كان السؤال منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 في العواصم العربية والإقليمية والعالمية: كيف سيكون شكل اليوم التالي في غزة بعد انتهاء الحرب؟
بني هذا السؤال لأول مرة في واشنطن بتوقع مبكر بأن الحرب ستحسم لمصلحة تل أبيب بشكل سريع، وجاز لهم ذلك بسبب الفوارق الهائلة في الإمكانيات، وهل سيكون لـ”حماس” دور في اليوم التالي؟ أم تلعب فتح أو الدول العربية دورا في ذلك؟!
واليوم بعد مضي عام على الحرب، يجب أن نسأل: ما هو اليوم التالي في الشرق الأوسط برمته وليس في غزة، بعد أن امتدت الحرب للبنان وسوريا والعراق واليمن وإيران؟ فسؤال اليوم التالي في غزة بات سؤالا فرعيا بعد هذه التطورات!
إن ما حدث في الشرق الأوسط هو حافة تغيير استراتيجي سنعبر إليه، خصوصا بعد اغتيال حسن نصرالله، فالمعادلة اليوم تقول إن “حزب الله” الذي نعرف لم يعد في الوجود، فقادة الصف الأول والثاني قتلتهم إسرائيل في عمليات دقيقة في وقت حساس، واخترقت كل شيء في “الحزب” عرضا وطولا، مما جعله اليوم في أسوأ أحواله على الإطلاق..
ماذا يعني لنا أن نعيش في شرق أوسط بلا “حزب الله”؟!
يعني أننا سنسأل عن اليوم التالي في كل الشرق الأوسط، فـ”الحزب” أداة أساسية استراتيجية في صراع المنطقة! وخروجه من الصراع يعني الفراغ في مناطق عدة، والسياسة كما تعلمون لا تحب الفراغ!
ما حدث في الشرق الأوسط هو حافة تغيير استراتيجي سنعبر إليه خصوصا بعد اغتيال حسن نصرالله
تسأل دمشق اليوم نفسها: ما هو اليوم التالي؟
فهي أكثر المناطق تأثرا بالانهيار الذي يتعرض له “حزب الله” من الداخل، فهذا الانهيار سيتسبب في انسحاب قوات “الحزب” من الأراضي السورية في المناطق الاستراتيجية التي كان يقاتل فيها منذ عام 2011.
يتزامن هذا الانهيار مع انسحاب عدد من القوات الروسية من سوريا في وقت سابق، جراء الحرب الروسية الأوكرانية، مما دفع “الحزب” إلى شغل هذا الفراغ بدلا من الروس، وسيتزامن هذا الانسحاب الذي بدأ يظهر على السطح مع تراجع الوجود الإيراني على الأرض السورية بسبب الضربات الإسرائيلية المتلاحقة للقادة الإيرانيين في دمشق ومحيطها!
تفتح أنقرة السؤال ذاته بشأن اليوم التالي؟
حيث تردد الرئيس التركي في الاجتماع مع الرئيس السوري بشار الأسد الذي يرغب بفتح خطوط تواصل مع عدد من دول المنطقة من بينها دول الخليج وتركيا، وانطلقت الأصوات التركية خلال الأيام الماضية منذ خبر مقتل حسن نصرالله بالحديث عن تعزيز الوجود التركي في شمال سوريا وتعزيز حضور المعارضة السورية بل المثير أن التسريبات التي تنشرها الصحافة التركية تشي بالرغبة في التفاوض مع الأكراد على الحدود، فالرئيس التركي يرى أن الأمور لم تحسم بعد في سوريا وهذا ما يفسر تردده في التقارب مع دمشق.
تفتح باريس هي الأخرى سؤال اليوم التالي، فهاتف الرئيس الفرنسي لا يتوقف منذ ذاك اليوم بالاتصالات بين الأطراف اللبنانية وقادة الشرق الأوسط لإعادة فتح ملف ترشيح رئيس جديد للبنان في هذه الظروف وجلب دعم لبيروت يعيد تشكيل المشهد السياسي بالتزامن مع انهيار “الحزب” الذي سيعود كما هو مرجح بوجه سياسي جديد أقل حدة من سابقه، خصوصا بعد فقدان “الحزب” لصقوره من قادة الصف الأول والثاني.
وتشكل وجه المرحلة القادمة في الداخل دعوة نائب الأمين العام لـ”حزب الله” نعيم قاسم لنبيه بري بأن يكون الأخ الأكبر لـ”الحزب” وقائدا للمرحلة المقبلة المرتبكة.
كما سيفتح ذلك سؤال اليوم التالي في صنعاء التي تراقب مجريات الأمور وتتأمل الموقف الإيراني مما حدث لـ”حزب الله” وطريقة التعاطي معه حيث لم ترمِ طهران بثقلها من أجل الحزب ووجدت نفسها مقيدة وهي تراه في حالة الموت البطيء، يتزامن ذلك مع رغبة حوثية-سعودية بالتقارب بعد سنوات من الحرب، فالأزمة الاقتصادية تضرب صنعاء وتحرجها أمام الغضب الشعبي المتزايد والراغب في الحياة الكريمة، وعبدالملك الحوثي شاهد بعينه ماحدث لحسن نصرالله، وهذا المشهد لن يمر مرور الكرام على قادة الجماعة التي ترغب في تجاوز أزمتها وترغب في العودة للمشهد من خلال تموضع جديد.
أما الرياض فترى اليوم أنها كانت على حق عندما تجنبت هذه الحرب وقررت الحياد فيها وحماية سيادتها أرضا وجوا وتحريك عجلتها الدبلوماسية والإغاثية لإيقاف الحرب فورا وحماية المدنيين وتقليل التوتر في المنطقة
سؤال اليوم التالي طرح في طهران أيضا بشكل جاد، فهذه العاصمة الكبيرة في السن بقادتها تضع يدها على برنامجها النووي كمن يحمي بيض دجاجته تحت السماء التي تمطر الحجارة، فطهران ليس لديها قدرة على خلق جيل جديد يقاتل من أجلها في الشرق الأوسط كما فعلت مع قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس ونصرالله وفؤاد شكر وعماد مغنية وغيرهم من قادة استثمرت فيهم طويلا وفي مرحلة القطاف قتلوا دفعة واحدة وبشكل دراماتيكي.
تعلم طهران أن البيت الأبيض قد يرسل لها خبرا بعد أقل من شهرين بعودة ترمب الذي لن يكون خيارها الجيد وسيزيد من الصعوبات التي تواجهها، وقد تزف لها الأقدار أخبارا جديدة عبر طائرات نتنياهو الذي لا يريد الوقوف عند أي حد تتخيله طهران.
إيران مثقلة بالهموم، فذاك رئيسها سقط بطائرته مع وزير خارجيته، وتلك سيادتها انتهكت بقتل ضيفهم إسماعيل هنية، وتلك هي الضاحية يقتل فيها نصرالله تاج مشروعها، ويتهم رئيس فيلق القدس في ظروف غامضة بالعمالة لإسرائيل ويتعرض للتحقيق كما تقول التسريبات! علاوة على أزمتها الاقتصادية المتزايدة وبرنامجها النووي المهدد ومنظومتها العسكرية التي كشفتها الأحداث وملياراتها التي تبخرت في دعم الميليشيات في المنطقة.
أما الرياض فترى اليوم أنها كانت على حق عندما تجنبت هذه الحرب وقررت الحياد فيها وحماية سيادتها أرضا وجوا وتحريك عجلتها الدبلوماسية والإغاثية لإيقاف الحرب فورا وحماية المدنيين وتقليل التوتر في المنطقة، فهي تعلم منذ وقت مبكر أن المنطقة مقبلة على أزمة كبرى ستطال الجميع، وهذا الموقف السعودي سيمكنها في اليوم التالي من لعب دور بناء في تقليل أزمات الشرق الأوسط، حيث انطلقت الاتصالات بين الإيرانيين والسعوديين في الدوحة والرياض، ومثلها مع الأتراك والغربيين، لإيجاد حلول عاجلة تنهي الأزمة في المنطقة.