حامد عبد الحسين الجبوري
هناك علاقة وثيقة بين النفط والاستثمار من جانب والاستثمار والتنمية البشرية من جانب آخر. ففي الوقت الذي تعتمد فيه التنمية البشرية على الاستثمار يعتمد الاخير على النفط الذي يُعد ثروة عامة وناضبة.
العدالة
ولاعتبارات العدالة بين افراد الجيل الحالي من جانب وبين الأجيال الحالية والقادمة من ناحية أخرى، يفترض توجيه الثروة النفطية نحو الاستثمار.
إذ إن توجيهها نحو الاستهلاك يعني حرمان بعض الاجيال القادمة من الثروة العامة هذا من جانب وإفادة بعض افراد الجيل الحالي، من له ارتباط بالدولة؛ وحرمان الباقي منها من جانب ثانٍ، وكلا الجانبين لا ينسجمان مع مبدأ العدالة.
نضوب النفط
ولاعتبارات نضوب النفط مستقبلاً في ظل الطلب والعرض الحالي مع افتراض بقاء العوامل الأخرى ثابتة، كالتطور التطور التكنولوجي والانتاج؛ فإن عمر النفط لا يتجاوز في أفضل الأحوال ستة عقود، عالمياً بناءً على احصاءات أوبك؛ ولذا فإن الخيار الأمثل هو استثمار الثروة النفطية الحالية أفضل استثمار وذلك بما يعطي البلد قدرة أكبر على مواصلة المسير حتى بعد نضوب النفط.
الأهمية الاقتصادية للنفط
رُبما لم ينضب النفط ولكن أهميته ستنخفض بلا شك بحكم ديناميكية الحياة واستمرار تطورها ويصبح من المُتعذر بقاء العوامل الاخرى ثابتة، وبعبارة أوضح ان الاهمية الاقتصادية للنفط لا يُمكن أن تستمر على ما هي عليه الآن بل ستتجه، بلا شك؛ نحو الانخفاض بحكم التطور التكنولوجي، الناجم عن التغيّر والتطور المستمر؛ الباحث عن البدائل.
التنمية البشرية هدف التنمية ووسيلتها
بالإضافة لاعتبارات العدالة ونضوب النفط واهميته الاقتصادية، يتحتم توجيه الثروة النفطية عبر توجيه الاستثمار نحو التنمية البشرية لاعتبارها هدف التنمية ووسيلتها.
وان الاهتمام بالتنمية البشرية والعمل على تطويرها باستمرار، يعني تجنب المخاطر المستقبلية الملاصقة للنفط التي ظهرت للسطح بشكل لافت في الآونة الاخيرة؛ لان التنمية البشرية ستحل محل النفط وتعطي أضعاف ما يُعطيه النفط.
النفط في العراق
يُمثل النفط العمود الفقري للاقتصاد العراقي بمختلف مؤشراته الرئيسية، حيث يشكل نسبة لا تقل عن 40% من الناتج المحلي الاجمالي، ونسبة لا تقل عن 90% من الايرادات العامة، ونسبة لا تقل عن 98% من الصادرات السلعية.
اعتماد الاقتصاد العراقي على النفط بشكل كبير، يعود لضخامة الاحتياطي النفطي (يملك أكثر من 145 مليار برميل) من جانب وغياب الرؤية الاقتصادية والمؤسسات الحقيقية التي تكفل إدارة الثروة النفطية بشكل سليم بما يخدم الاقتصاد والمجتمع.
بهذا الصدد، تجب الإشارة إلى إن النفط يُعد نعمة لاقتصاد البلد ومجتمعه في حال توفر المؤسسات التي تستطيع إدارته بالشكل السليم كما في النرويج؛ لكنه يتحول لنقمه لاقتصاد البلد ومجتمعه في حال غياب المؤسسات كما هو الحال في فنزويلا.
الاستثمار في العراق
يعطي حجم الاستثمار وتوزيعه صورة عن أولويات توجه السياسة الاستثمارية للبلد. بشكل عام يتصف الانفاق الاستثماري الحكومي بصفتين هما صغر الحجم، بحكم تفضيل الانفاق الاستهلاكي على الانفاق الاستثماري؛ والتذبذب بحكم ارتباطها بالإيرادات النفطية المرتبطة بأسعار النفط الدولية.
يُشكل الانفاق الاستثماري نسبة متواضعة عند مقارنته بالإنفاق الاستهلاكي من الانفاق العام، حيث شكّل في المتوسط 27.32% مقابل 72.68% للإنفاق الاستهلاكي للمدة 2006-2019.
التنمية في العراق
لا تحتل التنمية البشرية أهمية كبيرة في العراق، حيث يعاني الجانب الصحي والتربوي والتعليمي من ضعف كبير، لأسباب ذاتية تتعلق بضعف الإدارة وقلة التخصيصات وعدم فاعلية اغلبية أو بعض العاملين فيها من جانب وأخرى موضوعية تتعلق بالبيئة السياسية والاجتماعية والاقتصادية من جانب آخر.
على الرغم من وقوع التنمية البشرية في العراق ضمن تصنيف التنمية البشرية المتوسطة واحتلالها المرتبة 123 عام 2019 حسب تقرير التنمية البشرية لعام 2020 الصادر عن البرنامج الانمائي للأمم المتحدة، إلا إنها تُعد متواضعة جداً عند مقارنتها بما يمتلكه العراق من ثروة نفطية هائلة.
وذلك بحكم انخفاض الانفاق الاستثماري على جوانب التنمية البشرية كالصحة والتربية والتعليم، إذ نجد إن هذا الانفاق متواضع جداً، حيث شكّل الانفاق الاستثماري في المتوسط ما نسبته 1.78% على الجانب الصحي، وما نسبته 1.01% على الجانب التربوي، وما نسبته 0.96% على الجانب التعليمي من الانفاق الاستثماري الحكومي للمدة 2006-2019.
بمعنى إن ما تم إنفاقه من الانفاق الاستثماري على الصحة والتربية والتعليم لم يشكل سوى 3.75% من الانفاق الاستثماري الحكومي كمتوسط للمدة 2006-2019 والباقي 96.25% وهو النسبة الاعظم حيث تم توجيهه نحو بقية القطاعات.
تشخيص العلاقة
يتضح مما تقدم الآتي:
1- ضعف الاقتصاد العراقي بحكم هيمنة النفط على الناتج والايرادات العامة والصادرات السلعية.
2- ضعف العلاقة بين النفط والاستثمار بحكم توجيه الايرادات النفطية لصالح النفقات الاستهلاكية على حساب النفقات الاستثمارية.
3- ضعف العلاقة بين الاستثمار والتنمية البشرية بحكم انخفاض النفقات الاستثمارية على الجانب الصحي والتربوي والتعليمي.
4- ضعف العلاقة بين النفط والتنمية البشرية، بمعنى إن النفط لم يتم توظيفه بالشكل السليم الذي يحل محل النفط بعد نضوبه أو انخفاض أهميته الاقتصادية.
الحلول
إن الخلاص من ضعف الاقتصاد وتقويته يتطلب العمل على الآتي:
1- تنويع الاقتصاد العراقي من خلال تنشيط القطاعات الانتاجية، وزيادة الايرادات غير النفطية، وتشجيع الصادرات غير النفطية.
2- تقوية العلاقة بين النفط والاستثمار من خلال توجيه الايرادات النفطية لصالح النفقات الاستثمارية على حساب النفقات الاستهلاكية.
3- تقوية العلاقة بين الاستثمار والتنمية البشرية من خلال زيادة النفقات الاستثمارية على الجانب الصحي والتربوي والتعليمي.
4- تقوية العلاقة بين النفط والتنمية البشرية ، أي من خلال استثمار النفط بالشكل السليم الذي يجعل التنمية البشرية تحل محل النفط وتعطي اضعاف ما يعطيه النفط في حال نضوبه أو انخفاض أهميت الاقتصادية.
خلاصة القول،
إن توجيه النفط نحو الاستثمار بشكل عام ونحو الجانب الصحي والتربوي والتعليمي بشكل خاص، يعني تطوير التنمية البشرية واحتواء أضرار النفط وتقوية الاقتصاد واستدامته.
.
رابط المصدر: