في العاشر من نوفمبر/تشرين الثاني 2021، نفَّذت تشكيلات مسلحة من القوات المشتركة (يمنية)، المدعومة من التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، انسحابًا مفاجئًا من مناطق انتشارها في الساحل الغربي (التِّهامي) بالبلاد؛ حيث تقهقرت بعمق يتجاوز 100 كلم، لتتمركز، بعد ذلك، في مديريتي الخوخة والمخاء جنوبًا، ثم على إثر ذلك قامت جماعة أنصار الله (الحوثيين) بالسيطرة على هذه المناطق، محاولةً التوسع جنوبًا. وبعد بضعة أيام، نفَّذت القوات المنسحبة عملية تعرُّضية في خطوط تقدم جديدة، بعيدًا عن الشريط الساحلي، محققةً تقدمًا ملحوظًا في جبهات مختلفة من محافظتي تَعِز والحُديِّدة.
تناقش هذه الورقة عملية الانسحاب هذه، بادئةً ذلك بتسليط الضوء على التشكيلات المسلحة التي نفَّذت الانسحاب، وإبراز مناطق تموضع وانتشار القوات، قبل وبعد الانسحاب، ثم تحديد الأبعاد والتداعيات العسكرية والسياسية التي خلَّفها الانسحاب، داخليًّا وخارجيًّا.
أولًا: التشكيلات المسلحة التي نفَّذت الانسحاب
حتى عشيَّة الانسحاب، كانت المنطقة الساحلية الواقعة بين مدينة (ميناء) الحديدة، ومضيق باب المندب، تخضع لتشكيلات مسلحة ذات ولاءات مختلفة، إلا أن الجامع لها عداؤها لجماعة الحوثي (أنصار الله)، وخضوعها العام لقيادة “التحالف العربي لدعم الشرعية اليمنية”، أما القيادة الميدانية التي تجمعها تحت اسم القوات المشتركة، التي أُعلن عن تشكيلها، في 9 يوليو/تموز 2019، فتواجه تحديات عديدة في طبيعة القيادة والسيطرة الكليَّة والجزئية على هذه التشكيلات.
تنتظم هذه التشكيلات في ثلاثة كيانات مستقلة عن بعضها، وهي: ألوية العمالقة، وألوية المقاومة التهامية، وقوات المقاومة الوطنية (حراس الجمهورية)(1). ويقود غرفة عمليات هذه القوات ضباط إماراتيون وسعوديون(2)، فيما أُسندت القيادة الشكلية لعملياتها، إلى اللواء هيثم قاسم طاهر، الذي يقود، كذلك، اللواء الأول مشاة (اللواء 21)(3)، ويُعدُّ قائد ألوية العمالقة، عبد الرحمن صالح المُحرَّمي (أبو زُرْعة)(4)، وقائد المقاومة الوطنية (حراس الجمهورية)، العميد طارق محمد عبد الله صالح، وقائد اللواء الثاني عمالقة (السابع مشاة)، العميد حمدي شكري؛ أبرز أعضاء قيادة عمليات القوات المشتركة في الساحل الغربي(5).
نفَّذ الانسحاب قائد عمليات القوات المشتركة، قائد اللواء الأول مشاة (21)، اللواء هيثم قاسم طاهر، وقائد اللواء الخامس عمالقة، العميد أبو هارون اليافعي (رشيد سالم العامري السَّعدي)، وقائد اللواء السادس عمالقة، العميد حمدي شكري(6). فيما رفض أوامر الانسحاب ضباط وجنود من مقاتلي المقاومة التهامية والزرانيق، الذين ينتمون إلى مناطق الساحل الغربي (التِّهامي)، ونتيجةً لاشتداد المواجهات مع مقاتلي جماعة الحوثي، وقع بعض منهم في الأسر وقُتل آخرون(7).
ثانيًا: خريطة انتشار وتموضع القوات بعد عملية الانسحاب
كانت القوات المنسحبة تتمركز في الأطراف الجنوبية لمدينة (ميناء) الحديدة، وفي مديرية الدُّرَيهمي المتاخمة لها، ومدينة الصالح، ومنطقة كيلو 16، التي تُعد المدخل الشرقي والرئيس لمدينة الحديدة(8)، ومديرية التُّحَيتا، ومناطق الفازة، والجبلية، والطُّور، والجاح(9). وقد تمركزت القوات المنسحبة في مديرية الخوخة، أما اللواء الأول عمالقة، الذي يقوده العميد رائد الحَبَهي، فقد استقر في منطقة بئر أحمد، بعدن.
بعد خمسة أيام من الانسحاب، أطلق التحالف العربي عملية عسكرية وُصِفت بأنها عملية تعرُّضية، وهي، في الواقع، عملية هجومية، تجري بالهجوم المباشر، أو بالهجمات المعاكسة، أو بالدوريات النشطة في عمق العدو، وتشمل كافة الإجراءات الكفيلة لتحقيق عُنصري المبادرة، وحرية الحركة، ولما من شأنه تدمير العدو، وتحقيق النصر عليه(10). وقد مثَّلت مناطق من مديرية مَقْبَنة غربي محافظة تعز، وجبل راس جنوب شرقي الحديدة، مسرحًا للعملية التي نفذتها وحدات من القوات المشتركة المنسحبة وغيرها، فيما أخذت وحدات فرعية من هذه القوات في تأمين خطوط الدفاع الجديدة جنوبي الحديَّدة، خصوصًا في الخوخة، والتُّحيتا، وميناء الحَيْمة الإقليمي.
ثالثًا: الأبعاد العسكرية والسياسية للانسحاب
كشف الانسحاب عن أبعاد عسكرية وأخرى سياسية، يمكن إبرازها فيما يلي:
أ- الأبعاد العسكرية
أشار بيان القوات المشتركة، الصادر في 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، إلى أنَّ قيادة هذه القوات، ارتأت أنَّ وضع القوات الحكومية الأخرى، التي تخوض معارك عنيفة في مواجهة جماعة الحوثي، في مأرب، والجوف، وشبوة، تواجه تحديات كثيرة، وأنه يتطلب فتح جبهات جديدة، لإضعاف موقف مقاتلي جماعة الحوثي؛ إذ مِن الخطأ أن تظل القوات المشتركة، في وضعية دفاع منسيَّة، عند أبواب مدينة (ميناء) الحُديِّدة، وحرمانها من اقتحامها والسيطرة عليها، رضوخًا لأحكام اتفاق ستوكهولم لعام 2018 (11).
ووفقًا لما أعلنه المتحدث باسم “تحالف دعم الشرعية اليمنية”، العميد تركي المالكي، بعد خمسة أيام من انسحاب القوات المشتركة، فإن ذلك مثَّل إعادة تموضعٍ لها، في منطقة عملياتها، ضمن خطط عسكرية مدروسة، أقرَّتها قيادة القوات المشتركة للتحالف العربي، وأنَّ العملية تحقِّق المواءمة مع الاستراتيجية العسكرية القائمة، والخطط المستقبلية لقوات التحالف، وبما يُكسِب القوات فاعلية ومرونة عملياتية أكثر، وضمانًا لسلامتها، وتحركاتها، في منطقة العمليات(12).
بناءً على ذلك، فإنَّ ما قامت به القوات المشتركة من انسحاب، يمْكِن وصفه بـ “إعادة انتشار”، وفقًا للأدبيات العسكرية، وقد جاء مراعاةً للتحديات الميدانية، والمعطيات التكتيكية، وإلى حدٍّ ما المعطيات الاستراتيجية، التي فرضها تراجع أداء قوات الحكومة المعترف بها دوليًّا، أمام قوات جماعة الحوثي، في جبهات كل من مأرب، وشَبوة، والجوف، خلال النصف الثاني من العام الحالي 2021؛ حيث سيطرت جماعة الحوثي على مديريات العَبدية، وحَرِيب، وأجزاء من الجُوبة بمحافظة مأرب، ومديريَّات عَيْن، وعُسَيلان، وبَيحان، بمحافظة شبوة.
جاءت عملية الانسحاب في ظرفٍ كانت فيه قيادة السُّلطة المحلية بمحافظة شَبْوة، تُصرُّ على إخراج القوات الإماراتية من منشأة بَلْحاف الغازيَّة، وفقًا للوعود التي قطعتها الوساطة السعودية أثناء اشتداد الأزمة، بين الطرفين، نهاية أغسطس/آب 2021. ولعل مناسبة ذلك، أنَّ الإمارات ربما أرادت، ضمن مجموعة حسابات، الدفع بجزءٍ من القوات الموالية لها المرابطة في السَّاحل الغربي، إلى محافظة شَبوة، دعمًا لحلفائها المناوئين لمحافظ المحافظة، محمد بن عِديو؛ حيث عمِلت، قبل وبعد الوساطة السعودية، على تصعيد العديد من المناوئين لهذا المحافظ، ومن ذلك الشيخ القَبَلي، عوض محمد بن الوزير(13).
إلى جانب ذلك، هناك من يُشير إلى قيام الإمارات بدعم جماعة الحوثي، على نحوٍ غير مباشر، لتمكينها من السيطرة على ثلاث مديريات من محافظة شبوة، وهي: مديريتا عُسيلان، وعَيْن، اللتان تقعان على الحدود مع محافظة مأرب؛ ومديرية بَيْحان الواقعة على الحدود مع محافظة البيضاء، وذلك عبر الإيعاز إلى عدد من القادة العسكريين، كان من أبرزهم قائد اللواء 19 مشاة، العميد علي صالح الكليبي، بسحب قواته من مديرية بيحان، وتحميل الحكومة مسؤولية ما حدث، بزعم تخليها عن التزاماتها تجاه قواته، فضلًا عن توجيه اتهامه إلى قيادة الجيش في الحكومة المعترف بها دوليًّا، بأنها تدير الجيش بإرادة حزبية، واصفًا حزب التجمع اليمني للإصلاح، بأنه يمثِّل حجر عثرة أمام أية محاولة لتوحيد جهود مواجهة جماعة الحوثي، حسبما تحدَّث به لموقع إخباري إماراتي(14) .
ب- الأبعاد السياسية
تردَّد على نطاق واسع، أنَّ وراء عملية الانسحاب سيناريو خطيرًا، تقفُ وراءه تفاهماتٌ إماراتيةٌ وإيرانيةٌ، وأنه يقضي بأن تكون المناطق التي انسحبت منها القوات المشتركة في السَّاحل، مناطق نفوذ بحريَّة لجماعة الحوثي الموالية لإيران، فيما يظل الشريط السَّاحلي الممتد من الخوخة إلى مضيق باب المندَب، تحت سيطرة القوات المشتركة، التي تَدين بالولاء للإمارات، مع ما يترتب على ذلك من اقتضام مناطقَ داخليةٍ من محافظتي تَعز والحديَّدة، لتُضافَ إلى جانب هذا الشريط، فتصبح معه محافظة تعز منطقة حبيسة (معزولة عن البحر)، وتصبح المنطقة الممتدة من الخوخة إلى باب المندب، وحدة سياسية محليَّة ضمن أقرانها في البلاد، أو على نحو الوضع السياسي لإقليم صومالي لاند (أرض الصومال)، أو إقليم بونت لاند (أرض البونط). وكل هذا تدعمه عوامل ومؤشرات حاضرة، مثل: فرض الإطلالة البحرية بالأمر الواقع، ووجود ميناء المخاء، والهيمنة على مضيق باب المندب وجزيرة ميُون (بريم) الواقعة في قلب المضيق، والقرب من المصالح الاستراتيجية للقوى الدولية والإقليمية الراعية لوضع كهذا، حاليًّا أو مستقبلًا، وأخيرًا التغيير الديموغرافي الحاصل في هذا الشريط، الذي من أبرز مظاهره افتتاح مدينة سكنيَّة في المخاء، خُصِّصت لضباط وجنود القوات المنتشرة في هذه المنطقة.
هذا السيناريو يمكن أن نتقبله، ولكن بتحفظ شديد، وذلك بالنظر إلى التقارب الإماراتي-السوري، الذي جسَّدته الزيارة التي قام بها وزير الخارجية والتعاون الدولي الإماراتي، عبد الله بن زايد آل نهيان، إلى سوريا، في 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، بعد قطيعةٍ سياسيةٍ دامت أكثرَ من 10 أعوام، والتي جاءت قُبَيل يومٍ واحدٍ من انسحاب القوات المشتركة من الحُديِّدة، وكذلك إلى الزيارة التي سيقوم بها إلى إيران، في السادس من هذا الشهر (ديسمبر/ كانون الأول 2021)، مستشار الأمن الوطني الإماراتي، طحنون بن زايد آل نهيان. ويُمكنُ أنْ نُشيرَ، هنا، إلى ما ورد على لسان العضو في المكتب السياسي لجماعة الحوثي، محمد البخيتي، في لقاء متلفز، بأنَّ الانسحاب جرى بعِلم سابقٍ من قِبلِ جماعته، مُبديًا موافقته على من يقول: إنَّ ما حدث، يُعدُّ، في جانب منه، تشجيعًا لجماعته، للانخراط في عملية السَّلام، سيَّما أنها تُطالب، للقبول بذلك، البدء بفتح ميناء الحديِّدة أمام كافة المناشط الملاحية التجارية(15). ومع ذلك، فإنَّ ما ذهب إليه، قد يكون من قَبِيل الشائعات الموجهة نحو خصوم جماعته.
ثمة من يُشير إلى أنَّ الإمارات، إضافة إلى دافعها السابق، أرادت توجيه ضربة تحذيرية لقائد المقاومة الوطنية (حراس الجمهورية)، العميد طارق محمد عبد الله صالح، الذي تدعم الإمارات قواته بكلِّ أشكال الدعم؛ لأنه حادَ عن مساره الذي رسمته له؛ حيث شرع، خلال الأشهر الثلاث التي سبقت الانسحاب، في فتح قنوات اتصال مع قيادة القوات الحكومية بمحافظة تعز؛ في مَسعى منه، لتوحيد جهود المواجهة المسلحة أمام جماعة الحوثي، وهو ما لم تكن الإمارات راضية عنه؛ لأنها تُصنِّف قوات محور تعز بأنها قواتٌ تابعة لحزب التجمع اليمني للإصلاح (الإخوان المسلمين)(16) .
قد يكون هذا المذهب مقبولًا إذا ما طال بقاء طارق محمد عبد الله صالح في العاصمة المصرية، القاهرة؛ التي وصل إليها أواخر الشهر الماضي. ولعلَّ ما يزيد الثقة في هذا الأمر، أنَّ القوات الأساسية للمقاومة الوطنية (حراس الجمهورية) التي يقودها طارق محمد عبد الله صالح، لم تَكُن ضمن القوات المنسحبة من الساحل؛ لأنها، أساسًا، ليست متمركزة في تلك المناطق؛ إذ قامت، في أكتوبر/تشرين الأول 2021، بإعادة تموضع وحداتها، وتبادل مواقعها مع قوات اللواء هيثم قاسم طاهر، لتستقر في مديرية الوازعية، جنوب غربي تعز(17).
رابعًا: التداعيات الداخلية والخارجية للانسحاب
تتجلى أبرز تداعيات الانسحاب، فيما يلي:
أ- التداعيات الداخلية
الجانب العسكري
شكَّل الانتقال المباشر للقوات المنسحبة إلى وضعية الهجوم، ثم التقدم في محاور جديدة، بمديرية مَقْبَنة بمحافظة تَعِز، ومديريتي حَيْس وجبل راس بمحافظة الحُديِّدة، مؤشرًا على أنَّ عملية الانسحاب مكَّنت القوات المشتركة من استدراج قوات جماعة الحوثي إلى جبهات اختارت القوات المشتركة مكانها، وحدَّدت توقيت ذلك.
فمن ناحية المكان، فإن ميدان المعارك لا يخضع لقيود اتفاقية ستوكهولم لعام 2018، خصوصًا ما يجري في مديرية مقبنة؛ حيث تغيَّرت خطوط التَّماس بين الطرفين المتحاربين، ولم يَعُد لبعثة الأمم المتحدة المعنية بهذه الاتفاقية، سُلطة على الجبهات الجديدة. وهكذا بالنسبة إلى المناطق التي اشتعل فيها القتال، جنوب شرقي الحُديِّدة. إضافة إلى أن الهجمات التعرُّضيَّة التي شنَّتها القوات المشتركة فيها، تمثِّل استجابة لهجمات جماعة الحوثي، التي حاولت بها التوسع، جنوبًا، خارج نطاق منطقة توقف الانسحاب، في مديرية الخوخة. وبذلك، فإن القوات المشتركة قد جعلت من قدراتها المادية والبشرية المعطَّلة طوال ثلاثة أعوام؛ بفعل اتفاقية ستوكهولم، قوةً فاعلةً، تناور بها أمام قوات جماعة الحوثي، وبما يعزز موقف القوات الحكومية، في مختلف الجبهات(18) .
من جانب آخر، عادت الحياة مجددًا إلى عدد من الجبهات، التي ظلَّت متوقفةً منذ بداية عام 2020، وذلك ما مثَّل عاملَ إضعافٍ وتشتيتٍ لقوات جماعة الحوثي، التي كانت قد استغلَّت هذا الوضع في تركيز هجماتها على محافظات مأرب، وشبوة، والبيضاء، والجوف، وحَجَّة؛ محققة انتصارات ساحقةً على القوات الحكومية. وقد دلَّت التقدمات الأخيرة التي أحرزتها القوات الحكومية في مديرية بيحان، وسعيها لاستكمال استعادة ما تبقى منها، ومن مديريتي عُسيلان، وعَين بمحافظة شبوة، بعد أسبوعين من العمليات التعرُّضية التي نفذتها القوات المشتركة في تعز والحديدة؛ على أنَّ ذلك أربك خطط جماعة الحوثي، وشتَّت قدراتها في أكثر من عشرين جبهة فُعِّلت أخيرًا.
كذلك، عادت العمليات الجوية لمقاتلات التحالف إلى وتيرتها السابقة قبل عامين؛ إذ إنَّ معدل هجماتها اليومية يبلغ 6 إلى 12 غارة، منذ 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2021. ويبدو أنَّ التحالف وضع يديه على بنك من المعلومات الاستخبارية القيِّمة، سواءً عبر عملاء محليين، أو عبر دعم أميركي، ولا أدلَّ على ذلك من تركيز هجماته على مناطق عسكرية محصنة في العاصمة، صنعاء، قال إنها تُدار بواسطة خبراء من الحرس الثوري الإيراني، وتضمُّ معدات وتقنيات تصنيع وتجهيز للطائرات غير المأهولة، والصواريخ الباليستية، ومراكز قيادة وسيطرة؛ معزِّزًا ذلك بتسجيل مصَّور نشَرهُ في 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، يُظهِر عملية محاكاة استهدافية حية بالصواريخ، قام بها مقاتلون حوثيون، في مطار صنعاء الدولي، لحظة إقلاع إحدى الطائرات المدنية التي تسمح الأمم المتحدة لعدد منها باستخدام مطار صنعاء، وذلك في المجالات الإغاثية الإنسانية(19).
الجانب السياسي
نتيجة لما لحق بجماعة الحوثي من انتكاسات ميدانية، وخسائر فادحة، في القوى والوسائل؛ فقد رفضت استقبال المبعوث الأممي إلى اليمن، هانس غروندبرغ، الذي عيَّنته الأمم المتحدة في منصبه هذا، في أغسطس/آب 2021؛ حيث لم يَزُر صنعاء منذ تعيينه، فيما كان قد أزمع ذلك بعد وصوله عدن، منتصف نوفمبر/تشرين الثاني 2021. وبالإضافة إلى ذلك، عاودت جماعة الحوثي إصرارها على فصل الملف الإنساني عن الملفين، السياسي والعسكري، كشرطٍ للانخراط في أيَّة عملية سياسيَّة لحل الأزمة اليمنية؛ مُطالِبة، دونَ أيِّ قيودٍ، بفتح مطار صنعاء، أمام كافة الرحلات المدنية، وعلى نحو ذلك ميناء الحديدة.
في جانب الحكومة المعترف بها دوليًّا، لوحظ إصرارها على التمسك بالمرجعيات الثلاثة، لأيِّ حلٍّ سياسي للأزمة، وهي: المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية لعام 2011، ومخرجات الحوار الوطني الشامل لعام 2014، وقرارات مجلس الأمن، لاسيَّما القرار 2216 لعام 2015. فيما أصدر رئيس مجلس الشورى، أحمد بن دَغْر، والنائب في البرلمان، عبد العزيز جُباري، في 30 نوفمبر/تشرين 2021، بيانًا مثيرًا للجدل؛ حيث دعيا فيه إلى قيام “تحالف وطنيٍّ” يسعى إلى وقف الحرب(20)، في وقت كانت فيه المعارك على أشدِّها، غربي محافظة تعز، وجنوب شرقي محافظة الحديدة، وفي ظل ما أُثير بشأن خلق وحدات سياسية جديدة، عبر تقسيم الجغرافي لهاتين المحافظتين، ومع وصول قائد المقاومة الوطنية، العميد طارق محمد عبد الله صالح، إلى العاصمة المصرية، القاهرة، التي كان المبعوث الأممي، هانس غروندبرغ، أجرى فيها لقاءات مع وزير الخارجية المصري، سامح شكري، والأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط؛ زاعمًا أنه “لا يوجدُ حلٌّ عسكري مستدام للنزاع في اليمن”(21).
ب- التداعيات الخارجية
وسَّع انسحاب القوات المشتركة رقعة نفوذ وسيطرة جماعة الحوثي في الساحل الغربي، بعمقٍ يصل إلى 100 كلم، وذلك ما قد يزيد من فرص تهديداتها للملاحة البحرية، خصوصًا سفن السعودية والإمارات، فضلًا عن تهديد الألغام التي تبثُّها قبالة هذه السواحل؛ حيثُ تعمد جماعة الحوثي إلى بثِّ هذه الألغام، بوصفها تقنيَّة حربية قديمة فاعلة، من التقنيات المتبعة فيما يسمَّى بـ”استراتيجية منع الوصول البحرية”، أو “الحرمان من الدخول”، للوصول إلى اليابسة. فقد سبق أن انتشلت فرق نزع الألغام الحكومية، المئات من الألغام البحرية، قبالة السواحل الغربية الخاضعة لجماعة الحوثي، في محافظتي، الحديدة وحجَّة(22) .
إلى ذلك، قد توفِّر الشواطئ الآمنة من تهديد هذه الألغام، في هذا الشريط الساحلي، منافذ لتهريب الأسلحة والتقنيات العسكرية الأخرى، إلى جماعة الحوثي، من قِبَل حلفائهم الإقليميين، مثل: إيران، وحزب الله اللبناني، فضلًا عن جماعات تهريب الأسلحة التي تزدهر أسواقها في دول القرن الإفريقي، خصوصًا مع نشوب الحرب الراهنة في إثيوبيا.
في سياق مفاوضات إيران مع الولايات المتحدة الأميركية، بشأن عودة الأخيرة إلى الاتفاق النووي، التي استؤنفت، في فيينا، نهاية نوفمبر/تشرين الثاني 2021، فإن تراجع قوة جماعة الحوثي، بعد تشتُّت قواتها، وتعرضها لضربات موجعة من قبل طيران التحالف، وتأخر ردِّها، على نحو غير معهود، بالهجمات الصاروخية، والطائرات غير المأهولة، على الأراضي السعودية؛ كل ذلك يُضعِف من قيمتها كورقة ضغط تفاوضية بيد إيران، التي طالما ناورت بها أمام الولايات المتحدة، وحلفائها في الخليج، خصوصًا السعودية والإمارات(23).
خاتمة
رغم مرور أكثر من أسبوعين على انسحاب القوات المشتركة العاملة في الساحل الغربي (التِّهامي) باليمن، ورغم استئناف قوات التحالف عملياتها العسكرية، في عمق محافظتي تعز والحديدة، ومع ما أحرزته من تقدم ميداني على بعض الجبهات، فإن الوقت لا يزال مبكرًا لمعرفة المحصلة النهائية لهذا الانسحاب بالنسبة للتحالف والقوات الحكومية المعترف بها دوليًّا. أما جماعة الحوثي، التي كانت عرضة للخسارة، فإنَّ سيطرتها على مناطق ساحلية حساسَّة، يمكن أن يحقق لها موردًا لاحتياجاتها العسكرية، عبر وسائل وطرق التهريب المختلفة.
مراجع
(1) تضم هذه الحدود مناطق ذو باب، والمخاء، والخوخة، وحَيْس، والتُّحيتا، والجاح (في بيت الفقيه)، والدُّريهمي، ومدينة الحديدة (كيلو 16، ومدينة الصالح). انظر: سِـيرة- القوات المشتركة في الساحل الغربي في اليمن، “الساحل الغربي”، 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، (تاريخ الدخول: 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2021): https://bit.ly/30ZWKhS
(2) أحد الضباط الإماراتيين يكنَّى بأبي عمر، لكن هناك من يقول: إنه سلَّم القيادة للواء هيثم قاسم طاهر، نهاية عام 2019. انظر: من لم ينسحب سيُقصف.. لماذا سلَّمت القوات المدعومة إماراتيًّا الساحل الغربي بالحديدة للحوثيين؟، الجزيرة نت، 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، (تاريخ الدخول: 3 ديسمبر/كانون الأول 2021): https://bit.ly/3ErJMYC
(3) شغل اللواء هيثم قاسم طاهر منصب وزير الدفاع في دولة الوحدة، بين عامي 1993-1994، ولما هُزمت قواته الانفصالية، عام 1994، فرَّ إلى الإمارات، ثم عاد إلى واجهة المشهد العسكري خلال الحرب الراهنة.
(4) معظم قادة ومقاتلي ألوية العمالقة مدنيون صنعتهم الحرب الراهنة، وينتمون عقديًّا إلى الجماعة السلفية المدخلية، وجغرافيًّا إلى بعض من المحافظات الجنوبية من البلاد، وهي: عدن، ولحج، والضالع، وشبوة، وأبين. وهناك قادة ومقاتلون آخرون في هذه القوات ينتمون إلى محافظة الحديدة التي تتمركز في مناطق منها هذه الألوية، ومن ذلك اللوء السابع عمالقة الذي يقوده العميد على الكنيني.
(5) بقية أعضاء القيادة، هم: رائد الحبهي، عبد الرحمن اللحجي، بسام المحضار، وعلي الكنيني، وسليمان الزرنوقي، وأحمد الكوكباني، وصادق دويد. انظر سِـيرة- القوات المشتركة في الساحل الغربي في اليمن.
(6) تفاصيل انسحاب ألوية العمالقة المرابطة في محافظة الحديدة من مواقعها، مارب برس، 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، (تاريخ الدخول: 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2021): https://bit.ly/32sA8Xp
(7) من لم ينسحب سيقصف.. لماذا سلَّمت القوات المدعومة إماراتيًّا..؟، مصدر سابق.
(8) تقرير إخباري: الحوثيون يسيطرون على مناطق واسعة بالحديدة بعد انسحاب القوات المشتركة، وكالة شينخوا الصينية، 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، (تاريخ الدخول: 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2021): https://bit.ly/3FWvdfI
(9) من لم ينسحب سيقصف.. لماذا سلَّمت القوات المدعومة إماراتيًّا…؟ مصدر سابق.
(10) للمزيد، انظر: العمليات النفسية في العمليات العسكرية، موسوعة مقاتل الصحراء، (دون تاريخ)، (تاريخ الدخول: 2 ديسمبر/كانون الأول 2021): https://bit.ly/3IlJqoA
(11) بيان صادر عن القوات المشتركة في الساحل الغربي، المركز الإعلامي لألوية العمالقة، 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، (تاريخ الدخول: 1 ديسمبر/كانون الأول 2021): https://bit.ly/31wrB5a
(12) تحالف دعم الشرعية: إعادة انتشار قوات التحالف والحكومة اليمنية جاء ضمن خطط عسكرية لدعم الحكومة، وكالة الأنباء الكويتية (كونا)، 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، (تاريخ الدخول: 2 ديسمبر/كانون الأول 2021): https://bit.ly/31r1kFN
(13) محافظ شبوة: الإمارات خلقت ميليشيات مناهضة للدولة في اليمن، وتدفع رواتب 90 ألف مرتزق شهريًّا، وكالة سبوتنيك (عربي)، 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، (تاريخ الدخول: 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2021): https://bit.ly/3dlgi2K
(14) العميد علي الكليبي لـ”إرم نيوز”: الجيش اليمني يدار بطريقة حزبية، إرم نيوز، 27 أكتوبر/تشرين الأول 2021، (تاريخ الدخول: 2 ديسمبر/كانون الأول 2021): https://bit.ly/3lwtDK4
(15) انظر: هل تغيِّر سيطرة الحوثيين على مواقع بالحديدة موازين المعارك في اليمن؟، تليفزيون روسيا اليوم (RT Arabic)، 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، (تاريخ الدخول: 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2021): https://bit.ly/3DohTzk
(16) أثار هذا الموقف من العميد طارق محمد صالح غضب الإمارات، وربما كان ظهوره في العاصمة المصرية، القاهرة، بعد أسبوعين من انسحاب القوات المشتركة من الساحل الغربي، واستئناف عملياتها التعرضية في مناطق داخلية من محافظتي تعز والحديدة له صلة بهذا الأمر.
(17) للتعرف إلى هذه الاستراتيجية وتطورها واستخدامها المعاصر، انظر: جنوجتن، ساسكيا فان، الجندي، تأثير استراتيجية «منع الوصول والحرمان من الدخول» على الأمن العالمي، 1 يناير/كانون الثاني 2021، (تاريخ الدخول 2 ديسمبر/كانون الأول 2021): https://bit.ly/3EFi7DL
(18) للوقوف على اتفاقية (في الواقع ثلاث اتفاقيات) ستوكهولم لعام 2018، انظر: النص الكامل لاتفاق استوكهولم، مكتب المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لليمن، 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، (تاريخ الدخول: 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2021): https://bit.ly/3dip5SU
(19) فيديو حصري.. الحوثيون يحولون مطار صنعاء إلى ثكنة عسكرية، تليفزيون الحدث، 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، (تاريخ الدخول 2 ديسمبر/كانون الأول 2021): https://bit.ly/3Gcu8AK
(20) انظر، في بيان غير مسبوق.. مسؤولان يمنيان يطالبان بإنهاء الحرب: الخيار العسكري فشل، RT Arabic، 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، (تاريخ الدخول 2 ديسمبر/كانون الأول 2021): https://bit.ly/3Dn0sin
(21) المبعوث الأممي الى اليمن، هانس غروندبرغ، يختتم زيارة إلى القاهرة، مكتب المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لليمن، 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، (تاريخ الدخول 2 ديسمبر/كانون الأول 2021): https://bit.ly/3DByQqd
(22) مثال على هذه الألغام، انظر: اليمن يعلن اكتشاف شبكة ألغام حوثية في البحر الأحمر، العين الإخبارية، 7 يونيو/حزيران 2021، (تاريخ الدخول 2 ديسمبر/كانون الأول 2021): https://bit.ly/3lDprbh
(23) من المتوقع، خلال الأسابيع القادمة، أن تشن جماعة الحوثي، هجمات بالصواريخ والطائرات غير المأهولة، على مصالح استراتيجية داخل الأراضي السعودية، أو يُنسب إليها ذلك كالعادة. ومن المتوقع كذلك أن يشنُّوا هجومًا بريًّا على المناطق الحدودية السعودية من جهتي صعدة والجوف.
.
رابط المصدر: