سايمون هندرسون
لدى واشنطن أسباب منطقية للانسحاب من مشروع خط أنابيب تحت البحر في شرق البحر الأبيض المتوسط، على الرغم من أن القرار يقضي فعلياً على حلم إسرائيل غير المحتمل في أن تصبح مزوداً مهماً للغاز إلى أوروبا.
في وقت سابق من هذا الشهر، سحبت الولايات المتحدة دعمها لـ”خط أنابيب شرق البحر الأبيض المتوسط”، وهو مسار مقترح في قاع البحر بقيمة 6 مليارات دولار كان من شأنه أن يربط مواقع الغاز الطبيعي المكتشفة قبالة سواحل إسرائيل وقبرص بمنشآت برّية في اليونان وحتى في إيطاليا. وعند قيام إدارة بايدن بإبلاغ حكومات اليونان وإسرائيل وقبرص بموقفها الجديد، أشارت هذه الإدارة إلى مخاوف اقتصادية وبيئية. وفي وقت سابق، أعلن “الاتحاد الأوروبي” انسحابه أيضاً من المشروع، كجزء من تحوّله الأوسع نطاقاً بعيداً عن مشاريع النفط والغاز.
ولطالما كانت الجدوى التجارية من مشروع “خط أنابيب شرق البحر الأبيض المتوسط” موضع شك للعديد من المحللين. وكان كبير مستشاري وزارة الخارجية الأمريكية لأمن الطاقة العالمي، عاموس هوكستين، من المشككين في هذه الجدوى حيث أفادت بعض التقارير أنه وصف المشروع في إحدى المرات بـ”حلم خط الأنابيب” حتى عندما كان وزير الطاقة الإسرائيلي السابق يوفال شتاينتز يؤيّده بحماسة. ويُعد إنشاء خط أنابيب طويل المسافة في المياه العميقة في قاع البحر وصيانته أمراً مكلفاً، كما أن أسعار الغاز الطبيعي المنخفضة كانت ستجعل ربحيته محدودة في أحسن الأحوال. بالإضافة إلى ذلك، لم يتمّ بعد اكتشاف حجم الغاز الضروري لملء الأنبوب بعد سنوات من الإعلان عن المشروع.
وكانت هناك مشكلة أخرى تتمثل في موقف تركيا إزاء الحدود الجنوبية من منطقتها الاقتصادية الخالصة، التي يتجاوز امتدادها مسار خط الأنابيب، مما يمنح أنقرة بالتالي أسباباً لإثارة الاعتراضات على المشروع. وهناك شكوك حول المنطق وراء مطالبة تركيا التوسعية بالأراضي، لكن ذلك لن يُبطل احتمال وجود عوائق قانونية.
ويعدّ القرار الأمريكي ضربة قاضية للمشروع. ومن المرجح أن يكون واقع تزامنه مع الأزمة الأوكرانية بمثابة ناقوس الموت لأحلام إسرائيل في أن تصبح بديلاً لروسيا كمزود مهم للغاز إلى أوروبا. كما تضاءلت آمال القدس في بناء صندوق ثروة سيادية مهم من العائدات.
وتُظهر نظرة فاحصة على الإحصائيات القيود التي تواجهها إسرائيل. فوفقاً لـ “المراجعة الإحصائية للطاقة العالمية” لشركة “بريتيش بتروليوم” (“شركة البترول البريطانية”)، وصل مخزون البلاد المُثبت من احتياطات الغاز في نهاية عام 2020 إلى 600 مليار متر مكعب، أي ما يوازي نسبة 0.3 في المائة فقط من الإجمالي العالمي. وفي المقابل، حلت روسيا بين أول ثلاث دول من حيث احتياطات الغاز في العالم بمخزون وصل إلى 37400 مليار متر مكعب (19.9 في المائة)، تتبعها إيران بمخزون 32100 متر مكعب (17.1 في المائة) وقطر بمخزون 20700 متر مكعب (13.1 في المائة). وحتى أن احتياطات الولايات المتحدة (12.600 مليار متر مكعب أو 6.7 في المائة) تجاوزت احتياطات إسرائيل.
ومن حيث الاستهلاك، تستخدم أوروبا حوالي 540 مليار متر مكعب سنوياً، ويُقال إن روسيا توفر حوالي 40 في المائة منها، أو أكثر من 200 مليار متر مكعب. إلا أن صادرات حقل “ليفياثان” البحري الإسرائيلي تشكّل نحو 10 مليارات متر مكعب فقط، في حين تُستخدم الكمية المستخرجة من حقلها الرئيسي الآخر (“تمار”) لتلبية الطلب المحلي على الطاقة.
وعلى الرغم من أن إسرائيل واليونان وقبرص تشعر بخيبة أمل بلا شك بسبب سحب دعم الولايات المتحدة و”الاتحاد الأوروبي”، إلا أن المشروع خدم الغرض القيّم المتمثل في التقريب بينها من الناحية الدبلوماسية. ومع ذلك، من غير المرجح أن يؤدي هذا التحوّل إلى جلب تركيا إلى هذه القافلة. فلا تزال أنقرة منافساً إقليمياً شرساً لليونان وقبرص، في حين أن برودة الرئيس رجب طيب أردوغان الطويلة الأمد تجاه إسرائيل قد تقضي على الأرجح على أي احتمالات قريبة الأمد بإقدام تركيا على شراء غازها الاحتياطي. فالحكومتان لا تثقان ببعضهما البعض حتى الآن بما يكفي للقيام بالاستثمارات الكبيرة الضرورية لخط الأنابيب.
ويبقى اقتراح آخر مطروحاً وهو إقامة خط ربط كهربائي ذي توتر عال لنقل الطاقة الفائضة بين إسرائيل وقبرص واليونان. لكن ثمة عدد من الشكوك المحيطة بهذه الخطة أيضاً – فناهيك عن المسافات الكبيرة التي يشملها هذا الخط (أكثر من 1300 ميل)، برز مشروع منافس لإقامة خط ربط كهربائي بين مصر وقبرص واليونان، علماً بأن مسارات تنفيذ الاقتراحين قد تواجه اعتراضات قانونية من جانب تركيا.
وسيشهد هذا العام المزيد من عمليات التنقيب عن الغاز وحفر آبار التطوير في مناطق مكتشفة قبالة سواحل إسرائيل ومصر وقبرص. ومع ذلك، ستكتسي أي اكتشافات جديدة على الأرجح أهمية من منظور شرق البحر المتوسط فقط وليس من منظور أوروبا. فالمستثمرون لا يزالون يدرسون تداعيات الخطاب الذي أدلت به الشهر الماضي وزيرة الطاقة الإسرائيلية الحالية كارين الحرار، التي أشارت فيه إلى أن مكتبها سيركز على مصادر الطاقة المتجددة في عام 2022 (ولا سيما مصادر الطاقة الشمسية وطاقة الرياح). وقد ينتهي الأمر بالغاز الإسرائيلي ليكون نعمة قصيرة الأمد وأقل ربحية مما كان متوقعاً.
.
رابط المصدر:
https://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/alwaq-almly-lkhtt-asrayyl-llghaz-altbyy