هي الحياة قابلة للتغيير والتأثر بالجديد الوافد، حتى تغلبت المظاهر الحديثة على القديم السائد، ففي السابق كانت الساعة الأخيرة من النهار تشهد تبادل لأطباق الاكل بين الجيران، كجزء من تقليد توارثوه من الاسلاف، وجرت العادة على تكراره في شهر رمضان الكريم، اما اليوم ذابت هذه الممارسة الاجتماعية…
تعايشت مع شهر رمضان منذ طفولتي عندما كان يحمل روحانية وهدوء كبيرين، تواصل انساني بين الاهل والاحباب، حضور الفعاليات الدينية المختلفة، تشعرك وكأنك دخلت الى منطقة أخرى مختلفة الى حد كبير عن المنطقة التي قضيت فيها أيام السنة المتبقية، اما اليوم فقد اختفت الكثير من العادات ودخلت جرافة العولمة تداهم الموروث القيمي الخاص بشهر الله وتهدم اغلب أركانه.
هي الحياة قابلة للتغيير والتأثر بالجديد الوافد، حتى تغلبت المظاهر الحديثة على القديم السائد، ففي السابق كانت الساعة الأخيرة من النهار تشهد تبادل لأطباق الاكل بين الجيران، كجزء من تقليد توارثوه من الاسلاف، وجرت العادة على تكراره في شهر رمضان الكريم، اما اليوم ذابت هذه الممارسة الاجتماعية.
تبادل الاكلات ومشاركتها في الشهر المبارك بالتحديد يبعث برسالة واضحة عن توحيد المجتمعات الإسلامية، التي تتميز عن غيرها من المجتمعات بهذه الخصلة المتفردة، فتقديم الطعام بهذه الصورة له وقع في النفوس وان لم تكن حاجة لها، كأنها تزيد من اللحمة بين الجيران وتبعث برسالة اطمئنان وتجاوز الخلافات التي قد تحصل بينهم.
بهذه الأجواء تشعر ان شهر رمضان ولّد توليفة غير ممكن تكوينها في شهور السنة الاخرى، وتعد هذه المظاهر من الأشياء الملازمة لطقوس الشهر الكريم وما تحمل بين طياتها ما يرسخ النظم الاجتماعية والعلاقات الاسرية من تبادل للزيارات وحرص العديد على ادامة السكينة الاجتماعية.
اليوم اخترقت المظاهر الحديثة الحياة الاجتماعية وتحولت اغلب المظاهر القديمة الى ماضي يذكر ولا يتكرر، فتبادل الاكلات من الأشياء التي انقرضت بشكل اشبه بالكامل، والابواب موصودة لا يفتحها الا الضيوف القادمين بعد تحديد موعد الزيارة، وعدد الافراد، ووقت المجيء الذي لا يُحبب تجاوزه.
ومن المظاهر العصرية التي ازاحت بعض التقاليد او الأعراف الرمضانية، هو نوع الاكلات وأسلوب تناولها، ففي السابق كانت اغلب الموائد تتسم بالبساطة وعدم التكلف، لسببين الأول هو ضعف الحالة الاقتصادية، والثاني هو القناعة الكبيرة بما لدى الاسر من مؤمنة، وعدم التسابق وراء مظاهر الحياة الحديثة والبراقة.
فالمسلمون اليوم يصرفون على أكل شهر رمضان ومشربه أضعافا مضاعفة عن أي شهر آخر، فبدل أن يفطر الصائم على تمرة وشربة ماء وقليل من الطعام، يجلس أمام مائدة مليئة بأصناف طعام لا تُعد ولا تُحصى، حتى أن الأطباء في المستشفيات يكونون في حالة استنفار، خصوصا في الأسبوع الأول من الشهر؛ لاستقبال حالات اضطرابات المعدة وأمراض السكر والضغط.
وعلى المستوى العبادي كثير من الممارسات أفلت عن الساحة، فلم تعد المجالس القرآنية تعقد بكثافة كما ينبغي لها، وحلت محلها جلسات مضمونها العام الفكاهة او السخرية من بعض الممارسات الاجتماعية غير المسؤولة، او الحديث عن الاعمال الدرامية التي اخذت المبادرة في افتعال المشاحنات الموسمية من خلال انتاجها اعمال في معظمها بائسة.
وركزت في قدر كبير منها على ما يسمى اليوم بالحس الفكاهي، لكنها تخدش الحياء الإنساني السليم، وتبتعد عن الفكاهة اميال، ومع ذلك تحظى بمشاهدة وتفاعل كبير من قبل الجمهور الذي لا يستنكر هذه الاعمال ولا يستهجنها، وهذا البرامج ليست ببعيدة عن برامج «المقالب»، التي تقوم على الإساءة لروح الإنسان بالمطلق، عبر وضع أناس «فنانين او مشاهير بمجالات اخرى» أو غيرهم في مواقف، “مقالب” يرفضها الحس الإنساني والذوق العام.
بعض مظاهر الشهر الفضيل اخذت بالتآكل والشيء الغريب هنالك من لا يزال يعمل على المزيد من التآكل المؤلم.
المصدر : https://annabaa.org/arabic/authorsarticles/38377