عبد الامير رويح
ملف التواجد العسكري الامريكي في العراق، ما يزال وبحسب بعض المصادر من اهم واخطر الملفات، خصوصا مع تفاقم الخلافات والازمات السياسية والاقتصادية العالمية و تصاعد حدة التوتر بين الولايات المتحدة وايران التي ازدادت بشكل كبير بعد تولي الرئيس الامريكي دونالد ترامب مقاليد الحكم وما اعقبها من تطورات كان اخرها العملية العسكرية التي استهدفت قائد فيلق القدس قاسم سليمانى ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي بالقرب من مطار بغداد والرد الصاروخي الايراني واستهداف القوات الامريكية.
تلك الاحداث المتصاعدة وبحسب بعض المراقبين اثرت سلباً على امن وسيادة العراق، واسهم بتفاقم الخلافات الداخلية ودفع مجلس النواب العراقي، الى التصويت لصالح قرار يلزم الحكومة بالعمل على إخراج القوات الأجنبية من البلاد والمطالبة بقطع العلاقات مع الولايات المتحدة وإلغاء الاتفاق الأمني معها. وقد شهدت الفترة الاخيرة تصعيد خطير في العمليات العسكرية داخل الاراضي العراقية بعد استهداف قواعد ومعسكرات الولايات المتحدة، التي ردت هي الاخرى بغارات جوية ضد اهداف ومقار الحشد الشعبي.
وهو ما اثار قلق ومخاوف العديد من الاطراف التي تخشى من حدوث حرب جديدة داخل العراق، الذي يعد مركز مهم للولايات المتحدة الأمريكية التي تتمسك بسياسة نشر قواتها العسكرية في البلدان التي تخدم مصالحها الخاصة، يضاف الى ذلك ان تواجدها العسكري سيسهم بالحد من النفوذ الايراني في المنطقة، ومنذ عام 2014 وكما نقلت بعض المصادر يتواجد في العراق اكثر من 5200 عسكري أمريكي في الأراضي العراقية، ضمن 9 آلاف عسكري يتبعون لقوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، في قواعد عسكرية وسط وشمال وغرب العراق، بالإضافة لتواجدها في خمسة قواعد عسكرية في كردستان العراق التي وقعت بروتوكولا للتعاون العسكري بين الجانبين، وقعه وزير داخلية الإقليم وكالة كريم سنجاري مع مساعدة وزير الدفاع الأمريكي اليسا سلوتيكن في12،يوليو/تموز عام2016، بحضور رئيس إقليم كردستان مسعود البارزاني، والذي تم خارج إطار الدولة العراقية.
هجمات مستمرة
وفي هذا الشأن استهدف 33 صاروخ كاتيوشا مجدداً قاعدة التاجي العسكرية العراقية شمال بغداد، والتي قتل فيها جنديان أميركيان وأخرى بريطانية بهجوم مماثل في وقت سابق، بحسب ما أكدت مصادر أمنية عراقية وأميركية. وقال الجيش العراقي في بيان أن معسكر التاجي تعرض إلى “عدوان سافر” مع سقوط 33 صاروخاً من نوع كاتيوشا “على وحدات الدفاع الجوي العراقي وقرب بعثة التحالف الدولي”. وأضاف البيان أن القوات الأمنية عثرت على سبع منصات أطلقت منها الصواريخ في منطقة أبو عظام قرب التاجي شمال بغداد، ووجدت فيها 24 صاروخاً جاهزة للإطلاق. والهجوم هو الثالث والعشرون منذ نهاية تشرين الأول/أكتوبر ضدّ مصالح أميركية في العراق، ويأتي بعد مقتل ستة عراقيين، بينهم خمسة من عناصر الشرطة، في غارات أميركية رداً على هجوم سابق. ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن الهجوم الصاروخي على القاعدة العسكرية. وقال التحالف في تغريدة على تويتر إن الهجوم أسفر عن إصابة “ثلاثة من قوات التحالف وثلاثة من القوات العراقية”. وأكد الجيش العراقي إصابة جنديين من قوات الدفاع الجوي العراقي على الأقل بجروح.
وتؤكد القوات العراقية، التي تستند إلى دعم التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن في محاربة فلول الجهاديين على أراضيها، أنها لم تتمكن أبداً من كشف هوية المهاجمين، رغم إعلانها في كل مرة عن ضبط منصة الصواريخ. لكن قيادة عمليات بغداد أكدت في بيان أنها ألقت القبض على جميع منتسبي نقطة التفتيش القريبة من مكان إطلاق الصواريخ في إطار التحقيقات.
ورحبت كتائب حزب الله للمرة الأولى من دون تبن، بإطلاق 18 صاروخاً على قاعدة التاجي ما أسفر عن مقتل جنديين أميركيين ومجندة بريطانية، منددة بـ”قوات الاحتلال الأميركي”. ومن النادر جداً أن تشنّ هجمات صاروخية مماثلة على قواعد عسكرية في وضح النهار. وأكد مصدر عسكري أميركي إن السماء الملبدة بالغيوم منعت طائرات الاستطلاع الأميركية من التحليق.
وسبق لهجمات مماثلة استهدفت جنوداً ودبلوماسيين أميركيين أو منشآت أميركية في العراق أن أسفرت عن مقتل متعاقد أميركي وجندي عراقي. وبعد يومين من مقتل أميركي في استهداف قاعدة عسكرية عراقية في كركوك بثلاثين صاروخاً في نهاية 2019، نفّذت القوات الأميركية غارات على خمس قواعد، في العراق وسوريا، تتبع لكتائب حزب الله. وتعتبر قاعدة التاجي حالياً مركزاً رئيسياً لإيواء القوات الأميركية وقوات التحالف بعد سحبهم من القواعد الأخرى في أعقاب التوتر الإيراني الأميركي، وعمليات الثأر لاغتيال الجنرال الإيراني النافذ قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس في ضربة أميركية في بغداد. بحسب فرانس برس.
وتواصل القوات العراقية تنفيذ عمليات مع قوات التحالف ضد الجهاديين، لكن البرلمان العراقي صوت أخيراً على انسحاب 5200 جندي أميركي من البلاد ولا يزال هذا الإجراء يتطلب أن تنفذه الحكومة. غير أنّ العراق يواجه مأزقاً سياسياً منذ عدّة أشهر. ولم يتم بعد استبدال الحكومة التي استقالت في كانون الأول/ديسمبر، بسبب انعدام التوافق في البرلمان الذي يعدّ الأكثر تشتتاً في تاريخ العراق الحديث. ويجد السياسيون الآن صعوبة أيضاً في الاجتماع تخوفاً من انتشار فيروس كورونا المستجد.
رد امريكي
من جانب اخر أعرب الجيش الأميركي عن ارتياحه إزاء “نجاح” الغارات الليلية التي نفذتها قواته ضد اهداف مختلفة، وأعلن في الوقت نفسه إبقاء حاملتي طائرات في المنطقة للرد على التهديد الذي مصدره إيران والذي لا يزال مصنّفاً “مرتفع للغاية”. وقال قائد القيادة المركزية الأميركية التي تغطي منطقتي الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، “نعتبر أنه نجاح على كل الصعد وإننا راضون جداً عن حجم الاضرار التي خلفتها” الغارات.
واستهدف الجيش الأميركي خمسة مواقع قرب بغداد تابعة لكتائب حزب الله العراقية، وذلك في سياق الرد على مقتل عسكريين أميركيين اثنين في هجوم بالصواريخ استهدف قاعدة للتحالف الدولي في العراق. واستهدفت الغارات الجوية بوجه خاص مخازن أسلحة ومعدّات، ونفذتها مقاتلات مجهزة بقنابل اختير عيارها “بدقة” من أجل إلحاق الحد الأدنى من الأضرار الجانبية، وفق الجنرال كينيث ماكنزي خلال إحاطة إعلامية قدّمها في البنتاغون. وأضاف “لا أرقام لدي حتى الآن (…) ولكننا نعتقد أنّ الأضرار الجانبية ستكون محدودة جداً”.
وأعلن الجيش العراقي، في بيان صدر عن قيادة العمليات المشتركة، أنّ ثلاثة عسكريين وشرطيين استشهدوا في محافظة بابل، إضافة إلى استشهاد مدني يعمل في مطار كربلاء قيد الإنشاء. وتحمّل الولايات المتحدة إيران المسؤولية عن أعمال الفصائل التي تسلحها، وفق ما قال الجنرال ماكينزي. وأعلن “نعتبر أنّه خلف كتائب حزب الله تقف الدولة الإيرانية والدولة الإيرانية مدركة تماماً لواقع أننا نحمّلهم مسؤولية ما تقوم به كتائب حزب الله”.
وتابع “أكرر أنّ هذه الضربات الدفاعية هدفت إلى تدمير أسلحة تقليدية متطورة قدمتها إيران، والولايات المتحدة تصرفت من باب الدفاع عن النفس رداً على هجوم مباشر ومتعمد على قاعدة عراقية تضم قوات التحالف”. وأكد أنّ “تهديد” النظام الايراني “يبقى كبيراً جداً”، وقال “لا أعتقد أنّ التوتر خفّ” منذ مقتل الجنرال الايراني قاسم سليماني بداية كانون الثاني/يناير بضربة أميركية قرب مطار بغداد.
ولفت قائد القيادة المركزية الأميركية إلى أنّه طلب إذن وزير الدفاع مارك اسبر من أجل ابقاء حاملتي طائرات في المنطقة للمرة الاولى منذ 2012، موضحاً أنّه حصل على ذلك. ورأى أنّه بوجود حاملتي الطائرات “يو إس إس دوايت ايزنهاور” و”يو إس إس هاري ترومان”، “فإننا نتمتع بالمرونة والقدرة والإرادة على التصدي لأي تهديد”. وأشار إلى أنّه في ظل ابقائهما في المنطقة تنتفي الحاجة إلى “اللجوء لقواعد” كما مشاكل “التحليق” في مجالات جوية سيادية. وقال إنّ الحاملة “قطعة عائمة تخضع للسيادة الأميركية”. بحسب فرانس برس.
وازداد عديد القوات الأميركية في المنطقة بأكثر من 10 آلاف عسكري منذ مقتل الجنرال الإيراني سليماني. واعتبر ماكينزي أنّ مقتل هذه الشخصية العسكرية النافذة التي كانت مسؤولة عن عمليات إيران الخارجية، وكانت بحكم الأمر الواقع تدير مجموعات شبه عسكرية في عموم المنطقة، “أثّر على النظام الإيراني ولكن من دون تغيير إستراتيجيته”. وقال إنّ “تطلعات إيران لطرد الولايات المتحدة من المنطقة (…) لم تتلاش”، مضيفاً أنّ “ما هو مختلف الآن، أنّ سليماني لم يعد هنا وأنّهم يفتقدونه”. واعتبر أنّ “قدرتهم على ممارسة قيادة فعلية (على هذه المجموعات الموالية لإيران) تأثرت”، ولكنّ “نواياهم لا تزال ماثلة، فلم يعودوا جيدين بالقدر الذي كانوا عليه حين كان حياً”.
ادانة واستنكار
على صعيد متصل أدان العراق الضربات الجوية الأمريكية التي نُفذت في أراضيه وقال إنها أسفرت عن استشهاد ستة أشخاص محذرا من عواقب وخيمة لما قال إنه انتهاك للسيادة واعتداء على المؤسسة العسكرية العراقية. وقال الرئيس العراقي برهم صالح إن تكرار مثل هذه الانتهاكات يمكن أن يصل بالعراق إلى دولة فاشلة وأن يعود تنظيم داعش من جديد. وأعلنت وزارة الخارجية العراقية اعتزامها الشكوى إلى الأمم المتحدة.
ودافعت الولايات المتحدة عن الضربات الجوية قائلة إن جميع المواقع الخمسة التي استهدفتها الضربات كانت أهدافا مشروعة وكانت بها أسلحة مقدمة من إيران استخدمتها جماعة كتائب حزب الله في مهاجمة قوات التحالف التي تقودها واشنطن. وقال الجنرال كينيث ماكينزي قائد القيادة المركزية الأمريكية ”هذه المواقع التي ضربناها هي مواقع واضحة للقواعد الإرهابية“. وقال في إفادة صحفية بوزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) ”إذا كان عراقيون هناك وإذا كانت قوات من الجيش العراقي هناك فإنني أقول إنه ربما لم تكن فكرة طيبة أن تضعوا أنفسكم (أيها العراقيون) مع كتائب حزب الله في أعقاب ضربة (وجهتها كتائب حزب الله) قتلت أفرادا في التحالف بينهم أمريكيان“.
وحذر الجيش من أن الضربات الجوية ستكون لها عواقب بينما قالت وزارة الخارجية العراقية إنها استدعت سفيري الولايات المتحدة وبريطانيا. وتجسد العداء القديم بين الولايات المتحدة وإيران بالقدر الأكبر على أرض العراق في الشهور الأخيرة مما أثار توترات عميقة الجذور بين عناصر في المجتمع العراقي تعارض وجود الجيش الأمريكي وعناصر أخرى ترى أن الدعم الذي يقدمه التحالف بقيادة الولايات المتحدة ضروري لمنع عودة تنظيم داعش.
وقال ماكينزي إن من الواضح أن الخسائر البشرية للضربات الجوية الأمريكية محدودة. وقالت قيادة العمليات المشتركة العراقية في بيان إن ثلاثة جنود وشرطيين ومدنيا قتلوا وفقا لإحصاء مبدئي وإن أربعة جنود وشرطيين ومدنيا وخمسة مسلحين أصيبوا. وجاء في البيان ”التذرع بأن هذا الهجوم جاء كرد على العمل العدواني الذي استهدف معسكر التاجي هو ذريعة واهية وتقود إلى التصعيد ولا تقدم حلا“.
وقالت إدارة العتبة الحسينية المقدسة إن المدنيين الذين قتلوا وجرحوا كانوا عمال بناء في موقع بناء مطار بمدينة كربلاء الشيعية المقدسة. واعترف ماكينزي بأن بناء أصيب بالقرب من مطار كربلاء لكنه قال إنه يستخدم في تخزين الأسلحة ”التي كانت هدفا واضحا“. بحسب رويترز.
لكن الجيش العراقي قال إن الهجوم الجوي الأمريكي الجديد خالف ”أي شراكة“ في إطار التحالف. وأضاف ”ستكون له عواقب ترتد على الجميع بأشد المخاطر إن لم يتم السيطرة عليها“. وقالت وزارة الخارجية الإيرانية إن المسؤولية عن الهجمات تتحملها القوات الأمريكية والقوات المتحالفة معها في العراق بسبب ”وجودها وسلوكها“. ويقول كثير من العراقيين إنهم المتضررون من التوترات الأمريكية الإيرانية ودعا البعض ومن بينهم رئيس حكومة تصريف الأعمال عادل عبد المهدي إلى انسحاب القوات الأمريكية. وعانى العراق من عقود من الحرب والعقوبات والصراع الطائفي، بما في ذلك الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003.
رابط المصدر: