الهجمات الإسرائيلية داخل إيران… بين السيبراني والميداني

اغتالت إسرائيل رئيس المكتب السياسي في حركة “حماس” ورئيس الوزراء الفلسطيني الأسبق إسماعيل هنية. الاغتيال نفسه لم يكن مستغربا، وهو تنفيذ حرفي لما وعدت به إسرائيل منذ اندلاع حرب غزة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، واستمرار لسلسلة من الاغتيالات التي نفذتها ضد شخصيات قيادية من “حماس”، ومنهم الشيخ المؤسس أحمد ياسين والدكتور عبد العزيز الرنتيسي، اللذان قتلا بفارق أيام معدودة سنة 2004. لكن ما لم يكن متوقعا هو أن تقصف إسرائيل في العمق الإيراني وسط العاصمة طهران، متخطية بذلك كل الخطوط الحمراء، ولو أنها كانت قد اقتربت من هذا الخط قبل أشهر قليلة، يوم هجومها على القنصلية الإيرانية في دمشق في الأول من أبريل/نيسان الماضي. وقبلها بسنتين كانت إسرائيل قد أعلنت عن اختطاف ضابط إيراني من داخل البلاد، وقالت إنها تمكنت من تسفيره إلى الخارج والتحقيق معه حول مخطط لاغتيال دبلوماسي إسرائيلي في تركيا.

أما بقية العمليات الإسرائيلية في طهران فكانت تتم عبر وكلاء محليين، دون تدخل عسكري مباشر، وفي كل التجارب السابقة لم تتقدم إسرائيل وتعلن مسؤوليتها عن أي هجوم إلكتروني.

الهجمات السيبرانية

بداية هذه الحرب غير التقليدية كانت في شهر يونيو/حزيران 2010، يوم طورت إسرائيل– المعروفة بسمعة مبرمجيها وقدراتهم- فيروس باسم “ستاكنيت” وتمكنت من زرعه على أجهزة الكمبيوتر في محطة بوشهر الكهروذرية. انتشر الفيروس بسرعة ووصل إلى 30 ألف جهاز كمبيوتر في 14 منشأة إيرانية، وفي شهر أبريل من العام نفسه، أدخلت إسرائيل فيروس جديد باسم “ستارز” (النجوم)، بهدف اختراق المنشآت النووية. ثم في 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2011، كان الجيل الثالث من فيروس اسمه “داكو”، وبعده الرابع في أبريل 2012. أعلنت إيران يومها عن اكتشاف برمجيات خبيثة (مالوير) باسم “وايبر” أطلقتها إسرائيل بهدف مسح كل المعلومات عن سواقات الكمبيوتر في وزارة النفط الإيرانية. وبعدها بأسابيع محدودة، جاء فيروس “فلايم” (الشعلة) ليضرب أجهزة الكمبيوتر الإيرانية في محاولة لسرقة ما فيها من معلومات سرية.

الاغتيالات والهجمات الميدانية

معظم هذه الهجمات السيبرانية بقيت محصورة الضرر والتأثير، ولم يهتم بها الإعلام الإقليمي كثيرا وقللت إيران من شأنها وعدتها فاشلة بالكامل. أما الهجمات الميدانية المباشرة، فقد طالت أشهر وأهم العلماء الإيرانيين، وقد تنوعت أساليبها بين السّم والتصفية الجسدية بالرصاص، وصولا إلى التفجير عن بُعد بواسطة الأقمار الاصطناعية. جميع العلماء كانوا مرتبطين ببرنامج إيران النووي، وكان أولهم عالم الفيزياء أردشير حسينبور، الذي مات بطريقة غامضة في مدينة أصفهان يوم 15 يناير/كانون الثاني 2007. لم تُعلن الوفاة إلا بعد ستة أيام من حدوثها، وقيل إنه توفي إثر اختناق أو تسمم إشعاعي أصابه، ووجهت أصابع الاتهام فورا إلى جهاز الموساد الإسرائيلي، وهو ما نفاه رئيس الجهاز الأسبق مائير عاميت.

وفي 12 يناير 2010، قُتل مسعود علي محمدي، أستاذ الفيزياء في جامعة طهران، أمام منزله في العاصمة. اقترب منه منفذ العملية على دراجة نارية انفجرت وأودت بحياته، وبعدها بأشهر، أعلنت الحكومة الإيرانية عن اعتقال عشرة أشخاص متورطين في العملية، يعملون جميعا لصالح الموساد. وقد أظهرت أحدهم على شاشة التلفزيون الإيراني الرسمي، ليقول إنه تلقى التدريبات اللازمة في تل أبيب.

 

بداية هذه الحرب غير التقليدية كانت في شهر يونيو/حزيران 2010، يوم طورت إسرائيل فيروس باسم “ستاكنيت” وتمكنت من زرعه على أجهزة الكمبيوتر في محطة بوشهر

 

 

وفي نهاية عام 2010، اغتيل مجيد شهرياري في 29 نوفمبر/تشرين الثاني عبر زرع متفجرة في سيارته. وفي اليوم نفسه، نجا الدكتور فريدون عباسي من محاولة اغتيال في طهران أيضا. كما اغتيل المهندس داريوش رضائي نجاد في 23 يوليو/تموز 2011، عند إصابته بخمس رصاصات أطلقها مجهولون يستقلون دراجات نارية وسط العاصمة. وبعدها جاءت تصفية مصطفى أحمدي روشن بتفجير يوم 11 يناير 2012، وكان يعمل في محطة ناطنز النووية وسط البلاد.
وكان الدكتور محسن فخري زاده أشهر ضحايا الاغتيالات الإسرائيلية، الذي قتل في 27 نوفمبر 2020، وكان يعتبر العالم الأبرز في برنامج إيران النووي. ولد في مدينة قم والتحق بالحرس الثوري الإيراني إبان الثورة الإسلامية سنة 1979، ثم انتقل إلى التدريس في جامعة الإمام حسين، قبل تصفيته جسديا في هجوم مباغت بمدينة آبسارد القريبة من طهران. استغلت إسرائيل الحظر المفروض يومها بسبب انتشار وباء كورونا، وخلو الشوارع شبه التام من السيارات والمارة، وقد تضاربت الأقوال حول كيفية الاغتيال. البعض قال إنه قتل بمتفجرات زُرعت في سيارة “نيسان”، وقال آخرون إنه هوجم من قبل مسلحين.

أما الرواية الأقرب إلى الواقع وهي التي تبنتها إيران لاحقا، فهي أنه أصيب بثلاث عشرة طلقة نارية من رشاش رُفع فوق سيارة وأطلق بواسطة الأقمار الاصطناعية.

وفي شهر سبتمبر/أيلول من العام نفسه، نشرت جريدة “نيويورك تايمز” تحقيقا حول الجريمة، قالت فيه إن إسرائيل كانت تخطط لتصفية فخري زاده منذ سنة 2009، وقد وجه قائد الجيش الإيراني عبد الرحيم الموسوي أصابع الاتهام إلى إسرائيل ولمّح وزير الخارجية محمد جواد ظريف إلى دور الموساد. وقد جاءت عملية اغتياله بعد أحد عشر شهرا من تصفية قاسم سليماني، قائد “فيلق القدس” في “الحرس الثوري” الإيراني، أثناء زيارته إلى بغداد مطلع عام 2020، ولكن اغتياله هذا كان على يد الأميركيين وليس إسرائيل.

 

المصدر : https://www.majalla.com/node/321699/%D9%88%D8%AB%D8%A7%D8%A6%D9%82-%D9%88%D9%85%D8%B0%D9%83%D8%B1%D8%A7%D8%AA/%D8%A7%D9%84%D9%87%D8%AC%D9%85%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D8%AF%D8%A7%D8%AE%D9%84-%D8%A5%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D9%86-%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%A8%D8%B1%D8%A7%D9%86%D9%8A-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%8A%D8%AF%D8%A7%D9%86%D9%8A

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M