مسلم عباس
تحدثت في المقال السابق عن دور الزعماء الكاريزميين في تفوق القوائم التي حجزت المراكز الاولى في الانتخابات المبكرة الاخيرة، وكيف استطاع هؤلاء الزعماء خلق مزيج من النضال الديني والايدلوجي والقومي، لتعبئة الجماهير وجعلها مطيعة للزعيم الاوحد الذي لا يتزحزح عن مكانه ولا يتخلخل الا بالموت.
وقلنا في مقالنا انه لو ارادت الاحزاب الخاسرة تحقيق الفوز في الوضع الراهن ووفق القواعد الحالية فعليها اتباع نفس اساليب القوائم الانتخابية التي صنعت زعامات كاريزمية تتمحور حولها القائمة الانتخابية ومعها الحزب السياسي.
الجانب الذي لم نذكره هو ان اصل قواعد العمل السياسي القائم على صناعة الرموز السياسية والدينية لا يخلق نظاما ديمقراطيا متماسما، فالعمل السياسي في هذه الحالة يطوف حول الزعيم السياسي ويهدم اسس الديمقراطية.
الزعيم يقرر اتجاهات الفعل السياسي، ويحركها حيث يشاء، لا مجال للنقاشات داخل الحزب الا بشكلها البروتوكولي، مجرد مجاملات وتزلف للزعيم الذي سوف يقرر ما يريد ويفرضه على الجميع.
ومن يعتقد ان الزعيم مخطئ ويخالف المنهاج العام للحزب، يتعرض لنكسة كبيرة في حياته، اما يطرد رسميا كما حدث مع العديد من اعضاء احزاب الزعامات في العراق، او ينسحب العضو الناقد من الحزب لان حزبه يتيح حرية الرأي والتعبير.
احزاب غير ديمقراطية
هذا هو نظام الاحزاب الكبيرة لدينا، والاحزاب التي تنجح ايضا، فلم يسجل تاريخنا المعاصر نجاحا لأي حزب يعتمد النظام الديمقراطي في اختيار قياداته.
بينما كانت الغالبية العظمى من الاحزاب العراقية الناجحة قائمة على زعيم كاريزمي يقترب من حدود التقديس لدى مريديه واعضاء حزبه.
ولم يكن الامر جديدا، ففي العهد الملكي كانت الاحزاب عبارة عن زعيم سياسي لديه مجموعة معجبين ومريدين ونفعيين يلتفون حول الزعيم ليشكلوا جماعة يطلقون عليها رسميا “حزب سياسي”.
وفي العهد الجمهوري اختفت الاحزاب تماما وانصهرت في الحزب الاوحد متمثلا بحزب البعث، وهذا الحزب نفسه انصهر في شخص زعيمه الاوحد صدام حسين، لا نقاش ولا اعتراض لاي عضو من اعضاء الحزب على قرارات زعيمه صدام.
حتى المُنَظّر الابرز ومؤسس الحزب ميشيل عفلق اختفى تحت ظل صدام.
صحيح ان صدام اسهم في استمرارية حزب البعث لمدة طويلة، الا ان ربط الحزب بشخص واحد جعله ينتهي بنهاية زعيمه، اذا ما عرفنا ان الزعيم مهما كان حكيما ومقتدرا سياسيا، لكنه بالنهاية بشر يخطيء ويصيب، وبعض اخطائه تتحول الى كوارث.
حصان طروادة
الاحزاب القائمة على الزعامات الكاريزمية لا تؤمن بالديمقراطية، ولا تمارسها في حياتها العملية، بدلالة غياب الانتخابات في تسنم المناصب القيادية العليا، ولا سيما منصب الامين العام او القائد الاعلى للحزب.
اما بالنسبة للانتخابات العامة للحصول على مقاعد في مجلس النواب، فانها تاتي في سياق لعبة السياسة الواقعية، فلا بأس في اشراك الشعب ما دامت الانتخابات هي الطريق الذي يعطي شرعية شكلية لوجود الحزب.
الا ان الاحزاب القائمة على الزعامة الكاريزمية لن تنتج ديمقراطية قوية، بل تحاول دائما تقييدها، وممارساتها تكشف البون الشاسع بينها وبين الديمقراطية، اذ انها تحارب الحريات الاساسية بعدة طرق، منها عرقلة تنفيذ مواد الدستور والقوانين النافذة، او عن طريق تشريع قوانين جديدة تقيد الحريات.
ولا ننسى اساليب الاحزاب الكبيرة في التعاطي مع من ينتقدهم، اذ يرجمونه بمختلف التهم السيئة، وربما يصل بهم الرد الى الخطف والتهديد بالقتل، وحتى القيام بفعل القتل.
الديمقراطية ممارسة فردية واجتماعية وسياسية، ان فقدت في احدى حلقات هذه السلسلة (الفردية، والاجتماعية، والسياسية) لا تنتجها احزاب قائمة على ديكتاتورية فردية اسمها الزعامة الكاريزمية.
مطلب جديد
مع استفحال ظاهرة الاحزاب الديكتاتورية (احزاب الزعامات الكاريزمية) لا بد من توجيه الانظار نحو مخاطر هذه الاحزاب لكونها تستخدم الديمقراطية كوسيلة لتحقيق مطامع زعيم الحزب الديكتاتورية.
والطريقة المثلى للحفاظ على الديمقراطية في العراق، وتطويرها لتكون ممارسة راسخة هي رفع شعار “احزاب ديمقراطية لدولة ديمقراطية”، اما ان تكون “الاحزاب ديكتاتورية لدولة ديمقراطية” هنا تتحول الديمقراطية الى حصان طروادة لوصول الديكتاتوريين ومن يمثلهم الى رأس هرم السلطة.
لا بد من الاسراع في تحويل الاحزاب الى مؤسسات ديمقراطية ممثلة للشعب، حتى تكون مدافعة عن الديمقراطية لا مخربة لها.
.
رابط المصدر: