تمارا كاظم الأسدي
على الصعيد التاريخي، فإن التنافس والصراع بين السلطات قديماً وحديثاً والتي تدور بين 25 دولة كبيرة او صغيرة الاهمية حول هذا الامتداد البحري الطويل (4000 كيلو متر) من الغرب الى الشرق، يعد من أكثر الاشكاليات الجيوبوليتيكية في اي مكان آخر، فهو ذو خطر جداً ومعقد لأنه تشابك بطريقة غير مباشرة عبر تاريخ طويل.
إذ أن هناك مواجهة بين شمال وجنوب البحر المتوسط من جهة، والبلدان الاوروبية الواقعة على حافة الشمالية والبلدان الممتدة على الحافة الجنوبية، أو هي البلدان المصنفة بالنامية أو المتخلفة من جهة أخرى.
وعليه فالتنافس والصراع حول البحر المتوسط لا يمكن أن يختصر الى مفهوم شمال-جنوب، أو الى صراع مسيحي-اسلامي فهي ظاهرة جيوبوليتيكية كبيرة فقط حول الجزء الغربي من هذا الامتداد البحري.
فالتباين الاقتصادي والاجتماعي بين البلدان الشمالية والجنوبية كان سبباً في الهيمنة الاستعمارية منذ القرن التاسع عشر على بلدان المغرب العربي من قبل الدول الأوروبية، ولاسيّما فرنسا، وفي المقابل الجزء الشرقي من البحر المتوسط التباين الاقتصادي اقل واقعية كبريطانيا التي ادت دوراً جيوبوليتيكيا رئيساً في البحر المتوسط استمر حتى نهاية الحرب العالمية الثانية.
أما بالنسبة لحوض المتوسط فهناك العديد من الدول المتجاورة التي لديها مشاكل حدودية مع بعضها سوريا وتركيا، وسوريا وإسرائيل، أو بين البلقان، والبعض يوجد بينها مشاكل جيوبوليتيكية يمكن ان تكون بصيغة الدين، أو اللغة، أو عدم العدالة في التقسيم الاقليمي لعائدات الثروة والاقتصاد التي تتحول الى مطالبات بالاستقلال، ويظهر هذا بشكل واضح في اسبانيا وبريطانيا.
أما في لبنان فهناك العديد من الطوائف التي تتمركز في مناطق خاصة، مما أدى إلى حرب اهلية استمرت (15) عام وكل طرف فيها يسعى لتعزيز علاقته مع دول متجاورة، وأن هذا التنافس لا يدور فقط بين الدول المتجاورة، بل بين الدول المتقابلة كما كان بين فرنسا والمغرب العربي. كل هذا يؤسس ما يمكن ان نسميه (الظاهرة الجيوبوليتيكية المتوسطية)، أو (النموذج المتوسطي) الذي يمكن ان يعرف من خلال تعدد التدخلات المباشرة من طرق بحرية بين الدول المتوسطية والمضايق والممرات نحو محيطين والتي تسهل حركة السفن، أو النقل البحري بين المحيطات عبر البحر المتوسط كالمتوسط الامريكي والمتوسط الاسيوي، أما البحر الابيض المتوسط الذي يمكن أن ندعوه الأوروبي-العربي، أو بشكل افضل الأوروبي-الاسلامي -حتى لا نسقط تركيا منه- هو اكثر تعقيداً ومنطقة للصراع من الاخرين السابقين لأن الاول امريكي وليس في تماس مع دول اسلامية اما الثاني الاسيوي يتواجد تحت تجانس صيني.
يتضح مما سبق على الرغم من ان تقدم الحوار الجيوبوليتيكي بطرق تعود الى قضايا تاريخية لتحدث بعد ذلك النزاعات الجيوسياسية الاقليمية، إلا أن القضايا الجيوبوليتيكية على ضفاف المتوسط تعد قضايا جديدة، أو اصلية.
وعلى هذا الأساس في تقديرنا فإن معظم التوترات الجيوبوليتيكية حول المتوسط هي التي تترجم التنافس بين السلطات المتجاورة في الارض كالصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، أو الصراع بين الاتراك والاكراد، أو بين الصرب والبوسنة، وهي في الواقع ليست الصورة التي نملكها عن البحر المتوسط فقط بأنه صراع بين طرفيه الشمالي والجنوبي.
* باحثة متخصصة في الشؤون الدولية
مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية/2004-Ⓒ2020
www.fcdrs.com
…………………………
المصادر
1. عبد القادر شربال، البحر الابيض المتوسط بين السيادة والحرية، دار صومة للنشر والتوزيع، الجزائر، 2009.
2. محسن زوبيدة، محمد حمزة بن قرنية، محاضرات حول جوبولتيك البترول في العالم، جامعة قاصدي مرباح_ ورقلة، كلية العلوم الاقتصادية والتجارية، قسم العلوم الاقتصادية، الجزائر، 2014.
3. محمد عبد المنعم الشرقاوي، الجغرافية والسيادة العالمية، مكتبة النهضة العربية، القاهرة_ مصر، 2000.
4. صلاح نيوف، جيوبولتيك البحر المتوسط قراءة في كتاب إيف لاكوست، صحيفة ايلاف الالكترونية، 4/11/2007، على الموقع الالكتروني:
www.elaoh.com
5. ألكسندر دوغين، اسس الجيوبوليتكيا مستقبل روسيا الجيوبولتيكي، ترجمة وتقديم: عماد حاتم، دار الكتاب الجديد المتحدة، بيروت، لبنان، ط1، حزيران 2004.