حسن فحص
ما تشهده افغانستان من تطورات متسارعة نتيجة الهجوم الواسع الذي تقوم به حركة طالبان وسيطرتها على غالبية (85 في المئة) الاراضي الافغانية ووصولها الى مشارف العاصمة كابل (على بعد 30 كيلومترا لجهة الشرق)، شكل تحديا حقيقيا للنظام الايراني وتهديدا آتيا من حدوده الشرقية، تعمدت الادارة الامريكية من خلال تفاهماتها مع حركة طالبان وباستخدام الاتفاق الموقع بين واشنطن ممثلة بسفيرها زلماي خليل زاد وطالبان بقيادة رئيس مكتبها السياسي الملا عبد الغني برادر في الدوحة في شباط/فبراير 2020 تحويله الى كرة نار ملتهبة ورميها في الحضن الايراني، والى قنبلة موقوتة قذفتها ادارة بايدن تحت اقدام النظام لإشغاله من جهة الشرق.
سعت طهران منذ بداية الحوار الامريكي الطالباني، الى توسيع دائرته رافضة استبعاد الحكومة الشرعية في كابل بقيادة الرئيس أشرف غني، وحاولت بموازاة الحوار بين طالبان وواشنطن، فتح مسار مواز من الحوارات بينها وبين طالبان من جهة، وبينها وبين حكومة غني من جهة اخرى، انطلاقا من مساعيها لاستيعاب التداعيات المحتملة لتفرد طالبان بالاتفاق مع واشنطن بعيدا عن الحكومة الرسمية او استبعادها على الرغم من انها تتحمل عبء تطبيق جزء اساسي من هذا الاتفاق الثنائي.
وعلى الرغم من محاولة تقديم الحدث الافغاني الذي تقوم به طالبان على انه هزيمة للإدارة الامريكية بعد حرب استمرت 20 عاما وكلفة مالية تجاوزت التريليوني دولار (2000 مليار) واكثر من 3500 قتيل في صفوف الجيش الامريكي. الا ان القلق والترقب يمنعان القيادة الايرانية من الافراط في التفاؤل، لان القرار الامريكي بالانسحاب، وان كان آتيا من التزام الرئيس بالوعود التي أعلنها في حملته الانتخابية وتصب في السياق الذي أسسه له سلفه دونالد ترمب في اطار استراتيجية الانسحاب من المعارك والاشتباك الخارجي. الا انه حصل بعيدا عن التفاهم مع طهران التي تسعى لتكريس استراتيجيتها بالحلول مكان القوات الامريكية في منطقة غرب اسيا او على الاقل توظيف هذا الانسحاب المتفاهم عليه ان حصل في سياق يخدم مصالحها الاقليمية.
الاعلان عن بدء الانسحاب الامريكي من افغانستان، والذي ترافق مع عودة الاعمال العسكرية والسيطرة على الارض لحركة طالبان، اصاب الموقف الايراني بنوع من عدم التوازن، بحيث غاب اي موقف رسمي للحكومة والنظام في الايام الاولى لهذه التطورات، الى ان كشف النقاب عن الدعوة التي وجهها وزير الخارجية محمد جواد ظريف للافرقاء الافغان (الحكومة وطالبان والمعارضة والهيئات الانسانية) للاجتماع في طهران برعاية وزارة الخارجية للتفاهم والاتفاق على ان الحل في افغانستان سياسي وليس عسكرياً.
التحرك الايراني تزامن مع الاعلان عن استيلاء مقاتلي طالبان على المعبرين الاساسيين البريين الرابطين بين ايران وافغانستان، وهو حراك جاء معتمدا على الموقف الرسمي لإيران التي تسعى لاستتباب الهدوء والامن على حدودها الشرقية، والتأكيد على الحوار الافغاني الداخلي، ومعارضة اي تدخل لقوى خارجية في هذا البلد. وفي ظل ارتفاع مخاطر ان تتحول التطورات الافغانية الى تهديد بالفوضى والحرب، الامر الذي يدفعها الى توظيف طاقاتها الدبلوماسية والميدانية لمنع تطور الاوضاع الامنية نحو مزيد من السوء، من هنا يأتي التحرك الدبلوماسي الذي قامت به الخارجية الايرانية باتجاه حكومة كابل وحركة طالبان وبعض العواصم المؤثرة على الساحة الافغانية ان كان مع روسيا او الباكستان.
الدوائر الايرانية المعنية بالتعامل مع المحيط، ترى انه في حال تصاعدت وتيرة المواجهات بين حكومة كابل وقوات طالبان، فان الاولوية الايرانية ستكون في الحفاظ على امن واستقرار المناطق الحدودية، وقد قامت طهران بتوجيه تحذير للقوى الافغانية بعدم نقل معاركهم باتجاه الحدود الايرانية، مع التمسك بمبدأ الدفع لتسهيل الحوار الافغاني الداخلي خصوصا مع طالبان باعتبارها أحد أهم اللاعبين على الساحة الافغانية. الا ان هذا الموقف قد يخرج عن طبيعته الحوارية والدبلوماسية في حال قررت طالبان اسقاط الحكومة الشرعية والسيطرة على السلطة، والعودة الى منطق التطرف واشعال حرب داخلية وسياسة التطهير العرقي، عندها سيكون لطهران موقف مختلف وستنظر الى سيطرة طالبان كتهديد سياسي وايديولوجي لا يقتصر على افغانستان، بل سيتحول الى ازمة لايران ايضا.
وتضع طهران امامها ثلاثة سيناريوهات للتطورات الافغانية، الاول يقوم على امكانية ان تكون الاعمال الحربية التي تقوم بها طالبان مرحلية، من اجل توظيفها للعودة الى طاولة التفاوض والحوار مع حكومة كابل وهي تملك بيدها التفوق الميداني والسياسي ما يسمح لها بفرض حضورها وشراكتها من موقع القوة. اما السيناريو الثاني، ان تكون نية طالبان العودة للسيطرة على كامل افغانستان وتشكيل امارتها الاسلامية. في حين يذهب السيناريو الثالث الى امكانية الحرب الداخلية وتقسيم افغانستان.
وفي هذين السيناريوهين، ما تعتبره طهران خطرا، ليس على افغانستان وحدها، بل على المنطقة كلها والمصالح القومية لايران، فبالاضافة الى عدم استقرار الحدود الشرقية، ستسمح للقوى الخارجية ان يكون لها دور فاعل على هذه الساحة اكثر من الماضي، ورفع مستوى الصراع بينها ما قد يؤدي الى تعقيد الوضع وما يعنيه ذلك من أثمان قد يكون على ايران ان تدفعها.
وفي الوقت الذي تدفع طهران لتكريس السيناريو الاول والتأكيد على ضرورة واولوية الحوار والمصالحة والتعاون الافغاني، بما يقطع الطريق على الوصول الى الحرب الداخلية والتقسيم والتدخل الخارجي، فإنها تنظر الى استمرار مفاوضات السلام والابتعاد عن الحرب واراقة الدماء، من منطلق التفاؤل بالرهان على التحول في فكر طالبان وابتعادها عن العنف والتشدد، مع الاحتفاظ في الوقت نفسه بالاستنفار الدائم ومراقبة تطورات هذا الوضع المعقد وما يدور خلف كواليس القوى المؤثرة والفاعلة الدولية من مخططات تطال ايران ومنطقة وسط اسيا وضرورة العمل لإيجاد الصيغة المناسبة التي تضمن مصالح طهران ومصالح الدولة والقوى الافغانية.
.
رابط المصدر: