عبد الامير رويح
شهدت بريطانيا في الفترة الاخيرة وكغيرها من دول العالم، تصاعد كبير في اعداد الاصابات والوفيات بعد تفشي فيروس كورونا المستجد. وانتهجت بريطانيا في بادئ الأمر سياسة أكثر تحفظا بكثير تجاه تفشي الوباء لكنها غيرت مسارها بعد أن أظهرت نماذج حسابية أن الفيروس قد يودي بحياة ربع مليون شخص. وكان رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون الذي اصيب ايضاً بهذا الفايرس، قد وعد بزيادة الفحوص للكشف عن المصابين بفيروس كورونا بعد أن تعرضت حكومته لانتقادات لبطئها، بالمقارنة بحكومات أوروبية أخرى، في فحص العاملين بالقطاع الصحي الذين يقفون في الصفوف الأولى للمواجهة وباقي أفراد الشعب.
وفرض جونسون إجراءات أكثر صرامة فأغلق فعليا خامس أكبر اقتصاد في العالم لكن الحكومة واجهت انتقادات واسعة النطاق بسبب قلة عدد أجهزة التنفس الصناعي المتوفرة في البلاد وقلة أعداد من يجرى فحصهم. ولن يُسمح للبريطانيين بمغادرة منازلهم سوى في حالات محدودة جداً مثل شراء الحاجيات الضرورية والتوجّه إلى العمل أو إلى الطبيب أو ممارسة الرياضة مرة واحدة يومياً، وفق ما أوضح جونسون في كلمته إلى الأمة. كما سيمنع كل تجمّع يضمّ أكثر من شخصين، وسيتمّ إغلاق كلّ متاجر بيع السلع غير الأساسية وأماكن العبادة.
وخاطب جونسون البريطانيين قائلا: “الزموا منازلكم”، مشيراً إلى أنّ الشرطة ستكلّف فرض التزام المواطنين هذه الإجراءات وسيحقّ لها فرض غرامات مالية على المخالفين ويذكر أن هذه الإجراءات، الأشدّ قسوة في تاريخ بريطانيا في زمن السلم، لجأ إليها جونسون بعد ارتفاع اعداد الاصابات في المملكة المتّحدة. وكان الأطباء يحذّرون من أن الأوضاع ستأخذ منحى الأزمة التي تشهدها إيطاليا ما لم يتم التشدد في منع الاختلاط. وأظهرت دراسة أعدّها باحثون من جامعتي “يونيفرسيتي كولدج لندن” وكامبريدج” ومركز “هيلث داتا ريسرتش” في المملكة المتحدة أن الاستراتيجية التي كانت تتبعها بريطانيا ما يسمى “المناعة الجماعية” كان يمكن أن تؤدي إلى 70 ألف حالة وفاة.
ويذكر أن منظمة الصحة العالمية أعلنت في وقت سابق، أن أوروبا أصبحت الآن بؤرة وباء فيروس كورونا الجديد، حيث يتم الإبلاغ عن حالات وفيات وإصابات أكثر من بقية العالم مجتمعة باستثناء الصين. وأوضح تيدروس أدهانوم غبريسوس، المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، أنه “يتم الإبلاغ عن حالات أكثر كل يوم مما تم الإبلاغ عنه في الصين في ذروة تفشي الوباء.
عدد قياسي
وفي هذا الشأن أعلنت وزارة الصحة البريطانية، عن ارتفاع حاد لعدد الوفيات في المملكة المتحدة بفيروس كورونا، بواقع تسجيل 589 حالة جديدة، في أكبر زيادة يومية منذ بدء تفشي الفيروس، بينما وصل عدد الإصابات في عموم البلاد إلى 33718 إصابة. وقال وزير الصحة البريطاني مات هانكوك، إن ذروة تفشي فيروس كورونا في البلاد ستأتي أقرب قليلا مما كان متوقعا لتكون في الأسابيع القليلة القادمة. وأضاف هانكوك لهيئة الإذاعة البريطانية، أن النماذج “تشير إلى أن الذروة ستأتي أقرب قليلا من التوقعات السابقة، خلال الأسابيع القليلة القادمة، لكن هذا يتوقف بشدة على عدد الناس الذين يتبعون توجيهات التباعد الاجتماعي”. وكان وزير الصحة البريطاني عاد إلى العمل بعد شفائه من فيروس كورونا، عقب دخوله في الحجر الصحي يوم 27 مارس الماضي إثر تأكيد إصابته بالفيروس.
من جانب اخر وبعد ساعات من إعلان رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون إصابته بفيروس كورونا قال وزير الصحة إنه مصاب بالفيروس، وأعلن كبير المستشارين الطبيين في انجلترا أيضا ظهور أعراض المرض عليه. ولا توجد طريقة لمعرفة ما إذا كانوا قد نقلوا العدوى إلى بعضهم أم أنهم أصيبوا بها من شخص أو أشخاص آخرين. لكن طبقا لبرنامج جونسون اليومي الرسمي فقد التقى الثلاثة بضع مرات بصفة شخصية لتحديد سبل الرد على تفشي الفيروس في البلاد.
وعندما شارك معظم الوزراء في اجتماع للحكومة عبر الفيديو، جلس وزير الصحة مات هانكوك وكبير المستشارين الطبيين كريس ويتي في غرفة واحدة مع جونسون. كما وقف ويتي بجانب رئيس الوزراء خلال ثلاثة من بين 11 مؤتمرا صحفيا عن فيروس كورونا منذ 16 مارس آذار. والسؤال الذي يجري على ألسنة الكثيرين في مقر الحكومة (داونينج ستريت) وخارجه هو: كم شخصا آخر خالطهم رئيس الوزراء قبل أن تُظهر الفحوص إصابته بالفيروس؟. وجونسون هو أول زعيم في العالم يعلن إصابته بمرض كوفيد-19 الذي يصيب الجهاز التنفسي ويسببه فيروس كورونا المستجد.
وقالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس البرازيلي جايير بولسونارو والرئيس الأمريكي دونالد ترامب إن نتائج الفحوص التي أجريت لهم للتحقق من عدم إصابتهم بالفيروس جاءت سلبية، بينما عزل رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو نفسه بعدما أظهرت الفحوص إصابة زوجته بالفيروس. كما أظهرت الفحوص إصابة ميشيل بارنييه كبير مفاوضي الاتحاد الأوروبي بالعدوى، وكذلك عدد من أعضاء الكونجرس الأمريكي. وبالنسبة للسياسيين، الذين قد يلتقون مئات الأشخاص يوميا، تتطلب أزمة فيروس كورونا الموازنة بين الظهور علنا لقيادة شعوبهم مع الإبقاء على التباعد لمسافة آمنة. بحسب رويترز.
وقال المتحدث باسم جونسون، الذي سُئل مرارا عن مخالطة رئيس الوزراء للآخرين إن جونسون لم يقترب بشدة من أي أحد ”منذ لحظة ظهور الأعراض عليه“. وخفض جونسون عدد الاجتماعات التي يحضرها بنفسه منذ يوم الاثنين 23 مارس آذار تنفيذا لقواعد الإغلاق الأوسع نطاقا التي فرضتها البلاد. لكن العلماء يقولون إن التقديرات تفيد بأن فترة حضانة الفيروس تتراوح بين يوم واحد و14 يوما، وإن هناك روايات عن أشخاص نقلوا المرض من دون أن تظهر عليهم أي أعراض.
وقال جونسون في بيان على شريط فيديو تم بثه على موقع تويتر ”خضعت لاختبار وجاءت النتيجة إيجابية.. عانيت من أعراض طفيفة لفيروس كورونا. لنقل إنها حرارة وكحة مستمرة“. وأضاف جونسون ”وبالتالي فإنني أعمل من المنزل. دخلت العزل الذاتي. لا يساوركم أدنى شك في أن بإمكاني الاستمرار، بفضل إمكانيات التكنولوجيا الحديثة، في التواصل مع كل فريقي على أعلى مستوى لقيادة معركة الوطن ضد فيروس كورونا“.
الى جانب ذلك خرج الأمير تشارلز، وريث العرش البريطاني المصاب بفيروس كورونا المستجدّ، من الحجر الصحي وهو “بحال جيدة”، وفق ما أعلن مكتبه الإعلامي. وأفادت دارة كلارنس هاوس الملكية، مكتب النجل الأكبر للملكة إليزابيث الثانية، في بيان “بعد استشارة الأطباء، لم يعد أمير ويلز في العزل”. وأضافت أنه “بحال جيدة” مشيرة إلى أن الأمير البالغ 71 عاماً وُضع في الحجر الصحي لمدة سبعة أيام تطبيقاً لتوصيات الحكومة البريطانية. وأمير ويلز موجود حالياً في اسكتلندا مع زوجته كاميلا “التي أجري لها الفحص لكنها ليست مصابة”، وفق دارة كلارنس هاوس. وتولى الأمير تشارلز في السنوات الأخيرة جزءاً من مسؤوليات والدته وبات يمثلها أثناء الزيارات إلى الخارج.
الملكة إليزابيث الثانية (93 عاما) مع زوجها الأمير فيليب (98 عاما) إلى قصر ويندسور، على بعد حوالى أربعين كيلومتراً غرب لندن، في التاسع عشر من آذار/مارس. والتقت ابنها للمرة الأخيرة في 12 آذار/مارس ورئيس الوزراء بوريس جونسون الذي ثبُتت إصابته، في 11 آذار/مارس.
جهود طبية
على صعيد متصل قال نيل فيرجسون أستاذ علم الأحياء الرياضي في إمبريال كوليدج في لندن إن ثمة بوادر على أن وباء كورونا يتراجع في بريطانيا وإن فحوص الأجسام المضادة قد تكون جاهزة خلال أيام. وقال فيرجسون لهيئة الإذاعة البريطانية (بي.بي.سي) ”نحن نعتقد أن الوباء في سبيله للتباطؤ الآن في بريطانيا“.
وقال فيرجسون إن ثلث أو ربما 40 بالمئة من الحالات لا تظهر عليها أعراض وأضاف أنه ربما تكون الإصابة بالمرض قد طالت ما بين اثنين بالمئة وثلاثة بالمئة من سكان بريطانيا. لكنه حذر من أن البيانات ليست كافية أو دقيقة بما يكفي لاستخلاص نتائج مؤكدة. وقال إن فحوص الأجسام المضادة في المراحل النهائية قبل بدء طرحها وقد تكون جاهزة للاستخدام في غضون ”أيام وليس أسابيع“.
في السياق ذاته قضى فريق تشارك فيه شركة مرسيدس أقل من أسبوع في تطوير نموذج جديد من جهاز للتنفس يمكنه مساعدة مرضى فيروس كورونا ويخضع للتجربة حاليا في بعض مستشفيات لندن. وتم استخدام أجهزة الضغط الإيجابي المستمر (سي.بي.إيه.بي) في الصين وإيطاليا لتوصيل الهواء والأكسجين إلى رئات المرضى ومساعدتهم على التنفس دون الحاجة لوضعهم على أجهزة التنفس الصناعي التي تمثل تدخلا طبيا أقوى.
وأجازت الجهة الرقابية المعنية أجهزة (سي.بي.إيه.بي) بالفعل وسيجري تسليم مئة منها إلى مستشفى يونيفرسيتي كوليدج في لندن لتجربتها قبل أن توزع على مستشفيات أخرى. وقالت ريبيكا شيبلي مديرة معهد هندسة الرعاية الصحية التابع لمستشفى يونيفرسيتي كوليدج لهيئة الإذاعة البريطانية (بي.بي.سي) ”يمكن لمرسيدس صنع ألف جهاز يوميا“. من ناحية أخرى، قال مصدر إن بريطانيا أعلنت أنها طلبت من تحالف شركات يضم فورد وإيرباص ورولز رويس تصنيع عشرة آلاف جهاز تنفس صناعي في إطار جهود محاربة فيروس كورونا.
وتحاول الحكومات في مختلف دول العالم زيادة عدد ما لدى خدماتها الصحية من أجهزة التنفس الصناعي. وجهاز التنفس الصناعي حاسم في رعاية الشخص الذي يعاني من الفشل الرئوي الذي يصيب المريض في حالات الإصابة الشديدة بكوفيد-19 وهو المرض الذي يتسبب فيه فيروس كورونا. لكن هذه الأجهزة لا تنقذ أرواح المرضى بالضرورة. وقال مايكل جوف الوزير البارز في الحكومة البريطانية إن هيئة الصحة الوطنية البريطانية الممولة من الدولة لديها أكثر قليلا من ثمانية آلاف جهاز تنفس صناعي. وتعمل الحكومة البريطانية على تعزيز قدرات النظام الصحي من خلال اتفاقات أبرمت مع القطاع الخاص وموردين في الخارج بالإضافة إلى الإنتاج المحلي.
شبح البطالة
من جانب اخر فان أكثر من ربع الشركات البريطانية خفضت أعداد الموظفين لديها على المدى القصير، بعد أن ضغط انتشار فيروس كورونا على اقتصاد البلاد، وفقا لمسح خاص، وقال مركز الإحصائيات الوطني إن “27% من الشركات التي استجابت للاستطلاع قالوا إنهم خفضوا أعداد الموظفين على المدى القصير، فيما قام 5% بتعيين موظفين جدد”. وأُجري المسح على نحو 3642 شركة .
وأظهر استطلاع آخر من قبل غرفة التجارة البريطانية، والذي أُجري بين 25 مارس و27 مارس، أن نصف الشركات البريطانية من المتوقع أن تستغني عن 50% من موظفيها مؤقتا. وكان وزير المالية البريطاني راشي سوناك، قد قال إن بلاده ستقوم بدفع 80% من الرواتب، بحد أقصى 2500 جنيه إسترليني في الشهر، للعاملين الذين جرى الاستغناء عنهم مؤقتا.
وقالت الخطوط البريطانية إنها أبرمت اتفاقا مع اتحادات العمال لإيقاف أكثر من 30 ألفا من موظفي أطقم الطائرات والخدمات الأرضية لاجتياز تداعيات جائحة فيروس كورونا. وفي ظل اضطراب حركة النقل الجوي العالمية وسط انتشار الفيروس في أنحاء العالم، قالت “آي أيه جي” الشركة المالكة للخطوط البريطانية، إنها ستخفض السعة بنسبة 90 بالمئة في أبريل ومايو وتلغي توزيعات أرباحها، في مسعى للتأقلم مع أسوأ أزمة في تاريخ القطاع.
وبعد أن اتفقت الخطوط البريطانية بالفعل على خفض أجور طياريها 50 بالمئة، تركز الصفقة الجديدة على أطقم الطائرات والخدمات الأرضية والمهندسين والإداريين. وأفاد اتحاد “يونايت” بأنه بموجب الاتفاق توقف الشركة الموظفين مع تقاضيهم 80 بالمئة من أجورهم دون أي تسريحات. من ناحية أخرى، ألغت “آي إيه جي” توزيعاتها النهائية، لتوفر 337 مليون يورو (366 مليون دولار)، علما أن سهم الشركة ارتفع بفضل خطة الوظائف لكنه أغلق منخفضا 1 بالمئة.
رابط المصدر: