بعد مرور خمسة أشهر على الحرب الأهلية الأخيرة في ليبيا، تستمر أعمال العنف بلا هوادة. فمنذ أن أطلق خليفة حفتر هجومه على طرابلس في نيسان/أبريل، خلفت الحرب أكثر من 1100 قتيل وأكثر من 100 ألف متشرد. وقد تحولت طبيعة القتال من هجوم بري عموماً إلى هجوم يعتمد على الضربات الجوية من مجموعة من الطائرات الليبية القديمة والطائرات بدون طيار المستوردة.
وبدلاً من تقليص الأضرار الجانبية، من المرجح أن تكون الطائرات بدون طيار مسؤولة عن هجمات الإصابات الجماعية ضد المدنيين. ويبدو أن وقف إطلاق النار أو العودة إلى المفاوضات السياسية بين “حكومة الوفاق الوطني” المعترف بها دولياً و”الجيش الوطني الليبي” بقيادة حفتر أصبح مستحيلاً أكثر من أي وقت مضى، على الرغم من النداءات المتكررة من المجتمع الدولي التي تدعو إلى إحلال السلام.
وفي الآونة الأخيرة، أعلن قادة مجموعة الدول السبع عن دعمهم لـ “وقف طويل الأجل لإطلاق النار” في ليبيا وضرورة التوصل إلى “حل سياسي”. وقد أصبحت مثل هذه التصريحات الدولية الروتينية خطابات رنانة خالية من أي معنى.
هذا ويطرح التقليد القديم بعقد مؤتمرات دولية ترمي إلى تحفيز محادثات السلام مشكلة بدوره. وكان البيان الصادر عن مجموعة الدول السبع بقيادة فرنسا قد حثّ على عقد “مؤتمر دولي آخر معدّ بشكل جيد يجمع كافة أصحاب المصلحة والأطراف الإقليميين ذوي العلاقة بهذا النزاع”. وكرّر وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان نيّته عقد مثل هذا المؤتمر في خطاب أدلى به في 29 آب/أغسطس.
يُذكر أنه منذ انتخاب إيمانويل ماكرون رئيساً في عام 2017، استضاف مؤتمرين مماثلين حول ليبيا – وذلك قبل اندلاع الحرب الأهلية الأخيرة. وكانت مقاربة فرنسا إزاء ليبيا، التي شملت عموماً حفتر باعتباره لاعباً سياسياً أساسياً وسعياً إلى ضمّه إلى الساحة السياسية، قد باءت بالفشل. ومن شأن عقد مؤتمر دولي آخر له الاستراتيجية ذاتها، سواء عُقد في باريس أو في إطار الاجتماعات المقبلة لـ الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، أن يكرر الوعود الفارغة نفسها. ولكي يحقق أي مؤتمر نتيجة ملموسة، يجب أن يركّز على معالجة أحد الأسباب الرئيسية للحرب الأهلية الأخيرة: تسليح الطرفين الفاضح من أطراف خارجية في انتهاك لحظر الأسلحة الساكن المفروض منذ فترة طويلة من قبل مجلس الأمن الدولي.
وكان مجلس الأمن قد فرض حظراً على توريد الأسلحة في إطار تدخله في ليبيا عام 2011. وبقي ساري المفعول على الورق فقط. ولا توجد آلية تنفيذ للتحقق من السفن أو الرحلات الجوية التي تنقل شحنات أسلحة محتملة. والأسوأ من ذلك، أن هذا يحصل في وضح النهار حيث يتمّ تفريغ المركبات المصفحة على الأرصفة وتحلّق الطائرات المسلحة بدون طيار في السماء الآتية بوضوح من خارج ليبيا. ومع استمرار الحرب، يعتمد كل طرف على مزودين خارجيين من أجل أن يضاهي الأسلحة والأنظمة المتطورة بشكل متزايد من الطرف الآخر.
وكما صرّح المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى ليبيا غسان سلامة أمام مجلس الأمن في أواخر تموز/يوليو، “لقد تمّ مؤخراً نقل طائرات مسلحة بدون طيار ومركبات مصفحة وشاحنات نقل صغيرة محملة بالأسلحة الثقيلة والمدافع الرشاشة والبنادق عديمة الارتداد وقذائف الهاون والصواريخ إلى ليبيا بتواطؤ مع حكومات أجنبية ودعمها الواضح بالفعل”.
فمن جهة، تردد أن تركيا – التي لم تنْضمّ أبداً إلى توافق دولي يدعو إلى وقف إطلاق النار – قد زوّدت “حكومة الوفاق الوطني” بمركبات مصفحة وطائرات بدون طيار. من جهتها، تدّعي الإمارات العربية المتحدة علناً أنها تدعم وقفاً لإطلاق النار ولكنها لطالما دعمت قوات حفتر من خلال بناء قاعدة جوية عسكرية في شرق ليبيا وتزويد “الجيش الوطني الليبي” بطائرات بدون طيار صينية الصنع إلى جانب مركبات مصفحة ومواد إضافية.
أما فرنسا، التي كشفت عن دعمها لحفتر في عام 2016 حين لقي ثلاثة عناصر من القوات الخاصة الفرنسية حتفهم في تحطم مروحية في بنغازي، فقد أرسلت مؤخراً قواتها لمرافقة “الجيش الوطني الليبي” في هجومه على طرابلس. وتم الكشف عن وجودها من خلال اكتشاف صواريخ “جافلين” الفرنسية المضادة للدبابات بعد أن قامت قوات “حكومة الوفاق الوطني” بطرد “الجيش الوطني الليبي” من مدينة غريان الاستراتيجية. وبررت فرنسا وجود صواريخ “جافلين” الأمريكية الأصل لحماية قواتها، مقرةّ بشكل أساسي أنها نشرت قوات لمساعدة حفتر. ومع ذلك، تدعو فرنسا باستمرار إلى وقف إطلاق النار واستئناف المفاوضات السياسية – على الأقل تسع مرات منذ هجوم حفتر – بأشكال مختلفة ومتعددة الأطراف.
ويُعتبر عقد مؤتمر آخر حول ليبيا سبباً لاستمرار الجمود السياسي، ما لم يعالج بشكل ملموس مسألة استيراد الأسلحة بطريقة غير قانونية. فحتى الآن لم يصل أي من الطرفين المتنازعين إلى النقطة التي يفضل فيها التسوية السياسية على استمرار الحرب، لا سيما بالنظر إلى الانقسام المتنامي في البلاد. وبالتالي، تتمثل الطريقة الوحيدة لتغيير إمكانية استئناف المفاوضات السياسية في البدء باستنزاف مصدر الأسلحة والمعدات الخاصة بكل طرف.
وتعدّ واشنطن المرشح الأفضل لقيادة مثل هذه المبادرة. فبما أن مصر وفرنسا والإمارات وافقت على “منع شحنات الأسلحة المزعزعة للاستقرار” إلى ليبيا في 16 تموز/يوليو، يتعين على الولايات المتحدة دعوة هذه الدول إلى الوفاء بهذا الالتزام وإلى مناقشة إعداد آلية لفرض حظر توريد الأسلحة. وإذا وافقت هذه الدول الحليفة، فقد يؤدي ذلك إلى عزل تركيا ويعرّض هذه الدول إلى حظر إمدادات الأسلحة بطريقة قد لا تناسبها، علماً بأن آلية تطبيق محدودة لن تتطلب فريق تفتيش دولي كبير على الأرض أو نشر قوات بحرية.
وبدايةً، يمكن للولايات المتحدة أن تقدم تحليلاً علنياً للصور يكشف استخدام أي من الطرفين لطائرات مسلحة بدون طيار. ومن شأن تجريد حفتر من قدرته على تنفيذ هجمات جوية أن يحد بشكل كبير من قدرته على مواصلة الهجوم في الغرب. كما أن منع الشحنات التركية من شأنه أن يقلل قدرة قوات “حكومة الوفاق الوطني” على إعادة التسلح.
ولا تزال “بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا” الجهة الأفضل للدعوة إلى حوار سياسي متجدد ومحسّن بين كافة الليبيين، وليس فقط طرفي النزاع. لكن من دون دعم المجتمع الدولي والجهود الحثيثة لمنع الطائرات بدون طيار من التحليق ووقف إمدادات الأسلحة، تتمتع الأمم المتحدة بنفوذ ضئيل لتجديد محادثات السلام ومساعدة عملية الانتقال السياسي المتوقفة في ليبيا منذ فترة طويلة.
رابط المصدر: