د. حيدر حسين آل طعمة
قفزت اسعار النفط مؤخرا الى معدلات تاريخية نتيجة تحركات متنوعة شهدتها اساسيات اسواق الطاقة خلال الاسابيع والايام الاخيرة. فقد ارتفعت اسعار النفط لأعلى مستوياتها منذ اعوام وسط مخاوف عالمية بشأن إمدادات الطاقة على خلفية مؤشرات على شح أسواق النفط والغاز الطبيعي والفحم.
ومؤخرا لامست اسعار النفط حاجز (83) دولار للبرميل في اعلى مستوى لها منذ سنوات. ورغم ان لتعاف النشاط الاقتصادي وفتح الاقتصاد وتراجع موجات انتشار كوفيد-19 دورا محوريا في ارتفاع الطلب العالمي على النفط ودفع الاسعار صوب الارتفاع، الا ان هناك عوامل اخرى عززت من تحسن اسعار النفط بشكل ملحوظ لعل اهمها ازمة الغاز الطبيعي والتزام تحالف “اوبك+” باتفاق تموز 2021.
ازمة الغاز الطبيعي
عززت ازمة الغاز الطبيعي من معدلات الطلب على النفط في اسواق الطاقة العالمية، ويرجح ان تستمر اسعار النفط والغاز بالارتفاع التدريجي إذا لم تشهد مخزونات النفط الخام ارتفاعا ملحوظا خلال الاسابيع القادمة. وتتنوع اسباب الارتفاع المفاجئ لأسعار الغاز في الاسواق العالمية، لكن بشكل عام فان تحسن النشاط الاقتصادي وتعاف الطلب العالمي على الطاقة، بعد قرابة سنة ونصف من الاغلاق الكبير بسبب كوفيد-19، ساهم في ارتفاع الطلب على الغاز بشكل كبير، خصوصا مع اقتراب موسم الشتاء في اوربا وامريكا وعدد كبير من بلدان العالم التي تعتمد على الغاز لأغراض التدفئة.
من جانب آخر، دفعت الخسائر الفادحة في قطاع الطاقة طوال العالم الماضي الى خروج العديد من الشركات وتجميد الاستثمارات في شركات اخرى، بانتظار عودة الطلب العالمي الى مستويات ما قبل الازمة، مما أسهم في تقليص عمليات التنقيب وانخفاض معدلات استخراج الغاز بشكل ملحوظ. ونتيجة لذلك ضعفت امكانيات المعروض العالمي من الغاز على استيعاب الطلب العالمي المتنامي على الغاز الطبيعي مولدا ارتفاعا في معدلات اسعاره ليسجل أعلى مستوى في (12) عاما.
فقد قفزت أسعار العقود الآجلة للغاز في أوروبا بأكثر من (21%) للشحنات تسليم تشرين الثاني، و(23%) لشحنات كانون الاول، مسجلة بذلك مستويات قياسية مرتفعة بفعل مخاوف من شح المخزونات في عدد من الدول الأوروبية وبما يكفي لموسم الشتاء القادم.
اما في اسيا يجري تداول أسعار الغاز الطبيعي قرب مستويات قياسية مرتفعة ايضا، حيث تتنافس الصين ومشترين كبار آخرين للغاز الطبيعي المسال على شحنات متاحة لتلبية الطلب المتزايد على هذا النوع من الوقود. وفي الولايات المتحدة ارتفعت أسعار الغاز ايضا رغم توقعات ببقاء الأحوال الجوية في البلاد أكثر اعتدالا من المستويات المعتادة في مثل هذا الوقت من العام. وارتفعت العقود الأميركية للغاز تسليم شهر تشرين الثاني لتسجل (6.312) دولار للمليون وحدة حرارية بريطانية، وهو أعلى مستوى لها منذ كانون الاول 2008. ويحفز الشح في الغاز الطبيعي وارتفاع أسعاره على التحول إلى المنتجات النفطية في عمليات التدفئة والتصنيع، وبالتالي تعزيز الطلب الإجمالي على النفط ومن ثم ارتفاع اسعاره.
التزام “اوبك+”
تعرضت منظمة البلدان المصدرة للنفط “أوبك” وروسيا وحلفاء آخرون ضمن تحالف “أوبك+” لضغوط كبيرة من كبار المستهلكين مثل الولايات المتحدة والهند لزيادة الإمدادات في اجتماع الشهر الحالي من أجل تهدئة ارتفاع الأسعار التي زادت بنسبة (50%) هذا العام. خصوصا مع ارتفاع اسعار الغاز الطبيعي في الاسواق العالمية ومخاوف من ارتفاع معدلات التضخم بشكل يعيق التعاف الاقتصادي الذي تشهده العديد من بلدان العالم نتيجة تزايد معدلات تطعيم اللقاحات وتراجع معدلات الاصابات بكوفيد-19.
مع ذلك، خلص اجتماع شهر تشرين الاول لتحالف “أوبك+” الى الالتزام باتفاق تموز الماضي. والذي ينص على زيادة حصص إنتاج تحالف “اوبك+” من النفط الى (400) الف برميل يوميا، على أساس شهري، بدءًا من تشرين الاول 2021 ولحين التخلص التدريجي من التعديل على الإنتاج وتصفية كامل كمية (5.8) مليون برميل المخفضة (سابقا) في ايلول 2022، على أن تعمل المجموعة على تقييم تطورات الاسواق وأداء الدول المشاركة في كانون الاول 2021. وبذلك لم يستجب اجتماع “اوبك+” لتطورات اسعار النفط والغاز ولا للضغوط الدولية برفع الامدادات، وتم الابقاء على معدلات الزيادة في الانتاج كما هو مقرر في اجتماع تموز الماضي وبدون تغير يذكر. مما أسهم في ارتفاع اسعار النفط الى قرابة (83) دولار بعد اخفاق توقعات الاسواق بزيادة أكبر في الامدادات، خصوصا مع ضغوط دولية عديدة مورست على الاعضاء الفاعلين في تحالف “اوبك+”.
بوصلة الاسعار
وفقا لمخرجات اجتماع “أوبك+” لم يجد التحالف حاجة كبيرة إلى زيادة الإمدادات النفطية في المرحلة الراهنة، على اعتبار ان الزيادات التدريجية في الإمدادات بقرابة (400) ألف برميل يوميا (على أساس شهري) ستكون كافية لإعادة التوازن الى الاسواق النفطية قريبا. كما يدرك تحالف “اوبك+” جيدا بان ارتفاع اسعار النفط بشكل قياسي لا يعود الى شح الامدادات النفطية الى الاسواق، وانما يعود بشكل رئيس الى شح المعروض من الغاز الطبيعي مقارنة بمعدلات الطلب العالمي المتنامي على الغاز، مما عزز من زيادة الطلب على مصادر الطاقة البديلة، وتحديدا النفط الخام، كونه بديل جيد لأغراض توليد الكهرباء والتدفئة، خصوصا مع توقعات شتاء أكثر برودة في نصف الكرة الشمالي. وبحسب تقديرات خاصة لمجموعة جولدمان ساكس الدولية فأن نمو الطلب على النفط يجري بوتيرة سريعة تفوق التقديرات السابقة، اذ اضافت أزمة الغاز للطلب على النفط قرابة (650) ألف برميل يوميا.
مع ذلك، يرى أطراف في “اوبك+” بان السعر العادل لبرميل النفط، بالنسبة للمنتجين والمستهلكين، يقع ما بين (75-80) دولار للبرميل. مما يوحي بإعادة النظر في قرار تثبيت الزيادة الشهرية لتحالف “اوبك+” وربما عقد اجتماع مبكر عن الشهر المقبل، خصوصا إذا استمرت الأسعار بالارتفاع خلال الايام والاسابيع القادمة، لتوخي الاضرار بالنمو الاقتصادي الراهن.
.
رابط المصدر: