بداية جديدة .. مفهوم موحد للتطرف والإرهاب لم يفعل بعد!!

د. إيمان عبدالمنعم خطاب – مدرس بقسم الصحافة – كلية الإعلام جامعة سيناءالقنطرة شرق

المصدر : مجلة قضايا التطرف والجماعات المسلحة : العدد الثامن آب – أغسطس 2022 , مجلد3 , دورية علمية محكمة تصدر عن  المركز الديمقراطي العربي  “ألمانيا –برلين” .

 

 

إن التطرف والإرهاب ليس ظاهرة جديدة على المجتمع الدولي، فمنذ أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات كثر تداول مصطلحات «الإرهاب الدولي» و«الإرهاب السياسى» على الساحة الدولية حيث شهدت فترة السبعينات ارتكاب 54% من العمليات الإرهابية في أوروبا ، وحوالي 21% في أمريكا الجنوبية ، و14% في أمريكا الشمالية ، و11% في منطقة الشرق الأوسط  ، فظاهرة الإرهاب متأصلة قديماً في أوروبا ما بين اليمين المتطرف واليسار المتطرف والفاشية والنازية ،  إلا أن هجمات 11 سبتمبر دشنت بدايه عهد جديد له وزادت من قيمته الإخبارية ، وخلقت علاقة رمزية بين الوسائل الإعلامية والإرهاب حيث قدر آنذاك أن عدد المنظمات الإرهابية في العالم حوالي 234 منظمة[1] لكن ما تم إدراجه في قائمة الإرهاب لمكتب المنسق لأنشطة مكافحة الإرهاب التابعة لوزارة الخارجية الأمريكية 43 جماعة وحزب فقط .

ومع ارتفاع وتيرة الهجمات والعمليات الإرهابية واتخاذها طابع دولي أصبح الإرهاب يمثل قيمة إخبارية أساسية وثابته تضمن جذب عدد كبير من المشاهدين، بل وتمثل للإرهابيين صك شرعية ودعاية لقضاياهم[2] ، وأصبحت الكاميرات تخصص أوقات طويلة لتغطية الأحداث الإرهابية ، بل وانتهجت قناة الجزيرة سياسة جديدة على الوسط الإعلامي وباتت تذيع شرائط الفيديو التي ترسلها مؤسسة سحاب”لزعيم القاعدة آنذاك اسامة بن لادن” تلك السياسة التي زادت بعد ظهور تنظيم داعش الإرهابي ، كما تزايدت عدد المقالات الصحفية التي تبرز كلمات حول “الارهاب” خاصة في الولايات المتحدة وبريطانيا ، لكن بسياسة إعلامية مختلفة تخضع لمعايير كل دولة وسياستها وأولويات أمنها القومي ومصالحها.

 

 

وإثر تفاقم الانتشار والتطور النوعي للعمليات الإرهابية اتفقت الدول مراراُ وتكراراً على المكافحة وكونت تحالفات دولية ، لكنها لم تتفق على تعريفه ؛ حيث لايزال العالم منقسماً حول تعريف قانوني دولي موحد للتطرف والإرهاب وهناك 19 صكاً دولياً يتعامل مع الإرهاب تعتمد عليه بعض الدول[3] ، وعلى إثرها تختلف السياسة الإعلامية من دولة لأخرى ، وتجلى ذلك في تغطية ومعالجة العديد من الأحداث اخرها مطلع اغسطس 2022 ، إثر “مقتل زعيم تنظيم القاعدة “ايمن الظواهري بطائرة امريكية من دون طيار ، و “مقتل قائد الجناح العسكري لحركة حماس تيسير الجعفري  بغارة إسرائيلية” ، حيث إختلفت السياسة الإعلامية في التعامل مع الحدثين ليس لإختلاف الشخصيتين ولكن لإختلاف سياسة الدول في التعامل مع الحدث ما بين الإدانة والترحيب اختلفت طرق التغطية الإعلامية ، وهذا الجدل والخلاف ليس بجديد.

نحو تعريف موحد للإرهاب

العديد من المحاولات تبنتها الجمعية العامة للأمم المتحدة للتوصل إلى تعريف موحد يلزم كل الدول ويوحد السياسات العالمية ، لكنها لم تتوصل بسبب اختلاف وجهات النظر بين الدول الأعضاء ، خاصة بشأن اذا ما تم استخدام العنف من قبل الأنظمة لقمع التمرد يمكن تعريفه” أعمال إرهابية” خاصة وأن الأمم المتحدة ومجلس الأمن لم يوجه قطاً اتهامات مباشرة ضد أي دولة لإرتكابها “جرائم إرهابية[4]“.

كما كانت هناك محاولات قبل إنشاء الأمم المتحدة ، يذكر أن أول محاولة للتوصل إلى تعريف موحد صاغتها عصبة الأمم – المنظمة الدولية التي انشئت في اعقاب الحرب العالمية الأولى ” إتفاقية جنيف عام 1937[5] لمنع الإرهاب والمعاقبة عليه ، حيث عرّفت “الأعمال الإرهابية” باعتبارها “الأعمال الإجرامية الموجهة ضد دولة ما وتستهدف، أو يقصد بها، خلق حالة من الرعب في أذهان أشخاص معينين، أو مجموعة من الأشخاص، أو عامة الجمهور” ، ولم يتم الموافقة عليه بسبب الخلافات بين الدول الأعضاء على المواد المتعلقة بتسليم المجرمين ، وهو ليس مختلف عن السياسة الحالية وربما أبرز مثال ما حدث بعد 30 يونيو من تعامل بعض الدول مع قيادات تنظيم الإخوان ورفض تسليمهم كدولتي “قطر وتركيا” وكذلك فتح مساحات إعلامية لظهورهم وعرض افكارهم وأرائهم ، وبينما كان الإعلام المصري يصفهم بالإرهاب إمتثالاً للعمليات التي تورطوا فيها كان إعلام تلك الدول يدافع عنهم.

 

 

وفي عام 2004، وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على القرار رقم (1566)،” الذي أدان الأعمال الإرهابية وأشار إليها بوصفها أعمال إجرامية” ، وبرغم عمومية ومطاطية التعريف  إلا إنه أيضاً لا يزال هذا الإعلان غير ملزم للدول الأعضاء ، وأطلق الأمين العام «كوفى عنان» مقترحاته لوضع استراتيجية شاملة لمكافحة الإرهاب في 10 مارس [6]2005 ، واتفقت الدول الأعضاء على إدانة الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره أياً كان مرتكبه، وأينما ارتكب، وأياً كانت أغراض ارتكابه، إدانة واضحة وقاطعة. كما اتفق أيضاً قادة العالم على بذل كل جهد ممكن للتوصل إلى اتفاق بشأن تعريف موحد للإرهاب، ووضع صيغة نهائية لاتفاقية شاملة بشأن مكافحة الإرهاب[7] ، لكنه لم يحدث حتى الآن.

بداية جديدة… خطاب أوباما

“بداية جديدة” … ذلك الأسم الذي أُطلق على خطبة ألقاها الرئيس الأمريكي أوباما في يونيو 2009م  من جامعة القاهرة بجمهورية مصر العربية ، حيث تم إعدادها بدقة في اختيار الكلمات والاقتباسات من جميع الكتب المقدسة ، داعياً خلالها إلى الفهم المتبادل بين العالم الإسلامي والعالم الغربي خاصة في مواجهة التطرف ومجابهة الإرهاب ، قائلاً “يجب على الطرفين أن يبذلا وسعيهما لمواجهة التطرف العنفي”، ثم تطرق بعدها إلى الحديث عن السلام ووقف الصراع  الفلسطيني الإسرائيلي  ولم ينسى التأكيد على أواصر العلاقات الأمريكية الإسرائيلية قائلاً “إن الولايات المتحدة لا تقبل مشروعية من يتحدثون عن إلقاء إسرائيل في البحر، كما أننا لا نقبل مشروعية استمرار المستوطنات الإسرائيلية[8]”  ، ثم تحدث عن الأسلحة النووية مشيراً إلى دولة إيران.

وأثار خطاب أوباما تأثيرات عامة على المستوى السياسي والإعلامي وفتح آفاق جديدة أكثر أمل بأن هناك توجه عالمي للحرب على الإرهاب ودحض الأفكار المتطرفة  ، وتبع الخطاب إنشاء مركز الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب عام 2011م[9] ، وفي نفس العام قرار غرفة الاستئناف في المحكمة الدولية باعتبار “الإرهاب جريمة دولية” ؛ وذلك للمرة الأولى على إثر اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري عام 2005 ، ثم جاءت موافقة الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر 2015 على القرار رقم 120/70[10] ، والذي أوصى بأنشاء مجموعة عمل لصياغة اتفاقية شاملة بشأن الإرهاب الدولي ، إلا انه سرعان من إنطفئ التوهج بوصول النقاشات لطريق مسدود وعدم القدرة على وضع معايير مشتركة ومحددة لتعريف التطرف والإرهاب ، وزادت المفارقات واستمرت سياسة أسلمة الإرهاب والتعامل مع كل تنظيم إرهابي غير مدمج بالقائمة الأمريكية طبقاً للسياسة المحلية فقط ، أما الصراع الإسرائيلي فلم يشكل تهديد إرهابي بعد .

أسلمة الإرهاب بصك عالمي..الجزيرة نموذجاً

تزامن إنشاء قناة الجزيرة مع إغلاق القسم العربي لتلفزيون هيئة الإذاعة البريطانية عام 1996 ، وفور إنشاء القناة بمنحة من الشيخ حمد بن خليفة قدرها 150مليون دولار اشتركت في القمر الصناعي “النيل” المسخر لخدمة المنطقة العربية والخليج ، واستطاعت أن تصل لمختلف الدول وتكسب قدر من الاهتمام حيث كسرت القاعدة العربية المتبعة في تناول القضايا السياسية  ، وباتت بمثابة “قوة ناعمة” في إطار المشروع السياسي القطري ووسيلة للضغط على الخصوم ، وترويج السياسة والأجندة العالمية وأبرزها تسليط الضوء على “الصراع الاسرائيلي الفلسطيني برؤية جديدة – أسلمة الإرهاب – تشوية الصورة الذهنية لإيران” ، وقامت وزارة الخارجية القطرية بإقامة أول مؤتمرات مايسمى “منتدى الولايات المتحدة والعالم الإسلامي” في الدوحة بالتعاون مع مركز صبان لسياسات الشرق الأوسط التابع لمعهد بروكنجز ، لبحث كيفية “القضاء على الإرهاب الإسلامي” ، وتم الترويج لفكرة ربط الإسلام بالارهاب بطريقة مباشرة وغير مباشرة مثل إذاعة شرائط قادة القاعدة وربط القاعدة بالمقاومة الفلسطينية ، ومن الأمثلة عام 2002 بث شريط يظهر فيه  الحزنوي “أحد مرتكبي أحداث 11 سبتمبر” وهو يرتدي الكوفية الفلسطينية” ليربط بين المقاومة والقاعدة .

كذلك الشريط الذي تردد انه مفبرك ومنسوب للظواهري والذي نشرته الجزيرة في سبتمبر 2008 ، يتحدث فيه عن خطر الهلال الشيعي ورحمة السني ، ومدى الخطر الناجم عن بلاد فارس ، وتبعته قناة الجزيرة بوضع استفتاء للتصويت عليه وكان مفاده أيهما أشد خطراً على الإسلام “الشيعة أم إسرائيل” ، وهنا يتضح أن الجزيرة كانت تحاول تأجيج وتعميق الفتنة وتشبيه الشيعه باليهود ، وهنا إيحاء بأن الإرهاب إسلامي سني[11] ، فبات الخطاب الإعلامي للجزيرة لسان حال أمريكا ، وأكثر مقاربة لمفهوم الإرهاب الذي يتمسك به الخطاب السياسي والإعلامي الصهيوأمريكي والذي يستهدف تشوية صور وأنشطة المقاومة وأسلمة وتعريب الإرهاب، والخلط بين الأصول المتطرفة الدين الإسلامي [12].

 

 

مفارقة إعلامية عالمية تجاه التنظيمات “داعش والإخوان نموذجاً”.

 

 

ثمة مفارقات إعلامية كبيرة في تغطية الأخبار المتعلقة بتنظيم داعش وتنظيم الإخوان ، حيث ان هناك إعتراف دولي وتصنيف موحد لتنظيم داعش بإنه تنظيم إرهابي ، بل وتم تدشين التحالف الدولي عام 2014م  لمكافحته ،وتميز منذ اللحظة الأولى بإلتزام أعضاؤه البالغ عددهم 85 عضواً بالتصدي للتنظيم على كافة الجبهات، والعمل على هدم شبكاته وإفشال خطة التوسع العالمي ، إلى جانب الحملة العسكرية والتعهد بمواجهة البنية التحتية المالية والاقتصادية للتنظيم وعرقلتها، والتصدي لتدفق المقاتلين الأجانب عبر الحدود، ومواجهة دعاية التنظيم[13].

لذا فالسياسة الإعلامية لكلاً من “بي بي سي وديلي ميل والجارديان البريطانية ، رويترز وواشنطن بوست وآ آر تي الأمريكية ، العرب والشرق والجزيرة القطرية ، الأهرام واليوم السابع واون تي في المصرية ، سبوتنيك الروسية ، العين الإماراتية”  لا تختلف وتجد بعد تحليل الخطاب في تلك الوسائل بأن المصطلحات متقاربة جدا والرسائل موحدة ، حتى وإن اختلفت و تعدد الأطر المستخدمة في المعالجة الإعلامية ، قبل التحالف تعاملت جميع وسائل الإعلام -عدا التابعة لتنظيمات إرهابية- مع تنظيم داعش على إنه تنظيم إرهابي ولم تجد أي وسيلة تتعامل معه كفصيل سياسي أو فصيل مجتمعي – لم يفتح لهم المجال للظهور الإعلامي ولم يقدم دعم إعلامي ، تم إظهار وحشية التنظيم وعرض فيديوهاته وعلمياته على وسائل الإعلام التقليدية – تشابه تعامل الإعلام التقليدي مع تنظيم داعش كما تنظيم القاعدة ، وذلك يؤكد ان السياسة الإعلامية ترتبط بالسياسة الدولية وتوجهات المجتمع الدولي ، حيث كما أطلقت أمريكا وحلفائها صك الإرهاب الدولي على القاعدة كان على داعش ، بعد التحالف الدولي جاءت المعالجة في مقدمتها إطار الاستراتيجية : من خلال عرض التعاون الاستراتيجي بين إسرائيل وأمريكا والحلفاء العرب والأتراك لمواجهة تنظيم الدولة من خلال عرض النفوذ والقوة التي تتمتع بها تلك الدول ، تلاه “دعم الحملات الجوية التي تقودها الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة” ، ثم حجم المعلومات الإستخباراتية والصور التي التقطتها اسرائيل عبر أقمارها الإصطناعية التجسسية ، وكذلك دحر التنظيم في سوريا والعراق وهزيمته .

أما تنظيم الإخوان فترفض العديد من الدول على رأسها أمريكا وبريطانيا وضعها على قوائم الإرهاب أو تصنيفه تنظيم إرهابي برغم إدانة قادته في عمليات إرهابية وإثبات تسليم إعتصامي رابعة والنهضة ، وبرغم علاقته الواضحة مع حركة حماس المدرجة على قوائم الإرهاب في كلاً من “الاتحاد الأوروبي، كندا ، استراليا ، اسرائيل “، لكن شأن الإخوان إعلامياً كشأن “الجماعة الإسلامية ، مجلس شورى المجاهدين ، حركة ايتا الباكسية ، المجموعة اليهودية المتطرفة” التي وضعت على قوائم الإرهاب ثم رفعت في مايو 2022 ، فتختلف أوجه التعامل معه إعلامية طبقاً للسياسة الداخلية للدولة  ، وهذا يجعل التغطية الإعلامية مختلفة من دولة لأخرى حسب توجهها ومصالحها تجاه التنظيم .

الإعلام الرباعي يستخدم مصطلح تنظيم الإخوان الإرهابي ،حيث تعتبره كلاً من الدولة المصرية والمملكة السعودية والإمارات العربية ودولة البحرين تنظيم إرهابي  ، لذا تجد التغطية الإعلامية تعمل على تصدير تلك الصورة الذهنية وإظهار تاريخ تنظيم الإخوان الدموي ، أما دولة كقطر لا تعتبر تنظيم الإخوان إرهابي فتستضيف قادته في وسائل الإعلام وتنشر أفكارهم ورؤاهم ،  أما بريطانيا فتحتضن التنظيم الدولي للإخوان على أراضيها وبرغم الأخبار المتفاوتة حول وجود تحقيقات في انشطة التنظيم ، إلا انه لا يذكر تحول في الرؤية البريطانية تجاه التنظيم وكذلك الاعلامية ،  وأمريكا تعتبره تنظيم وسطي  وترفض كل مشاريع القوانين التي تقدم لإدراجه في قوائم الإرهاب ، واخرها ” مشروع السيناتور تيد كروز للكونغرس الأمريكي” .. أما المغرب فتعتبره فصيل سياسي بحزب العدالة والتنمية فتختلف التغطية بين المدح والانتقاد.

أي أن المفارقة بين التغطية الإعلامية لإرهاب تنظيم داعش وإرهاب تنظيم الإخوان مرتبطة بقوائم الإرهاب العالمية أي بسياسة الدول العظمي ، وذلك لإختلاف التعريف والتصنيف ، وكما هو موضح بالشكل التالي تفاوت الدعم والإدانة للتنظيم والذي يتوافق مع التوجه العالمي .

وكما هو يتضح في فرق التعامل بين القاعدة كتنظيم إرهابي ، وبين الجماعة الإسلامية بالرفع من قوائم الإرهاب ، رغم وجود فيديو للظواهري بث في أغسطس 2006 ، يؤكد التواصل بين القاعدة والجماعة الإسلامية في مصر ، ويقول أن الجماعتين يشكلان صفاً واحداً في مواجهة الأعداء”[14]  ،  ومن المفارقات الواضحة أيضاً أن يدرج كتائب عز الدين القسام منظمة إرهابية محظورة في بريطانيا منذ عام 2001 ، لكن حماس ككل غير مدرجة في القائمة” ،  أم أمريكا تعتبر حماس ككل منظمة إرهابية”.

 

 

مفارقة إعلامية عالمية للأحداث “شارلي ايبدو والروضة نموذجاً”

 

 

نالت حادثة “الهجوم على صحيفة شارلى ايبدو” تغطية إعلامية غير مسبوقة وغير متكررة على المستوى العالمي بمختلف الدول العربية والغربية ، ذلك الحادث الذي وقع في 7يناير 2015 وأسفر عن مقتل 12 شخص وإصابة 11 آخرين ، لا وجه لمقارنة العدد والحدث بحادث “مسجد الروضة” الذي وقع في نوفمبر 2017 ، واسفر عن استشهاد 305 شخص وإصابة  128 أخرين شخص .. ولكنه لم يحظى بذات التغطية الإعلامية القوية رغم أن معلن مسئوليته عن الحدثين واحد “تنظيم داعش” .

لكن إختلاف التغطية الإعلامية إرتبط بالتعامل الدولي والسياسة الخارجية ووقفة الدول العظمي ، فما بين خطاب تعزية وتنديد وإدانه للعملية الإرهابية في “حادث مسجد الروضة” إلى مسيرة حاشدة شهدتها فرنسا تضامناً مع ضحايا الحادث شارلي إيبدو ، تلك المسيرة المليونية بمشاركة قادة وممثلي 50 دولة حول العالم ، من بينهم الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند و رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ووزير الخارجية المصري سامح شكري[15].

تلك المسيرة هي التي أضفت ختلاف المعالجة الإعلامية ، ربما اعطت ثقلاً للحدث أكبر من الحدث نفسه وباتت التغطية أكبر وأكثر متابعة حيث قدمت تلك المسيرة مادة لإستمرار الحديث الإعلامي حول الحادث ، وعلى صعيد متصل أشادت مختلف الصحف بمشاركة مسئولين بلادهم في تلك المسيرة …مما أطال عمر التغطية الإعلامية للحداث مقارنة بمسجد الروضة الذي تعمدت بعض وسائل الإعلام الغربي وخاصة الأمريكية تناوله بأنه حادث قتلا وليس عملاً إرهابي ..حيث أستخدمت صحيفة نيويورك تايمز وصحيفة أي بي سي “مصطلح معارضة مسلحة بدل من إرهابيين”.

مفارقة الإعلام الدولي  تجاه “الصراع الفلسطيني الاسرائيلي”

من خلال هذه المفارقة بتضح رفض بعض الدول الاعضاء لتوحيد مفهوم الإرهاب ، حيث انه لم يحدث أن وجهت لدولة اتهام بالإرهاب بشكل رسمي وقانوني ، وهو المرفوض تمامًا دولياً تجاه اسرائيل ، ويظهر في التفاوت السياسي والإعلامي نحو الصراع المتأجج الغير محسوم بين فلسطين وإسرائيل .

قررت الولايات المتحدة إضافة حماس إلى قائمة الإرهاب مؤكدة أن موقفها ينبع من إستخدام الجماعة للعنف ومعارضتها لمصالح أمريكا بالشرق الأوسط ، ولإنها تتلقى دعماً من إيران ، كان هذا الموقف كفيل أن يرسم ويحدد السياسة الإعلامية العامة تجاه منظمة حماس بأن يتحد الإعلام الدولي مهاجماً حماس ، لكن تفاوت حسم الأمر من مختلف القوى العظمى ، جعل السياسة الإعلامية متقلبة تجاه حركة حماس ما بين المقاومة والإرهاب ، وبالتالي ما بين الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ، وهذه أبرز التوجهات الإعلامية لحركة حماس:

  • الإعلام الأمريكي : يعتبر الإعلام الأمريكي حركة حماس إرهابية  ، ويركز دائماً على ذلك الوصف مشيراً لتصريح جورج بوش الأبن “حماس هي جماعة متطرفة.. إنها واحدة من أكثر التنظيمات الإرهابية فتكاً في العالم[16] ” ، كما تعتبر تحركاتها تجاه إسرائيل بإنها عمليات إرهابية نتاج تمويلها من بعض الجهات الإيرانية.
  • الإعلام الألماني : يحذو حذو الأمريكي ويعتبر حماس منظمة موحدة إرهابية لا يمكن فصل عملها السياسي عن الإرهابي ، وكذلك إعلام الإتحاد الأوروبي حيث إنها مدرجة في قائمة الإرهاب منذ عام 2017م ،
  • الإعلام الأردني : الذي يتخذ ذات الاتجاه الإعلامي والسياسي بعد رفض الاردن السماح لحماس بالعودة واستمر حظرها عام 2013م ، وكذلك إعلام المملكة السعودية إذ يعتبر حماس فرع من فروع تنظيم الإخوان المحظور منذ عام 2014م.
  • الإعلام البريطاني : يبدو محايد حيث إنه يفصل بين حركة حماس وجناحها العسكري ، فحال الأخبار التي تتحدث عن حماس تارة يعتبرها مقاومة وتارة يدين تحركاتها ، أما الأخبار حول كتائب عز القسام تصفها بالإرهابية دائما.
  • الإعلام الصيني : يتعامل مع حركة حماس بإنها فصيل سياسي وصل للسلطة عبر انتخابات قانونية ، وذلك نظراً للعلاقات السياسية بين الصين وحركة حماس.
  • الإعلام التركي : يعتبر حماس نموذج للمقاومة والنضال للدفاع عن أراضيها ، ويرحب بهجماتها وتحركاتها ضد إسرائيل ، بل ويدين جميع التحركات الإسرائيلية ضد حماس وقادتها.

ونتاج السياسة الإعلامية المتفاوتة ، وكذلك الأداء السياسي لحركة حماس تجد إنقسام داخل الأراضي الفلسطينية والإعلام الفلسطيني بين التأييد والرفض لحركة حماس وقادتها .

خاتمة

إن السياسة الإعلامية متغيرة طبقاً لسياسات الدول المتغيرة حسب علاقاتها الخارجية ومصالحها وأولويات أمنها القومي ، واتفق العالم كله على أن مكافحة الإرهاب قضية أمن قومي عالمية ، وأتضح خلال السنوات الماضية تحول تكتيكي ونوعي واستراتيجي في انتشار التنظيمات الإرهابية وعملياتها ، وأصبح من الصعب تحديد وجهتها خاصة في ظل انتشار الذئاب المنفردة والعائدين من التنظيمات التي تم مجابهتها .

وإذا استمرت المواجهات المحلية لن تثمر بمكافحة حقيقية وقضاء جذري على التطرف والإرهاب ، فبات من الضروري حماية الأمن القومي العالمي من فرط استخدام العنف الإرهابي المؤدلج ،وإخماد الحرب بالوكالة من خلال تنظيمات فينقلب الأمر على صانعيه ، والعمل على خلق مساحة مشتركة لقائمة إرهاب عالمية قائمة على مفهوم موحد للإرهاب ومعايير يتم صكها بموافقة جميع الأعضاء ، فلا تحارب دولة الإرهاب وتستقبل دولة أخرى وتأوي قاده الإرهاب .

وربما ما عانته مختلف دول العالم جراء 2011م من عمليات إرهابية في “مصروالسعودية ، باكستان والهند والعراق ، روسياوتركيا وفرنسا وألمانيا وأمريكا” ، إنذار حقيقي فإن كان هدف الارهاب خلق اضطرابات في التوازنات الداخلية والخارجية ، والسيطرة على دول ، وإن كانت مواجهته داخلياً كما جاء في كتاب “الارهاب”لفرج فودة  بالتعليم والوعي والتثقيف ،ومواجهه المشاكل الاقتصادية ، والوحدة الوطنية” ، فإن مواجهته دولية تتطلب وحده عالمية بمفهوم موحد وحرب حقيقية بدافع مكافحته فعلياً والقضاء عليه وعدم منهجة إستغلاله لمصالح سياسية .

[1] – واقع التنظيمات الإرهابية وانتشارها ، متاح على http://www.moqatel.com/openshare/behoth/siasia2/erhab/sec04.doc_cvt.htm ، تاريخ الزيارة 30/7/2022.

[2]–  Jared Ahmad, how politicians and the media turned terrorism into an Islamic issue, the conversation site, date 1sep2021, available at: https://theconversation.com/9-11-how-politicians-and-the-media-turned-terrorism-into-an-islamic-issue-1677 ,visited 6/8/2022.

[3] – أحمد ابو الروس، الارهاب والتطرف والعنف الدولي، ط1 ،المكتب الجامعي الحديث، الاسكندرية ،2001،صـ25/27

[4] – استراتيجية الأمم المتحدة العالمية لمكافحة الإرهاب ، متاح على https://www.un.org/en/counterterrorism/legal-instruments.shtml ، تاريخ الزيارة 7/8/2022

[5] –  دليل تشريعي للاتفاقيات والبروتوكولات العالمية لمكافحة الإرهاب. الامم المتحدة .نيويورك .2003 . متاح على https://www.unodc.org/pdf/crim e/terrorism/Legislative_Guide_Arabic.pdf ، تاريخ الزيارة 7/8/2022.

[6]  –  عنان يقترح استراتيجية من 5 نقاط لمكافحة الإرهاب ، الامم المتحدة ، مارس2005 ، متاح على https://news.un.org/ar/story/2005/03/35512 ، تاريخ الزيارة 29/7/2022.

[7] – د/ مفيد شهاب , دور المجتمع الدولى فى مكافحة الإرهاب «3-3»، بتاريخ 4يناير2015,المصرياليوم ، متاح على https://www.almasryalyoum.com /news/details/638801 ، تاريخ الزيارة 2/8/2022

[8]  – خطبة باراك أوباما في جامعة القاهرة 2009م ، متاح علىhttps://ar.hora.org/wiki/%D8%AE%D8%B7%D8%A8D8%B9% 8%A7%D9%87%D8%B1%D8%A9_2009 ، تاريخ الزيارة 31يوليه2022م.

[9] – United national/office of counter-terrorism, available at: https://www.un.org/counterterrorism/ctitf/ar , visited 1/8/2022

[10] -2030 Agenda—A Unique Opportunity to Address Conditions Conducive to the Spread of Terrorism, united nations, available at: https://www.un.org/en/chronicle/article/2030-agenda-unique-opportunity-address-conditions-conducive-spread-terrorism , visited 5/8/2022.

[11] – صابر بقور ، داعش برؤية الجزيرة عبر الفيسبوك الخطاب وانماط الوعي الجماهيري، دار الخليج للصحافة والنشر ، شيكاغو ، ط2 ، 2017م.

[12] –  علي العبيدي ، في الحرب على الإرهاب : من إرهاب المفهوم إلى إرهاب المقاربة ، مركز التوثيق والمعلومات في مركز دراسات الوحدة العربية، دار المنتدى للنشر ، 2018م .

[13] – 85 شريكاً اتحدوا لتأكيد هزيمة داعش المتحققة، متاح على الرابط: https://theglobalcoalition.org/ar/ ، تاريخ الزيارة 7/8/2022.

[14] –  al-Zawahiri: Egyptian militant group joins al Qaeda CNN . available at : http://edition.cnn.com/2006/WORLD/meast /08/05/zawahiri.tape/index.html ، visited 26/7/2022  .

[15]  – مسيرة فرنسا ضد الإرهاب وتضامن مصر تتصدر اهتمامات الصحف اليوم ، 12يناير2015، موقع مصراوي ، متاح على : https://www.masrawy .com/news/news_egypt/details/2015/1/12/427620/%D9%85%D8%B3%D9%8A%D8%B1%D8%A9-%D9%81%D8%B1% D9%86% 6%D8%A7%D9%85 %D9%8 6-%D9%85% D8%B5 %D8%B1-%D8% 84%D8%B5%D8%AD%D9%81-%D8%A7%D9 %84%D9%8A%D9%88 %D9%85  ، تاريخ الزيارة 9/8/2022.

[16] – واقع التنظيمات الإرهابية وانتشارها ، متاح على http://www.moqatel.com/openshare/behoth/siasia2/erhab/sec04.doc_cvt.htm ، تاريخ الزيارة 30/7/2022.

 

.

رابط المصدر:

https://democraticac.de/?p=84203

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M