تمثل الجهود التركية آخر مساعي الحل الدبلوماسي للأزمة المتصاعدة بين إثيوبيا والصومال منذ مطلع العام الحالي، وقد سبقتها أنباء عن وساطة كينية جيبوتية نفتها مقديشو(1).
نجح وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في تيسير جولتي محادثات غير مباشرة بين نظيريه الصومالي أحمد معلم فقي والإثيوبي تاي اتسقي سيلاسي في أنقرة في يوليو/تموز وأغسطس/آب دون الخروج بنتائج حاسمة، مع تحديد سبتمبر/أيلول القادم لعقد الجولة الثالثة، ويتمثل أهم إنجاز لهذه الوساطة حتى الآن في الجمع غير المباشر بين الطرفين، وإعلانهما الالتزام بالحل السلمي للخلافات(2).
تحاول هذه الورقة الإجابة عن أسئلة أساسية مرتبطة بطلب إثيوبيا توسط أنقرة بينها وبين الصومال، وأهداف تركيا من هذه الوساطة، بجانب العوامل المعيقة والدافعة للجهود التركية، مختتمة بالسيناريوهات المتوقعة وتداعياتها.
لماذا طلبت إثيوبيا توسط تركيا؟(3)
في أثناء زيارته للعاصمة التركية أنقرة في مايو/أيار الماضي بادر رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد بطلب الوساطة من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان(4)، وهو توجه من أديس أبابا يمكن عزوه إلى جملة من الأسباب لعل أهمها:
- المقبولية العالية لأنقرة في الوساطة لدى الصومال على خلاف العديد من القوى الإقليمية والدولية الأخرى، فكينيا مثلًا بينها وبين الصومال نزاع حدودي بحري حكمت فيه محكمة العدل الدولية لمصلحة مقديشو عام 2021(5) لم تقبل به نيروبي، وهي مقبولية تجلت في موافقة مقديشو على الوساطة بعد أن أعلنت رفضها لأي جهد من هذا النوع قبل إلغاء إثيوبيا لمذكرة التفاهم مع أرض الصومال(6).
- إدراك إثيوبيا للأهمية التي توليها أنقرة لعلاقتها مع أديس أبابا على العديد من المستويات(7)، وبالتالي فقد تأمل أديس أبابا من خلال دعوة أنقرة للقيام بالوساطة إلى تحييدها مستقبلًا في حال تطور النزاع مع الصومال.
- ربما تتوقع أديس أبابا أنها إن نجحت في إقناع أنقرة بما تعتبره “مطالبها المشروعة” فقد تكون فرص الأخيرة، نتيجة علاقاتها الوثيقة المتعددة الأبعاد مع مقديشو، أكبر من غيرها في إقناع الصومال أو الضغط عليه لتليين موقفه فيما يتعلق باللجوء إلى التفاوض ومناقشة المطالب الإثيوبية.
- أهمية استقرار العلاقة بين البلدين لحماية مصالح تركيا فيهما وفي المنطقة عمومًا، وبالتالي فأنقرة معنية أكثر من القوى الإقليمية الأخرى الفاعلة في المنطقة بالمصالحة بين الصومال وإثيوبيا، كما أن تدهور الأوضاع بين الطرفين وصولًا إلى احتمالات الاشتباك المسلح ليس خيارًا مناسبًا لأنقرة التي ستجد نفسها في وضع غير موات بعد توقيعها الاتفاقية الدفاعية مع الصومال التي تلتزم بموجبها بدعم مقديشو في حماية مياهها الإقليمية مما قد يضعها في مواجهة مباشرة مع إثيوبيا.
- التحسين من موقف إثيوبيا على الساحة الدولية، إذ كان توقيعها لمذكرة التفاهم مع إقليم أرض الصومال الانفصالي الشرارة التي أشعلت فتيل هذه الأزمة وزادت الضغوط عليها(8)، وبالتالي فبسعيها للوساطة ترفع عن كاهلها جزئيًّا عبء المسؤولية عن التوتر المتصاعد معلنة رغبتها في استخدام الوسائل السلمية في تجنب انفجار الأوضاع جنوب البحر الأحمر.
- إضعاف أي تنسيق تركي مصري فيما يتعلق بالموقف من الصومال، حيث تبدو مصلحة الطرفين في الوساطة على طرفي نقيض، فأنقرة معنية بنجاح الوساطة بين حليفيها، في حين أن استمرار التوتر الصومالي الإثيوبي مصلحة مصرية.
- تسعى إثيوبيا إلى التخفيف من التوترات الخارجية للتفرغ لمعالجة مشكلاتها الداخلية، فرغم انتهاء الحرب في إقليم تيغراي فلا تزال البلاد تعاني من تداعياتها المروعة، كما تعيش تحت وطأة الاضطراب الأمني مع التمرد المسلح المتصاعد في إقليمي أمهرة وأوروميا(9).
- سد الطريق أمام التدخل المصري في الصومال في إطار صراع أديس أبابا مع القاهرة حول سد النهضة الكبير، وفي هذا السياق ربما يكون من دوافع التوجه الإثيوبي نحو تركيا كونها قوة مسلمة شرق أوسطية موازنة للقوة المصرية(10).
- نجاح الوساطة سيعني إضعاف التحالف الناشئ بين الصومال وإرتريا ومصر، وما قد يحمله من تداعيات أمنية وسياسية على إثيوبيا.
أهداف تركيا من الانخراط في جهود الوساطة
تستهدف أنقرة من موافقتها على القيام بدور الوسيط أهدافًا يمكن إجمال أهمها في الآتي:
1- تعزيز النفوذ التركي في إفريقيا: المبادرة التركية تمثل جزءًا من رؤية أوسع لتركيا في إفريقيا، حيث تؤدي أنقرة دورًا نشطًا في الأزمات الإقليمية لتعزيز نفوذها في القارة الإفريقية(11)، كما يشكل دور تركيا المتوازن ووساطتها بين الصومال وإثيوبيا أهمية حيوية لضمان الاستقرار في المنطقة. ويمكن أيضًا اعتبار مبادرة تركيا هذه جزءًا من مبادرات الأمن والتعاون الأوسع في القارة الإفريقية. ومن خلال التوسط في مثل هذه الأزمات تهدف تركيا إلى تعزيز حضورها الدبلوماسي في إفريقيا وتعزيز مكانتها بوصفها شريكًا موثوقًا به في المنطقة(12).
2- موازنة النفوذ الإقليمي والدولي: تحول القرن الإفريقي خلال العقد الأخير إلى ساحة تنافس مفتوحة تنشط فيها العديد من الأطراف الإقليمية والدولية كدول الخليج والصين والولايات المتحدة ومؤخرًا روسيا(13)، ونجاح تركيا المحتمل في الوساطة سيؤثر في توازنات القوى الحالية ولا سيما فيما يتعلق بالقوى الإقليمية المتنافسة في المنطقة وعلى رأسها الإمارات، وقد يؤدي إلى تشكيل تحالفات جديدة يكون لأنقرة دور مؤثر فيها.
3- دعم الاستقرار الإقليمي: تعاني منطقة القرن الإفريقي وجنوب البحر الأحمر من مجموعة متنوعة من الصراعات والاضطرابات الأمنية، ونجاح الوساطة التركية سيؤدي إلى كبح جماح بعض هذه التوترات سواء على المستوى الضيق بين إثيوبيا والصومال، أو على مستوى المنطقة كلها نتيجة التداعيات الإقليمية التي تلت توقيع مذكرة التفاهم الإثيوبية مع أرض الصومال؛ مما سينعكس إيجابيًّا على التعاون الإقليمي على أكثر من صعيد، وهو تطور سيصب في مصلحة تركيا ذات الاستثمارات الكبيرة في المنطقة(14).
4- تعزيز أسهم تركيا دوليًّا: استقطبت منطقة جنوب البحر الأحمر اهتمامًا دوليًّا واسعًا على إثر الهجمات التي قامت بها جماعة الحوثي على المصالح الإسرائيلية العابرة في باب المندب وخليج عدن؛ مما أثر بشكل مباشر في التجارة الدولية وخطوط الشحن العالمية(15)، في حين أن التوتر المتصاعد بين مقديشو وأديس أبابا ينذر بمزيد من الاضطراب في تلك البقعة الحساسة، وبالتالي فإن نجاح أنقرة في تجنيب العالم دفع هذه الأثمان سيرفع من أسهم أنقرة دوليًّا وسيلقى دعمًا وتقديرًا دوليين من كل الأطراف بما فيها المتصارعة على قمة النظام الدولي كالولايات المتحدة والصين وروسيا والاتحاد الأوروبي.
العوائق أمام الوساطة التركية
تواجه الوساطة التركية وضعًا شديد التعقيد يحمل في طياته العديد من التحديات والعوائق ومن أهمها:
1- تاريخ طويل من الصراعات بين إثيوبيا والصومال: تعد الأزمة الأخيرة بين البلدين حلقة جديدة في سلسلة ممتدة لقرون لطالما اتسمت بالكثير من الصراعات، التي تتداخل فيها العوامل المرتبطة بالحدود والمناطق المتنازع عليها والدين، حتى إن كلًّا منهما يعتبر “الآخر تهديدًا وجوديًّا له”(16) وفق تعبير دبلوماسي صومالي سابق؛ مما أدى إلى حالة عميقة من عدم الثقة تاريخيًّا وحساسية عالية في التعاطي مع الملفات الخلافية، سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي، وهو ما يزيد من صعوبة مهمة أي وسيط في كسر حاجز عدم الثقة المتبادل وإيجاد أرضية متوافق عليها.
2- التباعد الكبير بين الطرفين: النظر في مواقف إثيوبيا والصومال ومطلوبات كل منهما من الوساطة يكشف عن هوة تفصل بينهما بحيث يبدو من الصعب للغاية التوفيق بين تلك المطالب، فالصومال يضع على رأس أجندته احترام سيادته بما يتضمن تراجع أديس أبابا عن مذكرة التفاهم التي وقعتها مع أرض الصومال ويعتبر ذلك مدخلًا لبدء التفاوض، في حين ترى الحكومة الإثيوبية أن الهدف من هذه المفاوضات هو الحصول على “مصالحها المشروعة” من خلال تأمين الوصول إلى البحر عبر الوسائل السلمية(17)، دون أن يعني ذلك التراجع عن المذكرة ولا سيما مع غياب ضمانات كفيلة بتقديم بدائل مقنعة لأديس أبابا، كما أن هذه المذكرة هي الورقة الوحيدة التي تدخل بها إثيوبيا التفاوض وبالتالي فثمن التنازل عنها لا بد أن يكون مرضيًا، ولن يكون أقل مما تضمنته المذكرة: منفذ بحري خاص بها (استئجار طويل الأمد) وقاعدة عسكرية تحمي مصالحها في المياه الدولية.
3- العامل الشعبي: نتيجة للحساسية العالية التي يتسم بها موضوع المنفذ البحري متشابكًا مع تعقيدات العلاقة تاريخيًّا بين الطرفين فقد تحول هذا الملف إلى قضية شعبية وعاطفية قادرة على التأثير في الشارع بشكل كبير ضمن ظروف تنافس داخلي حرجة في البلدين، وهو ما يحدّ من قدرة القيادة في البلدين على المناورة، فالتركيز على شرعية حق إثيوبيا في الحصول على منفذ بحري سيادي والحملة الإعلامية التي رافقت توقيع مذكرة التفاهم يجعلان من الصعب على رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد القبول بتسوية أقل من السقف المعلن، والرفض الصومالي الشعبي الحاد بدوره لن يتيح المجال للرئيس الصومالي حسن شيخ محمود لتقديم أي تنازلات ملموسة في هذا الملف.
4 – التدخلات الدولية: تعج منطقة القرن الإفريقي بالمتنافسين على النفوذ في المنطقة ذات الأهمية الجيوستراتيجية العالية، وبعض هذه القوى قد يكون من مصلحتها إجهاض جهود الوساطة واستمرار حالة التوتر بين الصومال وإثيوبيا خدمة لمصالحها الخاصة، وهو ما قد يؤثر في قرارات الطرفين الرئيسيين وتعاطيهما مع ما تطرحه الوساطة من حلول.
5- ضعف المؤسسات القارية والإقليمية الإفريقية: طوال السنوات الماضية أثبتت المؤسسات الإفريقية المعنية بحل النزاعات في المنطقة كالاتحاد الإفريقي ومنظمة الإيغاد عجزها عن القيام بالدور المنوط بها وإطفاء الحرائق المشتعلة في المنطقة سواء فيما يتعلق بملف سد النهضة أو حرب التيغراي أو حرب السودان، وهو ما سينعكس على مدى قدرتها على تقديم الدعم للمبادرة التركية في هذا الملف.
عوامل داعمة للوساطة التركية
1- علاقات تركيا مع إثيوبيا والصومال: تتمتع أنقرة بعلاقات وثيقة مع كل من أديس أبابا ومقديشو، فأنقرة ثاني أكبر مصدر للاستثمار الأجنبي المباشر (FDI) في إثيوبيا بعد الصين(18)، ووفقًا لتصريحات السفير التركي في أديس أبابا فإن عدد شركات بلاده العاملة في إثيوبيا يبلغ نحو 200 تنشط في مختلف القطاعات، وفي مقدمتها البناء والصناعات الدوائية والغذائية(19)، كما أن الدولة الواقعة في شرق إفريقيا من أكبر مشتري الطائرات المسيّرة والذخائر التركية في إفريقيا.
في المقابل يعد الصومال العمود الفقري للنفوذ التركي في المنطقة، حيث يحتضن أكبر قاعدة عسكرية تركية في الخارج، وتنشط تركيا في الدولة ذات الموقع الاستراتيجي منذ عام 2011، كما وقع الطرفان اتفاقية دفاعية اقتصادية في فبراير/شباط الماضي تساعد أنقرة بموجبها الصومال على الدفاع عن مياهه الإقليمية مقابل الحصول على منافع اقتصادية(20).
2- انفتاح الطرفين على الدبلوماسية: رغم التوتر المستمر منذ مطلع العام بين مقديشو وأديس أبابا فإن موافقة الطرفين على الدبلوماسية أداةً لتجاوز الأزمة بينهما يمثل عاملًا داعمًا لجهود أنقرة رغم الشدّ والجذب بين الحين والآخر الذي قد يكون مرتبطًا بتكتيكات التفاوض.
3- حاجة البلدين إلى التعاون مع تركيا: تمر كل من إثيوبيا والصومال بفترة حرجة تزداد فيها الحاجة إلى الدعم الدولي، فإثيوبيا تعاني من تبعات حرب التيغراي الكارثية والتوترات الأمنية التي أثقلت كاهل اقتصاد البلاد، في حين تملك تركيا ورقتي التسليح والاستثمارات الاقتصادية.
كما أن مقديشو تعاني بدورها على الساحة الأمنية نتيجة تصاعد عمليات حركة الشباب مؤخرًا وقرب انتهاء مهمة البعثة الإفريقية في الصومال وتولي الجيش الصومالي مهام الأمن في البلاد، ولذا فهي بحاجة إلى دعم أمني توفره جزئيًّا تركيا من خلال الدعم اللوجستي والأمني وتدريب الآلاف من جنود الجيش الصومالي، بجانب الدور الذي ستضطلع به أنقرة في حماية المياه الصومالية وفق اتفاقية الدفاع المبرمة بين الطرفين في فبراير/شباط الماضي.
4- المنافع التي ستعود على البلدين من الوصول إلى اتفاق: تبدو المصالح المتأتية من التفاهم بين مقديشو وأديس أبابا أكبر من الإصرار على استمرار التوتر والحالة الصدامية بينهما، فإثيوبيا تريد تنويع منافذها البحرية والخروج من أسر جيبوتي، كما أنها معنية بعدم تصاعد الدور المصري في الصومال، وحالة السلام الخارجي ستعينها على ترتيب ملفاتها الداخلية، في حين أن الصومال سيستفيد من دعم أديس أبابا لحربه على الإرهاب، ومن السوق الإثيوبية الكبيرة ومن عائدات تصدير واستيراد البضائع الإثيوبية.
5- الدعم الدولي: بالنظر إلى الأهمية الجيوستراتيجية لجنوب البحر الأحمر والقرن الإفريقي وتأثير الاضطرابات فيها في التجارة العالمية، فإن قدرة تركيا على تطوير وساطتها والمضي قدمًا في تقريب الطرفين سيستقطبان الدعم والتقدير الدوليين؛ مما قد يشكل قوة ضغط مساندة لجهود أنقرة.
6- القدرة على ابتكار حلول إبداعية: بالنظر إلى تعقيد الموقف بين إثيوبيا والصومال فإن الحاجة تمس إلى اللجوء إلى أفكار ومقترحات خلاقة تضمن مصلحة الطرفين بما يمهد الطريق لتجاوز حالة العداء وعدم الثقة، وللتعاطي الإيجابي مع المقترحات التركية، بما قد يتضمن، على سبيل المثال، تقديم ضمانات تركية ودولية لصيغة تعاون مشترك تلبي حاجة مقديشو وأديس أبابا.
سيناريوهات الوساطة التركية
تعتمد أنقرة في مقاربتها للأزمة على قدرتها على القيام بدور الوسيط المحايد والمتوازن بالنظر إلى رغبتها في الحفاظ على علاقات وثيقة مع كل من أديس أبابا ومقديشو، وتعتمد الوساطة التركية على سياسة الخطوة خطوة، وهو ما يمكن ملاحظته من مجريات الجولتين الأولى والثانية.
حيث أفضت الجولة الأولى إلى توقيع بيان مشترك يلتزم فيه الطرفان بالحل السلمي للخلافات بينهما(21)، في حين سعت الجولة الثانية إلى سد الفجوات ومعالجة المخاوف بما يعود بالنفع على المنطقة كلها، والعمل على استكشاف صيغ محددة تشكل إطارًا للحل والوصول إلى حل مقبول للطرفين(22).
لم تتسرب أي مقترحات تركية حتى الآن إلا تصريحات فيدان بأن “التوتر بين الصومال وإثيوبيا سينتهي مع وصول إثيوبيا إلى البحر عبر الصومال، ما دامت تعترف بوحدة أراضي الصومال وسيادته السياسية”(23)، وهي صيغة ترضي الطرفين، لكن يظل التساؤل عن آليات وكيفيات تنزيلها على أرض الواقع.
وفق ما سبق يمكن القول إن الوساطة التركية بين الصومال وإثيوبيا قد تسفر عن مجموعة من السيناريوهات، لكل منها تداعياته، وهي التالية:
1- نجاح الوساطة وتحقيق اتفاق شامل
وفق هذا السيناريو ستتمكن أنقرة من ردم الهوة بين مقديشو وأديس أبابا والوصول إلى تفاهم شامل وتوقيع اتفاق يلبي مصالح الطرفين، ربما من خلال منح إثيوبيا وضعًا مميزًا في الموانئ الصومالية أو منطقة تجارة حرة أو أي حلول إبداعية أخرى.
ومن الصعب التكهن بتداعيات مثل هذا السيناريو لارتباطه بتفاصيل الاتفاق بين الطرفين لكن على العموم من الممكن إجمال التوقعات في التالي:
من الناحية الجيوسياسية:
- رفع مكانة تركيا على المستوى الإفريقي والدولي وتعزيز نفوذها في القرن الإفريقي على وجه الخصوص.
- دعم الاستقرار على مستوى الإقليم وتخفيض مستوى التوتر الذي صبغ المنطقة في الأشهر الماضية.
- تأثير سلبي في الحضور المصري، حيث ستطالب أديس أبابا بتقليص دور القاهرة ولا سيما في المجال الأمني والعسكري.
- إضعاف التحالف الناشئ بين الصومال وإرتريا ومصر الذي تسارعت خطواته نتيجة الأزمة الصومالية الإثيوبية.
من الناحية الاقتصادية
- ستؤدي المصالحة بين البلدين إلى استفادة الصومال من عائدات الحركة التجارية الإثيوبية عبر موانئه ومن السوق التجارية الضخمة في إثيوبيا، وهو ما سينعكس على اقتصاد الطرفين إيجابيًّا.
- ستؤدي المصالحة بين البلدين إلى زيادة الاستثمارات الأجنبية والدعم المالي للبلدين المتعطشين لهما.
من الناحية الأمنية
- ستؤدي المصالحة بين البلدين إلى تنشيط الجهود لمكافحة حركة الشباب التي تستهدف الطرفين.
2- فشل الوساطة
يرتبط هذا السيناريو برفض الطرفين التراجع عن مواقفهما وعجز الوسيط التركي عن تقديم حلول مرضية لهما.
وتداعيات هذا السيناريو مناقضة لما سبق، ويمكن إجمالها في التالي:
من الناحية الجيوسياسية:
- تصاعد التوتر بين إثيوبيا والصومال مع احتمالات نشوب صراع مسلح محدود بين الطرفين.
- توقيع اتفاقية بين أديس أبابا وأرض الصومال تعترف أديس أبابا بموجبها بالإقليم دولة مستقلة؛ مما قد يشعل نزاعات مسلحة داخل الإقليم من جهة، وبين مقديشو وهرجيسا من جهة أخرى.
- زيادة التوتر والاصطفاف الإقليمي وتقوية المحور الصومالي الإريتري المصري.
- تزايد دور القوى الخارجية كمصر في الصومال والإمارات في إثيوبيا.
- إضعاف دور أنقرة في القرن الإفريقي.
من الناحية الاقتصادية
– زيادة الأعباء الاقتصادية على اقتصادات كل من الصومال وإثيوبيا ولا سيما في حالة نشوب صراع مسلح بين الطرفين.
- زيادة التوترات الاجتماعية نتيجة تزايد الضغوط الاقتصادية.
من الناحية الأمنية
- تعد حركة الشباب المجاهدين من أكبر المستفيدين من هذا السيناريو من عدة نواح، كزيادة التجنيد، والتوسع نتيجة ضعف القبضة الأمنية التي تعاني أصلًا من العديد من العيوب في الصومال، وتزايد نشاطها في الإقليم عمومًا.
- تصاعد نشاط المجموعات المسلحة المتمردة في إثيوبيا وتزايد دعمها في إطار حروب الوكالة.
- ازدهار نشاط الشبكات الإجرامية العاملة في الأنشطة غير القانونية والعابرة للحدود كتهريب البشر والسلاح والقرصنة وغيرها.
- قد يكون للتداعيات في حدها الأقصى المتمثل في نشوب صراع مسلح تأثيرات في الأمن بجنوب البحر لأحمر وخليج عدن.
3- تجميد الصراع
ويعتمد هذا السيناريو على إحراز أنقرة نجاحًا جزئيًّا أو قدرتها على إقناع الطرفين بالحفاظ على مستوى معين للأزمة لا يصل إلى حد الانفجار المسلح، أو لإدراك الطرفين عدم قدرتهما على تحمل تكاليف وتداعيات الصراع المسلح، أما أهم تداعيات هذا السيناريو فتتمثل في الآتي:
- استمرار التوتر منخفض الحدة بين الطرفين.
- استمرار التوتر الإقليمي وما يرتبط به من تحالفات واصطفافات.
- تزايد دور القوى الخارجية في كل من الصومال وإثيوبيا.
- بقاء ملفات الخلاف الجوهرية دون حل؛ مما قد ينذر بتفجرها في مراحل لاحقة.
وفقًا للمعطيات الحالية يبدو من الصعب تحديد أي مسار ستسلكه الأزمة الحالية، غير أن العديد من المؤشرات تنبئ بأن تجميد الصراع وعدم الانجرار خلف إغراءات التصعيد سيظل الأقرب بالنظر إلى واقع البلدين وما يعانيانه من أزمات، وعدم رغبة القوى الدولية المعنية بالمنطقة في تفجير الحرب لما لها من تداعيات أمنية في منطقة لها من الحساسية واستراتيجية الموقع قدر ما لها من الهشاشة الأمنية؛ مما ينذر بأن تتمدد آثار أي صراع أبعد من حدود البلدين.