محمد عبد الرازق
نفذت قوات أمريكية خاصة فجر اليوم إنزالًا جويًا على قرية “أطمة” في شمال غرب سوريا قرب الحدود التركية في نطاق محافظة إدلب، وقامت بمداهمة بالتزامن مع غارة جوية بواسطة طائرات أباتشي على مبنى في القرية. وهو الهجوم الأمريكي الأكبر منذ العملية التي اغتالت فيها الولايات المتحدة في 26 أكتوبر 2019 زعيم تنظيم داعش أبا بكر البغدادي في قرية باريشا الواقعة كذلك في نطاق محافظة إدلب وعلى بعد نحو 24 كيلو مترًا عن قرية “أطمة”.
ولذلك، وبالنظر إلى حجم هذه العملية وطريقة تنفيذها، لم يكن مستغربًا أن يعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن في بيان صحفي اليوم اغتيال زعيم تنظيم داعش أبي إبراهيم الهاشمي القرشي الذي تولى قيادة التنظيم بعد أبي بكر البغدادي. إذ قال بيان للبيت الأبيض “الليلة الماضية بتوجيهاتي، نفذت القوات العسكرية الأمريكية في شمال غرب سوريا بنجاح عملية لمكافحة الإرهاب لحماية الشعب الأمريكي وحلفائنا، وجعل العالم مكانًا أكثر أمانًا. بفضل مهارة وشجاعة قواتنا المسلحة، أقلعنا من ساحة المعركة أبا إبراهيم الهاشمي القرشي – زعيم داعش. عاد جميع الأمريكيين بسلام من العملية”.
ملابسات العملية
أصدرت وزارة الدفاع الأمريكية البنتاجون بيانًا صباح اليوم قالت فيه إن “قوات العمليات الخاصة التابعة للقيادة المركزية الأمريكية نفذت مهمة ناجحة لمكافحة الإرهاب في شمال غرب سوريا ولم تقع إصابات في صفوف القوات”. فيما تشير مقاطع متداولة إلى وقوع اشتباكات مسلحة بين القوات الأمريكية ومسلحين -في المنطقة المكتظة بعشرات الآلاف من النازحين والتي تقع ضمن الجيب الأخير الذي تسيطر عليه الفصائل المسلحة في سوريا- مع توجيه القوات الأمريكية تحذيرات للنساء والأطفال بإخلاء المنطقة. وكذا أفادت تقارير صحفية أمريكية أن طائرة من طراز أباتشي من الطائرات المنفذة للعملية أصابها عطل ميكانيكي مما اضطر القوات إلى تفجيرها على الأرض.
وبينما أسفرت العملية التي بدأت عند الساعة الواحدة صباحًا واستمرت نحو ساعتين عن “إزاحة زعيم تنظيم داعش من ساحة المعركة” حسب وصف بايدن، فإنها أسفرت كذلك عن وفاة نحو 13 شخصًا لم تحدد هوياتهم، وبعدما أجليت القوات والطائرات الأمريكية من مكان الاشتباك، نفذت طائرات أمريكية بدون طيا عدة غارات على المنطقة.
وأفاد مسؤولون أمريكيون أن العملية التي نُفذت فجر اليوم جرى الإعداد لها داخل البنتاجون منذ أيام لاستهداف زعيم تنظيم داعش. فقد قرر قرداش استغلال حالة السيولة التي تتمتع بها قرية أطمة كمكان يعج بالنازحين والفارين من الصراع في العديد من المناطق السورية للاختباء والتي تخضع تحت سيطرة هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقًا). وبينما هاجمت فرقة من قوات الكوماندوز الأمريكية مبنى من طابقين كان يقيم فيه زعيم داعش فإن انفجارًا حدث في المبنى غير ناتج عن ضربة أمريكية مباشرة، وهو ما يشير على الأرجح إلى أن أبا إبراهيم القرشي الهاشمي فجّر نفسه بحزام ناسف كان يرتديه؛ رغبة في عدم تمكين القوات الأمريكية منه. وهو ما برر به مسؤولون أمريكيون سقوط ضحايا مدنيين في العملية، بجانب 3 نساء تشير تقارير إلى أنهن قد يكن زوجات قرداش.
https://www.skynewsarabia.com/middle-east/1498571
من هو أبو إبراهيم القرشي
هو أمير محمد سعيد عبد الرحمن المولى أو عبد الله قرداش المعروف باسم “أبي إبراهيم القرشي”، نُصّب في 31 أكتوبر 2019 من قبل قيادة تنظيم الدولة الإسلامية خلفًا لأبي بكر البغدادي. وهو ذو أصول تركمانية، وُلد عام 1976 ونشأ في منطقة تلعفر العراقية، وتخرج في كلية العلوم الإسلامية في الموصل، انضم إلى صفوف تنظيم القاعدة بعيد الغزو الأمريكي للعراق في العام 2003، وتدرج حتى أصبح الفقيه العام لتنظيم القاعدة.
في عام 2004، ألقت القوات الأمريكية القبض عليه بسبب صلاته بالقاعدة. أثناء سجنه في معسكر بوكا بالبصرة، بالقرب من الحدود العراقية الكويتية، التقى قرداش بالبغدادي في معسكر بوكا في عام 2014، فترك القاعدة وبايع أبا بكر البغدادي، وسُرعان ما تقدم في المناصب في تنظيم داعش، حتى شغل منصب امير ديوان الأمن العام في سوريا والعراق، ومنصب وزير التفخيخ والانتحاريين داخل التنظيم.
في أغسطس 2019، أفادت وكالة أعماق التابعة لتنظيم داعش أن البغدادي قد رشح المولى خلفاً له، وفي 21 أغسطس 2019، عرض برنامج المكافآت من أجل العدالة التابع لوزارة الخارجية الأمريكية مكافأة قدرها 5 ملايين دولار مقابل أي معلومات تؤدي إلى القبض عليه، ورفعت وزارة الخارجية المكافأة إلى 10 ملايين دولار في 24 يونيو 2020.
سياقات تصاعدية
تأتي العملية الأمريكية باستهداف زعيم تنظيم داعش أبي إبراهيم الهاشمي القرشي في سياق تصاعدي لنشاط تنظيم داعش مؤخرًا؛ إذ كثف التنظيم من عملياته في الآونة الأخيرة في كل من سوريا والعراق، منفذًا عددًا من العمليات الكبيرة، لعل من أكبرها عملية الهجوم على سجن الصناعة أو غويران في مدينة الحسكة في شمال شرق سوريا، والتي هدفت تحرير مقاتلي داعش المحتجزين في السجن والذين يصل عددهم إلى نحو 3000 عنصر، وخلّفت نحو 120 قتيلًا من قوات سوريا الديمقراطية التي كانت تتولى حماية السجن. ذلك فضلًا عن تنفيذ تنظيم داعش عملية نوعية استهدفت سرية للجيش العراقي في منطقة العظيم بمحافظة ديالى (21 يناير)، مخلفة 11 جنديًا عراقيًا.
وقد أظهر كلا الهجومين رغبة من التنظيم في العودة مجددًا، وإثبات قدرته على البقاء رغم كل ما قيل عن القضاء على التنظيم بعد القضاء على آخر معاقله في قرية الباغوز في شمال شرق سوريا (مارس 2019)، ومقتل مؤسسه أبي بكر البغدادي (26 أكتوبر 2019). ويتضح من الهجومين وجود تنسيق وإعداد عالٍ من قبل عناصر التنظيم، وجرأة في التنفيذ استغلالًا للمتغيرات الجارية في منطقة الشرق الأوسط، وأهمها إعلان الولايات المتحدة إنهاء المهام القتالية لقواتها في العراق، فضلًا عن التقارير التي تتحدث عن انسحاب أمريكي وشيك من سوريا، والضربات التي تتعرض لها القواعد العسكرية الأمريكية وقواعد التحالف في كل من سوريا والعراق على يد الفصائل الموالية لإيران.
وذلك على الرغم من استمرار عمليات التحالف الدولي ضد داعش في كل من سوريا والعراق، بل وإعلان الولايات المتحدة استهداف بعض قادة التنظيمات الإرهابية، منها استهداف القيادي في تنظيم القاعدة عبد الحميد مطر في هجوم بطائرة مسيّرة (23 أكتوبر 2021)، وكذا استهداف مصعب كنعان القيادي في تنظيم حراس الدين التابع لتنظيم القاعدة (3 ديسمبر 2021).
.
رابط المصدر: