- غرق سفينة تحمل مهاجرين غير شرعيين قبالة سواحل السنغال في 8 سبتمبر الجاري، أعاد إلى الواجهة تلك المآسي التي استمرَّت لمدة عقدين من الزمن.
- إحصائيات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) تشير إلى وفاة أو فقدان أكثر من 2500 شخص في البحر المتوسط أثناء محاولتهم العبور إلى أوروبا منذ مطلع العام، مع احتمال ارتفاع الأرقام في العام الحالي 2024م.
- معظم وفيات المهاجرين تحدث على “أخطر طريق في العالم”؛ بين الساحل الغربي لإفريقيا وجزر الكناري.
- صناعة موت حقيقية برعاية شخصيات بلا ضمير يُختزل همهم في استغلال نشء مقتنع بأن مستقبله خارج إفريقيا، وأن أفضل الكلأ وراء الجسر.
- لم يعد الإقبال على الهجرة غير الشرعية يقتصر على الشباب فحسب، وإنما يطال العديد من الشرائح المجتمعية في القارة.
- عولمة الهجرة غير الشرعية بعد أن تم التعرُّف مؤخرًا على بعض المهاجرين غير الشرعيين من جنوب آسيا في زوارق قوارب مائية تغادر غرب إفريقيا إلى إسبانيا.
- ضرورة إيجاد حل جماعي لظاهرة الهجرة غير الشرعية بعد فشل كل التدابير المتَّخذة هنا وهناك.
مقدمة:
من الواضح أن السؤال عن مسؤولية إفريقيا يُطرَح مع تسارع مآسي الهجرة. وفي هذا السياق، كان غرق السفينة التي كانت تغادر ميناء أمبول، قبالة سواحل السنغال، في 8 سبتمبر الجاري، تذكيرًا بأن المأساة تتكشف منذ ما يقرب من عقدين من الزمن في البحار والمحيطات التي تفصل إفريقيا عن بقية العالم.
وقد دقَّت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) ناقوس الخطر منذ عام 2023م، مشيرةً إلى أنه حتى 24 سبتمبر، لقي أكثر من 2500 شخص حتفهم أو فُقدوا منذ بداية العام، بزيادة قدرها 50% تقريبًا مقارنة بـ1680 شخصًا لقوا حتفهم في الفترة نفسها من عام 2022م.
من المتوقع أن يتم تحطيم جميع الأرقام القياسية في عام 2024م؛ ففي 12 يونيو الماضي، نشرت المنظمة الإسبانية غير الحكومية “كاميناندو فرونتيراس” تقريرًا مروعًا بعنوان “رصد حق البقاء على قيد الحياة على الحدود بين أوروبا وغرب إفريقيا“، أشارت فيه إلى أنه بين شهرَي يناير ومايو من هذا العام، مات 5504 مهاجرًا عبروا البحر الأبيض المتوسط الخطير إلى إسبانيا، ولقي هؤلاء حتفهم أثناء محاولتهم الوصول إلى أوروبا، أي بمعدل موت حوالي 33 مهاجرًا يوميًّا، أو حالة وفاة واحدة كل 45 دقيقة.
وأشار التقرير، استنادًا إلى بيانات الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، إلى أن معظم وفيات المهاجرين حدثت على “أخطر طريق ملاحي في العالم”، بين الساحل الغربي لإفريقيا وجزر الكناري؛ حيث توفي 4808 أشخاص خلال الفترة نفسها.
صناعة الموت:
لا يوجد وراء هذه السلسلة من الشخصيات التي لا تُطاق سوى أحلام محطَّمة وأقدار مُبتلَعة من هذه المقبرة التي لا يمكن سَبْر أغوارها تحت البحر؛ حيث لم تنكشف كل الأسرار بعدُ.
وخلف دوافع وآليات ما يبدو أنه مشروع من الداخل، هناك صناعة موت حقيقية يقوم عليها رعاة وقراصنة ومتواطئون ولاعبون وراء الكواليس وداعمون وجانحون، كلهم عازمون على استغلال الشباب المقتنعين بأن مستقبلهم يكمن خارج إفريقيا، وأن الأفضل في مكان آخر.
وللقيام بهذه الرحلة المجهولة التي تُكلِّف آلاف اليوروهات في الرحلة الواحدة، تتحمل الأمهات تكاليفها كعائلة من خلال بيع مجوهرات العائلة، وتضع المرشحين للهجرة في جحيم الديون. ومع ذلك، بمجرد وصولهم إلى (البلد المضيف)، يسددون نفقات سفرهم ويرسلون تحويلات منتظمة إلى أقاربهم ويساعدون مهاجرين آخرين.
في الواقع، يصل بعض المرشحين للهجرة بالفعل إلى وجهتهم، ويندمجون بنجاح في اقتصاد البلد المضيف المتعطش للعمالة، خاصةً في قطاعات البناء والأغذية والمشروبات والزراعة. وهذا ما يُعزّز أسطورة أوروبا المزدهرة، ويُفسّر، إلى حدٍّ ما، قلق العائلات والمجتمعات القروية من الاستعداد لرحلة العبور الليلية التي تتحدى الموت. وغالبًا ما تعود السفن أدراجها، ولا يعود الناجون سالمين أبدًا، ويُصاب معظم الناس بالهلوسة. ليس من السهل أبدًا رؤية الركاب يموتون وتنقلب حياتهم رأسًا على عقب وتبتلع مدخراتهم التي جمعوها طول حياتهم.
سياق جديد:
لقد تغيَّر السياق الجيوسياسي بشكلٍ كبيرٍ منذ الموجة الأولى من المهاجرين غير الشرعيين في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. ومن هنا تأتي الحاجة إلى تكييف السرد وتأهيل التفسيرات المقدمة هنا وهناك. لقد أصبح هذا المشروع مشؤومًا عالميًّا، إذا جاز التعبير. في الآونة الأخيرة، تم التعرف على مهاجرين غير نظاميين من جنوب آسيا على متن قوارب من غرب إفريقيا تتحرك باتجاه إسبانيا.
ولهذا السبب يجب أن نكون حذرين بشأن تحليل الوضع الحالي بنفس المعايير التي كانت متَّبعة في الماضي حيث إن ملامح المهاجرين غير الشرعيين آخِذة في التغيُّر. فلم يعد جميع المرشحين للهجرة من الشباب والفقراء والعاطلين عن العمل. كما أن أولئك الذين يتوارون عن الأنظار ليسوا مضطهدين مِن قِبَل الأنظمة القمعية، كما يزعم أحيانًا.
وقد قيل أيضًا -ربما بشكل متسرع بعض الشيء-: إن سبب الهجرة غير الشرعية يرجع إلى تراجع صناعة صيد الأسماك؛ وعليه يكمن الحل في إعادة التفاوض على عقود الصيد، والتي تكون في بعض الأحيان غير مُواتية للغاية بالنسبة للبلدان الإفريقية، وهذا أمرٌ غير مؤكد. علاوة على ذلك، بينما كان معظم الصيادين في الماضي من الشباب، لم يَعُد هذا هو الحال الآن. فاليوم، تُقِلّ القوارب أشخاصًا من جميع مناحي الحياة، وكبار السن، وعائلات بأكملها، ونساء مع أطفالهن الرضع، وغيرها.
استعادة الحدود البحرية:
تجدر الإشارة إلى أن مأساة الهجرة غير الشرعية هي قصة فشل، وأحيانًا غياب السياسات الاجتماعية والاقتصادية في بلدان المهاجرين الأصلية، كما أنها قصة فشل جماعي أيضًا للسياسات الأمنية في بلدان المنشأ والعبور والاستقبال. ورغم ذلك، وبما أن موجة الهجرة لا تُظهر أيّ علامة على التوقف، على الرغم من كل التدابير المتخذة هنا وهناك، فإن الحل سيتطلب حتمًا استجابة جماعية.
ومن المفارقات أن العالم يتدفق على إفريقيا في الوقت الذي يتجه فيه الشباب الإفريقي إلى البحر. ولأسباب إستراتيجية واضحة، من الأفضل للبلدان الإفريقية أن تستعيد حدودها البحرية وتُحوّل بحارها وأنهارها ومصبَّات الأنهار وسواحلها وموانئها وأرصفة الموانئ والمرافئ والأرصفة إلى مُحرّكات لخلق فرص العمل وحاضنات لريادة الأعمال الشبابية؛ وهذا ما يجب على الحكومات الإفريقية التي تُواجه الهجرة غير النظامية أن تفعله لوقف صناعة ميتة، هذا هو الثمن الذي يجب على الحكومات الإفريقية التي تُواجه الهجرة غير النظامية أن تدفعه لوقف صناعة الموت. إن إبقاء الشباب في بلدانهم هو التحدّي المطروح، وإلا فإن “النهر الإفريقي العضلي” سيجف قريبًا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهامش:
* تيديان ديو، مستشار دولي متخصصة في القضايا الجيوسياسية، وهو محاضر جامعي وصحفي سابق في الصحافة المكتوبة والتلفزيون، وموظف مدني دولي في المنظمة الدولية للفرانكفونية لمدة 20 عامًا.