تشارلز ثيبوت
يبدو أنّ قضية السياسة الخارجية الأحادية – وربما الوحيدة – التي يتّفق عليها الرئيس ترامب وجو بايدن هي الحاجة إلى إنهاء تورّط الولايات المتحدة في “حروب لا نهاية لها” في الشرق الأوسط. ومن يمكنه أن يختلف حول ذلك؟
ويقيناً، أنّ المصالح الأمريكية في المنطقة قد تضاءلت، إلّا أنّها لم تختفِ. ويحاول مخطّطو السياسة الخارجية في كلا الحزبَين السياسيَّين إيجاد طرق جديدة لتعزيز المصالح الأمريكية – أي محاربة الإرهاب، ودعم الحلفاء، والتصدي لروسيا والصين – على نحو يترك بصمة أقل حجماً؛ أي بعبارة أخرى، إتمام المزيد بتسخير موارد أقلّ.
ويمكن لأوروبا أن تساعد في العثور على إجابة. بإمكان واشنطن والعواصم الأوروبية اغتنام الفرصة التي أتاحتها الانتخابات الأمريكية لتصميم مشاركة أكثر تواضعاً ولكن أكثر ذكاءً عبر الأطلسي في الشرق الأوسط، وربما إصلاح بعض الأضرار التي حدثت في السنوات الأخيرة.
وبعد الحرب الباردة، لم تكن الولايات المتحدة بحاجة إلى تحالف قوي أو تشأ مثل هذا التحالف مع أوروبا في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ولم يشأ ذلك عددٌ كبير من الأوروبيين أيضاً. فقامت أمريكا بمراقبة المنطقة، بدعم أوروبي أو بدونه. وكان الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، الذي بدأ على الرغم من المعارضة الفرنسية والألمانية، قد دقّ ناقوس الموت لهذا النهج أحادي القطب.
ثم فوجئت أوروبا والولايات المتحدة عندما قضّ “الربيع العربي” مضجع المنطقة عام 2011. ومع تحوّل الانتفاضات السلمية إلى صراعات إقليمية في ليبيا وسوريا واليمن، أدّى “الإرهاق” الأمريكي فيما يتعلق بالعمليات العسكرية وأوجه القصور في الدعم عبر الأطلسي للتحولات الديمقراطية إلى خلق فرص لتدخلات عسكرية كبيرة من جانب إيران وروسيا وتركيا، ناهيك عن هيجان تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام».
ودفعت أوروبا ثمناً باهظاً لافتقارها إلى نفوذ أمني حاسم في جوارها الجنوبي، بما في ذلك سلسلة مروّعة من الهجمات الإرهابية في مدنها وتزايد أعداد اللاجئين على شواطئها. وأدّى هذا الضعف إلى رد فعل أوروبي بطيء بل ثابت، مع الاستعداد الجديد لألمانيا “لتحمّل المزيد من المسؤولية” واقتراح فرنسا لتعزيز “الحكم الذاتي الاستراتيجي” لكي تكون أوروبا قادرة على اتخاذ إجراءات أسرع وأكثر فاعلية، بما في ذلك في الشرق الأوسط، بالتعاون مع الولايات المتحدة أو بمفردها، عندما لا تريد واشنطن أن تتدخل.
واتخذت أوروبا المزيد من الإجراءات من خلال بعض دولها الأعضاء أو على مستوى “الاتحاد الأوروبي”، وهي: مساهمات عسكرية في الحرب ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” في سوريا والعراق وليبيا؛ عمليات بحرية في ليبيا لمراقبة حظر الأسلحة وفي مضيق هرمز لحماية طرق التجارة؛ دعم مالي لتونس؛ توفير مليارات الدولارات كمساعدات إنسانية في سوريا والعراق واليمن؛ والعديد من المبادرات الدبلوماسية حول إيران وسوريا وليبيا ولبنان. وللقيام بالمزيد من خلال تسخير موارد أقلّ في الشرق الأوسط حالياً، تحتاج الولايات المتحدة إلى دعم جهود أوروبية مماثلة في المستقبل.
أما التعاون مع أوروبا فيوفّر لواشنطن بديلاً إمّا لقيادة التحالفات الرائدة من جانب واحد باعتبارها القوة العظمى المنهكة، أو لتقييد السياسة الخارجية للولايات المتحدة للحفاظ على المصالح الضيقة من خلال صفقات المعاملات مع دول الشرق الأوسط.
لكن لا يمكن لأوروبا أن تكون شريكاً ملائماً للولايات المتحدة في الشرق الأوسط ما لم تستعد أولاً للإدارة الأمريكية المقبلة. ومن الناحية النفسية، قد تترتّب نتائج عكسية عن شعور بعض الأوروبيين بالارتياح من فوز بايدن بالانتخابات الرئاسية بقدر ما قد تترتب مثل هذه النتائج عن أي إحباط لو فاز ترامب بولاية ثانية. وبعد انتخاب بايدن، فقد يكون كلا طرفَي الأطلسي حريصَين على “إصلاح” العلاقة. ومع ذلك، قد يكون هذا الجهد عاجزاً فيما يتعلّق بالتعاون في منطقة الشرق الأوسط، حيث يمكن إغراء الأوروبيين بإحياء الحقبة التي كانت فيها أمريكا القطب الأحادي الذي يؤدّي دور الشرطي العالمي، وهو نهج من الواضح أن وقته قد مضى. ومن ناحية أخرى، لو أعيد انتخاب ترامب، فقد يخاطر الجانبان بإبقاء عدم التوافق الحالي عبر الأطلسي، لكن قد يظل بإمكانهما الاتفاق على أولويات محدودة بل ملحّة مثل الانتشار النووي الإيراني..
ومن الناحية التكتيكية يحتاج الأوروبيون إلى تقديم جبهة أكثر توحيداً، ولكن أكثر فاعلية أيضاً. وبناءً على صياغة أفضل للأصول الوطنية والقارية التي يملكونها في السياسة الخارجية، يمكنهم تنظيم أنفسهم في طليعة صغيرة من الأعضاء الراغبين والمؤهّلين لإعداد مجموعة من المقترحات الملموسة وتقديمها للولايات المتحدة، ليس فقط من خلال مجموعة “E3” – فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة – بشأن الاتفاق النووي الإيراني، ولكن حول الأزمات الأخرى أيضاً، مثل المجموعة التي شكلتها فرنسا وألمانيا وإيطاليا و”الاتحاد الأوروبي” بشأن ليبيا. كما يجب عليهم أن يتعاملوا بشكل ملموس مع إحباط واشنطن من الحزبَين بسبب عدم كفاية الالتزام العسكري تجاه منظمة “حلف شمال الأطلسي“. وفي المقابل، تحتاج واشنطن إلى أن تكون أكثر انفتاحاً على الأفكار الأوروبية وأن تشير إلى دعمها للجهود الأوروبية لتعزيز دفاعها، باستخدام جميع الأطر، بما فيها “الاتحاد الأوروبي”.
ما هي إذاً الأجندة عبر الأطلسي في الشرق الأوسط؟
لا يمكن للولايات المتحدة وأوروبا تجاوز حدودهما. ومن شأن النهج الطموح إلى حدّ مفرط أن يثير انتقادات مشروعة حول الادعاءات الغربية لحكم المنطقة. علاوةً على ذلك، فإن السعي وراء أهداف طموحة للغاية قد يؤدّي إلى الفشل، نظراً لمحدودية الموارد المتاحة في فترة جائحة فيروس كورونا (“كوفيد-19”). وسيشكّل الالتزام الأكثر تواضعاً ولكن الأكثر استقراراً وسيلة رئيسية لإعادة بناء التأثير الإيجابي الأمريكي والأوروبي.
يجب أن تكون إيران على رأس جدول الأعمال. فبالإضافة إلى مكافحة انتشار الأسلحة النووية، يتطلّب وقف التصعيد مع إيران دفعة منسّقة من جانب الولايات المتحدة وأوروبا باتجاه الحوارات الإقليمية بشأن العراق وسوريا واليمن ولبنان. يمكن لواشنطن والعواصم الأوروبية العمل معاً لإحضار طهران إلى طاولة المفاوضات، مع الاعتراف بالمخاوف الأمنية الحيوية في إسرائيل ودول الخليج واستخدام النفوذ الحالي مثل الإبقاء على عدد محدود من القوات الأمريكية في شمال شرق سوريا. وسيكون الحوار الشاق مع تركيا بشأن سوريا وليبيا وشرق البحر المتوسط ضرورياً أيضاً لمنطقة الشرق الأوسط بقدر ما سيكون ضرورياً لمستقبل حلف “الناتو”.
ومع ذلك، يجب ألّا يركّز الحلفاء الغربيّون على التدابير الأمنية الصارمة فقط. فبناءً على المشاركة المتجددة مع القادة والجهات الفاعلة في المجتمع المدني في المنطقة، يمكنهم ويجب عليهم المساعدة في معالجة مشاكل الحكم الهيكلية والاقتصادية في المنطقة التي تفاقمت بسبب الوباء. إن الأوروبيين والأمريكيين هم الأقدر على تصميم حزم مساعدات طموحة بمساهمات من المؤسسات متعددة الأطراف مثل “صندوق النقد الدولي” أو “البنك الدولي”، ومرتبطة بإصلاحات صعبة تتعلّق بسيادة القانون وحقوق الإنسان.
في العقد الماضي، فقدت الولايات المتحدة وأوروبا نفوذهما في الشرق الأوسط. ففي منطقة عانت من الاستعمار الأوروبي والهيمنة الأمريكية، لا يمثل هذا مشكلة بطبيعته. ومع ذلك، لا تزال للولايات المتحدة وأوروبا مصالح مشروعة في المنطقة. ومن خلال إعادة التفكير في التعاون بينهما في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، يمكنهما تقديم مساهمة حيوية متعدّدة الأطراف للمساعدة في معالجة الأزمات الاجتماعية والتوترات بين الجهات الفاعلة الإقليمية. ويُعدّ خفض التصعيد والإصلاح في الشرق الأوسط أمراً حيوياً لأوروبا وضرورياً للولايات المتحدة إذا كانت الإدارة الأمريكية الجديدة (بغض النظر عن الحزب الفائز) تريد حقاً إنهاء “الحروب التي لا نهاية لها” وإعادة النظر في العلاقات مع المنطقة.
رابط المصدر: