استفادت تركيا أيما إستفادة من الارتباك والقلق الذي أثارته مذكرة التفاهم التي وقعتها إثيوبيا مع جمهورية أرض الصومال المزعومة أو Somaliland في أول يناير 2024 والتي ينظر بعض الخبراء إليها على أنها مناورة من قبل الحكومة الإثيوبية لتحويل التركيز بعيدًا عن التحديات الاقتصادية والاضطرابات الداخلية الناجمة عن حرب تيجراي 2020-2022والتي أسفرت عن خسائر كبيرة ونزوح مئات الآلاف ونزوح مئات الآلاف من الأشخاص مما أدي إلي أزمة إنسانية حادة بإثيوبيا نفسها بما فيها مجاعة واسعة النطاق فيما ينظر آخرين إليها علي أن إثيوبيا مدفوعة بالضرورات الاستراتيجية القائمة وأن عودة البحرية الإثيوبية التي كانت غير نشطة منذ التسعينيات تُظهر بوضوح نوايا رئيس الوزراء أبي أحمد لتعزيز قوة إثيوبيا الإقليمية فالوصول الإثيوبي إلى خليج عدن عبر أرض الصومال من شأنه أن يزود إثيوبيا بقاعدة بحرية مهمة وخاصة بعد خسارة ساحلها على البحر الأحمر بعد انفصال إريتريا في عام 1993, وعلي أي الأحوال فقد تحركت تركيا سريعاً فقام الرئيس التركي رجب طيب اردوغان بزيارة مقديشو عاصمة الصومال في 21 يناير 2024تحت إجراءات أمنية مشددة يوم الأحد في ثاني زيارة له في أربع سنوات وخلال زيارته تلك وعد بمزيد من الاستثمارات في البلاد التي تكافح من أجل إعادة البناء بعد عقدين من الصراع كما زار اردوغان مشروعات مختلفة استفادت من الاستثمارات التركية من بينها مبني جديد بالمطار وميناء بحريا بعد إعادة تأهيله , وقال الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود في بيان رحب فيه بزيارة اردوغان إن المساعدات التركية كانت حيوية للغاية بالنسبة للصومال وأن تركيا لم تقف مكتوفة الأيدي تنتظر الاستقرار قبل أن تستثمر في الصومال بل أنها بدلا من ذلك بادرت بالاستثمار لتحقيقه وقبل يوم من زيارة الرئيس أردوغان لمقديشيو قام الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود بزيارة القاهرة في 20 يناير2024 على رأس وفد رفيع المستوى بدعوة من الرئيس المصري لكن الزيارة لم يعقبها أو يسبقها فعل مصري حاسم يواجه التقدم الإثيوبي غير المسبوق في جمهورية أرض الصومال المزعومة وإن أعلنت مصر بوضوح أن الاتفاق بين أرض الصومال وإثيوبيا باطل ورفضت أي تدخل في الشؤون الداخلية للصومال والمساس بسلامة أراضيه والطريق ممهد أمام مـــصــر للدفاع عن الــصــومال وعن مصالحها فالصومال بموجب عضويته في الجامعة العربية إنضم إلي اتفاقية الدفاع العربي المشترك المبرمة بين 7 دول عربية عام 1950وبالتالي فهناك مبرر لتحرك مصر نحو الصومال لإنقاذه من براثن أطماع الوحش الإثيوبي الذي لم تردعه حتي كراهية عموم الشعب الصومالي له وتعمده الإضرار بأمن مصر المائي من خلال سد النهضة الإثيوبي , غير أن الرئيس المصري في كلمته أمام الرئيس الصومالي أشار إلي أهمية التنمية والإستقرار في مصر حتي لا تكون مصر كالصومال وتتمزق وتقع في هوة عدم الإستقراروإنعدام الأمن .
جاءت زيارة الرئيس التركي للصومال تتويجاً لجهود تركية / صومالية حثيثة سابقة أسفرت عن توقيع وزيرا دفاع تركيا يشار جولر والصومال عبد القادر محمد نور علي إتفاق دفاعي إطاري(ميثاق التعاون الاقتصادي والدفاعي) لأول مرة في 8 فبراير2024 ودخل حيز التنفيذ في 22 فبراير 2024 ولذلك تم الإعلان عن فحوى الاتفاق وهو ساري لمدة10سنوات وسعت إليه الصومال لمواجهة الخطوة الإثيوبية التي هددت وحدة أراضي الصومال عندما وقعت إثيوبيا مع جمهورية أرض الصومال المزعومة أو Somaliland غير المُعترف بها دولياً علي مذكرة تفاهم قالت وزارة خارجية أرض الصومال عنها أنها :”إتفاق تاريخي يضمن وصول إثيوبيا إلى البحر بقواتها البحرية مقابل الاعتراف الإثيوبي الرسمي بجمهورية أرض الصومال وهو إنجاز دبلوماسي مهم لبلادنا “, وفي المقابل سيتم منح حكومة أرض الصومال حصة غير محددة حتى الآن في شركة الخطوط الجوية الإثيوبية التي تحمل العلم الإثيوبي وتعليقاً علي هذا الإتفاق قال الجانب الإثيوبي إن الاعتراف الإثيوبي بصوماليلاند سيأتي مقابل “20 كيلومترا من الوصول البحري للقوات البحرية الإثيوبية مستأجرة لمدة 50 عاما”وقال مكتب رئيس الوزراء الإثيوبي إن “مذكرة التفاهم ستمهد الطريق لتحقيق تطلعات إثيوبيا في تأمين الوصول إلى البحر وتنويع وصولها إلى الموانئ البحرية”, وقد ناشد الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي لتنظيم اجتماع طارئ لبحث مذكرة التفاهم بين أديس أبابا وهرجيسا , وجاء رد الفعل التركي حين أعلنت تركيا في بيان مكتوب في 4 يناير2024 “أنها تنظر بقلق إلى الاتفاق بين إثيوبيا وأرض الصومال وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية التركية أونجو كيسيلي في بيانه ردا على سؤال : “نؤكد من جديد التزامنا بالوحدة وسيادة ووحدة أراضي جمهورية الصومال الفيدرالية ونؤكد أن هذا الوضع هو من متطلبات القانون الدولي وقال “كما كان الحال في الماضي نتمنى أن يتم حل الخلافات بين الصومال وأرض الصومال من خلال المفاوضات المباشرة وبين الصوماليين ونكرر دعمنا للمبادرات في هذا الاتجاه” , ويأتي كل ذلك بعد أيام قليلة من لقاء الرئيس الصومالي ورئيس أرض الصومال عبدي في جيبوتي وإعلانهما استئناف المحادثات بين مقديشو وهرجيسا إثر جهود وساطة جيبوتية (تنفق إثيوبيا 1.5 مليار دولار سنويا على موانئ جيبوتي وتمر 85%من واردات/ صادرات إثيوبيا عبر موانئ جيبوتي حتي يومنا هذا , ومن الجدير بالذكر أنه منذ أكثر من قرن أي منذ عام 1897تم إنشاء خط سكك حديدية بين جيبوتي وأديس أبابا حتي يكون لإثيوبيا منفذ على البحر الأحمر , ولكن إذا حصلت أديس أبابا في الوقت الحالي (بعد إستقلال أرتريا وضياع موانيها من إثيوبيا) بالفعل على منفذ إلى البحر فإن البضائع القادمة أو المتجهة لإثيوبيا ستمر عبر ميناء بربرة بدلاً من جيبوتي ولا تريد جيبوتي أن تفقد احتكارها للتجارة الإثيوبية) أي أن التحركات الإثيوبية مع أرض الصومال غير معنية بمسألة جهود توحيد الصومال التي لا تحرص عليها البتة فهي ضد مصالحها الأوسع مدي فصومال ممزق خير من صومال موحد لأن الأطماع الإثيوبية تتسع لإبتلاع الصومال كله مع الفشقة السودانية حتي عتبات الخرطوم وساحل السودان علي البحر الأحمر فهكذا نص خطاب أرسله الإمبراطور الحبشي منليك الثاني لملوك وأباطرة أوروبا .
أعلن الصومال في 21 فبراير2024عن هذا الإتفاق الإطاري الدفاعي الذي أعلن في 21 فبراير2024 أن البرلمان الإتحادي الصومالي قد صادق عليه بأغلبية ساحقة بلغت 213 صوتًا مقابل 3 أصوات ويتضمن هذا الإتفاق دعم تركيا للموارد البحرية للدولة الصومالية الواقعة في القرن الأفريقي وبموجبه ستوفر تركيا التدريب والمعدات للبحرية الصومالية حتى تتمكن من حماية مياهها الإقليمية بشكل أفضل ضد التهديدات مثل الإرهاب والقرصنة و”التدخل الأجنبي” , وسيعزز الاتفاق الدفاعي الجديد العلاقات بين الصومال وتركيا التي أنشأت قاعدة عسكرية شاملة في مقديشو منذ عام 2017 وقد أشار رئيس الدولة الصومالية حسن شيخ محمود – نقلاً عن صحيفة الأناضول – إلي أن البحرية التركية ستحارب الإرهاب والتهديدات الخارجية والقرصنة والصيد غير القانوني في مياه البلاد كما ستحمي الساحل الصومالي البالغ طوله 3333 كيلومترًا وحدود الصومال البحرية من أي تهديد وتساعد في تطوير الموارد البحرية وقال تونش دميرطاش الأستاذ المساعد في العلاقات الدولية بجامعة مرسين إن المكونات الأمنية للصفقة ستساعد في النمو الاقتصادي في الصومال وتشمل إحدى هذه المجالات الصيد غير القانوني وغير النظامي قبالة الساحل فضلاً عن القرصنة التي تكلف الاقتصاد الصومالي ما لا يقل عن 500 مليون دولار سنوياً .
أشار الرئيس الصومالي إلى أن الاتفاقية الدفاعية مع تركيا تنص أيضًا على إجراءات مشتركة لمكافحة الإرهاب والقرصنة والصيد غير القانوني وأن هذا حدث مهم لبلدنا وإن اتفاقية التعاون الدفاعي مع تركيا العضو في حلف شمال الأطلسي تؤكد على شراكتنا الاستراتيجية لكنه أضاف أن هذا الاتفاق لا يسعى إلى تحقيق أهداف عدائية تجاه إثيوبيا أو أي دولة أخرى وأوضح أن الدعم الذي تقدمه تركيا يختلف عن المساعدات التي تقدمها دول العالم الأخرى وتعرف القاعدة التركية الشاملة في الصومال باسم تركسوم TÜRKSOM لتدريب القوات الصومالية ولا سيما أعضاء فيلق جورجور النخبة المنخرطة في القتال ضد حركة الشباب التي تعد السفارة التركية والقاعدة العسكرية التركية (هناك200 مستشار عسكري تركي يقومون بتدريب مئات الجنود الصوماليين) والعديد من المؤسسات الأخرى التي تبنيها وتديرها تركيا من بين أهداف هذا التنظيم بين الحين والآخر , وسيسمح الإتفاق بتوسيع التعاون في المجال البحري للبحرية التركية وذلك بأن يكون لها وجود مستقر في مياه البحر الأحمر وخليج عدن والخليج العربي حيث تمتلك أنقرة بالفعل أيضاً قاعدة بحرية في قطر منذ عدة سنوات ( وقعت مقديشيو وواشنطن في فبراير2024مذكرة تفاهم لبناء خمس قواعد عسكرية للجيش الوطني الصومالي) , وبذلك يمكن القول أنه من الطبيعي أن يُفترض أنه في إطار هذه الاتفاقية فمن المتوقع تمركز السفن التركية في موانئ الصومال وبهذه الطريقة تمكنت البحرية التركية من الحصول على موطئ قدم في منطقة ذات أهمية استراتيجية يمر عبرها أحد طرق التجارة الرئيسية في العالم .
من الضروري أن يُذكر في صدد بيان الإهتمام التركي الفعلي بمنطقة القرن الأفريقي أن تركيا وقع وزير دفاعها في 19 فبراير 2024في أنقرة 3 إتفاقيات مع وزير دفاع جيبوتي حسن عمر محمد تتعهد على أساسها أنقرة بتوفير التدريب العسكري والتمويل للقوات المسلحة وتقديم المساعدات النقدية للدولة الصغيرة الواقعة عند مصب مضيق باب المندب بوابة العبور إلى الصومال هذا بخلاف قيام تركيا ببناء العديد من المشاريع في جيبوتي مثل سد الصداقة أمبولي ومسجد عبد الحميد الثاني الأكبر في البلاد كما قدمت لجيبوتي المنح الدراسية والمساعدات الإنسانية والمساعدات العسكرية وفي يونيو2022 سلمت حكومة تركيا طائرات بدون طيار مسلحة من طراز “بيرقدار تي بي 2” إلى جيبوتي وتم عرضها لأول مرة خلال عرض عسكري بمناسبة الذكرى الخامسة والأربعين لاستقلال جيبوتي وترتبط تركيا وجيبوتي بعلاقات وثيقة منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بينهما في عام 1977وافتتحت جيبوتي سفارتها في أنقرة في عام 2012 فجيبوتي واليمن تطلان مباشرة علي مضيق باب المندب المتحكم في البحر الأحمر كله والوصول لقناة السويس التي توفر لمصر ميزة إستراتيجية عسكرية وإقتصادية فائقة ينبغي تأمينها من الجنوب أي من شواطئ القرن الأفريقي واليمن ومع ذلك تذكر بعض المواقع الإخبارية المتابعه للمنطقة أن الصومال يرغب في توقيع اتفاقية مماثلة مع مصر , وفي الواقع أن مصر تتحرك ببطء لكن ليس بفاعلية الحركتين الإثيوبية والتركية , وعلي أي حال فقد قام الرئيس الأرتري أسياس أفورقي بزيارة القاهرة في24 فبراير2024 وبحث مع نظيره المصري الأوضاع في منطقة القرن الأفريقي خاصة بعد التوتر الأخير بين الصومال وإثيوبيا بسبب مذكرة التفاهم الإثيوبية مع أرض الصومال بشأن إنشاء قاعدة إثيوبية في بربرة ,واتفق الرئيسان على ضرورة احترام سيادة الدولة الصومالية ودعمها في رفض كافة الإجراءات التي من شأنها المساس بهذه السيادة فضلا عن أهمية مواصلة العمل المشترك بين مصر وإريتريا ويُذكر أنه في 11 يناير2024 توجه وزير الخارجية المصري إلى أسمرة للقاء نظيره الإريتري عثمان صالح لبحث الوضع في الصومال علي ضوء المذكرة الإثيوبية المُشار إليها .
إن تركيا تحركت نحو الصومال تأميناً لمصالحها الإقتصادية فقد أعلن في 17 يناير 2024 أن نائب رئيس حزب الحركة القومية والنائب عن قيصرية في تركياإسماعيل أوزدمير قال أمام الجمعية العامة للجمعية الوطنية الكبرى لتركيا أنه وفقًا للمادة 92 من الدستور فإن العناصر البحرية للقوات المسلحة التركية تتعرض لأعمال القرصنة والمسلحين وعمليات سطو وهجمات بحرية في خليج عدن وقبالة سواحل الصومال وفي بحر العرب وفي المناطق المجاورة خارج المياه الإقليمية لدول المنطقة ويجب علينا مكافحة الإرهاب وقال أوزدمير إن البحر الأحمر والمناطق المحيطة به ذات قيمة كبيرة من حيث أمن الطاقة العالمي وأن البحر الأحمر وبحر العرب أو الخليج الفارسي كما هو معروف أيضًا من بين أهم الطرق البحرية للتجارة العالمية وقال أوزدمير: “إن حقيقة أن المنطقة مليئة بالدول الغنية بموارد الطاقة تجعل نفس المناطق ذات قيمة كبيرة من حيث أمن الطاقة العالمي في الواقع تتخذ العديد من الدول خطوات استراتيجية لحماية حقوقها ومصالحها في هذه المناطق من خلال إنشاء قواعد عسكرية مهمة حول البحر الأحمر والخليج العربي وذكر أوزدمير أن قوة تركيا وفرصها في الأنشطة البحرية العالمية تتزايد يومًا بعد يوم وقال : “يجب على بلادنا أن تحافظ على وجودها في خليج عدن والخليج الفارسي فيما يتعلق بنقل الطاقة مع أنشطتها التجارية عبر المنطقة وأن تكون جاهز لجميع أنواع السيناريوهات في أي وقت “وختم بأن قال “إن تمديد فترة عمل العناصر البحرية للقوات المسلحة التركية لمدة عام آخر أمر ضروري لحقوق ومصالح بلدنا” , وفي إتجاه عكسي تجنبت دولة الإمارات العربية المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي الأخرى (باستثناء البحرين) الانضمام رسميًا إلى منظمة OPG ودعم الحملة العسكرية الأمريكية البريطانية ضد أنصار الله فقد تجنبت دولة الإمارات العربية المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي الأخرى (باستثناء البحرين) الانضمام رسميًا إلى منظمة OPG ودعم الحملة العسكرية الأمريكية البريطانية ضد أنصار الله ومن المفارقات أنه منذ وقت ليس ببعيد عندما كانت الإمارات العربية المتحدة جزء من التحالف الذي تقوده السعودية تقاتل الحوثيين في اليمن كانت ترحب بالتدخل العسكري الغربي المباشر لتقويض قدرات أنصار الله لكن اليوم نجدها لأسباب غامضة الآن (يبدو أن هذه الدولة الوهمية تلقت تهديدا حازماً حاسما بضربة إيرانية قد تأتي عليها كلها وتحولها لكوم تراب) تنأى بنفسها عن الضربات الأمريكية البريطانية ضد الحوثيين وهو أمر قد يكون مفهوماً في السياق الأوسع لحركة أبو ظبي بعيدًا عن بعض الأساليب التي تقودها الولايات المتحدة تجاه أمن الشرق الأوسط فعلى سبيل المثال أفادت تقارير أن الإمارات العربية المتحدة طلبت مؤخرًا من الولايات المتحدة عدم استخدام الأصول العسكرية الأمريكية على الأراضي الإماراتية لشن هجمات ضد الميليشيات المدعومة من إيران في الشرق الأوسط وذلك على ما يبدو لتجنب استعداء الجمهورية الإسلامية وفي وقت مبكر من الحرب الأهلية اليمنية اعتقد المسؤولون الإماراتيون والسعوديون بشكل عام أن إدارة أوباما فشلت في التقدير الكامل لمخاوف مجلس التعاون الخليجي بشأن التهديد الحوثي لدولهم أو مخاطر الميليشيات المدعومة من إيران في أماكن أخرى في المنطقة وخلال إدارة أوباما أثار نهج واشنطن تجاه الملف النووي الإيراني والذي أدى إلى اتفاق خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015 قلق أبو ظبي ويعود ذلك إلى حد كبير إلى أن الولايات المتحدة من وجهة نظر أعضاء مجلس التعاون الخليجي تفاوضت على الاتفاقية دون التشاور معهم وعلاوة على ذلك فإن فشل خطة العمل الشاملة المشتركة في معالجة القضايا غير النووية مثل دعم طهران لبعض الجهات المسلحة غير الحكومية في العالم العربي والنشاط الصاروخي الإيراني ترك أبو ظبي فاترة في أحسن الأحوال تجاه الصفقة وخلال إدارتي ترامب وبايدن أصيبت الإمارات بخيبة أمل إزاء ما اعتبرته أبو ظبي ردودًا أمريكية غير كافية على الهجمات المدعومة من إيران على شركة أرامكو السعودية في سبتمبر 2019 والهجمات الصاروخية والطائرات بدون طيار الحوثية على العاصمة الإماراتية في يناير 2022 , لذا فإن لامبالاة الولايات المتحدة بأمن دول مجلس التعاون الخليجي في مواجهة التهديدات المرتبطة بإيران قد تساعد في تفسير إحجام أبو ظبي عن دعم مبادرات واشنطن الحالية لأمن البحر الأحمر , وفيما يتعلق بالتنافس الإماراتي / التركي في الصومال أذكر أنه قبل عام 2021 انخرطت تركيا والإمارات العربية المتحدة في منافسة مريرة في منطقة البحر الأحمر الأوسع وكان الدافع وراء ذلك هو رؤاهما المختلفة لمستقبل المنطقة لكن عندما بدأت العلاقات التركية الإماراتية في التحسن كان للدولتين مواقف مشتركة بشأن بعض التوترات أهمها وأكثرها خطورة حرب تيراي التي دعمتا فيها الحكومة الإثيوبية والآن نري تركيا في سبيل مصالحها الأوسع مدي تناصب إثيوبيا العداء المبطن فوقعت في 8 فبراير 2024 ذلك الإتفاق الدفاعي الإطاري رداً علي مذكرة التفاهم التي وقعتها إثيوبيا مع جمهورية أرض الصومال المزعومة في الأول من يناير 2024 فالسياسة التركية متحركة كالرمال ولكنها تأخذ وجهتها من مصالحها لا أكثر .
عودة إلي الموضوع التركي / الصومالي نجد أن تركيا حولت الصومال إلي فرصة وتحد معاً ففي عام 2016وقعت الصومال وتركيا مذكرة تفاهم بشأن التعاون في مجال الطاقة والتعدين بعد فترة وجيزة من الإذن الذي منحته مقديشو للشركات التركية لتنفيذ عمليات الحفر والتنقيب عن النفط قبالة سواحلها ووقعت تركيا أيضاً مع الإتفاق الدفاعي مع الصومال علي إتفاق إقتصادي مدته 10سنوات وافق عليه مجلس الوزراء الصومالي ويمنح هذا الإتفاق تركيا “السلطة الكاملة” على المياه الإقليمية للصومال مع الالتزام بحمايتها والدفاع عنها وينص الاتفاق على أن تحصل تركيا على 30% من عائدات المنطقة الاقتصادية الخالصة الصومالية التي لا يزال يتعين استغلال مواردها إلى حد كبير (باستثناء صيد الأسماك) وفي المقابل تتعهد أنقرة بإعادة بناء وتجهيز البحرية الصومالية , ووصف رئيس الوزراء الصومالي حمزة عبدي بري الاتفاق الدفاعي بعد موافقة مجلس الوزراء عليه بأنه “يوم تاريخي للبلاد”، وقال ” سيكون للصومال حليف حقيقي وصديق وأخ على الساحة الدولية”ولم يتم الإعلان عن تفاصيل أخري عن هذا الاتفاق لكن بالقطع فهذا الإتفاق رد عملي علي توقيع إثيوبيا مذكرة تفاهم مع أرض الصومال في الأول من يناير2024 ولهذا فالإتفاق الدفاعي مع تركيا يهدف فيما يهدف إليه إلى ردع جهود إثيوبيا لتأمين الوصول إلى البحر عبر منطقة أرض الصومال الانفصالية وفي ميناء بربرة تحديداً حيث نصت مذكرة التفاهم علي منح جمهورية أرض الصومال المزعومة 20كم مربع في ميناء بربرة لإقامة قاعدة عسكرية إثيوبية ولهذا قال الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود للصحفيين في 17 فبراير2024إن كبار ضباط الجيش الإثيوبي موجودون في أرض الصومال “للتحضير” لضم الإقليم وأعلن استعداد مقديشيو لخوض الحرب لأنها تعتبر أرض الصومال جزءا من أراضي الصومال ولذلك إعتبر الصومال الاتفاق الإثيوبي مع هرجيسة أو أرض الصومال المُتمتعة باستقلال منذ ثلاثة عقود عملا من أعمال العدوان , كذلك فقد انهار السلام الذي كان يبني ببطء بين الصومال وإثيوبيا على مدى العقود الثلاثة الماضية تمامًا في الشهرين الماضيين بسبب مذكرة التفاهم غير القانونية الموقعة بين إثيوبيا وصوماليلاند من خلال دبلوماسية إثيوبيا المتهورة , وتقول أرض الصومال إن إثيوبيا وافقت على الاعتراف باستقلالها مقابل ميناء بحري ولهذا وصف رئيس الوزراء الصومالي حمزة عبدي بري الاتفاق الدفاعي والاقتصادي مع تركيا بأنه “يوم تاريخي للبلاد”، بعد موافقة مجلس الوزراء عليه وقال ” سيكون للصومال حليف حقيقي وصديق وأخ على الساحة الدولية” ,وبذلك إكتمل التواجد التركي في الصومال المطلة علي المحيط الهندي وخليج عدن – بوابة البحر الأحمر وأصبحت تركيا بالفعل لاعب رئيسي في الصومال فهي واحدة من عدة دول خليجية عربية تتنافس على النفوذ في البلد ذي الأهمية الإستراتيجية للولايات المتحدة والقوي الدولية الأخري المتنافسة .
في الوقت الذي تتقدم فيه تركيا وحدها مُقتحمة صعاب كثيرة في القرن الأفريقي فيما ينخرط الأوروبيون في مهمة أسبيدس Aspides(عملية عسكرية للاتحاد الأوروبي تساهم في حماية حرية الملاحة والحفاظ على الأمن البحري وخاصة للسفن التجارية والتجارية في البحر الأحمر والمحيط الهندي والخليج بموجب سياسة الأمن والدفاع المشتركة للاتحاد الأوروبي (CSDP ) , نجد نائب وزير الخارجية الصومالي ينفي أن يكون التعاون مع تركيا موجه لإثيوبيا وكان يمكنه أن يصمت ليجعل الإثيوبيين والإماراتيين بوجه خاص أسري مخاوفهم من الأتراك والصوماليين وحركة الشباب إلا أنه تطوع لتبديدها فقد قال القائم بأعمال وزير الخارجية والتعاون الدولي الصومالي علي عمر بلد في أول مارس 2024 في مقابلة خاصة لوكالة الأناضول التركية على هامش منتدى أنطاليا الدبلوماسي تعليقًا على اتفاق الوصول البحري بين إثيوبيا ومنطقة أرض الصومال الانفصالية إن الصومال لن تقبل أبدًا محاولة ضم جزء من أراضيها “وقال : “إنهم يتوقعون بناء علاقات أفضل مع إثيوبيا بعد سنوات من الخلافات لكن الاتفاق بدد كل الآمال” وأضاف “أعني أن هذا شيء لن نقبله وهذا شيء لن يقبله الصوماليون أبدًا فالصومال وإثيوبيا لديهما ما يكفي من المشاكل في الماضي وآمل ألا نعود إلى تلك الدولة (يقصد صوماليلاند) فلن يقبل الصومال أبدًا مثل هذه المحاولة وأنه إذا أرادت إثيوبيا الوصول تجاريا فنحن على أتم استعداد”وأضاف: “إذا أرادت إثيوبيا الالتزام بالقواعد واللوائح الدولية فهناك عدد من اللوائح الدولية التي ستشرف على طريقة وصول الدول غير الساحلية إلى البحر”وأوضح بلد أيضًا أن اتفاق التعاون الدفاعي والاقتصادي الأخير الموقع مع تركيا ليس له علاقة بالأزمة مع إثيوبيا وأنه بدلاً من ذلك ستكون أنقرة وسيطاً جيداً بين البلدين قائلاً إن لديها علاقات جيدة مع أديس أبابا وقال “نحن بحاجة إلى إيجاد طريقة لتأمين بحريتنا… نحتاج إلى إيجاد طريقة لبناء قوات أمن بحرية تمكننا من تأمين مواردنا البحرية وتركيا تساعدنا في بناء قوة أمن بحرية وقال القائم بأعمال الوزير “من أجل بناء الأمن البحري فنحن تحتاج إلى تكلفة وتحتاج إلى الكثير من الإنفاق الاقتصادي وهذا ما نسميه التعاون الدفاعي والاقتصادي وأن الاتفاق سيعود بالنفع على البلدين و”ليس له علاقة مع الصين و لا الأزمة مع إثيوبيا” وفيما يتعلق برفع حظر الأسلحة عن الصومال في ديسمبر2023قال بلد إن قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة كان له تأثير إيجابي على حرب البلاد ضد حركة الشباب الإرهابية وقد تم فرض الحظر لأول مرة على الصومال في عام 1992 وقال :”هناك عدد من الشركاء الذين يرغبون في مساعدة الصومال على المستوى العسكري لكنهم كانوا مترددين في الماضي بسبب الحظر لذلك نأمل أن يتم الآن إزالة ذلك وكذلك الأسلحة الإضافية التي لم تكن متاحة للصومال وقال بلد “إن الصومال في عهد الرئيس حسن شيخ محمود، الذي تولى السلطة في مايو 2022، يحارب إرهاب حركة الشباب على ثلاث مراحل وأضاف “لذا فقد توصلالصومال إلى خطة شاملة مفادها أننا بحاجة إلى مواصلة القتال… لكن القتال وحده لا يكفي وعلينا القيام بخطوات إضافية وأن الإجراءات المتخذة تهدف إلى تقليل تحصيل إيرادات حركة الشباب وتجميد حساباتهم المصرفية (؟!!!!)ونزع الشرعية عن أيديولوجيتهم وفقاً لقرار صادر عن كبار علماء الإسلام (؟!!!!) فضلاً عن تجنيد قوات عسكرية إضافية .
مع ذلك فهناك توتر باد وتوجس من الجانب الإثيوبي فالصومال ليس وحده الأن بعد أن تقدمت تركيا ووقعت إتفاقها الدفاعي مع الصومال في 8 فبراير2024 فالأمور لا شك أضيف إليها عامل إضافي ثبتت فاعليته وكفاءته في مثل هذه المواقف , فمثلاً في 2 مارس 2024 نفت الخطوط الجوية الإثيوبية مساء الأول من مارس 2024 تقارير إعلامية زعمت أنها ستعيد توجيه رحلاتها لتجنب المجال الجوي الصومالي الذي كان يستخدم في السابق للرحلات الجوية المتجهة إلى آسيا فبعد ظهر يوم أول مارس 2024 ذكرت بي بي سي الأمهرية أن شركة الطيران أوقفت رحلاتها إلى الصومال واختارت بدلاً من ذلك الطيران نحو جيبوتي قبل التوجه فوق آسيا الوسطى وتوصلت الشركة إلى هذا القرار بسبب عدم وجود “خدمات حركة جوية موثوقة” من مراقبي الحركة الجوية الصوماليين وذلك نقلا عن الرئيس التنفيذي لشركة الخطوط الجوية الإثيوبية ميسفين تاسيو ومع ذلك ذكرت شركات الطيران على تويتر أن التقرير الخاص بتعليقات الرئيس التنفيذي بشأن وضع المجال الجوي الصومالي غير دقيق ومشوه وقالت “الخطوط الجوية الإثيوبية لم تتوقف عن التحليق فوق المجال الجوي الصومالي ولم يذكر الرئيس التنفيذي لمجموعة الخطوط الجوية الإثيوبية أن الطيران فوق المجال الجوي الصومالي غير آمن وبناء على ذلك نطلب من بي بي سي الأمهرية تصحيح التقرير الذي أصدرته حول هذا الموضوع”ونقل مقال بي بي سي عن ميسفين قوله إن قرار تعليق الرحلة نابع من حادث وقع الأسبوع الماضي حيث نجت رحلة تابعة للخطوط الجوية الإثيوبية من أديس أبابا إلى دبي بصعوبة من الاصطدام برحلة للخطوط الجوية القطرية بسبب اتصال غير واضح من مراقبي الحركة الجوية المتمركزين في مقديشو ووقع هذا الحادث وسط خلاف بين إثيوبيا والصومال بشأن اتفاق أخير يسمح لإثيوبيا باستئجار 20 كيلومترا حول ميناء بربرة لممارسة أنشطتها البحرية والتجارية وفي المقابل وفقاً لمصدر بجمهوريةأرض الصومال المزعومة ستعترف إثيوبيا بها أي أرض الصومال كدولة مستقلة ومع ذلك فإن الصومال التي لا تزال تعتبر أرض الصومال جزءًا من أراضيها تصر على إلغاء مذكرة التفاهم الإثيوبية مع أرض الصومال ولكن خلافاً لما تقدم فالبيانات الواردة من موقع تتبع الرحلات FlightRadar24 تشير إلى أن رحلات شركة الطيران مساءأول مارس 2024 استخدمت المجال الجوي لجيبوتي على الرغم من استمرار شركة الطيران في استخدام المجال الجوي الصومالي لرحلات الشحن .
رد فـــعـــل الولايات المــتحدة :
بالتوازي مع الحركة التركية في الصومال وربما إنسجاماً مع التنسيق اللازم في إطار حلف شمال الأطلنطي الذي تعد تركيا والولايات المتحدة أهم أعضاءه فقد وقعت الولايات المتحدة والحكومة الصومالية في 22 فبراير2024 في حفل ترأسه الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود في مقديشو اتفاقا أمنيا قدمته كخارطة طريق نحو بناء جيش صومالي فعال قادر على تولي المسؤوليات الأمنية والقتال ضد مسلحي حركة الشباب ,ويُلاحظ أن الولايات المتحدة تركت النشاط البحري علي أهميته النسبية للأتراك مما يؤكد التنسيق ووقع البلدان مذكرة تفاهم لبناء خمس قواعد عسكرية للجيش الوطني الصومالي ( هناك نشاط مستمر ومتنام للقيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا AFRICOMفي الصومال ووفقا لبيان صادر عن وكالة الأنباء الوطنية الصومالية (سونا) فإن القواعد ستكون للواء الداناب وحدة النخبة في الجيش التي دربتها الولايات المتحدة وتعليقاً علي هذا قالت مولي في مساعدة وزير الخارجية الأمريكي للشؤون الأفريقية “إنهم يستهدفون التجنيد والتدريب” و”في غضون عدة أشهرنتطلع الولايات المتحدة إلى الوصول إلى الهدف المحدد وهو 3000 فرد من أفراد داناب في عام 2017ويتم أيضًا إعداد داناب لتولي العديد من المهام الأساسية اللازمة للحفاظ على القوة وتنميتها وهي تتولى بالفعل مسؤولية أكبر وأضافت السيدة / في التي كانت حاضرة في الحفل إن الولايات المتحدة تدعم الصومال حتى يتمكن جيشها من مواجهة حركة الشباب وقالت: “نحن ندرك أن الاعتماد على المعسكرات المؤقتة وغير الكافية في كثير من الأحيان يعيق جاهزية الداناب ويمكن أن يمثل ذلك عقبة أمام استدامة اللواء ونموه وهدفنا المشترك هو أن يمارس [الجيش الوطني الصومالي] السيطرة الكاملة على عمليات القاعدة عند اكتمال المنشآت وتوفر مذكرة التفاهم المخطط التفصيلي للقيام بذلك” وقالت “إن مذكرة التفاهم لبناء القواعد تعكس ثقتنا في مستقبل الداناب وحجم استثمارنا في أمن الصومال”, ويبدو إن خطة الحكومة الأمريكية لتدريب قوات الأمن الصومالية في القواعد العسكرية المنشأة حديثًا ستكون في 5أجزاء مختلفة من البلاد (بيدوة ودوساماريب وجوهر وكيسمايو ومقديشو) وهذه هي استراتيجية الباب الخلفي فهي ليس فقط لتوسيع الوجود العسكري الأمريكي في الصومال بل ربما ستكون في مواجهة القوى الأخرى في المنطقة ففي الواقع فإن برنامج 127 e الأمريكي ليس السياسة الوحيدة التي تسمح بتدريب وتجهيز القوات الأجنبية كوكلاء: فالقسم 1202 من قانون تفويض الدفاع الوطني لعام 2018 يوسع قدرة الولايات المتحدة على شن الحرب عبر قوات بديلة في الأماكن التي لم يتم إعلان الحرب رسميًا فيها بهدف أوسع يتمثل في مواجهة نفوذ الخصوم مثل الصين وروسيا , ويأتي هذا الإتفاق الأمريكي في وقت تقوم فيه بعثة حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي في الصومال المعروفة باسم ATMIS بتقليص وجودها في الصومال ففي يونيو2023 سلمت بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية في الصومال (ATMIS) رسميًا ست محطات إلى الحكومة الفيدرالية الصومالية وستكون الخمس قواعد الجديدة مرتبطة بلواء داناب التابع للجيش الصومالي الذي تم إنشاؤه في عام 2017بعد اتفاق بين الولايات المتحدة والصومال لتجنيد وتدريب وتجهيز وتوجيه 3000 رجل وامرأة من جميع أنحاء الصومال لبناء قدرة مشاة قوية داخل الجيش الصومالي وتعد الولايات المتحدة من بين أكبر المساهمين في دعم الجيش الوطني الصومالي وخاصة لجناح الكوماندوز التابع له قوات داناب (البرق) الخاصة التي تم تدريبها على القتال من مسافة قريبة مع حركة الشباب في المناطق الحضرية وفي يناير 2024 تعهدت الولايات المتحدة بتقديم مساعدات عسكرية جديدة بقيمة 9 ملايين دولار لمساعدة الحملة الصومالية المستمرة ضد مسلحي حركة الشباب وهذا هو أول دعم عسكري مباشر من نوعه منذ عودة القوات الأمريكية إلى الصومال وإعلان الرئيس حسن شيخ محمود “حربًا شاملة” ضد المسلحين وكان هذا اللواء محوريا كقوة للرد السريع في الجهود المبذولة لصد جماعة الشباب المتطرفة , وقد أجاز مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة خفض قوة حفظ السلام في الصومال وتقول الحكومة الصومالية إنها تحقق تقدما في تحسين الوضع الأمني لكن حركة الشباب تواصل تنفيذ هجمات متفرقة في جميع أنحاء الصومال بما في ذلك في الأماكن العامة وأدى الهجوم الأخير للجماعة وهو حادث داخل قاعدة عسكرية في مقديشو إلى مقتل أربعة جنود إماراتيين وضابط عسكري بحريني وفي ديسمبر 2023 صوت مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لصالح رفع حظر الأسلحة المفروض على الحكومة الصومالية وقواتها الأمنية منهيا أكثر من 30 عاما من القيود المفروضة على تسليم الأسلحة إلى الدولة الواقعة في القرن الأفريقي وتبنى المجلس قرارين صاغتهما بريطانيا أحدهما لرفع حظر الأسلحة الكامل عن الصومال والآخر لإعادة فرض حظر الأسلحة على مقاتلي حركة الشباب المرتبطة بتنظيم القاعدة(؟!!!) والذين يقاتلون الحكومة الصومالية منذ عام 2006.ويُقال من البعض أن هذه الخطوة تهدف إلى تعزيز قدرة الحكومة الصومالية على مكافحة التمرد الإسلامي واستعادة الاستقرار والأمن في البلاد الغارقة في حرب أهلية وفوضى منذ الإطاحة بالدكتاتور محمد سياد بري في عام 1991كما أعرب المجلس عن قلقه بشأن وحثت الدول الأخرى على مساعدة الحكومة الصومالية في بناء وتجديد واستخدام مستودعات الذخيرة الآمنة في جميع أنحاء البلاد , ولكن وبالإضافة إلي هذا وربما بالتضافر مع هذا يأتي توقيع مذكرة التفاهم الأمريكية مع حكومة الصومال والإتفاق الدفاعي التركي / الصومالي في الوقت الذي تتصاعد فيه التوترات في القرن الأفريقي بشأن اتفاق الأول من يناير2024 بين أرض الصومال وإثيوبيا الذي من شأنه أن يمنح أديس أبابا إمكانية الوصول إلى البحر الأحمر مقابل الاعتراف المحتمل بأرض الصومال الانفصالية , وهو إتفاق أضاف كثيراً إلي التوتر القائم منذ 30 عاماً إلي منطقة القرن الأفريقي بما فيها الصومال .
حـــــركة الشباب الــــصـــومـــالي :
لم تنجح بعد حركة الشباب في ترسيخ وجودها في معظم أنحاء أرض الصومال بصفة مُطلقة بسبب الوجود الأمريكي المتعاون مع إثيوبيا وقسم من الحكومة الصومالية في مقديشيو وجهود مجتمعية لم تثبت فعاليتها بعد فعالة وقد تؤدي مذكرة التفاهم الإثيوبية / مع جمهورية أرض الصومال المزعومة وليس بالضرورة الإتفاق التركي /الصومالي الذي يتعرض للنقد غير الموضوعي والإجتزاء من الإعلام الغربي وخاصة الفرنسي والإيطالي , لكن بصفة خاصة قد تؤدي مذكرة التفاهم بين إثيوبيا وأرض الصومال بمنح إثيوبيا 20 كم مربع في ميناء بربرة لمدة 50 عاماً إلى تفاقم التوترات الداخلية في أرض الصومال التي يمكن أن تستغلها حركة الشباب لا سيما في منطقتي سول وسناج الحدوديتين المتنازع عليهما , وقد اندلعت بالفغعل احتجاجات ضد مذكرة التفاهم خارج المنطقة الحدودية واستقال وزير دفاع أرض الصومال بسببها مما يشير إلى تنامي المعارضة السياسية للإثيوبيين وتحركاتهم في أرض الصومال وليس من المرجح أن يعارض معظم سكان أرض الصومال حركة الشباب إن تحركت بعنف ضد الإثيوبيين ومعاونيهم من سياسي أرض الصومال فهم في نظر السكان بالصومال كلها وفي نظر حركة الشباب حفنة من الخونة وأتباع يُدفع لهم من المخابرات الإثيوبية , ومع أنه لم يتم بعد – ولن يتم – نشر نص مذكرة التفاهم هذه بالكامل إلا أنها إنه عقدت المشهد السياسي والعسكري المضطرب بالفعل في القرن الأفريقي وفي الصومال تحديداً , من غير المتوقع أن تؤدي الإتفاقية الإطارية للدفاع مع الأتراك لنفس النتيجة بل بالعكس ستبعث قدر من الطمأنينة لدي الحكومة والسكان وإلي حد ما حركة الشباب الصومالي فهي تؤدي إلي نوع ما من التوازن الدفاعي لدي الصوماليين بأطيافهم المختلفة والحكومة في النهاية لابد أن يكون معها حليف موثوق وللأتراكتجربة سابقة في الدفاع عن قطر من مغبة هجوم عسكري سعودي / خليجي(ماعدا الكويت) وحصار ربتعي ضُرب عليها في 5 يونيو2017,وستؤدي مذكؤرة تفاهم إثيوبيا وأرض الصومال حتماً إلي تفاعل حركة الشباب ضدها فهي ستوفر فرصًا عملياتية جديدة للحركة ففي أعقاب الإعلان الأولي عن مذكرة التفاهم الإثيوبية مع أرض الصومال أدانت حركة الشباب الاتفاق لانتهاكه “السيادة الصومالية” ودعت أتباعها والشعب الصومالي في 4 يناير2024 إلى معارضة فرض مذكرة التفاهم بعنف ولطالما كانت إثيوبيا معارضة لحركة الشباب وهدفاً مُفضلاً لهجماتها فإثيوبيا في الوعي الجمعي الصومالي والمسلمين قوة عدوانية غاشمة وغازية “مسيحية” للأراضي الصومالية فقد نفذت إثيوبيا عمليات عسكرية في الصومال لمحاربة الشعب وما تدعي أنهم سلفيين متشددين في عام 1996 ومرة أخرى في الفترة من 2006 – 2009 ومنذ عام 2009 ظلت إثيوبيا حليفا مهما للحكومة الصومالية في جهودها لمكافحة حركة الشباب وعلى هذا النحو أصبحت إثيوبيا أحد الأعداء الرئيسيين للجماعة ولقسم عريض بالشعب الصومالي علي غير ما يدعي الإعلام الغربي فمطامع إثيوبيا في الصومال تاريخية وحاضرة كما لا تخفي إثيوبيا مطامعها في السودانم وفي منطقة الفشقة الزراعية تحديداً والتي إكتسحها الجيش السوداني بعد أن وطنهم فيها نظام البشير .
منذ ديسمبر 2022 تقاتل حكومة أرض الصومال الميليشيات العشائرية في سول وسناج التي تعارض إدارة أرض الصومال لهذه المناطق ويريد أعضاء عشيرة دولبهانت الفرعية التي تشمل أراضيها التقليدية جزءًا كبيرًا من سول وسناج تشكيل منطقة حكم ذاتي متحالفة مع الصومال بدلاً من أرض الصومال وتركز معظم القتال حول لاس عانود العاصمة الإقليمية لولاية سول وفي أغسطس 2023 شنت الميليشيات العشائرية التي تسيطر على لاس عانود هجومًا ناجحًا ضد قوات حكومة أرض الصومال وقد سمح ذلك للمليشيات بتأمين المناطق المحيطة بالمدينة , ونظراً لخبرة حركة الشباب في استغلال الانقسامات داخل العشائر الصومالية والعشائر الفرعية فمن شبه المؤكد أن الجماعة قد أدخلت مناصرين سياسيين وعسكريين لها إلى سول وسناج وقد ركزت حركة الشباب منذ فترة طويلة على ترسيخ وجودها في جبال كال ماداو في أرض الصومال وتلال جوروف التي تقع في سناج وتقع هذه المناطق على طول طرق تهريب مهمة تربط خليج عدن بالداخل وتوفر التضاريس الوعرة أيضًا غطاءًا ممتازًا للقواعد الدائمة , وفي النهاية يمكن القول بإن توقيع مذكرة التفاهم والتعاون الناتج بين إثيوبيا وأرض الصومال قد يمنح حركة الشباب المزيد من الفرص لاستغلال الانقسامات العشائرية في الأخيرة , ومع تزايد الانقسامات السياسية والعشائرية داخل أرض الصومال بسبب مذكرة التفاهم الإثيوبية فهناك خطر من أن تجد حركة الشباب طرقًا لاستغلالها تمامًا كما حدث في الصومال وبونتلاند علاوة على ذلك فإذا ما تم تنفيذ مذكرة التفاهم تلك فسيكون لدى حركة الشباب أيضًا وفرة من الأهداف الجديدة عندما تبدأ إثيوبيا في بناء المرافق المقترحة وتقوم حركة الشباب حالياً بتأطير بناء المنشآت العسكرية في أرض الصومال من قبل إثيوبيا على أنه “غزو” للأراضي الصومالية ذات السيادة وإذا استخدمت إثيوبيا التي لا تزال لديها قوات في الصومال تقاتل حركة الشباب المنشآت العسكرية لمواجهة حركة الشباب فإن رواية الغزو ستكون أكثر قوة ومنطقية لدي شعب الصومال كلهولدي الحركة .
جاء رد الفعل على اتفاق أنقرة مقديشيو الموقع في 8 فبراير 2024من حركة الشباب سريعاً فقد جاء في بيان صادر عن هذه الحركة :” أن الاتفاق التركي /الصومالي”غير قانوني” وبحسب حركة الشباب فإن الاتفاق هو “انعكاس جديد لطموحات الهيمنة التركية في المنطقة” , لكن في تقديري أن رد الفعل العملي من حركة الشباب بين الإتفاق التركي ومذكرة التفاهم الإثيوبية مختلف في قوته وعنفه فإثيوبيا يُنظر لها دائماً في الوعي الجمعي الصومالي كعدو وطامع أما الإتراك فلا أعتقد أن الهجوم عليهم كاف لإخراجهم من المعادلة الصومالية والقوة الوحيدة الحقيقة الرافضة لهم هي بل أدني شك إثيوبيا أما الهجوم الإعلامي الغربي لتحركها في الصومال فمعتاد والسؤال المنطقي : أليس من حق الصومال أن يكون إلي جانبها حليف يشد من أزرها خاصة وأن أرض الصومال المزعومة إلي جانبها إثيوبيا ومعروف للكافة أنها قوة طامعة عدوة ؟ .
في تقديري أن لدي المخابرات التركية مهارات مميزة للعمل خاصة أنها جهاز محترف وغيري معني بأنشطة غير ذات قيمة أو تحط من شأنه , فهو جهاز متفرغ محترف وبالتالي ستكون لديه قدرة متوقعة لإختراق حركة الشباب الصومالي والتعامل معها بمهارة وحنكة وسيظهر ذلك مستقبلاً وسيؤدي إلي نجاح التحرك التركي في الصومال علي وجه الإجمال , وربما سيغري ذلك الأمريكيين علي التعامل بإيجابية والتعاون مع الأتراك , وربما كان البيان الصادر من حركة الشباب الصومالي الرافض للإتفاق التركي / الصومالي مجرد إعلان عن موقف الحركة من الإتفاق من المحتمل مع العمل المخابراتي التركي أن يتم تعديله وتحريكه لمصلحة الأتراك مستقبلاً مالم يكن موقف مبدئي من الحركة مناهض لأي شكل من أشكال التدخل الخارجي رفي الصومال .
الإستقبال السعودي لتحركات تركيا في الصومال :
هناك ثمة تنافس بين الإمارات والسعودية في القرن الأفريقي عامة والصومال خاصة وهو في النهاية تنافس غير منتج فإيهما في الحقيقة النهائية لا يُعد دولة قادرة علي حماية نفسها من الخطر الإيراني التي تفضل كل منهما التألم منه والأسي له فيما تستمتع كلاهما وتتلذذ بالخطر الصهيوني وتتماهي معه في مشهد مثير للشفقة بسبب تدني قدرتهما الذهنية علي إدراك عظم خطره الذي لا يقل بل يزيد خطراً عن القادم إليهما من إيران لكن : متي كانت دولتان مترهلتان يقودهما مجموعة من الدهماء الأغبياء بقادرتين علي إلتقاط إشارات الخطر الواضحة القادمة من غزة ؟؟ والتي يلخصها القول السديد :” أكلت يوم أكل الثور الأبيض ” فدورهما قادم لا محالة مع دورة الزمن ومع ذلك يُشار إلي أن وفداً من المملكة العربية السعودية قام بزيارة الصومال في نهاية شهر يناير2024 لإطلاق مشاريع مساعدات سعودية للصومال وسط ضجة كبيرة حيث تتنافس دول الخليج ذات الوزن الثقيل على النفوذ هناك , وبينما أشاد المسؤولون الصوماليون بهذه المشاريع الجديدة التي تنص على توفير المواد المدرسية ونقاط المياه للماشية إلا أنهم أعربوا عن رغبتهم في رؤية مملكة النفط تصبح أكثر انخراطا في بلادهم ويردد المسؤلين الصوماليين القول بأنهم يعملون على تعزيز قواتهم المسلحة لضمان حماية بلدهم ا وإعادة بناء اقتصادها وهم يرون أن السعوديين يستطيعوا أن يفعلوا المزيد في هذا الصدد وفي الأشهر الأخيرة واصلت المملكة إظهار رغبتها في “بذل المزيد” في منطقة القرن الإفريقي المتاخمة للبحر الأحمر وهو طريق استراتيجي حيوي للسعودية ولذلك عندما اندلعت الحرب الأهلية في أبريل 2023 في السودان سارعت الرياض إلى إرسال سفن حربية لإجلاء المدنيين واستضافت محادثات السلام في جدة ويعكس هذا الاهتمام بالمنطقة أهمية الحفاظ على الاستقرار على طول البحر الأحمر بالنسبة للجزيرة العربية حيث تقوم بتطوير العديد من المنتجعات الساحلية (مشروع نيوم) والإهتمام السعودي يعكس أيضًا رغبة السعودية في مواجهة نفوذ دولة الإمارات العربية المتحدة جارتها الطموحة في الخليج , وفي هذا يقول كاميرون هدسون من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية : “هناك نوع من لعبة القط والفأر بين الإماراتيين والسعوديين” في القرن الأفريقي حيث تسعى الدولتان إلى “الاستفادة” من علاقاتهما مع دول مختلفة والصومال ذات أهمية استراتيجية في الصراع على النفوذ بين دول الخليج في منطقة تعتبرها “ساحتها الخلفية” , وفي تقديري أن التحرك السعودي في الصومال أبطء من اللازم ولا يتكافئ مع الأهمية التي يمثلها الصومال من الوجهة الإستراتيجية علي الأقل وجهة الإستراتيجية اللوجيستيكية لبترول المملكة السعودية المنشغلة أكثر من اللازم بمشروع نيوم المثير للسخرية والشفقة من ضحالة الفكر السعودي الذي لديه بدائل جدية أكثر نفعاً وربحية من هذا المشروع .
رغم أن أياً من الدول العربية لم تتحرك بفاعلية وجدية ومنها السعودية طبعاً – كما هو أمر غــــزة تماماً – لنجدة الصومال الدولة المسلمة والعضو في الجامعة العربية وإنقاذها من براثن الوحش الإثيوبي الضعيف الممزق شر ممزق , إلا أن شبكة إخبارية مشبوهة يلقبونها بالـــعــبــرية وإسمها الـــعـــربــيــة وهي شبكة فاقدة للمصداقية بين أغلب جموع المشاهدين العرب أعلن في 12 ديسمبر2020 أنها نقلت عن تقرير لصحيفة تركية نقلت بدورها عن مصادر سورية خاصة رفضت الكشف عنها قولها أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أعطى أوامره للأجهزة الأمنية بنقل المرتزقة إلى الصومال فيما تحدثت تقارير سابقة عن استعدادات أنقرة لنقل مرتزقة الحزب الإسلامي التركستاني إلى مدينة آمد في باكور كردستان وإن “نقل المرتزقة سيتم من خلال التنسيق مع قادة الميليشيات الصومالية الموالية لإدارة أردوغان في مقديشو” وأضافت المصادر أن مسؤولين من أتباع أردوغان عقدوا اجتماعاً في قرية ميدان أكبس بمدينة عفرين المحتلة في 12نوفمبر الجاري، بهدف الإعداد لإرسال عدد من “المرتزقة” إلى الصومال وبحسب المصادر فإن اللقاء ناقش تجهيز المعسكرات لتدريب المرتزقة قبل إرسالهم إلى الصومال مشيرة إلى أن بعض الميليشيات السورية رفضت إرسال مقاتليها إلى الصومال إلا أنها بعد ضغوط من جهاز المخابرات استجابت للأوامر بالإضافة إلى ذلك وبحسب المعلومات فقد صدرت أوامر أخرى بخصوص المكان الذي أقيمت فيه معسكرات تدريب المرتزقة وهي قريتي علي بيسكا وبليكا التابعتين لناحية راجو في مدينة عفرين المحتلة وذكر التقرير أن تركيا فتحت معبراً حدودياً في قرية بنيركة بناحية راجو القريبة من قاعدة للاحتلال التركي في عفرين المحتلة وذلك لتسهيل نقل المرتزقة إلى تركيا ومن ثم إلى الصومال بحسب التقرير وما نقلته شبكة العربية وفي السياق نفسه نقل التقرير رأي صحفي صومالي يُدعي عبد القادر حسن قال إن أردوغان يسعى إلى تتريك الصومال” من خلال تغيير أسماء الشوارع والمؤسسات والمرافق الحيوية من العربية إلى التركية” وقال أن عدة شركات تركية استولت على منشآت حيوية صومالية أبرزها استيلاء شركة فافوري التركية على امتياز إدارة “مطار آدم عدي الدولي” واستيلاء شركة “البيرق” التركية على 55% من إيرادات ميناء مقديشو5 سنين مضت وأشار إلى أن التدخل العسكري التركي في الصومال جاء بحجة دعم الجيش الاتحادي ضد المتمردين لكن الحقيقة غير ذلك حيث تدعم تركيا “الجماعات الإرهابية” للسيطرة على سيطرتها على مقدرات البلاد وحماية نفوذها في الصومال .
الأمر المخجل المعيب في وجهة نظري أن شــبــكــة العربية لم تكترث بما تضمنته مذكرة التفاهم التي وقعتها إثيوبيا مع جمهورية مزعومة كأرض الصومال لا تعترف بها السعودية ولا الإمارات ودول العالم ولم تر في توقيعها إنتهاك للقانون الدولي ولا تهديد لسيادة الصومال ووحدته لكنها إهتمت بما تروج له مع مصادر غير مسماة وغير ذات مصداقية إستندت عليها في تحريك تركيا لمرتزقة للتوجه نحو الصومال ولم يشعروا بالمرتزقة الأمريكيين والفرنسيين الذين يتوجهون لـغـزة لمساعدة شذاذ الأفاق من الصهاينة في إبادتهم لأخوتنا في فلسطين . منتهي الإنحطاط والغباء .
خلفية تاريخية عن الوجود المصري في الصومال :
أكثر دولة مُضارة من مذكرة التفاهم الإثيوبية مع صوماليلاند أو أرض الصومال هي مصر فسواحل الصومال المترامية االواصلة حتي مدخل البحر الأحمر الجنوبي التي تؤدي مباشرة لمضيق باب المندب المؤدي بدور لقناة السويس هي سواحل من الضروري تأمينها حتي يتم تأمين قناة السويس خاصة وأن هناك لاعبان رئيسيان يهمهما تهديد مصر وقناة السويس بالتالي وهما الكيان الصهيوني والآن إثيوبيا (التي تُعد دولة مُعادية) بعد توقيع مذكرة التفاهممع صوماليلاند التي من المفترض أنها أتاحت للبحرية الإثيوبية قاعدة في ميناء بربرة لمدة 50 عاماً , لكن مصر لم تفعل أي شيئ يشعر إثيوبيا بالتهديد سوي إعلانها رفض والإعتراض علي مذكرة التفاهم هذه , وأفترض أن رئيس الصومال في زيارته الأخيرة للقاهرة عرض علي مصر أن تقيم قاعدة بحرية لها في الصومال لتشارك في حماية بلاده من الغزو أو العدوان المحتمل لإثيوبيا إنطلاقاً من بربرة أو أن مصر هي التي عرضت علي الرئيس الصومالي رإقامة قاعدة لها بالصومال خاصة وان سلاح البحرية قوي ومحترف لا يمكن قياسه بالبحرية الإثيوبية متواضعة المستوي والتي ليس لها سابقة قتالية البتة , خاصة وأن مصر سبق لها أن أوفدت وفد لهرجيسة عاصمة صوماليلاند لحيازة قاعدة بحرية في أرض الصومال أو صوماليلاند التي لم ترد علي الإقتراح المصري ربما بضغط إثيوبي , ولابد أن أحد الإفتراضين صحيح خاصة وأن أي من الإفتراضين يحقق مصالح الأمن القومي المصري ولعل ما يؤكد ذلك أنه قد أُعلن ونُشر فقط في موقع إخباري كيني عن زيارة قام بها وفد مصري رسمي لهرجيسة عاصمة صوماليلاند (ليس لمصر أي تمثيل علي أي مستوي في صوماليلاند) بدأت في 12 يوليو 2020 وأستغرقت هذه الزيارة يومين ألتقي خلالها الوفد رئيس صومالي لاند Muse Bihi Abdi وفريقه وأجري معهم مباحثات ثنائية ومع مسئولين من وزارة الخارجية والتعليم والصيد والثروة الحيوانية بصوماليلاند , وأشار موقعGarowe Online بتاريخ 15 يوليو بالإحالة علي مصدر وصفه بأنه ذا مصداقية ومطلع قوله بأن مصر مُتحمسة لفتح قنصلية لها في هرجيسة لما لذلك من تعزيزلنفوذها بالقرن الأفريقي , كما أشارالموقع إلي أن وزير خارجية صوماليلاندLiban Yousouf Osman قال للوفد المصري”إني أنتهز هذه الفرصة لأرحب بكم في زيارتكم تلك لهرجيسة التي تأتي رداً علي زيارتي للقاهرة في 25 مارس 2020 وهو مؤشر جيد علي تقوية العلاقات بين بلدينا ” وقد أشارت مواقع إخبارية إلي أن الوفد المصري الذي ترأسه مساعد وزير الخارجية للشئون الأفريقية طرح مسألة إقامة قاعدة عسكرية مصرية أوحصول مصر علي تسهيلات عسكرية مُحددة في صوماليلاند .
كانت مصر من أوائل الدول التي لها علاقة بالصومال في عهد القدماء المصريين فمنذ رحلات الملكة حتشبسوت إلي بلاد بونت(أرض الصومال) بدأ الإهتمام المصري بالصومال , ولذلك في عهد الأسرة العلوية – التي كانت أهم ولايات الدولة العثمانية وتفتح بإسمها البلاد – إبان عهد الخديو إسماعيل بلغ الوجود المصري في الصومال مبلغه فكانت الإدارة المصرية تمتد من شمال خليج تاجورة حتي رأس حافون وفي قلب الصومالي هرر وما أن وصلت السفن المصرية إلي كسمايو حتي ظهرت المطامع والدسائس البريطانية والإدعاءات بحق السيادة علي السواحل الجنوبية للصومال حتي أمكن جلاء – ما أسماه القنصل الإنجليزي بزنجباربالخطر المصري في السواحل الجنوبية للصومال – وكان إتفاق سبتمبر1877 بين بريطانيا ومصر فيه إعتراف بريطانيب إمتداد الإدارة المصرية علي سواحل الصومال حتي رأس حافون تحت سيادة الباب العالي في اسطنبولووضعت بريطانيا شروطاً تقللمن السيادة التركيةعلي هذه المناطق مما دعا الباب العالي إلي رفض الإتفاقية ولهذا إعتبرت بريطانيا أن المعاهدة مُلغاة من طرف الباب العالي وقائمة بالنسبة لوجود الإدارة المصرية كحقيقة واقعة من باب المندب إلي رأس حافون , ومن أجل أجل إحباط المناورات الأوروبية علي سواحل الصومال أعلن المقيم البريطاني في عدن عام 1879 قائلاً : “سوف أعارض بشدة أي دولة أجنبية تحاول أن تستحوذ علي نفوذ علي الشاطئ الجنوبي لخليج عدن” , وكان لإضطراب ميزانية مصر بسبب ديون الخديو إسماعيل باشا الناجمة عن حفر قناة السويس وحملاته العسكرية في السودان مع المهديين والحبشة مع منليك الثاني إمبراطور الحبشة وغيرهما كانت هذه فرصة للتدخل لافي شؤو مصر المالية بذريعة المحافظة علي حقوق البريطانيينثم تحول الأمر إلي إستعمار بريطاني سافر لمصر عام1882 ,في 18 يونيو1884 أصدرت بريطانيا تعليمات للماجور هنتر علي ساحل الصومال بأن يعمل علي إنسحاب الإدارة المصرية من ساحل الصومال وأن يعمل علي مواجهة كل إمكانية للإخلال بالنظام المحلي أو الإحتلال الأجنبي وذلك بعقد الإتفاقيا مع شيوخ القبائل الصومالية وخاصة هؤلاء القاطنون في موانئ بلهاروبربرهوميت وبندرقاسم وبندر خورلا وبندر حافون كما خول له حق إستخدام قوة مُسلحة تكون علي إستعداد دائم في عدن لمواجهةالحوادث حينما تدعو الحاجة لذلك كما سمحت له بحرس خاص مكون من 40جندي لحمايته من الصوماليين , وبعد أن تمكنت بريطانيا من الضغط علي مصر وإجلاء الإدارة المصرية عن الصومال قامت بتقسيم ساحل الصومال إلي قسمين : قسم أول من بوغاز باب المندب إلي زيلع ( بأرض الصومال أو Somaliland وقد دعي الباب العالي لممارسة سلطته عليه و اما القسم الثاني فمن زيلع (في أرض الصومال أو Somaliland حالياً إلي رأس حافون وأعلنت بريطانيا أنها ستعمل الترتيبات اللازمة للمحافظة علي وحماية المصالح البريطانية في هذا الجزء وخاصة منطقة بربرة التي تمون قاعدتها في عدن بالمواد الغذائية , بعد ذلك قام الماجور هنتر تحت حراسة السفن الحربية البريطانية والهندية في خليج عدن بمساعدة السلطات البريطانية في عدن لإحتلال بعض المراكز الهامةعلي ساحل الصومال الشرقي من زيلع وبتأثير بريق الهدايا والجنيهات الذهبية الإسترلينية والوعود المعسولة تمكن الماجور هنتر من جمع التوقيعات من الشيوخ الصومايين المقيمين في بربرة وذلك قبل إنسحاب الإدارة المصرية مما يتنافي مع القانون الدولي وقد أضاف هنتر شرطاً إلي المعاهدات التي عقدها مع هؤلاء الشيوخ وهوأن تسري فاعليتها عقب جلاء الإدارة المصرية مباشرة وكان رد الباب العالي علي هذا التصرف البريطاني أن أوضح إستعداد للاجانب البريطاني لإرسال قوات عثمانية إلي زيلع وتاجورة وسواكن وقد طلب الباب العالي آنئذ إستفسارات عن الإجراءات التي قامت بها بريطانيا علي ساحل الصومال وقدمت إحتجاجات ضد بريطانيا لإحتلالها بربرة التي هي جزء من بلاد الصومال التي إعترفت بها بريطانيا في سبتمبر1877 في الإتفاق البريطاني المصري , لكن السلطات البريطانية أعلنت أن “الباب العالي قد مارس سلطاته فترة من الزمن علي المنطقة الممتدة من باب المندب حتي زيلع وبالغم من عدم إعتراف بريطانيا بذلك فلم يحدث نزاع بالفعل بسببها , ولكن إدعاء السلطان بسيادته علي القبائل الصومالية ما بين زيلع ورأس حافون قد أنكرته الحكومة البري\طانية مراراً ولم يقبل الباب العالي الظروف التي أعربت فيها بريطانيا عن إستعدادها للإعتراف بسيادة هذه القبائل بمقتضي الإتفاق المبرم في 7 سبتمبر 1877بين بريطانيا وخديوي مـــصـــر وعليه لا يصح للباب العالي أن يستند في أحقيته لبربرة علي إتفاقية بقيت بدون تنفيذ” .
هذا جزء عام من تاريخ الصومال خال من التفاصيل عن فترة الوجود المصري باسم العثمانيين الأتراك في الــصـــومـــال وهو يشير بصفة عامة أن الدولة العثمانية وصل ظلها الإداري بمجهود مصري إلي الـــصـــومـــال ومن ثم فليس من المنطقي بعد ثبات الإهتمام المصري / العثماني بالصومال شعباً وموقعاً أن ينكر البعض والآخرين علي تركـــــيا والصومال إســــتعادة الرابطة السياسية والأمنية والعسكرية بينهما ومن غير المنطقي أيضاً أن يستبعد البعض والآخرين حماس الصومال حكومة وشعباً سرعة إستعادة الوشائج المختلفة بين الصومال وتركيا التي مبررها الوحيد والأقوي والأوضح هو وشيجة الدين فالبلدان مـــســـلـــمــتان بالإضافة إلي أن الصومال يدرك وبعمق ربما لا يدركه الأمريكيين الذين يمكثون لسنين عدداً في الصومال – بالذريعة التي صدعونا وكل الغرب ألا وهي مكافحة ومواجهة الإرهاب – يدرك الصومال أن الولايات المتحدة من خلال AFRICOM أطبقت علي الصومال تحت جناحيها ليس بسبب الإرهاب إنما بسبب موقعه الإستراتيجي الحرج علي أمواه المحيط الهندي وخليج عدن وعلي مقربة من مدخل البحر الأحمر والطريق المؤدي منه مباشرة لقناة السويس والكيان الصهيوني تلك القاعدة البرية الثابتة للأمريكيين في الشرقين الأدني والأوسط وشرق المتوسط المؤدي بدوره إلي مضيقي البسفور والدردنيل اللذان في قبضة الأتراك وتستطيع الولايات المتحدة منهما أو عن طريقهما خــــنــــق الــــروس أو مراقبتهم عن كـــثـــب , وربما بـــرر ذلك تفضيل الولايات المتحدة وثقتها في الوجود العسكري / السياسي التركي علي سواحل الـــصـــومال والـتــرخيص لهم بطلب مـــقـــديـــشـيـــو في مواجهة التــــهـــديد الإثيوبي غير المأمون جانبه فاللصين والـــروس جذور كامنة قد تنمو في أي وقت في التربة السياسية الإثيوبية فيما الأتراك وحكومة مــقــديــشــيــو أحدهما وهم الأتراك عضو نشط وفي منتهي الأهمية والخطورة للإدارة والعسكرية الأمريكية والآخر وهم حكومة الصومال الفيدرالية أو مـقـديـشـيـو إيجابية ومتماهية مع المتطلبات العسكرية الأمريكية في منطقة الــقــرن الأفــــريــــقـــي الكــــبــيـــر التي تعد الصومال أو مــقديـــشـــيــو تحديداً أهم وأخطر وحداته السياسية .
كـمـا إستغاثت قطر بتركيا التي خفت لنجدة قطر من الهجوم العسكري المحتمل لرباعي الحصار الـعـربي علي قـــطر في 5 يونيو2017 إستغاثت الصومال بتركيا فخفت أيضا لنجدة الـــصـــومـــال لمواجهة التداعيات المُحتملة لمذكرة التفاهم التي وقعتها إثيوبيا في الأول من يناير 2024 والتي بموجبها تقتطع جمهورية أرض الصومال المزعومة أو Somaliland جزءاً من أرضها مساحته 20 كم مربع (علي الأقل) في ميناء بربرة لتمنحه لإثيوبيا التي لا تخفي مطامعها التوسعية في الصومال (سلمت سلطات الاحتلال البريطاني إقليم أوجادين لإثيوبيا عام 1954ومساحتها كم مربع327,068 وكل سكانه صوماليين مسلمين وهو أصلاً جزء من الصومال) , وهنا يكمن تفسير إضافي لتوجه الصومال (مقديشيو) لتركيا وليس لغيرها ممن له رابطة تاريخية مع الصومال كمصر (زارالرئيس الصومالي حسن شيخ محمود القاهرة على رأس وفد رفيع في 20 يناير2024 , وزار الرئيس التركي مقديشيو في 25 يناير2024 وبالطبع فالمدي الزمني القصير بين الزيارتين يفسر أمور كثيرة) , فتركيا حيلف عسكري موثوق للأمريكيين ولديه تعاملات وإتصالات حساسة بشأن مجريات حرب أوكرانيا وروسيا وهو ملف في منهي الأهمية للولايات المتحدة وقد يكون هناك ضبابية في مواقف سياسية مُختلف عليها وخلافية بين الأتراك والأمريكيين لكن الأمريكيين يقرأون كما الأتراك التاريخ جيداً ويدركون الخلفية التاريخية للأتراك وأهتمامهم بالساحـــل الــصــومالي بالإضافة إلي أن الصوماليين ربما فضلوا الإستعانة بالجهد والوجود العسكري التركي الذي ثبتت فاعليته وكفاءته في الحالة القطرية لإبعاد شرور وخاطر العسكرية الإثيوبية التي منها إختراق الصومال من نقطة بربرة وأخيراً فالصومال وهو يطلب الإستعانة بالإتراك إنما يطلب قوة لها تاريخ إيجابي أو علي الأقل غير سلبي كالإثيوبيين والبريطانيين في الذاكرة الجمعية للصومال والصوماليين ولو كان هذا التأثير الإيجابي قد وصل للذاكرة الجمعية الصومالية عبر الوسيط المصري فمصر كانت أهم ولاية عثمانية .
الــــــتــــــقــــديــــر :
الــــصومال مع تداعيات حرب غـــزة أصبحت إنبثاقاً من هذه التداعيات في منتهي الأهمية إستراتيجياً ولذلك قررت الولايات المتحدة إقامة خمس قواعد بها مؤخراً , وتقع الصومال في أقصى الطرف الشرقي للقارة الأفريقية وتتمتع بأطول خط ساحلي في أفريقيا حيث يبلغ طول الخط الساحلي 3333 كم وهي الدولة رقم 42 من حيث المساحة في العالم حيث تبلغ مساحتها 637.657 كيلومتر مربع ويبلغ عدد سكانها حوالي 17.5 مليون نسمة ومستوى الدخل القومي لها في القاع وتقع إثيوبيا في الغرب منها وكينيا في الجنوب الغربي واليمن/خليج عدن في الشمال وجيبوتي في الشمال الغربي وهي مجاورة للبحر الأحمر والمحيط الهندي وبحر اليمن وتمتلك الصومال رواسب من اليورانيوم والحديد والقصدير والنحاس والجبس والبوكسيت والغاز الطبيعي ولا يزال معظمها لم يُمس ويُفترض أنها غنية بالنفط أيضًا نظرًا لقربها من شبه الجزيرة العربية يوعتمد حوالي 65% من الدخل القومي والقوى العاملة المنتجة في البلاد على الزراعة وتربية الحيوانات وتتكون دولة الصومال من 7 ولايات وهناك نظام حكومي فيدرالي وبها برلمان اتحادي ومجلس شيوخ ومجلس نواب ونظراً لقربها من شبه الجزيرة العربية فقد كانت تحت تأثير عميق للحضارات العربية القديمة وخاصة اليمن ويدين الصوماليين بالدين الإسلامي وتستخدم بالصومال اللغة العربية وهي لذلك عضو بالجامعة العربية وأستوطن بالصومال تجار وعائلات ورجال دين عـرب ونظراً لسبق وجود البرتغاليين والهولنديين والبريطانيين والإيطاليين الذين بدأوا بالتغلغل في المنطقة منذ القرن15 فقد قامت الدولة العثمانية التي كانت في تنافس وصراع وتعاون مع هذه القوى وسيطرت على شبه الجزيرة العربية والبحر الأحمر وأقامت علاقات وثيقة مع دولة الصومال وأستطاعت إدارة أجزاء من الصومال بواسطة الوجود المصري , إن النضال التحرري الوطني، المعروف باسم “حركة الدراويش” أو “حرب الدراويش”، والذي دار في نهاية القرن 18 وبداية 19 قام به زعماء مسلمون إذ يمثل الإسلام الصوفي ضد الدول الاستعمارية الغربية نقطة تحول في تاريخ الصومال وأدت دولة الصومال التي نالت استقلالها عام 1960 إلى ظهور بنية سياسية عسكرية قوية مستوحاة من الثورات الروسية والصينية والكوبية ومهدت الطريق لتأسيس جمهورية الصومال الديمقراطية “الاشتراكية” وفي الواقع فإن تأثير ثورة 1952 في مصر حدث في اليمن وسوريا والعراق والسودان كما شهدت الصومال تطورات مماثلة في نفس الوقت , خلال هذه الفترة الزمنية تم تحقيق تحسينات كبيرة في البنية التحتية والتعليم والصحة والزراعة في الصومال وبسبب الحرب الصومالية الإثيوبية 1977- 1978 ابتعدت الصومال وهي عضو في حركة عدم الانحياز العالمية عن هذا المعسكر نتيجة انحياز كوبا وروسيا إلى إثيوبيا ودخلت في عملية تعاون وتعاون أولاً مع إثيوبيا الصين ومن ثم مع الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا الغربية وهي تحمل أوجه تشابه مع الحياة السياسية لمحمد زياد بري (بري) أو جمال عبد الناصر أو حافظ الأسد أو القذافي أو سيطرة صدام حسين المطلقة على حزب البعث والتمرد على محاولته القضاء على كل المعارضة بما في ذلك رفاقه السابقين بعشرات الآلاف في 1977- 1978 وأدى إلى موت البشر , لكن بعد إقالة بري من منصبه عام 1991 شهد الصومال حروباً أهلية دامية لا تزال مستمرة حتى اليوم فاليوم وعلى الرغم من وجود حكومة اتحادية أكثر استقرارا في الصومال فإن الولايات الجنوبية لا تزال تحت سيطرة تنظيم الشباب المنبثق من تنظيم القاعدة وتواصل هجماتها الإرهابية في أجزاء كثيرة من الصومال وإفريقيا بما في ذلك العاصمة مقديشو .
إن الإتفاقية الإطارية الدفاعية / الإقتصادية التركية والتي وُقعت في 8 فبراير 2024مع دولة الصومال الإتحادية المُعترف بها دولياً والتي تربطها بالولايات المتحدة روابط عسكرية/أمنية قوية وُقعت بعد شهر تقريباً من توقيع إثيوبيا مذكرة تفاهم (لا إتفاقية) مع دولة إنفصالية مزعومة غير مُعترف بها دولياً , هذه الإتفاقية التركية تحقق أقصي ربحية إستطاعت السياسة التركية تحقيقها لمصلحة العسكرية والإقتصاد التركية فهي مدت الخط علي إستقامته بين مضيقي البوسفور والدردنيل في شرق وشمال شرقي البحر المتوسط ليصل هذا الخط إلي سواحل الصومال البالغة 3333 كم علي ساحلي المحيط الهندي وخليج عدن المؤدي لباب لمضيق باب المندب لتشارك تركيا وبصفة مباشرة اليمن وجيبوتي في الجزء الجنوبي من البحر الأحمر طريق التجارة العالمي المكتظ بالحركة والمُكون من عقدتين هما: خليج عدن ومضيق باب المندب , ويعد توقيت تحقيق تركيا لحيازة هذه الفرصة توقيتاً مناسباً جداً خاصة وأن الإتفاق التركي تم مع دولة مُعترف بها دولياً وصُودق عليه من البرلمان الإتحادي الصومالي وقوبل برضي من جمهور الشعب الصومالي كما لم تعارضه الدول ذات المصلحة حالياً في الصومال فيما أن ما حققته إثيوبيا لم يتجاوز أمره توقيع إثيوبيا معدولة لإنفصالية غير مُعترف بها دولياً مذكرة تفاهم خلافية قوبلت بغضب من حكومة هذه الجمهورية المزعومة وشعبي الصومال وأرض الصومال الكارهين لأي إقتراب إثيوبي من أي منهما , وعلي كل حال فقيمة الإقتراب التركي من الساحل الصومالي قيمة إستراتيجية فسفن الحاويات الكبرى التي تسيطر على 61% من الشحن العالمي تتجنب حالياً عبور مضيق باب المندب بسبب المخاطر الأمنية بسبب هجمات الحوثيين باليمن عليها إنتصاراً ودعماً للمقاومة الفلسطينية في غزة بإغلاق محكم لمضيق باب المندب أما أي سفن متجهة لميناء ايلات الصهيوني في خليج العقبة المُتفرع من البحر الأحمر رداً علي حصار الصهاينة وذيولهم العرب لـــغـــزة فهذه السفن حالياً تسلك مسارات أطول حول أفريقيا (رأس الرجاء الصالح) وتستغرق ما يصل إلى 14 يومًا وتزيد التكاليف وفي حين يمكن للسفن القادمة من آسيا تجنب ممر البحر الأحمر ورغم أن معظم اقتصادات الخليج العربي تعتمد بشكل كبير على تجارة الطاقة البحرية حيث تعد صادرات الهيدروكربون مسؤولة عن 40% من الناتج المحلي الإجمالي السعودي وقطر و50% من الناتج المحلي الإجمالي للكويت إلا أن كل من الإمارات والسعودية والبحرين تدعمان الحصار الصهيوني لـــغــزة من خلال دعمهم للممر بري بديل ينقل المؤن للصهاينة يبدأ من جبل علي بالإمارات ثم يمر عبر مملكة السعوديين فالأردن إنتهاء بالكيان الصهيوني , وتعد تجربة النقل البري عبر هذا الممر بمثابة تجربة عملية للممر الذي سبق وأعنه الكيان الصهيوني البادئ من الهند فالإمارات فالسعودية فالأردن فالكيان الصهيوني وهذا الممر اللعين المخضب بالخيانة العربية ليس فقط تجربة عملية لما أعلنه الكيان الصهيوني بل تجربة أيضاً لبديل لقناة السويس , عموماً فهذا الطريق التجاري يمرفي المقام الأول عبر هذه المنطقة وتريد دول الخليج حماية نقطة الاختناق هذه طالما تم إغلاق مضيق باب المندب إذ سيمنع ذلك ناقلات النفط في الخليج الفارسي من الوصول إلى قناة السويس وخط أنابيب السويس- البحر الأبيض المتوسط (سوميد) وهذا من شأنه أن يجبرهم على اتخاذ طريق أطول حول الطرف الجنوبي لأفريقيا ولذلك فإن تعطيل التجارة في أعقاب هجمات الحوثيين في هذا الممر (يدمر الحوثيون 4.8 تريليون دولارأي15٪ من التجارة العالمية) سيزيد من الأهمية الجيواستراتيجية لساحل الصومال الطويل فسيظل الصومال لذلك محط اهتمام دول الخليج العربي والدول الغربية حيث تعمل الصومال كقنوات لمصالح الأخيرة وبالإتفاق الدفاعي الإقتصادي التركي تكون تركيا قد حققت أقصي ربحية إستراتيجية وإقتصادية ممكنة من حركتها مع الصومال فلم تفز تركيا بميناء فحسب في الصومال بل فازت بالصومال كله لأن لديها مزيج من عسكرية حقيقية (تصنع السلاح وتصدره وتستخدمه) وإقتصاد ديناميكي حر ومتحرر فيما الدول العربية البائسة كالسعودية وأضرابها دول بلا مزيج بل دول يصنع سياستها مجموعة مستشارين كالموظفين وشيوخ السلطان يعملون علي طريقة : “صوت سيده” , إن تركيا اعتبارًا من عام 2022نفذت 30 ألف مشروع في 170 دولة وقدمت 8 مليارات دولار من المساعدات التنموية ومنها الصومال الدولة التي تتمتع بأطول خط ساحلي في أفريقيا
أستطاعت تركيا بالإتفاق الدفاعي /الإقتصادي مع الصومال تعويض استبعادها من ممر الطاقة شرق البحر الأبيض المتوسط والممر الاقتصادي بين الهند وأوروبا مـعـاً , وتركيا توصلت لهذه الإتفاق برغبة مشتركة مع الصوماليين لكنها من جانبها مهدت الطريق إلي توقيعها جيداً فالاتفاق الدفاعي /الإقتصادي لقي ترحيبا من الشعب الصومالي ومعظم المجتمع الدولي الذي أشاد به باعتباره خطوة إيجابية نحو السلام والاستقرار في المنطقة وتتمتع الصومال وتركيا بعلاقات وثيقة وودية منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية في عام 1960 وتعد تركيا واحدة من أكبر المانحين والمستثمرين في الصومال وقد ساهمت في قطاعات مختلفة مثل الصحة والتعليم والبنية التحتية والمساعدات الإنسانية ويُشار كمثال أن تركيا منذ ما قبل هذا الإتفاق وهي تعمل بجد وإجتهاد في الصومال فمثلاً نجد شركة فافوري التركية قد حصلت على امتياز إدارة “مطار آدم عدي الدولي” فيما تحصل شركة “البيرق” التركية على 55% من إيرادات ميناء مقديشو5 منذ سنين مضت .
من المعروف أن الممر التجاري البادئ من الهند مروراً بشبه الجزيرة العربية وصولاً لحيفا بالكيان الصهيوني فاوروبا دون تركيا كان إحدى نتائج قمة مجموعة العشرين الأخيرة افي صيف 2023 التي عقدت في الهند أُستبعدت تركيا منه بناء علي رغبة من الصهاينة ولذلك إجتهدت تركيا لتحقيق هدف الإرتباط مع الصومال من خلال إتفاق الإطار الدفاعي الذي أمن لتركيا وصولاً يسيراً لسواحل المحيط الهندي والبحر الأحمر أكثر الممرات المائية الدولية إزدحاماً وأهمية يكفي أنه قريب من منابع البترول العربي , إن اتفاقية الدفاع الصومالية مع تركيا كما هو مفصل في تحليل أجرته مؤسسة Breaking Defense هي شهادة على الوضع المتصاعد وجهود الصومال لمواجهة التحركات الإثيوبية كذلك فالإنشاء المحتمل لقاعدة بحرية تركية في الصومال يمكن أن يغير المشهد الاستراتيجي بشكل كبير مما يوفر للصومال حليفًا قويًا ضد العدوان الإثيوبي , من جهة أخري فهذا الممر الاقتصادي العالمي الجديد الرابط للهند والكيان الصهيوني بأوروبا مُصمم بحيث يجب أن تفقد الممرات الاقتصادية الحالية أهميتها لأسباب “أمنية” وبدلاً من ذلك المشاريع التي ستربط الخليج الفارسي أو بعبارة أخرى المحيط الهندي بالخليج العربي / الفارسي فالأردن فحيفا فأوروبا دون تركيا , لهذا إجتهد الكيان الصهيوني في تنفيذ خطة تهجير الغزاويين بالإبادة الجماعية لهم لتخلص لهم غزة ليتمكنوا من تحقيق أوسع للممر الإقتصادي البادئ من الهند فيستغنوا عن قناة عسقلان أو يتمكنوا بسهولة أكثر من تنفيذها بربط ميناء إيلات بعسقلان أو أشدود كما يسميها الصهاينة , لهذا كان يجب تنفيذ الهجوم على شرق البحر الأبيض المتوسط بخطة خبيثة لا إنسانية يشارك فيها أراذل العرب إرضاء للدوائر المظلمة للصهيونية العالميةالتي تديرهم وتدير المشهد بتصوير البحر الأحمر بالتوازي مع إرسال سكان غزة قسراً إلى شبه جزيرة سيناء المصرية لتحقيق هذه الاستراتيجية القذرة التي تعد تركيا مُضارة جداً من تنفيذها .
إن تركيا طرقت الباب الصحيح والعنوان الصائب عندما إتجهت للصومال – وهذا ما يجب أن تفعله مصر سريعاً – فبسبب أن إثيوبيا غامرت وإتجهت إلي المكان الخطأ وهو جمهورية أرض الصومال المزعومة فقد ألبت عليها معظم المجتمع الدولي وأكدت سلوكها السياسي العدواني بتشجيعها علي إنتهاك وخرق القانون الدوولي فمذكرة التفاهم التي وقعها رئيس وزراء إثيوبيا مع صوماليلاند في أول يناير 2024 ليس لها إلا معني واحد وهو أن إثيوبيا مستعدة للتعامل خارج القنون الدولي بالإعتراف بإنفصال أقاليم عن دول مستقلة معترف بإستقلالها دولياً كالصومال , ولهذا لا تبتأس إثيوبيا أو تغضب عندما تعترف بعض دول العالم بإنفصال أي من أقاليمها المُهيأ للانفصال عن إثيوبيا بالفعل كأقليمي أروميا أو التجراي مثلاً وغيرهما كثير في إثيوبيا المُهددة بالتفتت كدولة .
إن تركيا بنجاحها في التمركز في الـصومال قد قلصت المساحة قليلاً التي كان يمكن للكيان الصهيوني أن يعمل حــراً فيها والتي لا يتحرك فيها بفاعلية ولا يتواجد فيها بكفاءة أي من الدول العربية , ومن ثم فالعمل التركي يُعد في الحساب الختامي إضافة للأمن القومي المصري خاصة , ويُفضل البناء علي هذا التطور الإيجابي , ومن المتوقع أن تتعامل الولايات المتحدة مع الأتراك في الصومال مستقبلاً فهم أفضل للولايات المتحدة من الإثيوبيين علي الأقل هم لهم أي الأتراك قبول في الصومال شعبياً وحكومياً , لذلك فهناك مستقبل للتعاون التركي مع الولايات المتحدة سواء عسكرياً أم أمنياً .
الإتفاق الدفاعي / الإقتصادي التركي مع الصومال نجاح لإستراتيجية الوصول التركي للمرات المائية الإستراتيجية وإضافة حقيقة للأمن القومي التركي في شقه الإقتصادي ونجاح هذه الإستراتيجة من شأنه أن يعزز من مكانة تركيا في إقليمها ودورها الدولي بل وقد يؤدي بصفة غير مباشرة لتقوية موقفها التفاوضي في شأن القضية القبرصية فكلما توطدت مكانة دولة ما إستراتيجياً قوي ساعدها وتعززت قدراتها التفاوضية بالتالي في مختلف القضايا .
المصدر