مارى ماهر
قام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بزيارة إلى المملكة العربية السعودية، خلال يومي 28 و29 أبريل الماضي، التقى خلالها العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز وولي العهد الأمير محمد بن سلمان. وتُعد الزيارة الأولى للمملكة منذ آخر زيارة لأردوغان في يونيو 2017 عندما أجرى جولة خليجية شملت أيضًا الكويت وقطر بعد أيام من مقاطعة الرباعي العربي للدوحة، وقدمتها أنقرة حينها على أنها مثال للتضامن الإقليمي، لكنها تأتي هذه المرة في سياق جيوسياسي مُغاير يرتبط بتحولات البيئات المحلية والإقليمية والدولية.
انفتاح تدريجي
تجيء الزيارة ضمن عمليات خفض التصعيد وتهدئة المنافسة الإقليمية في الشرق الأوسط لتنهي قطيعة تجاوزت 4 أعوام كان عنوانها الرئيسي الأزمة الخليجية عام 2017 ومقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي 2018، حيث اصطفت تركيا ضمن المحور القطري بما عزز التصورات السعودية بشأن المهددات المرتبطة بالطموحات الإقليمية التركية، لتأتي المحاكمة الغيابية لشخصيات سعودية زعمت تركيا تورطها في مقتل خاشقجي محدثةً صدعًا كبيرًا بين البلدين ليس فقط على مستوى العلاقات الثنائية ولكن أيضًا بالنسبة للعلاقات الشخصية بين أردوغان وبن سلمان. فقد أنهى الحدثان مرحلة من التعاون والتنسيق والتواصل الرسمي نجح البلدان في إبقائها رغم مصالحهما المتباينة ووجهات نظرهما المتعارضة بشأن العديد من القضايا الإقليمية التي أعقبت الربيع العربي، إذ اتفق البلدان على معارضة النظام السوري، ودعمت الحكومة التركية عملية التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، ووصل مستوى التفاهم الثنائي إلى حد إنشاء مجلس تعاون استراتيجي عام 2015 بالتزامن مع تولي الملك سلمان بن عبد العزيز الحكم، لتعزيز تعاونهما السياسي والعسكري والاقتصادي لمجابهة التحديات والتهديدات الأمنية في ظل نظام إقليمي متغير.
ورغم وجود جملة من القضايا الخلافية تتسع لتشمل التوظيف التركي لنتائج الربيع العربي لخدمة طموحاتها المتعلقة بقيادة النظام الإقليمي عبر تشكيل نظام إقليمي يدور في فلك أنقرة، ودعم وصول حركات الإسلام السياسي إلى السلطة بشكل اعتبرته السعودية، والدول الخليجية كافة، مهددًا للاستقرار السياسي في المنطقة؛ إلا أن مسألتي التحالف العسكري والسياسي مع قطر ومقتل خاشقجي كانتا مفصليتين في مسار العلاقات، وكان هذا واضحًا في الوتيرة البطيئة التي سارت عليها عملية المصالحة مقارنة بالإمارات وإسرائيل، فوصول أردوغان للرياض تأجل ثلاث مرات من فبراير إلى مارس ثم أبريل إلى حين إتمام الزيارة يومي 28 و29 أبريل بعدما أسقطت أنقرة في 7 أبريل محاكمة 26 سعوديًا زعمت تورطهم في مقتل خاشقجي، وقررت نقل القضية للمملكة. ويكشف هذا الترتيب المبادرة التركية بعملية المصالحة واستعجالها بينما لم تُبدِ السعودية حماسًا مماثلًا لاستعادة العلاقات التي باتت واحدة من أكثر العلاقات تعقيدًا في المنطقة، وانعكس هذا مرة أخرى في تضارب التصريحات الإعلامية بشأن المُبادر من الدولتين بطلب إتمام الزيارة؛ فبينما أعلنت المملكة أن الزيارة تمت بناءً على طلب أردوغان، زعمت الحكومة التركية أنها بدعوة من السعودية.
وجاءت الزيارة تتويجًا لمسيرة قرابة عام ونصف تلمس خلالها البلدان خطوات استكشافية لبناء الثقة وحل القضايا الإشكالية بدأت في وقت مبكر من أكتوبر عام 2020 بتبادل الملك سلمان وأردوغان رسائل إيجابية، أعقبها عقد المسئولون السعوديون والأتراك عدة اجتماعات ومحادثات هاتفية خلال 2021. ففي مايو، أجرى وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو زيارة للرياض. وفي 18 يوليو التقى جاويش أوغلو بوزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود خلال مشاركتهما في المؤتمر الدولي لآسيا الوسطى وجنوب آسيا بأوزبكستان. وفي اليوم التالي، أجرى أردوغان محادثة هاتفية مع الملك سلمان لتبادل التهاني بمناسبة العيد وبحث العلاقات الثنائية. وفي سبتمبر، أرسل رئيس البرلمان التركي مصطفى سينتوب رسالة لرئيس مجلس الشورى السعودي عبد الله بن محمد آل الشيخ لتهنئته بالعيد الوطني للمملكة، معربًا عن رغبته في تحسين العلاقات البرلمانية مع السعودية. وخلال نوفمبر، عُقد اجتماع بين نائب الرئيس التركي فؤاد أقطاي ووزير التجارة السعودي ماجد بن عبد الله القصبي في إسطنبول.
وشهد شهرا فبراير ومارس 2022 حراكًا دبلوماسيًا يعكس تراجع التوترات في العلاقات الثانية، بداية بالاجتماع بين وزيري خارجية البلدين لبحث تعميق العلاقات الثنائية، مرورًا ببحث وزير المالية التركي نور الدين النبطي مع نظيره السعودي محمد الجدعان سبلًا جديدة لتعزيز العلاقات التجارية التي تضررت منذ مقاطعة الرياض غير الرسمية للواردات التركية، ولقاء وزيري خارجية البلدين خلال اجتماع منظمة التعاون الإسلامي في إسلام أباد، ولقاء رئيس الشئون الدينية التركي علي أرباش ووزير الحج والعمرة السعودي توفيق الربيعة في جدة، انتهاءً بزيارة رئيس الأركان العامة السعودي فياض بن حامد الرويلي الجناح التركي في معرض ومؤتمر الدوحة الدولي للدفاع البحري “ديمدكس”. وأعقب هذا الحراك تصريح تلفزيوني لجاويش أوغلو بأن خطوات ملموسة في طريقها لإصلاح العلاقات مع السعودية.
وإلى جانب الحراك الدبلوماسي اتخذت أنقرة خطوات لمعالجة مخاوف المملكة، أهمها الامتثال للمطالب العربية المتعلقة بالكف عن دعم التنظيمات الإرهابية والمتطرفة، وبالأخص جماعة الإخوان والتنظيمات العنيفة التي تُثير التوترات وتهدد استقرار المنطقة، وتسريع العلاقات مع دول الخليج الأخرى ومصر.
حسابات أنقرة
تتحرك تركيا دبلوماسيًا واقتصاديًا باتجاه السعودية ضمن سياسة النهج التصالحي البراجماتي لاستبدال عقد من المنافسة الشرسة، ويُمكن إبراز دوافع المساعي التركية للتقارب مع المملكة على النحو التالي:
• تخفيف الأعباء الاقتصادية: لا يُمكن قراءة زيارة أردوغان للسعودية بمعزل عن الحسابات الاقتصادية التي باتت محركًا رئيسيًا للدبلوماسية التركية مؤخرًا وأولوية أولى على أجندة المصالحات العربية، وبالأخص الخليجية، والانتباه لضرورة الفصل بين الاعتبارات الاقتصادية والتباينات الجيوسياسية. ففي تصريحات صحفية له على متن رحلة العودة كشف أردوغان تركز المحادثات حول التعافي السريع للاقتصاد، والتخلص من القضايا الجمركية، وحوافز الاستثمار، والمشاريع الجديدة التي يمكن لمقاولينا القيام بها، لافتًا إلى الاتفاق على إعادة تنشيط إمكانات اقتصادية كبيرة من خلال المنظمات التي ستجمع مستثمري البلدين. وتتطلع أنقرة إلى إعادة بناء الروابط التجارية مع المملكة في وقت حرج بالنسبة لاقتصادها الذي يشهد أسوأ أزمة منذ عقدين، فاقمتها جائحة كورونا والحرب الأوكرانية، بتسجيل معدل تضخم نسبته 61% بينما تراجعت قيمة العملة بنسبة 44% مقابل الدولار في عام 2021 و10% أخرى خلال العام الجاري.
وتريد أنقرة إنهاء الحظر السعودي غير الرسمي للبضائع التركية الذي خفض صادراتها للسوق السعودي الواسع بنسبة 90% واستعادة معدلات ما قبل 2018 عندما بلغت الاستثمارات السعودية في تركيا نحو ملياري دولار، والاستثمارات التركية في السعودية نحو 660 مليون دولار حيث عملت أكثر من 200 شركة تركية في البلاد. كذلك، بلغت صادرات أنقرة إلى المملكة نحو 2.62 مليار دولار قبل قرار الحظر عام 2020 بينما بلغت الصادرات السعودية إلى تركيا – ومعظمها منتجات نفطية – نحو 1.8 مليار دولار، وصحيح أن المؤشرات التجارية أظهرت تحسنًا ملحوظًا خلال الربع الأول من العام الجاري بارتفاع صادرات تركيا إلى المملكة بنسبة 25%، وبلوغ قيمتها خلال مارس الماضي 58 مليون دولار (أي ثلاثة أضعاف إجمالي العام السابق)، بما يؤشر لتخفيف الضغط السعودي بعد سلسلة من المحادثات غير المعلنة، إلا أنها تمثل جزءًا بسيطًا من معدلات عام 2020 التي سجلت في مارس 298 مليون دولار.
وعليه، تهدف تركيا إلى حل الخلافات التجارية العالقة لإحياء سوق تصديري مهم حيث لا يزال هناك مجال كبير لنمو الصادرات في ظل امتلاك المملكة سوقًا ضخمة تتسع لأنواع البضائع التركية كافة. علاوة على تأمين رؤوس أموال استثمارية كبيرة لتسريع النمو الاقتصادي وخلق المزيد من الوظائف وتحفيز القطاع الخاص، بما يخفف الضغوط الاقتصادية عن المواطنين الأتراك، ويحسن التوقعات الاقتصادية للدولة قبل الاستحقاقات الانتخابية لعام 2023، بعدما أدركت أنقرة أن العلاقات المتوترة قوضت الإمكانات الحقيقية للعلاقات الاقتصادية بين البلدين.
• تعزيز القدرة السياسية لتركيا: قد يؤدي تحسين العلاقات مع السعودية، إلى جانب دول المنطقة الأخرى كالإمارات وإسرائيل ومصر، إلى إعادة تموضع تركيا جيوسياسيًا بعدما شهدت مرحلة من تراجع الحضور عربيًا، بما يمنحها وزنًا إقليميًا ويعزز قدرتها الدبلوماسية لإحراز تقدم في بعض الملفات الساخنة؛ أولها، احتواء الحضور اليوناني القبرصي المتنامي في الخليج وكسر عزلتها في شرق المتوسط حيث يساور أنقرة مخاوف جدية بشأن التعاون العسكري المتزايد بين السعودية والإمارات واليونان بعدما نشرت أثينا بطارية صواريخ باتريوت في المملكة لتحل محل أصول الدفاع الجوي الأمريكية المنسحبة وشاركت قوات سعودية وإماراتية في مناورات جوية مشتركة، لذلك أرادت تركيا إضعاف هذا المحور المناهض لها بإعادة تعريف العلاقات مع أطرافه. وثانيها، تسريع عملية المصالحة الصعبة والبطيئة مع القاهرة ودفع القيادة السعودية لتسهيل هذه المهمة. وثالثها، تنسيق الرؤى بشأن النزاعات الإقليمية وبالأخص السورية واليمنية.
• فشل نهج المباريات الصفرية: أدركت تركيا مخاطر سياسة العسكرة والمواجهة الاستفزازية التي عرقلت طموحاتها وتركتها في عزله جيوسياسيًا وكبدتها خسائر اقتصادية ودبلوماسية باهظة، كما استوعبت أن هناك حدودًا لقدرتها على فرض إرادتها على القوى الإقليمية الأخرى، سواء في شرق المتوسط أو في دعمها للتيارات الإسلامية، مما دفعها لإحداث تحولات ملحوظة في سياستها الخارجية خلال العامين الماضيين بالعودة إلى مبدأ صفر مشاكل وأزمات مع دول الجوار والتخلي عن المقاربة العسكرية لصالح أخرى حوارية تتقبل التباينات الجيوسياسية وتتجاوزها للتركيز على المشتركات ومن ثم البناء عليها. وتوفر لحظة خفض التصعيد الإقليمي فرصة لأنقرة للتحول من القوة الصلبة إلى القوة الناعمة مرة أخرى أثناء معالجة تحدياتها وأولوياتها الاستراتيجية والاقتصادية.
• سياسة التوازن الشامل: تميل بعض التقديرات لتفسير مناورات السياسة الخارجية التركية وتقاربها مع خصومها الإقليميين من منظور نظرية “التوازن الشامل” لستيفن ديفيد التي تجادل بأن القادة لا يصلحون علاقاتهم مع الدول الأخرى بسبب التهديدات الخارجية المتصورة فقط، وإنما أيضًا بسبب التهديدات المحلية لبقائهم، فالتهديدات الداخلية لقيادة ما يمكن أن تجبر قادتها على اختيار سياسة التقارب، أي التوافق مع الخصوم الثانويين بحيث يمكن تخصيص تركيز أكبر للخصوم الأساسيين في السياق المحلي. وفي هذا السياق، يُمكننا اعتبار الانتخابات التركية الحاسمة والصعبة المقرر إجرائها بحلول يونيو 2023 مدخلًا أساسيًا لفهم وتفسير سياسة تهدئة المواجهات الخارجية الثانوية عبر حل المشكلات العالقة لتركيز اهتمامه الكامل على الداخل. وبهذا المعنى، تسعى أنقرة إلى تعزيز التفاعلات الاقتصادية مع المملكة، وزيادة حجم التجارة الثنائية، وجذب الاستثمار الأجنبي المباشر السعودي، وزيادة عدد السياح السعوديين، لامتصاص الغضب الشعبي المتنامي بسبب الأزمة الاقتصادية المتفاقمة والتدخلات الخارجية.
دوافع الرياض
جاءت الاستجابة السعودية لمحاولات التهدئة والتقارب التركية، خلال هذا التوقيت تحديدًا، مدفوعة بمجموعة من الاعتبارات التي يُمكن استعراضها تاليًا:
• الاستجابة للمتغيرات الدولية والإقليمية: إن إبداء السعودية استعدادًا لإعادة إطلاق العلاقات مع تركيا ينطلق من استيعابها للتحولات الديناميكية الدولية والإقليمية والتجاوب مع التحديات الناشئة عنها، والتي تتمثل في الآتي:
1- انتهاء المقاطعة الخليجية بتوقيع اتفاق العُلا في يناير 2021 التي جعلت الرياض لا تنظر للعلاقات التركية-القطرية باعتبارها موجهة لها، وهي بيئة هيأت لتركيا فرصة للتقارب مع السعودية والإمارات والاحتفاظ بعلاقاتها الاستراتيجية مع قطر دون حساسيات بالغة.
2- التأثير المتوقع للمفاوضات الجارية لإحياء الاتفاق النووي الإيراني على المصالح الأمنية والإقليمية للرياض؛ ففي كلتا الحالتين سواء العودة لخطة العمل الشاملة المشتركة ورفع العقوبات الرئيسية أو استمرار إيران في السير نحو العتبة النووية، ترى المملكة أن هناك تأثيرًا بالغًا على الأمن الإقليمي يُمثل تهديدًا لأمنها القومي. وفي هذا الإطار، ربما تنظر المملكة لشراكتها مع تركيا بأنها مفيدة لبناء ثقل إقليمي أو محور موازن لإيران لاحتواء تمدد النفوذ والقوة الإيرانية، في ظل الشعور بأن الولايات المتحدة لم تقدم الضمانات الأمنية الكافية ضد إيران
3- توتر العلاقات السعودية الأمريكية على خلفية رفض الموافقة على طلب الولايات المتحدة زيادة إنتاج النفط عقب الغزو الروسي لأوكرانيا، بل وذهاب بعض المشرعين من الحزب الديمقراطي إلى مطالبة بايدن علنًا بمزيد من الصرامة مع المملكة واصفين إياها بالشريك الاستراتيجي السيئ.
4- حالة عدم اليقين بشأن إظهار الولايات المتحدة اهتمامًا متراجعًا بالشرق الأوسط، في ظل وجود حقائق عسكرية على أرض الواقع تغذي تلك المخاوف، أهمها الانسحاب الفوضوي من أفغانستان، وبالنظر إلى الاهتمام الأمريكي المتزايد بتحويل أصول سياستها الخارجية وتركيزها إلى شرق آسيا، فضلًا عن تزايد التحفظات والمخاوف الأمنية بشأن كيفية تعامل واشنطن مع القضايا الرئيسية الأكثر إلحاحًا بالنسبة للمملكة بما في ذلك هجمات الحوثيين والبرنامج النووي الإيراني، مما دفعها للبحث عن بدائل مختلفة والاستثمار في تحسين العلاقات مع القوى الإقليمية الأخرى.
5- إمكانية أن تلعب تركيا دورًا فعالًا، إلى جانب العراق، في المحادثات السعودية الإيرانية من خلال إقناع طهران والرياض بتسريع عملية تطبيع علاقاتهما، مع توسيع مساحة المناورة السياسية أمام الرياض بمواجهة منافستها الإقليمية. وربما تتطلع الرياض لدعم تركي في القضية اليمنية في ظل التصعيد الحوثي الأخير، حيث أدانت تركيا هجمات الحوثيين على دول الخليج وشددت على أنها تولي أهمية كبيرة لاستقرار الخليج وأمنه.
• خلق فرص دفاعية جديدة للمملكة: مع تزايد التهديدات الأمنية وبالأخص من الميليشيات الإيرانية، وتعقد الصعوبات الدفاعية، ومواجهة قيود صفقات الأسلحة الأمريكية، واستهلاك قدر كبير من المخزونات العسكرية لمواجهة التهديدات الميليشياوية، واكتساب صناعة الدفاع التركية مزيدًا من التطور، تبرز أنقرة كشريك أمني للرياض في مجال التعاون الدفاعي، حيث تصاعد الاهتمام السعودي بالطائرات المسيرة التركية خلال الأشهر الماضية لردع التهديدات الإقليمية بما في ذلك قدرات الطائرات بدون طيار الإيرانية المتطورة. وتتطلع المملكة لاقتناء طراز بيرقدار الذي أثبت فاعليته داخل ساحات الصراع الممتدة من ليبيا إلى سوريا والعراق والقوقاز وأوكرانيا. وكمؤشر مبكر على الالتفاف السعودي لقطاع الصناعات الدفاعية التركي، وقّعت الرياض عام 2017 صفقة مع شركة فيستل الخاصة حصلت بموجبها السعودية على ترخيص للإنتاج المشترك لطائرات “فيستل كرايل” بدون طيار متعددة المهام، ويُزعم أنها استخدمتها في اليمن، وفي 2018 انضمت تركيا إلى معرض القوات المسلحة السعودية “أفد”.
ختامًا، تحمل زيارة أردوغان إلى المملكة العربية السعودية دلالات رمزية، بحيث يجب اعتبارها جزءًا من عملية المصالحة وليست نتيجة لها، فرغم أن القضايا الرئيسية التي أدت إلى التوتر بين البلدين لم تعد حاضرة، فإن عملية بناء الثقة بين قادة البلدين ستستغرق بعض الوقت، وستتطلب اتخاذ خطوات تدريجية ربما تشمل المزيد من الزيارات رفيعة المستوى أو عقد جلسات تشاورية بين البيروقراطيين في كلا البلدين لبحث التعاون في القضايا السياسية والعسكرية والاستخباراتية والاقتصادية، مع إمكانية تنشيط اجتماعات مجلس التنسيق التركي السعودي، وفي هذه الحالة سيكون من الأفضل تجزئة ملفات التطبيع بحيث تُعطَى الأولوية للقضايا ذات الأرضية المشتركة والتي غالبًا ما ستحمل الطابع التجاري والاقتصادي، مع إعطاء الأمد الكافي لنضوج التقارب السياسي الاستراتيجي.
.
رابط المصدر: