دلال العكيلي
تربتنا مهمة للغاية عندما يتعلق الأمر بحياتنا، حيث إنه لا يلعب دوراً في كيفية نمو الأشياء فحسب بل يلعب أيضًا دوراً في الهواء الذي نتنفسه، كما ان هناك طرق يمكن أن تحمي وتحافظ على تربتنا في نفس الوقت، والهدف هنا هو تقليل التعرية وضمان خصوبة التربة (يمكن أن يؤديها المواطن العادي أو الصناعات التجارية بأكملها)، مع وجود العديد من القضايا البيئية مثل تلوث الهواء وتلوث المياه والاحترار العالمي وتحمض المحيطات واستنفاد طبقة الأوزون وتلوث الأرض، يبحث الناس عن طرق للحفاظ على كوكبنا سليماً، حيث أن أحد هذه الطرق للقيام بذلك هو الحفاظ على التربة.
في كل خمس ثوان، يتدهور من التربة ما يساوي ملعب كرة قدم وهذه الواقعة الخطيرة تؤكد الحاجة إلى إذكاء الوعي العام -من خلال اليوم العالمي للتربة- بهذه المشكلة المتعاظمة مع تزايد سكان الأرض، وفي هذا العام، ومن خلال التصدي للتحديات المتزايدة في مجال إدارة التربة، تهدف حملة فاو (منظمة الأغذية والزراعة) من خلال حملتها المعنونة “أوقفوا انجراف التربة، أنقذوا مستقبلنا” إلى إذكاء الوعي بأهمية استدامة النظم الإيكولوجية السليمة ورفاه الإنسان ومن خلال تشجيع الناس في كل بقاع الأرض إلى المشاركة الاستباقية في الجهود المبذولة في سبيل تحسين التربة، فإن الحملة تهدف إلى زيادة الوعي بالتربة السليمة وإذا لم نسرع في العمل، فسيكون التدهور أسرع منا؛ وسيتواصل تدهور خصوبة التربة تدهور ينذر بالخطر، مما يهدد إمدادات الغذاء العالمية وسلامة الأغذية.
ولتشجيع الجميع على المشاركة، أعدت فاو موقعا شبكيا مواضيعيا يزخر بالمعلومات وبالمبادرات وبالمواد اللازمة لنشر هذه الرسالة على منصاب وسائط الإعلام المتعددة، في عام 2002، قدم الاتحاد الدولي لعلوم التربة اقتراحا بإقرار الاحتفال باليوم العالمي للتربة في الخامس من كانون الأول/ديسمبر لأهمية التربة واعتبارها عنصرا حاسما من النظام الطبيعي ولإسهامها الحيوي في رفاه الإنسان وتصدرت مملكة تايلاند الجهود في ذلك المضمار، ومن ثم دعمت منظمة الأغذية والزراية – في إطار “الشراكة العالمية من أجل التربة” – تدشين يوم دولي رسمي للتربة بغرض إذكاء الوعي العالمي.
وفي 22 تموز/يوليه 2013، أقر مؤتمر منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة في دورته الثامنة والثلاثين بالإجماع اليوم الدولي للتربة وطلب اعتماده رسميا من الجمعية العامة في دورتها الثامنة والستين. وفي كانون الأول/دسيسمبر 2013، اعلنت الجمعية العامة أن 5 كانون الأول/ديسمبر هو اليوم العالمي للتربة، وتنظم الشراكة العالمية من أجل التربة بالشراكة من منظمة الأغذية والزراعية فعاليات للإحتفال بهذا اليوم الهام منذ 2012، بحسب موقع الأمم المتحدة.
الكنز المهدور
تتآكل التربة وتجف وتتدهور في جميع أنحاء العالم، بسبب سوء استخدام الأراضي، والممارسات الزراعية المكثفة التي تستنفد مغذيات التربة وتشمل العوامل الأخرى التي تساهم في تدهور صحة التربة وتآكلها، إزالة الغابات، والاستخدام المفرط للأسمدة النيتروجينية، والرعي الجائر وتستنزف هذه الممارسات، في النهاية، الحياة من التربة، لقد حان الوقت للتصدي لهذه الظاهرة المضرة وهذا يعني وقف تآكل التربة، والممارسات الأخرى التي تضر بصحة التربة ومليارات الكائنات الحية الدقيقة، والكائنات الحية التي تعيش فيها والسؤال، إذاً، هو كيف نجعل المزيد من الناس يهتمون بهذه الظاهرة؟
إن إحدى الطرق التي نضمن بها تقدير الحكومات الوطنية، والمواطنين للتربة وقيمتها، هي تحديد قيمتها الاقتصادية وتشير الدلائل الحديثة المقنعة إلى وجود أرباح كبيرة يمكن تحقيقها من الاهتمام بالتربة، إن تحديد القيمة الاقتصادية للتربة هو الطريقة الصحيحة لتشجيع الجهود اللازمة. وتشمل الزراعة المتجددة، على الرغم من أنها تشمل العديد من المبادئ الأخرى، ممارسات زراعية مستدامة مثل الحد من الحرث، وتغطية المحاصيل، وزراعة المحاصيل المختلطة، وتناوب المحاصيل المتنوعة، والرعي الدوراني، والتسميد، والمهاد.
والهدف هو بناء المواد العضوية، وتنويعها في التربة، ومن ثم النهوض بصحة التربة، والتخفيف من تغير المناخ عن طريق عزل الكربون ومن المهم أيضاً ضرورة تسليط الضوء على تأثير هذه الممارسات ومكاسبها بالنسبة للمزارعين، بينما نسلط الضوء على التأثيرات، يجب أن نلفت الانتباه، أيضاً، إلى المنظمات التي تقود الطريق نحو تحسين التربة ولتشجيع المواطنين العاديين على الانخراط، نحتاج إلى إلهام العديد من المنظمات، والبلدان للاهتمام بالتربة، مع زيادة الوعي بالتربة عن طريق مبادرات مثل منصة الأمم المتحدة، لتسليط الضوء على مبادرات صحة التربة من جميع أنحاء العالم.
ولتحقيق أقصى قدر من إمكانات ممارسات الزراعة المتجددة، وغيرها من التدابير لتحسين صحة التربة، هناك حاجة ماسة إلى مزيد من الأدلة المستندة إلى البيانات، بما في ذلك إظهار سبل للتقييس ويجب على العلماء، أكثر من أي وقت مضى، العمل مع المزارعين على تناول القضايا، وإزالة العقبات التي تمنع المزيد من الناس من اعتماد مثل هذه الممارسات، بحسب إستير نغومبي.
الوقت ينفذ بسرعة
كم عاماً يمكن لتربة الأرض فيها الاستمرار بدعم انتاج المحاصيل الزراعية أو تخزين وتنقية المياه أو لامتصاص ما يكفي من الكربون من الغلاف الجوي للحدّ من أثر التغير المناخي؟ في الواقع؛ لا توجد سوى قياساتٌ وأبحاثٌ قليلة تتناول سرعة تشكّل التربة الصالحة للزراعة وسرعة تعريتها حتّى الآن. لقد كانت الجهود المبذولة لتبيّن ذلك متواضعةً وتشبه في أغلبها محاولة التنبؤ برصيد بنكٍ اعتماداً على النفقات فقط.
عند أخذ القياسات المتعلّقة بتشكّل التربة في مزرعةٍ في نوتنجهامشاير في المملكة المتحدة، قُدرت أن طبقة السطحية من التربة البالغ سماكتها 30 سنتيمتراً يمكن أن تتآكل في غضون أقلّ من 138 عاماً، وأنّ حجر الأساس الرملي الذي تشكّلت منه هذه التربة سيتكشّف في غضون 212 عام قد لا تشير الأرقام إلى بوادر حدوثٍ أزمةٍ في القريب العاجل، ولكّن، ونظراً لأن تشكّل هذه التربة قد استغرق 10 آلاف عام، فإن هذه التنبؤات تشير إلى أنّه لم يتبقى سوى 1% من عمرها قبل أن تندثر.
في مناطق أخرى من العالم، تآكلت التربةُ التي اُستخدمت لقرونٍ في الزراعات المُكثّفة إلى حدٍّ كبير. ويُعد خطر تدهور التربة في جنوب الصحراء الأفريقية وآسيا وأميركا اللاتينية، ومنطقة البحر الكاريبي عالياً، وإنتاجيتها آخذةٌ في الانخفاض أيضاً، في هذه المناطق، حيث معدلات تآكل التربة في كثير من الأحيان أعلى من معدلاتها في المملكة المتحدة، قد يكون عمر التربة أقصر بكثير ونظراً لأنّ الطلب على التربة سيزداد نتيجة ارتفاع عدد سكان العالم، ستضطر المجتمعات إلى التكيف لعكس مسار تدهور التربة، وبالتالي، إيجاد طرقٍ لزيادة سماكة التربة وزيادة عمرها الافتراضي، بحسب موقع بوبيولار ساينس العلوم للعموم.
وتشير جميع السيناريوهات العالمية إلى الاتجاه نحو دورة هيدرولوجية أشد قوة، مما قد يؤدي إلى زيادة التعرية المائية العالمية بنسبة ما تتراوح بين 30٪ إلى 66٪ عام 2070، مقارنة بأرقام عام 2015، وتكشف تقديرات الباحثين في الدراسة أن تغيُّر المناخ سيكون المحرك الرئيسي لهذه الزيادة، حتى مع سيناريو انبعاثات غازات الدفيئة المنخفضة “وهو ما يعني أنه حتى لو وصلت دول العالم إلى الأهداف المرجوة بشأن التخفيف من آثار تغير المناخ على الصعيد العالمي، فإن العالم سيفقد المزيد من التربة، هذا ما لم نتمكن من ابتكار طرق جديدة وأكثر فاعليةً للتخفيف من معدلات تآكل التربة”، يقول “باسكال برولي”، الباحث في الجغرافيا الطبيعية بجامعة بازل السويسرية، والمؤلف الرئيسي في الدراسة.
بالإضافة إلى العوامل الطبيعية مثل تغيُّر المناخ، فإن هناك عوامل بشرية أيضًا تسهم في تدهور التربة، مثل إزالة الغابات، والرعي الجائر، والزراعة الكثيفة، وهي أنشطة مسؤولة عن تسريع فقدان التربة، ويُقصد بالزراعة الكثيفة زراعة الأرض الزراعية أكثر من مرة في السنة بمحاصيل تستنزف المواد العضوية بها، ويرتبط هذا النوع من الزراعة بزيادة الطلب على الغذاء نتيجة زيادة عدد السكان، ويعتمد بالأساس على الدورة الزراعية كما هو المعمول به في مصر.
يلفت محمد عبد المنعم -مسؤول المناخ والتربة في المكتب الإقليمي للفاو في القاهرة- إلى أن تغيُّر المناخ لن يتسبب فقط في زيادة الأمطار التي تسبب انجراف التربة، بل يسبب مشكلةً أخرى تواجهها الدلتا المصرية، وهي زيادة تملُّح الأراضي الزراعية نتيجة غزو مياه البحر المالحة لهذه التربة، وهو ما قد يدفع المزارعين إلى الاتجاه إلى زراعة محاصيل أكثر تحمُّلًا للملوحة، أحد أسباب تدهور الأراضي في مصر كذلك، هو التدخلات البشرية المباشرة من خلال تجريف التربة الزراعية والبناء عليها، إذ يوضح “عبد المنعم” في تصريح لـ”للعلم” أن فقدان مصر 1.2 مليون فدان من أراضيها الزراعية خلال الأربعين عامًا الماضية، يعني فقدان ثروة غذائية كبيرة يمكن أن تطعم قرابة 25 مليون إنسان.
السيناريو السيئ
استند الباحثون في توقعاتهم إلى ثلاثة سيناريوهات تستخدمها أيضًا الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC)، تحدد هذه السيناريوهات التطورات المحتملة في القرن الحادي والعشرين بناءً على العديد من الظروف الاجتماعية والاقتصادية المختلفة، تتنبأ جميع السيناريوهات -بما في ذلك تأثيرات المناخ وتغيُّر استخدام الأراضي- باستمرار حدوث التعرية المائية، بغض النظر عن الظروف المناخية في معظم البلدان البالغ عددها 200 دولة التي تم تضمينها في الدراسة، وهو ما تؤيده دراسة سابقة نُشرت في مجلة “نيتشر كوميونيكشنز” نهاية عام 2017.
في أسوأ السيناريوهات، ومع بقاء الممارسات الزراعية كما هي اليوم وعدم تنفيذ سياسات إضافية للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري، يمكن أن تصل خسارة التربة السنوية إلى ما يقرب من 71.6 بيتاجرام، بزيادة قدرها 66٪ مقارنة باليوم. والبيتاجرام الواحد يساوي مليار طن، يقول نيك فان دي جيسن -الأستاذ في قسم إدارة المياه في جامعة “دلفت” للتكنولوجيا في هولندا- في تصريحات لـ”للعلم”: “ربما يكون الاستنتاج العام للدراسة صحيحًا. سيؤدي الاحترار العالمي إلى تكثيف الدورة الهيدرولوجية، مما يؤدي إلى مزيد من العواصف المطيرة الشديدة المصحوبة بمستويات أعلى من التآكل”، لكن “دي جيسن” يرى أن التوقعات المناخية للأمطار لا تزال غير موثوقة بشكل ملحوظ، فهي تخضع للتقلبات، وأنه في حالة التعرية، فإننا ننظر إلى الأحداث المتطرفة التي يصعب تصميم نموذج لها؛ لأنها تتعلق بـ”أحداث نادرة”، بحسب موقع للعلم.
مشكلة طبيعية يمكنك المساعدة في حلّها
– زراعة الأشجار الكثيفة لتثبيت التربة وحمايتها من الانجراف.
– منع إزالة الغطاء النباتي من خلال منع قطع الأشجار والابتعاد عن الرعي الجائر.
– بناء حواجز لتخفيف حدّة الرياح، وبالتالي منع انجراف الطبقة السطحية الخصبة للتربة.
– استخدام السماد العضوي الذي يعزز من تماسك التربة، ويحميها من الانجراف.
– الاسترشاد في استخدام الأسمدة الزراعية؛ بحيث تُستخدم وفق أنظمة ومعايير معينة، والعمل على استخدام السماد العضوي الذي يعزز من خصوبة التربة، ويُحسن الغطاء النباتي.
– توعية وتثقيف المزارعين ومربي المواشي والرعاة بأهمية المحافظة على البيئة.
– عمل قنوات جيدة لتصريف مياه الري.
– الحرص على سلامة ونقاء مصدر الري.
– منع المصانع من إلقاء مخلفاتها في مجاري المياه والأنهار؛ إذ يؤثر ذلك سلبيًا على التربة والغطاء النباتي.
– بناء السدود والبرك التي تساعد على تجميع السيول الناتجة عن مياه الأمطار، بحسب i3c-asso.
رابط المصدر: