنا في الجزء السابق عن أهمية صناعة البتروكيماويات، وضرورة تنويع الاقتصاد الليبي عن طريق الاهتمام بتلك الصناعات الاستراتيجية مع ضرورة الاستفادة بالخبرات المصرية لما تملكه من إمكانات ضخمة في صناعة البتروكيماويات؛ وخلص الجزء الثالث إلى أن الدولة الليبية تحتاج إلى برنامج تنموي متكامل وقوي لجميع قطاعات الدولة؛ لأن بناء اقتصاد حقيقي وقوي يحتاج إلى النهوض في البنية التحتية من الطرق والمواصلات والاتصالات، بالإضافة إلى تحسين التعليم والصحة، وتشريع قوانين تنظيمية للحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والقضائية.
مقدمة
يُشكل قطاع النفط الليبي شريان الحياة للدولة الليبية، إذ يوفر أكثر من ٩٧٪ من إجمالي الدخل القومي للبلاد، ورغم تلك الأهمية القصوى التي تستدعي ضرورة الحفاظ عليه وتنميته، يصارع في غمار تحديات عصيبة وقوية؛ ووصل إنتاج ليبيا من النفط الخام في عام ٢٠١٠ إلي حوالي ١٬٦٥ مليون برميل يوميًا، وكانت التقديرات المحلية والدولية تشير إلى معدلات ومسار تصاعدي كبير قد يتراوح ما بين ٢ إلى ٣ ملايين برميل يوميًا من النفط الخام في السنوات التالية، لكن اليوم لا يتجاوز الإنتاج حوالي ١٬٣ مليون برميل يوميًا.
ومنذ عام ٢٠١١، توقفت تقريبًا عمليات التطوير والتحديث في حقول وآبار النفط الليبية، ثم تعرضت المنشآت النفطية إلى أضرار جراء الحروب والصراعات والاشتباكات المسلحة والتي دارت خلال السنوات الماضية، في ظل محاولات الجماعات الإرهابية والإجرامية السيطرة عليها؛ وفي نهاية الأمر بسط الجيش الوطني الليبي سيطرته وقبضته على المنشآت النفطية الليبية في المنطقة الشرقية، والكثير منها في الجنوب، مما أدى إلى انتظام معدلات الإنتاج اليومية خلال الفترة الماضية بواقع ١٬٢ مليون برميل يوميًا، فيما كانت المنطقة الغربية وبعض الأجزاء الجنوبية أقل حظًا حيث لا زالت المجموعات المسلحة والميليشيات هي المهيمنة على المنشآت النفطية هناك.
مدخل
الأزمة النفطية الجديدة في الأراضي الليبية امتدت آثارها لتشمل أسواق النفط العالمية، والتي بصفة عامة تشهد ارتفاعًا غير مسبوق للأسعار النفطية بسبب العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا؛ إذ أشارت وكالة بلومبيرج إلى تأثير عمليات الإغلاق في الصين وانقطاع الإمدادات في ليبيا على رادار سوق النفط العالمية، تحت عنوان هناك ترقب لما ستؤدي إليه بخصوص الطلب على الخام، لكن تظل النقطة الأهم هي تخلص الاتحاد الأوروبي التدريجي من واردات النفط الروسية، ومن جانبها قالت وكالة رويترز أن أسعار النفط تشهد تذبذبًا في الأسواق العالمية بسبب تعطل إمدادات الخام من ليبيا مع إعلان حالة القوة القاهرة في عدد من الحقول، وتأثر الإغلاقات الجديدة في الصين لمواجهة فيروس كورونا؛ مشيرة إلى تداول خام برنت القياسي العالمي دون ١١٣ دولارًا للبرميل منخفضًا بحوالي ٢٦ سنتًا، بينما تراجع خام غرب تكساس الوسيط الأمريكي إلى حوالي ١٠٧ دولارات أي ما يعادل حوالي ٤٪ بعد أن كان في حدود ١٠۸٬۹٢ دولار.
وتصاعدت الأزمة السياسية في ليبيا، عندما عين مجلس النواب في فبراير الماضي، فتحي باشاغا رئيسًا جديدًا للوزراء، لكنه لم ينجح في إقصاء حكومة عبد الحميد الدبيبة الذي رفض تسليم السلطة قبل إجراء الانتخابات، بالرغم من الوساطات المتعددة لحثه على التنحي سلميًا، وأعادت هذه الخطوة مجددًا الثروة النفطية الليبية التي تعد مصدر الدخل الرئيسي لها، إلى دائرة الخلاف السياسي المتصاعد منذ أسابيع، لتصير رهينة الانقسامات السياسية مع موجة من الإغلاق القسري للمنشآت الحيوية نتيجة للصراعات السياسية.
أزمة سياسية
إن عمليات الإغلاق هذه تُعد الأحدث في سلسلة الاضطرابات التي تضرب ليبيا منذ عام ٢٠١١، وسط الأزمة السياسية المتفاقمة، كما أدت هذه العمليات من بين أسباب أخرى إلى ارتفاع أسعار النفط في وقت مبكر، وتأتي هذه القرارات في وقت حرج بالنسبة إلى الدولة الليبية والتي تعتمد بصفة أساسية على صناعة النفط، وكذلك لأسواق السلع العالمية، إذ تقلصت إمدادات النفط منذ الحرب الروسية الأوكرانية، وارتفع سعر نفط برنت فوق ١١١ دولارًا للبرميل؛ وفقًا للبيانات التي جمعتها بلومبيرج، فقد بلغ متوسط معدلات إنتاج النفط الخام الليبي إلى ما يزيد قليلًا عن مليون برميل يوميًا هذا العام، وهو ما يمثل انخفاض من حوالي ١٬٢ مليون تقريبًا في عام ٢٠٢١، وهذا الانخفاض يكلف البلاد خسائر بملايين الدولارات من العائدات يوميًا.
وعاشت ليبيا في خضم المعركة حول السلطة، وأدى باشاغا في ٤ مارس الماضي اليمين أمام البرلمان الليبي الذي يتخذ من طبرق شرق البلاد مقرًا له، ليتولى منصب رئيس الحكومة بعد فشل حكومة الدبيبة في إجراء الانتخابات في ديسمبر الماضي؛ وفي المقابل لا يزال الدبيبة يرفض التنازل عن السلطة قائلًا إنه سيواصل العمل من أجل الإعداد لإجراء انتخابات ينتهي معها عمل حكومته، وبصفة عامة سيظل الصراع في الدولة الليبية هو صراع علي توزيع الثروات النفطية، وهي الأزمة المفصلية التي لم تجد طريقها للحل طوال السنوات الماضية، وظل النفط الليبي في تلك المعادلة الصعبة والحسبة العاصفة، حيث تحاول أطراف استخدامه محليًا أو حتى دوليًا، كورقة للمساهمة ولتحقيق مكاسب أكبر، فيما يظل الطلب الأساسي قائمًا وهو عدالة التوزيع.
واقع قطاع النفط الليبي والآثار الاقتصادية والاجتماعية لتوقف تصديره
يفتقر الاقتصاد الليبي إلى تنويع مصادر الدخل القومي، ويُعد استقدام الاستثمارات الأجنبية من إحدى وسائل تنويع الدخل النقدي للبلاد، وخلق فرص عمل وجلب تكنولوجيا جديدة وسد احتياجات السوق المحلي وتنويع التصدير، وتنفيذ العديد من مشروعات إعادة التعمير واستكمال بناء مشروعات التنمية التي تستهدفها الدولة، ولكن تحقيق ذلك يرتبط بمدى توافر الاستقرار السياسي والأمني في البلد المضيف للاستثمار الأجنبي، فمن المتعارف عليه أنه حينما وجد الأمن الداخلي ومحفزات الاستثمار وُجدت الاستثمارات الأجنبية والعكس صحيح وإلا فكيف ستطمئن الشركات العالمية على أموالنا وأموالها وسلامة أفرادها في ظل تهديدات مستمرة بتوقف الإنتاج باعتصامات مستمرة بالأسلحة تُمثل خطرًا وتهديدًا على الاستقرار والسلم المجتمعي.
ومن ناحية أخرى ضياع فرص توظيف محتملة، كان من الممكن توفيرها في حال استكمال الدولة لمشروعات التنمية أو جذب استثمارات أجنبية جديدة داخل البلاد وبالأخص أن ليبيا تتمتع بالعديد من المؤهلات التي تجعلها من ضمن الدول الجاذبة للاستثمار، من توافر ثروات طبيعية وما يترتب عليها من صناعات بتروكيماوية وتحويلية عديدة، وأيضًا مع توقف تصدير النفط والعمل بحالة القوة القاهرة يعني الإخلال بعقود التوريد مع الشركات والدول المستوردة للنفط الليبي دون سابق إنذار، وتكبدهم خسائر مادية كبيرة جزاء ذلك التوقف وما يترتب عليه من مسؤوليات قانونية من شروط جزائية أو تعويضات مادية عن الخسائر التي لحقت بتلك الشركات جزاء توقف عمليات التصدير، وقد يصل الأمر بهم إلى حد المطالبة بتدخل قوات أجنبية لحماية مصالحهم لوجود مجموعة من المصافي الأجنبية مصممة لتلائم النفط الليبي، مما يعني احتمال وجود ما يهدد الأمن القومي الليبي في حال استمرار توقف التصدير.
ومن جانب آخر، الآثار السياسية السلبية المترتبة على إعلان المؤسسة الوطنية للنفط حالة القوة القاهرة، بسبب توقف التصدير والمتمثلة في إظهار ضعف الدولة أمام العالم الخارجي، وفقدانها لجدية التعاقد والمحافظة على أمن الاستثمارات الأجنبية وسلامة الأفراد العاملين بها، واستمرار الإنتاج خاصة وأن شركات النفط العاملة في الأراضي الليبية، تُعد من أكبر وأقوى شركات العالم في صناعة النفط والأكثر تأثيرًا في دائرة صناعة القرار العالمي، والتي تمثل أيضًا دولًا عظمى اقتصاديًا ومؤثرة في السياسة الدولية وبالأخص دول الاتحاد الأوروبي، الذي يُعد الشريك التجاري الأكبر للدولة الليبية والإخلال بالتعاقدات مع تلك الشركات، سيؤثر سلبًا على العلاقات السياسية والاقتصادية مع تلك الدول بالتبعية.
ومن الممكن أن تؤدي القوة القاهرة أو عمليات توقف الإنتاج الليبي فقدها لعملائها وسوقها النفطي، لأن النفط الليبي يغطي حوالي ١٬٧٪ من استهلاك العالم للنفط يوميًا وأن أكثر من ۸٠٪ من صادرات البلاد النفطية إلى الأسواق الأوروبية وحوالي ١٣٪ تذهب إلى الأسواق الآسيوية وحوالي ٠٬٥٪ تذهب إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وبالتالي فإن توقف التصدير لتلك الدول الصناعية الكبرى سيؤدي إلى بحث تلك الدول عن بدائل للنفط الليبي أكثر استقرارًا لتلبية احتياجاتهم بصفة مستمرة، دون انقطاع متكرر يعرضهم لخسائر غير متوقعة مباشرة أو غير مباشرة من توقف مصانعهم وتضرر أسواقهم الداخلية، وبالتالي فقدان الاقتصاد الليبي لأسواق تصريف النفط واحتلال دول أخرى لتلك الأسواق، وعلي رأسها دول الخليج وخاصة المملكة العربية السعودية التي تُعد من أكبر منتجي النفط في العالم والقادرة على تلبية احتياجات الأسواق الأوروبية بشكل أكثر استقرارًا وثباتًا.
وتتمثل أيضًا الخسائر غير المباشرة في مصاريف التشغيل اليومية للموانئ والحقول النفطية من دون إنتاج فعلي، والأموال التي سوف تنفق على عمليات عودة الإنتاج لطبيعته إضافة إلى ثمن شراء محروقات ومنتجات إضافية لكي يتم تغطية العجز الداخلي والذي يتعدى أكثر من ٤٤٪ من الاحتياجات اليومية، نتيجة لتوقف عمليات الإنتاج بالقوة القاهرة، ويُضاف إلى ذلك خسارة الخبرات النفطية الفنية والتقنية سواء الأجنبية منها أو المحلية التي تترك البلاد نظرًا لتوقف عمليات الإنتاج والتصدير وحالات عدم الاستقرار الأمني.
تحذير أمريكي وخسائر إنتاج النفط الليبي
حذر السفير الأمريكي ريتشارد نورلاند ونائب مساعد وزير الخزانة إريك ماير في لقاء مع محافظ البنك المركزي الليبي الصديق عمر الكبير، من استخدام عائدات النفط الليبي لتحقيق أهداف سياسية حزبية بحسب بيان السفارة الأمريكية في الوقت الذي تتجه فيه كل الأنظار العالمية إلى الحرب الروسية الأوكرانية؛ لتبدو مخاطر أن تفضي الأزمة الحالية على الأراضي الليبية إلى نزاع مسلح جديد، وتكرّرت عمليات إغلاق الحقول والموانئ النفطية في السنوات الماضية بسبب احتجاجات عمالية أو تهديدات أمنية أو حتى خلافات سياسية، ونتج عن ذلك خسائر تجاوزت قيمتها حوالي ١٠٠ مليار دولار بحسب البنك المركزي.
ومنذ يوم ١٧ أبريل الجاري، دخلت الصراعات الداخلية في الأراضي الليبية مرحلة جديدة وأكثر خطورة بتعطيل أعمال قطاع النفط الليبي، وتسببها في إغلاقات لبعض المصافي والحقول النفطية والمنشآت الحيوية بالقطاع؛ وبدءًا من يوم ١۹ من الشهر الجاري فقد إنتاج النفط في ليبيا حوالي أكثر من ٥٥٠ ألف برميل نفط يوميًا، ما يشير إلى خسارته حوالي أكثر من ٣ ملايين و٧٠٠ ألف برميل على مدار الأسبوع، وذلك وفقًا للبيانات الصادرة من المؤسسة الوطنية للنفط.
وسبق أن أعلنت مؤسسة النفط في ليبيا القوة القاهرة في حقلي الفيل والشرارة وميناء الزويتينة، عقب تجدد الصراعات في ١٧ من الشهر الجاري بيوم واحد، وأطلقت جرس إنذار للتحذير من تأثير الإغلاقات في قطاع النفط الليبي، وجاء ذلك مع تعرض ٢۹ موقعًا بمصفاة الزاوية من ضمنها خزانات للمشتقات لأضرار إثر الاشتباكات المسلحة التي وقعت الجمعة الماضية؛ وتسبب الاشتباكات في خسارة إنتاج حقل الشرارة النفطي حوالي ٣٠٠ ألف برميل يوميًا، بالإضافة لفقدان حقول الفيل النفطي حوالي ١٠٠٠ برميل يوميًا، بخلاف الأضرار التي لحقت بمينائي الزويتينة والبريقة.
ولم تسلم حقول النفط الأخرى الأقل حجمًا من حيث معدلات الإنتاج من تأثير الاشتباكات المسلحة الواقعة على الأراضي الليبية، إذ خفضت حقول أبو الطفل وانتصار والنخلة والنافورة إنتاجها، ودفعت الاشتباكات المسلحة نحو تضرر صهاريج التخزين بالزاوية (الذي يُعد أكبر مصافي النفط الليبية) والتي تبلغ معدلات إنتاجها حوالي ١٢٠ ألف برميل يوميًا، وفق بيانات المؤسسة الأسبوع الماضي.
حلول وتوصيات للحفاظ على قطاع النفط الليبي
مما لا شك فيه أن أي مقترحات تُوضع للحفاظ على القطاع النفطي الليبي أو الخروج من الأزمة الحالية التي تمر بها الدولة الليبية، تستلزم أولًا الوصول إلى حل للأزمة السياسية التي تعصف بالبلاد؛ نظرًا لأن عدم حل المشكلة السياسية والوصول إلى حالة الاستقرار سيعيق تنفيذ أي خطوات لحل الأزمة الاقتصادية التي تمر بها ليبيا، ورغم إمكانية فتح الموانئ النفطية والحقول فإنه لا ضمانة لاستمرار الفتح واستقرار الأوضاع والأزمة يمكن أن تتكرر أي وقت، وبالتالي فإن هناك حاجة ضرورية لاتخاذ تدابير قوية تمنع تكرار تلك التهديدات ومنها:
- إطلاق حملات التوعية للشعب الليبي من خلال وسائل الإعلام المختلفة والصحف بما يتم تحقيقه من إنجازات ملموسة في قطاع النفط والغاز على أرض الواقع، وما هو مخطط لتحقيقه مستقبلًا من مشروعات تنموية وما هو العائد من تلك المشاريع على الشعب الليبي من توفير سلع أو خدمات أو وظائف جديدة؛ بهدف إشراك الشعب الليبي في خطط التنمية وضرورة استكمالها والمحافظة على المكتسبات الحالية، وبالتالي سيدرك الشعب أهمية استمرار تدفق الموارد المالية اللازمة لتحقيق آمالهم نحو مستوي معيشة أفضل لهم ولأبنائهم.
- إدانة وتجريم إغلاق المنشآت النفطية والحقول، وعزل من يقومون به اجتماعيًا ومواجهتهم شعبيًا بإشراف الحكومة وتغليظ العقوبة في حالة تعطيل المنشآت الحيوية النفطية.
- تفكيك المركزية ومجابهة البيروقراطية والعمل على الاهتمام الخاص بمناطق وأقاليم استخراج النفط والغاز، والعمل علي تحسين مستوى معيشة سكانها حتى يشعروا بأهمية تلك الثروات الطبيعية وبضرورة المحافظة على استمرار وتدفق إنتاجها دون توقف، حتى يٌسحب البساط من تحت أقدام من يحاول توظيف قضية تهميش المناطق التي توجد بها المنشآت النفطية لأغراض سياسية.
- ضرورة العمل على تنويع مصادر الاقتصاد الوطني، وزيادة الاستثمارات والإنتاج المحلي في القطاعات غير النفطية كالقطاع الصناعي والقطاع الزراعي، وما يرتبط به من صناعات مختلفة وخاصة لسد حاجة الطلب المحلي وتقليل الواردات منه، والقطاع السياحي وتنميته خاصة وأن البلاد تمتلك العديد من المقومات الثقافية والتراثية والتاريخية.
- ضرورة الاهتمام بالصناعات التحويلية وحسن استغلال الموارد النفطية والطبيعية، وعدم تصديرها في شكل خامات فقط بل يلزم وضع خطة محددة فنيًا وزمنيًا لزيادة الصناعات التحويلية والبتروكيماوية في مقابل خفض تصدير النفط الخام وزيادة التكنولوجيا في الإنتاج، وتكون حديثة وقادرة على المنافسة بمنتجاتها في الأسواق الدولية وتشجيع مشاركة الشركات العالمية والقطاع الخاص في هذا المجال الهام والحيوي للاقتصاد الليبي، وخاصة مع توافر النفط والغاز بكميات كبيرة في الأراضي الليبية مما يساعد على تعظيم الفائدة الاقتصادية للنفط والغاز الليبي، ويزيد الموارد المالية بدلًا من تصديره كخام إلى دول تعيد تصنيعه وتصديره في هيئة منتجات نهائية، كما تفعل الولايات المتحدة الأمريكية والتي تمنع تصدير النفط الخام الأمريكي وتسمح بتصديره في هيئة منتجات مصنعة فقط.
- هناك عدد كبير من الحقول مثل الظهرة ومحطة الباهي ومحطة الزناد وحقلي زلة والغاني وحقل البيضاء، ما زالت تحتاج تأهيلًا لمصادر الطاقة الكهربائية وتطوير معدات سطحية للآبار النفطية لضمان عودتها إلى الإنتاج بطاقة كاملة.
- يجب الحفاظ على حقوق الأجيال القادمة، بحسن استغلال الموارد المالية النفطية وتوفير الخدمات الاجتماعية وللنهوض بمستوى معيشة الشعب الليبي، من توفير فرص تعليمية عالية المستوى وبناء مدارس وجامعات دولية، والاهتمام بالكيف المقدم للطلبة وليس الكم والعدد وكذلك تطوير قطاع الصحة وتوفير مستشفيات عامة مجهزة جيدة ورعاية جيدة، خاصة وأن حجم السكان ليس بالقدر الكبير بالإضافة إلى ضرورة الاهتمام بالبنية التحتية المتهالكة من كهرباء وطرق وصرف صحي وغيرها وخاصة بعد الصراعات المسلحة.
- الاستثمار في مجالات الطاقة المتجددة التي تزخر بها البلاد، كطاقة الرياح والطاقة الشمسية والتي ستشكل مستقبلًا نصيبًا مهمًا في مصادر الطاقة العالمية، ويتوافر لدى ليبيا الإمكانات المادية للاستثمار في هذا المجال الهام، إضافة إلى مصادر الطاقة المتجددة من سواحل طويلة لتوليد طاقة الرياح التي يزداد الطلب عليها عالميًا خاصة في القارة الأوروبية، فضلًا عن مصادر الطاقة الشمسية المتوافرة طوال العام تقريبًا، ومن الممكن أن تسهم تلك الطاقات في سد العجز المحلي من الطاقة الكهربائية ومع توافر إمكانية تصديرها وتنويع الصادرات.
- الخلاف السياسي الذي أدى إلى عدم اعتماد الموازنة العامة للدولة أصبح قريبًا من قطاع النفط، وبالتالي عودة الإغلاقات محتملة مجددًا، بسبب عدم التوافق على مناصب سيادية بين الغرب والشرق، وأي إغلاق جديد للمقومات شرق البلاد سوف يكلّف صادرات ليبيا تراجعًا بمقدار ٣٥٠ ألف برميل أو أكثر.
- ضرورة اتباع الشفافية التامة في عرض ما يتعلق بأموال النفط الليبي من كيفية تحصيلها وحجم الإيرادات وكيفية إنفاقها، وضرورة إشراك منظمات المجتمع المدني في التوعية بأهمية تلك الثروات بالنسبة للشعب الليبي وللدولة الليبية، وما قد يترتب على توقفها من شلل تام للاقتصاد الليبي والمعتمد كليًا على عوائد النفط.
- رفع الإنتاج يحتاج وجود مقومات تخزين قادرة على استيعاب الكميات المضافة من نفط خام ومكثفات، حتى مجمع خزانات السدرة أكبر مجمعات للتخزين في ليبيا بسعة ٦٬٥ ملايين برميل قد تعرض للتدمير وذلك في عام ٢٠١٤، وتعمل منه ۹ خزانات من أصل ١۹ خزانًا.
- تطوير وهيكلة البنية التحتية الموجودة في صناعة البتروكيماويات الليبية مع الاستعانة بدول الجوار العربي والإفريقي، وبالأخص الدولة المصرية لما تتمتع به من مقومات ضخمة في مجال صناعة البتروكيماويات وأيضًا قربها من الدولة الليبية.
- العمل على تنويع الهيكل الإنتاجي لصناعة البتروكيماويات الليبية والتوسع في الحلقات الأكثر ازدهارًا في هذه الصناعة كالصناعات البتروكيماوية الوسيطة والنهائية والمتخصصة، وذلك بهدف تعزيز المنافع الاقتصادية من هذه الصناعة.
- العمل على تنويع أسواق التصدير للمنتج البتروكيماوي الليبي، والعمل على فتح آفاق وأسواق جديدة وبالأخص في المنطقة الإفريقية مع ضرورة استغلال عامل القرب الجغرافي للتفوق على المنافسين في هذا الجانب.
- التوسع في الطاقات الإنتاجية من البتروكيماويات الأساسية للوصول بها إلى الكميات والمعدلات الاقتصادية الملائمة، والتي تساعد على تعزيز المزايا النسبية لتلك الصناعة الاستراتيجية وذلك من خلال خطط وأهداف واضحة يلعب فيها السوق دورًا أساسيًا.
- استغلال الاتفاقيات التكاملية الإقليمية على المستوى العربي والإفريقي في تطوير صناعة البتروكيماويات الليبية، وذلك من خلال التنسيق المشترك في سياسات التسويق الدولي مع تعزيز الموقف التفاوضي في مواجهة كبار صناعة البتروكيماويات عالميًا.
خلاصة القول، بالرغم من ضبابية المشهد، ما زالت الفرص واعدة أمام الدولة الليبية من أجل لعب دورًا أكبر في أسواق الطاقة العالمية، لما تمتلكه من احتياطات كبيرة من النفط والغاز وأيضًا لموقعها الاستراتيجي المهم، والقريب من دول الاستهلاك في القارة الأوروبية، ولكن استمرار إيقاف عمليات تصدير النفط الليبي له جوانب سلبية عديدة على حياة المواطن الليبي البسيط، وهو وحده من سيدفع ثمن هذا الإغلاق المتكرر للمنشآت النفطية الليبية والذي سينعكس على ارتفاع الأسعار وارتفاع سعر الدولار، مما سينجم عنه قطع الرواتب وعدم توافر السيولة النقدية وفي الأخير عندما يحترق النفط وينتهي؛ سوف ينتهي معه مسلسل وحدة ليبيا ووحدة أراضيها، وسوف يعود الليبيون إلى مربع ما قبل اكتشاف النفط وينتبه المواطن الليبي أن الزراعة مهمة والصناعة مهمة والسياحة والتنمية مهمة أما النفط فهو لعنة الليبيين منذ اكتشافه منذ عام ١٩٥۸.
.
رابط المصدر: