تعتبر الصواريخ الباليستية سلاحًا استراتيجيًا عابرًا للحدود، وللقارات أيضًا، ويمكن تسليح هذه الصواريخ برؤوس نووية أو كيميائية أو بيولوجية، مما يجعلها قوة ردع وتهديد لقدرتها التدميرية الضخمة، لذا يعد الصاروخ الباليستي سلاحًا فعالًا لاسيما للدول التي لا تمتلك سلاحًا جويًا متطورًا قادرًا على اختراق دفاعات خصومه، كما يُمكن الدول من تهديد خصومها البعيدين عنها جغرافيًا[1].
ومن هذا المنطلق تعتبر إيران تكنولوجيا الصواريخ والطائرات المسيرة، جزء حيوي من تعزيز استراتيجيتها للدفاع والردع وبسط نفوذها خارج نطاق حدودها لاسيما، مع التراجع والتقادم في قدرات سلاحها الجوي، لذا سعت إيران خلال العقود الماضية لتطوير تكنولوجيا الصواريخ الخاص بها، وزيادة الاستثمار في برنامج الصواريخ لاسيما الصواريخ الباليستية، نظرًا لأن الصاروخ الباليستي يعد من إمكانات الردع القوية، ويصل لأهداف بعيدة المدى وبسرعة عالية، وبتكاليف أقل مقارنة بالطائرات لنفس الغرض.
ما هي الصواريخ البالستية:
يُعرف الصاروخ الباليستي أو الصاروخ القوسي أو القذيفة التسيارية، بأنه صاروخ يتبع مساراً منحنيًا “أو شبه مداري”، وهو مسار يتأثّر حصرًا بالجاذبية الأرضية والاحتكاك الهوائي، ويتميز بقدرته على حمل أنواع مختلفة من الرؤوس الحربية مثل الرؤوس الكيميائية “النووية”، والشديدة الانفجار، وينطلق الصاروخ الباليستي في شكل قوس بين نقطتين، هما نقطة الإطلاق والهدف الأرضي الذي يمثل النقطة الثانية في نهاية القوس؛ وتوجد أربع فئات للصواريخ البالستية من حيث المدى وهي:
- صاروخ باليستي عابر للقارات (ICBM) أكبر من 5500 كم.
- صاروخ باليستي فوق المتوسط (IRBM) من 3000 إلى 5500 كم.
- صاروخ باليستي متوسط المدى (MRBM) من 1000 إلى 3000 كم.
- صاروخ باليستي قصير المدى (SRBM) حتى 1000 كم.
وتُنشر الصواريخ البالستية علي منصات إطلاق إما من قواعد أرضية تحت الأرض أو بواسطة منصات متحركة على الناقلات، كما يمكن إطلاقها من الطائرات “Condor-II”، ومن الغواصات والسفن، حيث تمتلك خمسة دول في العالم وسائل إطلاق الصواريخ الباليستية من الغواصات تحت الماء أو أثناء وجودها في الموانئ وتعرف الصواريخ في هذه الحالة باسم”SLBMs”، وهذه الدول هي “الولايات المتحدة الأمريكية، روسيا، الصين، فرنسا، وبريطانيا”
وفيما يتعلق بطول الصاروخ الباليستي، فيتراوح ما بين 30: 100 قدم ويملأ بالوقود السائل أو الصلب، ويوجد المحرك في قاع الصاروخ وأنظمة التوجيه، إضافة إلى وسائل للتسارع على جانبيه.
ويتكون الوقود السائل من مواد مقطرة غنية بالكربون والهيدروجين تدمج مع الأوكسيجين السائل داخل المحرك لتحترق وينتج منها قوة دافعة تحرك الصاروخ إلى أعلى. بينما يتكون الوقود الصلب من مسحوق بعض المعادن مثل الزنك أو الماغنيسيوم يتم خلطها مع مصدر صلب للأوكسيجين أو خليط منها جميعًا يحترق داخل المحرك.
متى بدأ برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني؟:
تمتلك إيران أكبر ترسانة صواريخ باليستية وأكثرها تنوعًا في الشرق الأوسط، ومقارنة بإسرائيل فإن إسرائيل تمتلك صواريخ باليستية أكثر قدرة ودقة، ولكنها أقل عددًا ونوعًا، كما تعد إيران الدولة الوحيدة التي طورت صاروخًا يبلغ مداه نحو ألفين كيلو متر دون أن تمتلك القدرة أولًا على صنع الأسلحة النووية، وقد بدأت إيران في حيازة تقنيات الصواريخ الباليستية في منتصف الثمانينات من القرن الماضي خلال الحرب العراقية – الإيرانية، مما أدي إلي تطور هذه الحرب فمع تطوير العراق في تلك الحقبة لصواريخ “سكود” وزيادة مداها، دفع ذلك بإيران إلى اقتناء عدد محدود من صواريخ “Scud-B” سكود-بي المحملة بالوقود الدافعة السائلة لسد حاجتها الآنية في سنوات الحرب.
وفي أعقاب انتهاء تلك الحرب واعتقاد إيران بنجاح هجماتها صواريخ سكود- بي خلال تلك الحرب؛ استمرت المساعي الإيرانية في الحصول على الصواريخ متباينة المدى خلال السنوات من أواخر الثمانينات إلى منتصف التسعينات، ففي أواخر عام 1989، حصلت إيران علي صواريخ بالستية من كوريا الشمالية من نوع “Scud-B” (شهاب -1) الذي يبلغ مداها 300 كم، و”Scud-CS” (شهاب-2) ومداه 500 كم، كما عملت جاهدة علي بناء قاعدة تصنيعية للصواريخ الباليستية بعيدة المدى، بالتعاون مع دول كان في مقدمتها كوريا الشمالية وروسيا والصين[2]، فضلًا عن شرائها لصواريخ نو– دونغ الكورية الشمالية الأبعد مدى (شهاب-3) [3].
وانطلاقًا من هذه المرحلة، وسعت إيران ترسانتها الصاروخية بشكل مطرد، كما استثمرت بكثافة في صناعاتها وبنتيها الأساسية لتقليل الاعتماد على المصادر الأجنبية لاسيما غير الموثوقة، فأصبحت الآن قادرة على إنتاج صواريخها الخاصة محلية الصنع، مع استمرارها في استيراد بعض المكونات الرئيسية لصناعة هذه الصواريخ، كما استطاعت طهران زيادة مدى الصواريخ التي حصلت عليها بشكل كبير، لتصل لأي جزء في الشرق الأوسط بما في ذلك إسرائيل.
وقد بدأت إيران في برنامج لتطوير الصواريخ البالستية محليًا في أربعة مسارات: 1- مسار تطوير الصواريخ قصيرة المدى، 2- مسار تطوير صواريخ باليستية متوسطة وطويلة المدى، 3- مسار تطوير صواريخ جوالة Cruise Missile، 4- مسار تطوير صواريخ قادرة على حمل أقمار صناعية إلى الفضاء الخارجي[4].
ترسانة الصواريخ البالستية الإيرانية ومداها:
أولًا: عائلة شهاب:
منذ أواخر الثمانينات أشترت إيران صواريخ إضافية قصيرة ومتوسطة المدي، وقامت بتفكيكها وتطويرها وفقًا لأهدافها واحتياجاتها الاستراتيجية، وظلت صواريخ شهاب والتي تعني بالفارسية “النيازك”، تشكل جوهر برنامج إيران لفترة طويلة، وتستخدم صواريخ شهاب الوقود السائل والذي يستغرق وقتًا طويلًا للإطلاق، ويتراوح مداها من 300 كيلومتر إلى 1600 كيلومتر، وكانت في البداية قصيرة المدى وتم تطورها لتشمل فئة متوسطة المدي، وتم اختبار أول نموذج منه عام 1988.
ويعتمد شهاب – 1 على تقنيات صواريخ سكود-بي سوفيتية الصنع، ويبلغ مداه 300 كم، فيما يعتمد شهاب – 2 على تقنيات صواريخ سكود- سي، ويصل مداها إلى 500 كم، وتشير التقديرات إلى أن إيران تمتلك ما بين 200 و 300 صاروخ شهاب-1، وشهاب- 2، القادران على الوصول إلى أهداف في الدول المجاورة.
فيما يعتمد صاروخ شهاب- 3 الذي يعد نسخة متطورة من الصاروخ الكوري الشمالي نودونج “Nodong”، والذي يبلغ مداه 900 كيلو متر، وتبلغ حمولته نحو ألف كيلو جرام، وظهرت نسخة متطورة من شهاب-3 أعيدت تسميتها ب “قادر -1” Ghadr-1، وكان أول اختبار لها عام 2004، ويصل مداها إلى 1600 كم، لذا يعد صاروخ متوسط المدي، لكنه يحمل رأسًا حربيًا أصغر حجمًا يبلغ وزنه نحو 750 كيلو جرام، ووفقًا لبعض التقديرات تم تحويل أغلب صواريخ شهاب-3 إلى صواريخ قادر.
وفي عام 2015 اختبرت إيران صاروخ عماد، وهو نسخة معدلة من صاروخ قادر، وذلك بإضافة رأس حربي جديد مزود بأربعة أجنحة صغيرة في قاعدة الرأس الحربي لتسهيل توجيه الرأس الحربي وتحسين دقته أثناء العودة إلى الغلاف الجوي، وحتى الآن من غير المعروف المدى الأقصى وكتلة الحمولة لصاروخ عماد، ومع ذلك تشير بعض التقديرات إل أن أقصي مدى له أقل من 1500 كيلو متر، نظرًا لأن الكتلة المضافة له تقلل من قيم مداه وحمولته مقارنة بصاروخ قادر، ومع ذلك يعد ظهوره دليل على مدى الطموحات الإيرانية لتحسين دقة صواريخها[5].
ثانيًا: عائلة فاتح “Family–Fateh“:
يصل مداها من 200 كم إلى 1400 كم، وتم اختبار أول نموذج منها عام 2001، وكانت في البداية من فئة قصير المدى وتم تطويرها لتشمل فئة متوسط المدى أيضا. ومنها “فاتح- 110، وفاتح 313”[6]، ويستخدم كل من صاروخ ذوالفقار Zolfaghar ودزفول Dezful, والحاج قاسم سليماني وخيبر شيكان نفس مبادئ التصميم الأساسية لأنظمة فاتح، ولكن لديها محركات صاروخية ذات قطر أكبر قليلاً تدفعها إلى نطاقات أطول، حوالي 700 ، 1000 ، 1400 كم، 1450 كم، على التوالي، ويُعتقد أن الصواريخ الأكبر حجماً تحمل رؤوساً حربية يتراوح وزنها ما بين 450: 600 كيلو جرام.
ويشير معهد السلام الأمريكي للتطور في التوجيه والدقة المتزايدين في تطوير إيران لهذه الصواريخ والتي أثبتت في عدة مناسبات على مدار السنوات الماضية، ومنها: الهجوم الصاروخي بنحو 22 صاروخ في يناير 2020 ضد القوات الأمريكية المتمركزة في قاعدة عين الأسد الجوية في العراق حيث ضربت غالبية صواريخ ذو الفقارZolfaghar أهدافًا رئيسية، وربما تم استخدام فاتح 110، وفاتح 313 و قيام 1 أيضاً، وفي سبتمبر2019 تردد أنباء بأن طهرات أطلقت طائرات بدون طيار وصواريخ كروز على منشآت نفطية سعودية، وفي أكتوبر 2018؛ تم إطلاق صواريخ باليستية متوسطة المدى على داعش في العراق وسوريا، في سبتمبر 2018 تم إطلاق سبع قاذفات من طراز فاتح 110 ضد أحزاب المعارضة الكردية في إقليم كردستان العراق، وفي ويونيو 2017، اطلقت صواريخ باليستية متوسطة المدى قرب دير الزور ضد تنظيم الدولة الإسلامية[7].
صاروخ ذو الفقار: أدخلت إيران سلسلة من التعديلات الهيكلية والتوجيهية لتحسين مدى ودقة صاروخ فاتح-110 ليزيد مداه من 200 كيلو متر إلى نحو 500 كيلو متر، ويشمل باحث كهربائي بصري لتعزيز دقة الصاروخ، ويحمل حمولات تزن نحو 450.
صاروخ خيبر شيكان، في فبراير عام 2022 كشفت إيران عن صاروخ خيبر شكن “كاسر حصن خيبر”، والذي يعد ضمن صواريخها الاستراتيجية إذ، يصل مداه إلى 1450 كيلو متر، وهو صاروخ محلي الصنع، عالي الدقة، يتمتع بالقدرة علي المناورة والمراوغة خلال مرحلة الهبوط لاختراق الدفاعات الصاروخية، ويعمل بالوقود الصلب، ويعد وزنه أقل من الثلث مقارنة بالنماذج المماثلة، كما أنه يختزل وقت إعداده وإطلاقه إلى السُدس.
وهذه الصواريخ التي تعمل بالوقود الصلب تعد أسلحة ميدانية تمتلك قدرة قتالية كبيرة بسبب دقتها، مع امتلاك إيران لمجموعة متنوعة من الطائرات بدون طيار القادرة على جمع وتوفير بيانات الهدف لصواريخها الموجهة بدقة، ومع ذلك لا يتضح مدى امتلاك إيران لشبكة الاتصالات آمنة وقوية تمكنها من الاستهداف في الوقت الفعلي، كما أن وحدات الملاحة عبر الأقمار الصناعية، مثل “أجهزة استقبال الأقمار الصناعية لتحديد المواقع العالمية (GPS)”، والتي تعتمد عليها الصواريخ الإيرانية الموجهة بدقة. قد يستغلها خصوم إيران المتقدمين تكنولوجيًا، عبر تقليل فعالية الصواريخ الإيرانية عن طريق التشويش أو التلاعب بإشارات نظام تحديد المواقع العالمية.
ثالثًا: عائلة سجيل Sajjil- Family :
يصل مداها إلى 2000 كيلومتر، عند حملها لرأس حربي يزن 750 كيلو جرام، وتم اختيار أول نموذج منها عام 2008، وتعد من فئة متوسط المدى التي تستخدم الوقود الصلب، وتعمل إيران على تطوير تقنيات سجيل 1، 2 لإنتاج صاروخ ثلاثي المراحل قادر على الطيران 3700 كيلومتر، ويوفر صاروخ سيجل العديد من المزايا الاستراتيجية لاسيما سيجيل-2 فهو صاروخ أرض- أرض محلي الصنع، ويبلغ مداه نحو 2000 كيلو متر، عند حمل رأس حربي يزن نحو 750 كيلو جرام، مما يتيح لإيران استهداف أي مكان يهددها، وتعد إيران الدولة الوحيدة التي طورت صواريخ من هذا المدى دون أن تكون طورت أسلحة نووية أولاً، كما قد تطور إيران مستقبلًا تكنولوجيات سجيل لإنتاج صاروخ ثلاثي المراحل قادر على الطيران لمسافة 3700 كيلومتر.
رابعًا: عائلة قيام:
يوجد إصدارين من صاروخ قيام، ويتراوح مداهما من 700 كم إلى 800 كم، عند تزويدهما برأس حربي يزن من 500 إلى 600 كجم، وقد تم اختبار أول نموذج منها عام 2010، وهو تطوير لجزء من صواريخ شهاب-2، وتعد من فئة قصيرة المدي. ووفقاً لمعهد السلام الأمريكي صدرت طهران صواريخ قيام إلى المتمردين الحوثيين في اليمن لشن هجمات على السعودية[8]، ويستخدم صاروخ قيام رأسًا حربيًا قابلًا للفصل، مما يقلل من تعرضه للدفاعات الصاروخية بالمنطقة، وظهر إصدار الجيل الثاني من صاروخ قيام مزودًا برأس حربي لتحسين دقته.
خامسًا: عائلة خرمشهر:
يصل مداه من 2000 كيلو متر إلى 3000 كيلو متر، ويبلغ وزن الرأس المتفجرة نحو 1000: 1800 كجم، وتم أول اختبار له عام 2017، فيما تم الإعلان عن خرمشهر- 2 في فبراير عام 2019، وتم عرض نسخة ثالثة منه بعدها بنحو 7 أشهر، وتشير بعض التقديرات إلى أنه تم تجربته مرتين وبائتا بالفشل، ويشبه صاروخ خرمشهر الصاروخ الباليستي الكوري الشمالي هواسونج-10 “Hs-10″، والذي يعد نسخة معدلة من الصاروخ السوفيتي القديم أر- 27، والذي اختبرته كوريا الشمالية نحو 8 مرات باءت معظمها بالفشل.
وفي يونيو عام 2023، كشفت إيران عن الجيل الرابع من صاروخ خرمشهر؛ والذي يسمى “فتاح-1 ” الذي تم إطلاقه على أهداف في إسرائيل في هجوم 1 أكتوبر 2024، وكذلك خيبر، ويعمل هذا الصاروخ بالوقود السائل، ويبلغ مداه 1400 كيلو متر، كما أنه صاروخ فائق لسرعة الصوت “فرط صوتي”، يمكنه السفر بسرعة تصل إلى خمسة عشر ضعف سرعة الصوت، وفي مسار معقد مما يمنحه القدرة على المنارة، ويجعل من الصعب اسقاطه أو اعتراضه، وفي نوفمبر عام 2023، كشفت إيران عن النسخة المطورة منه فتاح- 2، والذي يصل مداه إلى 1500 كيلو متر، ويعد صاروخ خرمشهر الأكثر تطورًا في إيران، ويعد صاروخًا تكتيكًا واستراتيجيًا أيضًا نظرًا لما يتميز به من سهولة نقله وسرعة مدة اطلاقه، مقارنة بأنواع أخرى مثل “شهاب وقدر”، كما يمتلك صاروخ خرمشهر ذو المقدمة المخروطية القدرة على حمل رأس نووي حربي، وتؤكد طهران أن هذا الصاروخ يمكنه اختراق أنظمة الدفاع الجوي لأي دولة في المنطقة، لذا يعد أكثر الصواريخ مرونة وفتكًا نسبة لقدراته الخاصة بحمل الشحنات والمدى الذي يقطعه، هذا إلي جانب قدرته على المناورة وتغيير المسار مما يقلل من كفاءة مواجهة مضادات الصواريخ له.
ويلاحظ أنه على الرغم من أن العقد الأول من القرن الحادي والعشرين تميز بمنح إيران الأولوية لتطوير صواريخ دقيقة التوجيه لتعزيز فائدتها العسكرية إلا أنها لم تتخل عن طموحاتها وسعيها للحصول على صواريخ باليستية بعيدة المدي، وذات قدرة نووية مثل صاروخ خورمشهر وصواريخ شهاب-3، وبشكل عام برغم من عدم تجربة مدى فعالية الصواريخ الإيرانية، إلا أن المسئولين الإيرانيين يزعمون بأنها مهددة للوجود الإسرائيلي.
ونظرًا لمواصلة إيران الاستثمار بكثافة في برامجها الصاروخية، فهي تُظهر بتطويرها لصاروخ خرمشهر وشهاب-3، ومداهما، إمكانيتها في القريب المنظور على تطوير تكنولوجيا الصواريخ لاسيما خرمشهر لتهديد القواعد الجوية والبحرية الأمريكية الحيوية في المحيط الهندي، وقدرتها على تهديد أوروبا أيضًا، هذا إلى جانب أن التكنولوجيا المطورة لصاروخ “خرمشهر” تشكل تقدمًا كبيرًا لقدرة إيران على إمكانية تطوير صاروخ باليستي عابر للقارات، وتطوير وزيادة مدى صاروخ “خرمشهر” ليشمل هذه المسافات، إن لم تكن طورته بالفعل لاسيما في ظل التعاون الإيراني مع كل من كوريا الشمالية وكذلك روسيا.
الصواريخ الإيرانية الجوالة Cruis Missile: [9]. (غير بالستية)
يمكن للصواريخ الجوالة “كروز”، أن تتفادى رصد الرادارات لها، كما يكن أن تهاجم نفس الهدف من عدة اتجاهات، كما يمكن للدول إخفاء موقع إطلاقها للصاروخ والزعم بأنه تم إطلاقه من مناطق أخري، كما يمكن لهذه الصواريخ المنارة مع أنظمة الدفاعات الجوية مما يصعب إمكانية إسقاطها، وتمتلك إيران صواريخ جوالة “كروز”، من أبرزها:
- رعد “Raad”: يبلغ مداه 350 كم، بدأ استخدامها في 2007، مستوحى من الصاروخ الصيني هاي يونج “Hai Ying”، وهو صاروخ كروز متوسط المدي مضاد للسفن.
- يا علي”Ya Ali“: يتراوح مداه ما بين 700: 800 كم، وبدأ استخدامه منذ عام 2014، وهو صاروخ أرضي متوسط المدي.
- حفيظه “Hoveyzeh“: يبلغ مداه 1350 كم، وبدأ استخدامه في 2019، وهو صاروخ كروز سطح- سطح طويل المدي.
- سومر”Soumar“:يبلغ مداه من 2000: 3000 كم، بدأ استخدامه في 2012، وهو مستوحى من الصاروخ الروسي روسيا “KH-55″، وهو صاروخ ارض طويل المدي.
- صاروخ كروز حيدر، وهو صاروخ جو أرض موجه باستخدام مروحي 214 قتالية، محلي الصنع، يبلغ 200 كيلو متر، من الممكن تركيبه على المسيرتين الإيرانيتين “فطرس” و”كمان 22″، وتصل سرعته في لحظة إصابة الهدف إلى ألف كيلومتر في الساعة، مزودة بجهاز ملاحي “GPS”، مما يتيح لقائد المروحية التحكم به عن بعد ومتابعة مساره بعد الاطلاق وصولًا إلى الهدف المحدد، ويعد هذا الصاروخ قادر على تدمير أهداف ثابتة، ومتنقلة، بما في ذلك من مدرعات والسواتر الخرسانية، وقد أجرت له إيران اختبار ناجح في مناورة اقتدار 1402 عام 2023.
القدرات الايرانية في مجال الفضاء:
تكمن خطورة برنامج إيران الصاروخي الفضائي في أنه قد يقدم لها قدرات توجيه للصواريخ العابرة للقارات، ولذلك ترى الولايات المتحدة الأمريكية أن هذا البرنامج هو التحدي الرئيس للأمن الأمريكي، وكان سفير-1 وسفير -2 تجربتان ناجحتان لإطلاق إيران قمر صناعي صغير جداً إلى مدار أرضي منخفض، وتعتمد في تطويرهما على نموذج صاروخ شهاب-3[10]، كما أطلقت إيران في إبريل عام 2020 قمرًا صناعيًا باستخدام صاروخ يعرف باسم قاصد، والذي يعتمد على نموذج صاروخ غادر في مرحلته الأولي، وبشكل عام يعكس برنامج الفضاء الإيراني، طموحات إيران المتنامية وبراعتها التقنية، فبعد نحو خمس عمليات إطلاق باءت بالفشل بين أعوام 2016: 2022، نجح صاروخ سيمورج “Simorgh” الأكبر والأكثر قوة في وضع ثلاثة أقمار صناعية في المدار في أوائل عام 2024، ومع ذلك لا يعد صاروخ سيمورج مناسبًا للاستخدام كصاروخ باليستي، نظرًا لكبر حجم الصاروخ وصعوبة نقله كنظام عسكري.
نقل إيران للصواريخ لبعض وكلائها وحلفائها بمنطقة الشرق الأوسط:
تمنح إيران صواريخ باليستية وصواريخ كروز لوكلائها في ثلاث دول على الأقل في المنطقة “العراق، لبنان، اليمن”، منذ أوائل العقد الأول من القرن الحالي؛ حيث يسمح توريد إيران للصواريخ التي تتراوح من 120 كم إلى 1950 كم؛ لوكلائها بضرب أهداف على مدى أبعد وبدقة، كما تعمل هذه الصادرات على تقوية وكلاء إيران وحلفائها في المنطقة، كما أن نشر الصواريخ تحت سيطرة إيران المباشرة أو غير المباشرة يسمح لها بضرب أي خصم أثناء الصراع من اتجاهات متعددة[11].
أبرز الهجمات الصاروخية الإيرانية:
التطور والدقة المتزايدة لصواريخ عائلة “خرمشهر”، أو فتاح التي تعمل بالوقود الصلب، تمكن إيران من تدمير أي هدف عسكرية ثابت بشكل دقيق في شتى أنحاء المنطقة، وبالفعل قامت ايران بتجربة هذا الأمر واستهداف مناطق مختلفة عدة مرات في عدة مناسبات مختلفة خلال السنوات الماضية، بعدد من صواريخها الباليستية، والتي من بينها صاروخ فتاح، كما يلي:
يونيو 2017: إطلاق صواريخ باليستية متوسطة المدى بالقرب من دير الزور ضد داعش
سبتمبر 2018: إطلاق سبعة صواريخ فاتح-110 ضد أحزاب المعارضة الكردية في إقليم كردستان العراق
أكتوبر 2018: إطلاق صواريخ باليستية متوسطة المدى ضد داعش في العراق وسوريا
سبتمبر 2019: إطلاق طائرات بدون طيار وصواريخ كروز ضد منشآت النفط السعودية
يناير 2020: إطلاق ما يصل إلى 22 صاروخًا على قاعدتين عراقيتين تضمان قوات أمريكية
مارس 2022: إطلاق ما لا يقل عن 10 صواريخ فاتح-110 على أهداف يُزعم أنها مرتبطة بإسرائيل في أربيل، عاصمة إقليم كردستان العراق المتمتع بالحكم الذاتي
سبتمبر 2022: إطلاق ثلاثة وسبعين صاروخًا باليستيًا وما لا يقل عن 20 طائرة بدون طيار ضد جماعات المعارضة الكردية في العراق
نوفمبر 2022: صواريخ باليستية، بما في ذلك صواريخ فاتح 110 وطائرات بدون طيار تطلق ضد جماعات المعارضة الكردية في العراق
يناير 2024: إطلاق سبعة صواريخ باليستية ضد أهداف يُزعم أنها مرتبطة بإسرائيل في أربيل بالعراق
يناير 2024: إطلاق أربعة صواريخ خيبر شيخان ضد أهداف تابعة لتنظيم الدولة الإسلامية في محافظة إدلب الشمالية في سوريا
يناير 2024: إطلاق صواريخ وطائرات بدون طيار غير محددة ضد جيش العدل، وهي جماعة سنية مسلحة، في إقليم بلوشستان جنوب غرب باكستان.
ومما سبق، يتضح أن إيران مازالت تعتمد على استيراد بعض مكونات الصواريخ من الخارج، إلا أنها باتت تمتلك القدرة التقنية والصناعية على تطوير برنامجها الصاروخي الباليستي بعيد المدي، بما في ذلك الصواريخ الباليستية العابرة للقارات، كما تمتلك إيران الآن أضخم ترسانة للصواريخ الباليستية وأكثرها تنوعًا في الشرق الأوسط، في مقابل امتلاك إسرائيل لصواريخ باليستية أكثر قدرة، لكنها أقل عددًا ونوعًا، ووفقًا لبعض التقديرات تمتلك إيران ما بين 150: 200 ألف صاروخ، من بينها صواريخ أسرع من الصوت، وصواريخ قادرة على الوصول لخصومها المحتملين.
وتتمثل القيمة الاستراتيجية للصواريخ الإيرانية متوسطة MRBMs وطويلة المدى IRBMs والتي تتفاوت من حيث الدقة في إصابة الهدف، فيما تمنحه لإيران من قوة رادعه ودفاعية وهجومية في نفس الوقت لمنع تعرضها لأي هجوم عليها أو لتعويض ما تفتقده من قدرات هجومية في قواتها الجوية، حيث تفتقر إيران للتقنيات الجوية المتقدمة، والأعداد اللازمة من الطائرات التي تؤهلها لخوض المعركة ضد القوات الأمريكية في المنطقة، أو ضد القوات الجوية أو الصاروخية التي تمتلكها الآن إسرائيل.
ونظرًا لأن الصواريخ تعد بديلًا جيدًا في حال تعرض المطارات للتهديد أو في حال صعوبة تحقيق التفوق الجوي، فإن إيران اعتمدت على تطوير برنامج صواريخها الباليستية وكذلك الصواريخ المتعددة، بجانب اسراب الطائرات بدون طيار كهدف استراتيجي لها، لمواجهة القوة الجوية المتطورة لخصومها، كما أنه أسرع من القصف بالطائرات، صحيح أن استخدام الطائرات الحربية لإلقاء القنابل عادة ما يكون أكثر فعالية من حيث التكلفة مقارنة بالصواريخ، إلا أن ضرب الهدف باستخدام صاروخ باليستي يكون أسرع عادة، فمثلًا قد تستغرق الطائرة من إسرائيل إلى إيران ساعات، بينما يستغرق الصاروخ من إيران إلى إسرائيل دقائق فقط.
لذا تمنح هذه الصواريخ الباليستية القدرة الاستراتيجية لإيران لتهديد واستهداف مختلف مناطق الشرق الأوسط، وجميع مناطق الانتشار الأمريكي بمنطقة الشرق الأوسط، كما يمكن أن يصل مداها إلى أطراف القارة الأوروبية ووسط وجنوب آسيا من مواقع تقع في عمق الأراضي الإيرانية، وذلك على الرغم من افتقاد أغلب الصواريخ الإيرانية للدقة في الاستهداف، لكن إيران مستمرة في الاستثمار في تطوير برنامجها الصاروخي، وإجراء التجارب لتحسين دقة صواريخها لدعم قدراتها الهجومية إلى جانب استراتيجيتها للردع الدفاعي.
التطور والدقة المتزايدة لصواريخ عائلة “خرمشهر”، أو فتاح التي تعمل بالوقود الصلب، تمكن إيران من تدمير أي هدف عسكرية ثابت بشكل دقيق في شتى أنحاء المنطقة، وبالفعل قامت إيران بتجربة هذا الأمر واستهداف مناطق مختلفة عدة مرات في عدة مناسبات مختلفة خلال السنوات الماضية.
وتجدر الإشارة هنا، إلى أن إيران قامت بتشييد “مدن صاروخية”، على بعد مئات الأمتار تحت الأرض، وذلك على طول ساحل الخليج، وتشير بعض التقديرات إلى أن المدن الصاروخية وقواعد المسيرات تتوزع في مختلف مناطق إيران، لاسيما بالمناطق الجبلية التي تتحصن بها، وتهدف إيران من ذلك الحفاظ على ترسانتها الصاروخية وتحصينها امام هجمات خصومها المحتملين، وتجنب رصد الأقمار الصناعية لتحركاتها العسكرية، وكرسالة لخصومها بأن قادرة على إحداث تدمير وألم هائل له حتى لو حاول العدو النيل منها وسحقها، هذا بجانب توزيع تلك القواعد في أغلب المناطق يمكنها من مباغتة العدو من أكثر من اتجاه.
لذا نظرًا لامتلاك إيران لهذا العدد الكبير من القواعد الصاروخية تحت الأرض والتي تشمل العديد من الصواريخ القادرة على الوصول لكافة مناطق بالشرق الأوسط بما فيها إسرائيل، يتيح لها هذا الأمر القدرة على إخفاء تحضير أسلحتها للقيام بضربة مباغته، هذا بجانب ما يتمتع به نظامها الصاروخي من قدرات مناورة تفوق سرعة الصوت لعدد منه، لاسيما صاروخ الفتاح الفائق لسرعة الصوت، مما يمنح إيران القدرة على تقليص فترة إنذار خصومها لبضع دقائق باستخدام هذه القواعد تحت الأرض، مما يشكل المزيد من الضغوط مثلًا على الدفاعات الإسرائيلية والأمريكية في حال نشوب مواجهة مباشرة بينهم.
إلا أنه من جهة أخرى في حال استخدام ايران لهذه القواعد السرية، وأحدث صواريخها، في أي مواجهة محتملة قد يكشف هذا الأمر عن مواقع وقدرات ربما لم تتمكن أجهزة الاستخبارات الأجنبية من اكتشافها.
خلاصة القول: عملت إيران جاهدًة لعقود على تطوير برنامجها للصواريخ الباليستية، والذي تعتبره جزء أساسي من ترسانتها العسكرية، لاسيما مع افتقارها للتطور التكنولوجي في سلاحها الجوي، ويعتمد البرنامج الإيراني في الأساس على التصاميم الكورية الشمالية وكذلك الروسية، فيما تشير بعض التقديرات لأنها قد تتضمن مساعدة صينية أيضا لتطوير هذه النماذج، وباتت إيران لأن تمتلك ترسانة من الصواريخ تعد هي الأضخم والأكثر تنوعًا في منطقة الشرق الأوسط، وتضم صواريخ يصل مداها لشتي انحاء الشرق الأوسط بل وخارجه، كما أن إيران مازالت مستمرة في الاستثمار بكثافة في برنامجها الصاروخي، مما جعل قوتها الصاروخية أداة فعالة لاستعراض القوة وتشكل تهديدًا حقيقًا بمثابة رادع لخصومها المحتملين.