امتعاض إيراني من الأوروبيين: أين ثمن عدم الرد على إسرائيل؟

لندن– لم تلق النداءات الغربية بامتناع طهران عن الرد على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” والذي يسود الاعتقاد بأن مسؤوليته تقع على إسرائيل، أية استجابة واعتبرتها وسائل الإعلام الإيرانية تكريسا لازدواج المعايير الذي تتعامل به القوى الكبرى مع إيران مع التأكيد على أن النداءات تلك لم تترافق مع تقديم أي امتياز ملموس إلى إيران للتراجع عن ضربتها المنتظرة.

وقد تناول عدد من الصحف الإيرانية استمرار الدعوات الأوروبية وغير الأوروبية لإيران بشأن الامتناع عن توجيه ضربة عسكرية ضد إسرائيل ومنها البيان المشترك الأوروبي بهدف حث إيران على عدم شن هجمات على إسرائيل، حيث اعتبر زعماء بريطانيا وفرنسا وألمانيا في البيان أن شن هجمات إيرانية على إسرائيل سيؤدي إلى التصعيد وتوسيع رقعة الحرب في المنطقة وسيعرض فرص التوصل إلى وقف إطلاق النار للخطر. وحول هذه الدعوات المتكررة لإيران إلى عدم مهاجمة إسرائيل، اعتبر حنيف غفاري في افتتاحية صحيفة “رسالت” بعنوان “لا جدوى من ضبط النفس” أن “غالبية الدول الأوروبية لم توجه انتقادا أو بيانا يدين إسرائيل بسبب اغتيال إسماعيل هنية بل أرسلت رسائل رسمية أو غير رسمية لإيران مطالبة فيها الجمهورية الإسلامية وجبهة المقاومة بضبط النفس بعد هذا العمل الإجرامي”.

وأضافت “رسالت”: “بدأ الأوروبيون والولايات المتحدة يطلبون من جبهة المقاومة ضبط النفس في الوقت الذي يقدمون فيه دعما عسكريا وأمنيا وسياسيا وإعلاميا لإسرائيل طوال الحرب ومهدوا بذلك الأرضية لإبادة الفلسطينيين الأبرياء… إن صناعة الرواية من قبل الإعلام الغربي على غرار (دويتشه فيله) و(فرانس برس) و(يورو نيوز) لافتة للانتباه حيث يصور الإعلام الغربي الحرب وكأن إسرائيل لا ترتكب أي عمل إرهابي… مصدر هذه الوقاحة الأوروبية التي لا نهاية لها هو السياسات الاستراتيجية للاتحاد الأوروبي حول دعم إسرائيل كما أن الجماعات الإسرائيلية المتنفذة في الدول الأوروبية والولايات المتحدة تلعب دورا مهماً في هذا الصدد”.

وتابعت “رسالت”: “من البديهي أن لا تكون أوروبا في الظروف الراهنة لاعبا محايدا أو وسيطا نزيها بل وتلعب الدول الأوروبية دورا في استمرار الإرهاب الإسرائيلي (وأحد نماذجه هو اغتيال رئيس المكتب السياسي لـ”حماس”). وبالتالي فإن المسؤولين الأوروبيين ليسوا في موقع يخولهم إعطاء النصائح وإطلاق الدعوات لحث إيران على عدم الانتقام الواسع من قبل جبهة المقاومة ضد إسرائيل. ويجب على الأوروبيين وخاصة كبار زعمائهم مثل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني أولاف شولتز أن يتحملوا تداعيات دعمهم للإبادة الجماعية التي تحصل في غزة”.

وتابعت “رسالت”: “نلاحظ بصمة الأجهزة الاستخباراتية وحتى العسكرية الأوروبية خاصة بريطانيا وألمانيا وفرنسا في غالبية عمليات اغتيال كبار قيادات جبهة المقاومة، وبالتالي فإن دعوة الأوروبيين لحث إيران على عدم الرد الحازم على اغتيال إسماعيل هنية غير مجدية وليست مهمة أساسا للجمهورية الإسلامية الإيرانية وبقية معسكر المقاومة على غرار (حماس) و(حزب الله) في لبنان، و(الحشد الشعبي) في العراق و(أنصار الله) في اليمن. آن الأوان أن تدفع أوروبا ثمن اصطفافها إلى جانب إسرائيل”.

 

“الأوروبيون والولايات المتحدة يطلبون من جبهة المقاومة ضبط النفس في الوقت الذي يقدمون فيه دعما عسكريا وأمنيا وسياسيا وإعلاميا لإسرائيل”

 

صحيفة “رسالت”

من جهة ثانية، أعرب حسن هاني زادة محلل شؤون العالم العربي في حوار مع “جام جم أونلاين” ونشر في 13أغسطس/آب، عن اعتقاده بأن “الغرب يتعامل بازدواجية مع قضية الإرهاب ويدعو إيران إلى ضبط النفس لأن العالم يخشى الرد الصاعق الإيراني ضد إسرائيل”. وأضاف: “إن صمت الدول الغربية إزاء الاغتيال المؤلم لإسماعيل هنية ومجزرة مدرسة التابعين في غزة من قبل إسرائيل يكرس هذه الازدواجية الأوروبية في قضية الإرهاب”. وتابع: “هذان الحدثان أظهرا أن المعايير العالمية أضحت ضحية المصالح السياسية وصفقات القوى الكبرى وأصبح قانون الغاب يحكمنا بدلا من القانون الدولي”.

 

أ ف ب أ ف ب

سيارات تسير على طول طريق أسفل جسر للمشاة مع لافتة كبيرة تصور الجنرال الإيراني قاسم سليماني وشخصيات من الجماعات المدعومة من إيران، طهران، 14 أغسطس 

وأردف هاني زادة أن إيران “كانت تتوقع من المجتمع الدولي إدانة اغتيال هنية باعتباره شخصية سياسية وكان يزور إيران بصفته ضيفا رسميا”. وقال: “إن تأخر الرد الانتقامي الإيراني على إسرائيل سببه عشرات الدعوات والاتصالات الهاتفية الأوروبية وحتى الإقليمية مع المسؤولين الإيرانيين بشأن ضرورة ضبط النفس”.

وحول دلالات البيان الأوروبي الداعي إلى امتناع إيران عن عدم مهاجمة إسرائيل رأى محمد قادري وهو من أعضاء هيئة التحرير في صحيفة “جام جم”، أن دلالات هذه الدعوة الأوروبية هي أولا جعل الإجرام الإسرائيلي ظاهرة اعتيادية وطبيعية ليس فقط في الأراضي المحتلة بل في مناطق أخرى أيضا من خلال الترويج بأن لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها وبالتالي لها الحق أن تفعل ما تراه مناسبا. ثانيا تقديم صورة جميلة عن الدول التي تدعم إسرائيل بشكل علني وغير علني والترويج لكذبة مفادها أن تل أبيب وحلفاءها مستعدون لوقف إطلاق النار وإنهاء الحرب غير أن “المقاومة” وخاصة “حماس” تمنع الوصول إلى الاتفاق. وثالثا: الرد الانتقامي الإيراني في الأراضي الإسرائيلية يؤدي إلى بدء حرب إقليمية كبرى ويحول دون أي اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة.

وقالت صحيفة “همشهري” أن “كثرة الاتصالات الهاتفية الغربية مع المسؤولين الإيرانيين خلال الأيام الأخيرة تشير إلى رسائل عدة أهمها: الأولى، أن إيران محور كل التطورات الإقليمية الأخيرة. تنوى إيران القيام برد قوي ضد تل أبيب بعد اغتيال إسماعيل هنية. إذا قامت إسرائيل بعمل عسكري ردا على الرد الإيراني القادم فإنها ستتورط في حرب ذات أضلاع متعددة وهو ما يثير قلق الغرب. الثانية، طهران في حالة انسجام داخلي حيث أن رئيس الجمهورية الجديد يدعم قيام إيران برد عسكري على إسرائيل. الثالثة، لم تتخل إيران عن النهج الدبلوماسي لأنها تريد استخدام الميدان والدبلوماسية معا لمعاقبة المعتدي”.

واعتبر جلال خوش جهره في مقال بموقع “دبلوماسي إيراني” (الدبلوماسية الإيرانية) بعنوان “الغرب والدعوة أحادية الجانب لطهران” في ١٤ أغسطس “إن مطالبة طهران بالامتناع عن الرد العسكري على إسرائيل بسبب اغتيال هنية جاءت في وقت لم تحصل إيران على أي شيء يشجعها على عدم الرد. تنتشر القطع العسكرية في كافة البحار في المنطقة بشكل قل نظيره وهذا يدل على أن القوى الكبرى تريد فرض سلطتها على طهران”.

 

“صمت الدول الغربية إزاء الاغتيال المؤلم لإسماعيل هنية ومجزرة مدرسة التابعين في غزة من قبل إسرائيل يكرس الازدواجية الأوروبية في قضية الإرهاب”

 

حسن هاني زادة

وأضاف: “طالب الغرب بشكل أحادي إيران بعدم الرد على إسرائيل ولكن الغربيين لم يقدموا أية امتيازات معقولة إزاء امتناع إيران عن الرد العسكري فحسب بل إن البيان الأوروبي الصادر يحمل رسائل تحذير وتهديد. هذا ونرى أن إسرائيل لم تكف عن عمليات الاغتيال والإجرام بعد اغتيال هنية، بل إنها توسع نطاق عدوانها ومغامراتها في غزة ولبنان وسوريا يوما بعد يوم. لذلك فإن رفض إيران للبيان الأوروبي حول ضبط النفس منطقي ومعقول. لماذا يجب على طهران الامتناع عن الرد العسكري على إسرائيل في حين أن تل أبيب لم تندم قط على جرائمها بل إنها تتجرأ أكثر يوما بعد يوم بسبب الدعم الذي تحصل عليه. إن إيران تملك حقا مشروعا في الرد على تل أبيب التي انتهكت سيادة إيران على أراضيها. وبالتالي إذا كان يتم مطالبة طهران بالامتناع عن الرد فما هو الامتياز الذي تحصل عليه طهران في المقابل؟ هذا سؤال يجب على العواصم الغربية الرد عليه”.

إلى ذلك، رأت صحيفة “وطن إمروز” في مقال بعنوان “الأضلاع الستة لاغتيال هنية” أن “الدول الموقعة على البيان الذي يدعو إيران إلى الامتناع عن الرد العسكري وهي الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا إضافة إلى إسرائيل تشكل الأضلاع الستة للاغتيال والعنف وأنهم يعملون ككيان واحد. السؤال هو لماذا لم يصدر أي بيان جماعي بإدانة اغتيال إسرائيل لإسماعيل هنية؟ هذا يدل على الدعم الكامل الأوروبي والأميركي لإرهاب إسرائيل القاتلة للأطفال. هذا البيان بمثابة الإعلان رسميا عن أن الموقعين عليه شركاء في اغتيال الدكتور هنية وهذا أمر ستأخذه الجمهورية الإسلامية وسائر أطراف جبهة المقاومة بعين الاعتبار في تنظيم استراتيجياتها الإقليمية القادمة”.

ويختم المقال: “يشير البيان الأوروبي الأميركي الأخير إلى أنهم أصبحوا جزءا لا يتجزأ من الاستراتيجيات الإسرائيلية كما يشير إلى الهوة العميقة بين الشعوب والزعماء في أميركا وأوروبا وهذه الهوة لا يمكن ردمها أبدا”.

 

المصدر : https://www.majalla.com/node/321886/%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9/%D8%A7%D9%85%D8%AA%D8%B9%D8%A7%D8%B6-%D8%A5%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D9%86%D9%8A-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D8%B1%D9%88%D8%A8%D9%8A%D9%8A%D9%86-%D8%A3%D9%8A%D9%86-%D8%AB%D9%85%D9%86-%D8%B9%D8%AF%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%AF-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84%D8%9F

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M