انعكاسات الطريق الثالث على العراق والمنطقة

منقذ داغر

 

قلت في المقال السابق أن الطريق الثالث الذي يبدو أن كل من الإدارة الأميركية والحكومة الإيرانية قررا أنتهاجه والمضي فيه قدماً يعتمد على التحليق المنخفض لتجنب رادارات الصحافة والاعلام ومزايدات السياسة في كل من واشنطن وطهران.

هذا الطريق يعتمد تجميد الأنشطة الإيرانية في المجالين النووي (في الداخل) والميليشياوي (في الخارج)، مقابل تخفيف العقوبات الأميركية بما يضمن تدفق بعض الدولارات (كالتي أطلقها العراق مؤخراً) والتي يحتاجها الاقتصاد الإيراني لتبقى أجهزة أنعاش هذا الاقتصاد التي ناهزت على التوقف، قادرة على الاستمرار بالعمل.

هذه الصفقة التي ترعاها عُمان وبعض الدول الأوربية لا تبدو لي جديدة فقد سبق التوصل لما يشابهها في عهد الإدارة الديموقراطية السابقة(أوباما) والتي عاد معظم عرابيها الأمريكان للسلطة مع بايدن. وللإجابة عن السؤال الذي طرحته في نهاية المقال السابق أقول أن الانعكاسات الجيوستراتيجية لهذه الصفقة على المنطقة عموماً والعراق خاصة ستكون كبيرة وقد بدأنا فعلاً ملاحظتها وتلمسها خلال الأشهر الماضية.

ولم يقتصر الموضوع على أطلاق الأموال الإيرانية المجمدة في العراق بل ربما سيتم أطلاق أموال أخرى. كما سنشهد عمليات أطلاق لسجناء غربيين في أيران. هذا فضلاً عن مضي عجلة (الهدنة) بين السعودية وايران ليس في اليمن وحدها بل في لبنان وسوريا أيضاً. وقد تتطور هذه الهدنة الى تفاهمات أعمق بل واتفاقات سياسية واقتصادية اعتماداً على مدى التزام الطرفين بتعهداتهما واستمرار حاجتهما للتفاهم الاقليمي.

ومقابل تناسي أو تجميد ملفي البحرين واليمن من قبل أيران وحلفائها سيكون على السعودية (وحلفائها) التخفيف من طلباتهم في لبنان وسوريا. أما على الصعيد الأمريكي فستتوقف المطالبة بمغادرة القوات الأميركية سواء في العراق أو سوريا. مع ذلك سيبقى ملفا العراق وإسرائيل هما أصعب ملفين أمام هذه الصفقة ويهددان بنسفها في أي لحظة.

تجميد الاوضاع

ففي العراق ورغم أتفاق الطرفين على تجميد الأوضاع على ماهي عليه فسيكون من الصعب ضبط كل الميليشيات الولائية فيه بخاصة تلك التي لم تنخرط في الحكومة الحالية مباشرة. لذلك لا زلنا نسمع بين الحين والآخر أصوات وبيانات تندد بتطور العلاقات الأميركية مع حكومة السوداني. هذه الميليشيات تعيش على فكرة مقاومة أميركا.

لذا فأن هذه الهدنة الأميركية-الإيرانية ستقطع عنها مصادر عيشها مما يستلزم من أيران وحلفائها في العراق استرضائهم أو التعامل معهم بشدة. من جانب آخر فأن أهمية العراق لأمريكا ،ولأسباب مختلفة سبق وتطرقت لها في أكثر من مقال، أكبر بكثير من أهمية كثير من دول المنطقة الأخرى. لذا ستبقى أميركا فاعلة بقوة في العراق بخاصة مع وجود كثير من القلق من جانب مؤثرين في الملف العراقي في واشنطن من فسح المجال أمام قوى الإطار لتعيد أنتاج الدولة العميقة التي سبق وتم تفكيك كثير من مقوماتها بعد حكومة المالكي. أما بالنسبة لايران فالعراق هو ليس فقط ساحة نفوذ استراتيجي وانما الرئة الاقتصادية التي تتنفس من خلالها. لذا حتى مع وجود هذا الاتفاق مع أميركا والسعودية فلن تتوقف عن أحكام قبضتها على السياسة العراقية كما فعلت طيلة العقدين الماضيين. يقابل ذلك وجود رأي عام عراقي رافض بشدة للتدخلين الايراني والأميركي بشؤونه لذا فأن أي حركة سيقوم بها السوداني وحلفاؤه.

في تحالف أدارة الدولة -وليس قوى الاطار فقط – سيوزن من قبل الرأي العام في ميزان قربه أو ابتعاده عن المصالح الأميركية والايرانية وتحقيقه للمصالح العراقية مما يعقد مهمة السوداني وحكومته كثيراً. ولعل موقف الرأي العام العراقي من طريق الحرير أو التنمية أو حتى المشاريع المختلفة مع دول الخليج مثال للعقبات التي ستواجه الاتفاق الأميركي-الايراني في العراق.

أما على الجانب “الإسرائيلي” فيبدو المشهد أكثر تعقيداً أمام هذا الاتفاق. فقادة العدو صرحوا أكثر من مرة أنهم غير معنيين بمثل هذه الاتفاقات مع أيران التي يرون في برنامجها النووي تهديد وجودي لهم. لذا فهم لن يرضوا بأقل من ضمانة حقيقية لتدمير كل أمكانية نووية ايرانية وسيستمرون بمهاجمة أيران في الداخل والخارج لتدمير بنيتها النووية الأساسية فضلاً عن مهاجمتهم للميليشيات الولائية القريبة من حدودهم في سوريا.

فإسرائيل لا تريد أن تتم محاصرتها بميليشيات معادية تهدد امنها. من هنا يجب عدم توقع قدرة أميركا، بل وحتى نيتها، لوقف النشاطات الإسرائيلية ضد ايران. هنا سيكون السؤال: الى متى ستبقى أيران ساكتة عن هذه الهجمات التي تُشن على برنامجها النووي وميليشياتها الولائية في داخل وخارج أيران؟ وماذا سيحصل لو قررت إسرائيل تصعيد هجومها؟ ما هو الموقف المتوقع آنذاك للإدارة الأميركية، وهل سيرضي أيران بشكل يديم أتفاقها مع واشنطن؟

شخصياً، أتوقع أن الاتفاق الأميركي الإيراني الذي أسميته بالطريق الثالث سيمضي، ما دام الديمقراطيون في واشنطن بالسلطة، مع كثير من الصعوبات التي ستجابهه والتي يمكن أن تهدد بانهياره.

وأن السيناريو الأقرب للتصور في العراق خلال السنتين القادمتين هو الهدوء الحذر بين أميركا وحلفائها من جهة وايران وحلفائها من جهة أخرى. أن فترة مقاربة لفترة المالكي الثانية هي الأقرب للتصور في ظل هذا السيناريو على ما يبدو. مع ذلك فأن متغيرات كثيرة يمكن أن تنسف كل هذا الاتفاق. ففي العراق قد تشكل عودة الصدريين للسياسة تهديد مباشر لهذا الاتفاق. أما على الصعيد الخارجي فأن انهيار الهدنة في اليمن أو ضربة إسرائيلية كبيرة لإيران يمكن أيضاً أن ينسفا هذا الاتفاق.

 

.

رابط المصدر:

https://annabaa.org/arabic/authorsarticles/35438

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M