“بميزان الربح والخسارة”.. هل بات الاتفاق التركي مع السويد وفنلندا لانضمامهما للناتو مهددًا؟

 نرمين سعيد

 

في ظل ما تصفه وسائل الإعلام التركية الموالية للحكومة بأنه انتصار جيوسياسي للرئيس رجب طيب أردوغان، فٌتح الباب على اتساعه أمام مجموعة من التساؤلات حول الأسباب التي دفعت أنقرة للتراجع عن موقفها من انضمام السويد وفنلندا إلى حلف الناتو، في وقت بات فيه الحلف الأمني التقليدي في خطر بعد التوسع الروسي على أرض الواقع.

الدولتان اللتان أثارتا ما بدا أنه زوبعة في حلف الناتو، استطاعتا التوصل مع تركيا لصيغة تضمنت مراعاة مخاوفها الأمنية، التي تتركز بشكل أساسي على الجماعات الكردية التي تصفها أنقرة بأنها إرهابية، مقابل تراجعها عن استخدام حق الفيتو في منعهما من الانضمام للحلف الأمني، ونص الاتفاق على التالي “ستعالج فنلندا والسويد طلبات الترحيل أو التسليم المعلقة لتركيا للمشتبه بهم بالإرهاب على وجه السرعة وبشكل شامل ، مع الأخذ في الاعتبار المعلومات والأدلة والمعلومات الاستخباراتية المقدمة من تركيا، ووضع الأطر القانونية الثنائية اللازمة لتسهيل تسليم المجرمين والتعاون الأمني مع تركيا وفقًا للاتفاقية الأوروبية لتسليم المجرمين”، وقد بدا أن أردوغان قد حصل على الثمن بموافقة واشنطن على بيع تركيا مقاتلات إف 16 التي ستنقذ منظومة سلاحها الجوي المتقادمة، كما أن الرئيس التركي تمكن من مناقشة مسألة التهديدات الكردية في جلسة داخل اجتماع لحلف الناتو، الأمر الذي سيستغله الرئيس التركي لاستعادة بعض من شعبيته المفقودة  وإن كان الاجتماع الذي تضمن جلسة “جنوبية” قد ركز بشكل أكبر على مخاوف إسبانيا من الهجرة غير الشرعية والجماعات المسلحة في أفريقيا.

الموقفان الأوروبي والروسي

في الجناح الأوروبي يصفون الخطوة التركية بأنها هزيمة، لأن المقابل الذي حصل عليه أردوغان لا يساوي الزخم الذي أضاعه بإعادة وضع تركيا على طاولة السياسات الدولية العليا، والتي اكتسبتها كونها قادرة على عرقلة انضمام السويد وفنلندا ودول أخرى إلى الناتو وتشكيل تهديد للأمن الأوروبي. مع الأخذ بالحسبان أن تركيا تتمتع بعلاقات خاصة مع روسيا وهي أكثر قربًا لها من أي دولة أخرى في الحلف، ولكن هذه العلاقات مرشحة للتراجع بقوة لأسباب تتعلق بالتحركات التركية في سوريا إبان الأزمة الأوكرانية، ومؤخرًا موافقتها على انضمام السويد وفنلندا لحلف شمال الأطلنطي.

ناهيك على أن هذه الخطوة لن تحسن من سمعة تركيا داخل الحلف الأمني، الذي بات يدرك أن الأمر بالنسبة لأردوغان هو قضية مصلحة شخصية وليس قضية مصلحة عامة أو عليا للحلف، والدليل على ذلك أنها قامرت بالأمن القومي لدول الحلف عندما أصرت على شراء منظومة أس- 400 الروسية.

وعلى الجانب الآخر تقف موسكو مترقبة لإمكانية إقامة الناتو لبنية تحتية عسكرية في السويد وفنلندا، خصوصًا أن موسكو ترى أن واشنطن على سبيل المثال لن تكون مجبرة على أخذ موافقة هلسنكي إذا ما قررت نشر بنية تحتية لحلف شمال الأطلنطي في البلاد، وهو ما أثار حفيظة الكرملين الذي سيرد بشكل مماثل إذا ما صدقت التوقعات.

سياسة التسويف وجني الثمار

من جديد، إذا كانت السويد وفنلندا قررتا مراعاة المخاوف الأمنية التركية فيما يتعلق بتوفير مأوى للأكراد، فإنهما لا تزالان قادرتين على المناورة وممارسة سياسة التعتيم والتسويف عندما يتعلق الأمر بتسليم الإرهابيين الذين تأويهم من الأكراد، وهو ما سيتضح قريبًا في رد العاصمتين على طلب أنقرة بتسليمها نحو 33 عنصرًا وصفتهم بالإرهابيين من الأكراد، إضافة للمنضمين لجماعة فتح الله جولن الذي تتهمه تركيا بالضلوع في محاولة انقلاب 2016.

وحسب المعلومات المتوفرة، فإن السويد وفنلندا تحتاجان لإعادة صياغة قوانين تسليم المجرمين لديها حتى تتمكن من تسليم الشخصيات المطلوبة، وهو ما يجعل سياسة التسويف مطروحة بقوة خصوصًا بعد أن أكدت ستوكهولم عبر وسائل إعلامها، أن تسليم أي شخصيات لأنقرة لن يتم إلا بقرار محكمة مستقلة، بما يتوافق مع القانون السويدي والقوانين الأوروبية، مع الأخذ بالحسبان أن المحاكم السويدية بما فيها المحكمة العليا، كانت قد رفضت طلبات سابقة لتركيا معنية بنفس الشأن وهو ما وقعت عليه أنقرة في الاتفاقية الثلاثية بينها وبين ستوكهولم وهلسنكي، ولكنها لا زالت تلوح حتى اليوم بأنها قادرة على عرقلة انضمام الدولتين إذا فشلتا في الالتزام بالاتفاق.

الاتفاقية التي توصلت لها تركيا مع ستوكهولم وهلسنكي ترشحها لرفع حظر الأسلحة المفروض عليها، ولكن بما أن الشهية التركية مفتوحة على الأسلحة الأمريكية فيمكننا الإشارة هنا إلى أن أنقرة لم تحقق أي نوع من الاختراق في علاقتها مع واشنطن حتى الآن، ولا ينبغي النظر إلى صفقة إف 16 “إن تمت” باعتبارها تنازلاً أو تراجعًا أمريكيًا، لأن ذلك كان متوقعًا في أروقة الكونجرس حتى قبل ظهور أزمة الناتو، وبما أن أنقرة عضو في التحالف الأمني فليس من الحكمة السياسية التضييق عليها إلى هذا الحد، خصوصًا وأن واشنطن لا ترغب في أن تكون روسيا متفوقة في الميدان السوري، مع الأخذ بالحسبان هنا أن صفقة إف 16 لا تعدو كونها جائزة ترضية مع استمرار طرد تركيا من منظومة إف 35 الأمريكية.

تداعيات أمنية لانضمام السويد وفنلندا

ينظر لانضمام السويد وفنلندا للناتو باعتباره تغيرًا لخارطة الأمن الإقليمي والدولي، ذلك أنه سيكون مشجع لغيرهم من الدول المحايدة على التخلي عن حيادها ومحاولة الانضمام لتحالفات أمنية، مما يعد تغير لمنظومة التفكير العسكري والأمني عقب الأزمة الأوكرانية التي اشتعلت في فبراير الماضي. ومن شأن هذا أن يطيل أمد الحرب لأنه يؤدي لعسكرة المنطقة المحيطة ببؤرة الصراع في أوكرانيا، في إشارة إلى أن أوروبا تسير في الاتجاه الذي تخطط له الولايات المتحدة، حيث أشار تقرير منشور على موقع سي إن إن في يونيو الماضي، إلى أن الرئيس الأمريكي كان قد اقترح على الرئيس الفنلندي انضمام بلاده إلى حلف الأطلنطي في ديسمبر الماضي، فيما بدا أنه دفع من واشنطن لمحاصرة روسيا وإشعال الأمور في أوكرانيا، وذلك لحاقًا بدول أخرى كانت عضوة في حلف وارسو مثل المجر وبولندا والجمهورية التشيكية، في وقت يشار فيه إلى حلف الناتو باعتباره أداة استراتيجية للولايات المتحدة وليس بالضرورة لتحقيق المصلحة الأوروبية.

والسؤال المثار هنا هو من يدعم حزب العمال الكردستاني في السويد؟ وللإجابة فإنه في نوفمبر الماضي وعد الاشتراكيين الديمقراطيين السويديين بتعميق تعاونهم مع حزب الاتحاد الديمقراطي، في محاولة منهم لإيجاد أغلبية برلمانية لحكومة الأقلية الخاصة بهم. لكن في أواخر يونيو، أنهى البرلمان السويدي ولايته مما يجعل رفع الدعم عن العمال الكردستاني ممكنًا؛ الأمر الذي ترك العديد من أبناء الأقلية الكردية داخل السويد في حالة ذهول من الاتفاق الثلاثي، وقد وصلوا إلى ستوكهولم كلاجئين على مدى عقود مكونين أقلية تؤثر في الانتخابات، ولا مرية أن ستوكهولم أحسنت عندما رجحت أمنها القومي على تضامنها مع القضية الكردية. ولكن على الرغم من ذلك، فإن الأكراد فقدوا في مرحلة ما بعد داعش الكثير من الدعم الغربي النشط والتعاطف مع قضيتهم، وهو ما يمكن لموسكو أن تستغله بسهولة عن طريق أخذ خطوات في الفراغ وإعادة تمثيل دورها القديم وإحياء التهديد الكردي على طول حدود تركيا وداخلها.

مخاوف حقيقية أم حيلة؟

تكمن الحيلة الأردوغانية في التعامل مع انضمام ستوكهولم وهلسنكي لحلف شمال الأطلنطي في المساومة، لأنه حتى لو فرضنا أن المخاوف التركية من الإرهاب الكردي حقيقية وفي ذلك الكثير من المبالغة، فإن أردوغان يدرك مسبقًا صعوبة تسليم أي من الأسماء المطلوبة لأنقرة قبل صدور حكم قضائي، ومن ثم فإن مناورته مع الناتو كانت تستهدف بشكل أساسي خلق بؤر خارجية للصراع تظهر فيها تركيا بمظهر المتحكم في الأمور، للتغطية على حالة التردي الاقتصادي والتضخم التي يعيشها الداخل التركي، فضلًا عن استباق الانتخابات التركية والترويج لصفقة إف 16 على أنها انتصار لأردوغان إذا ما تمت بالفعل. كما أن في الأمر إشارة للديمقراطيات الغربية بعدم التدخل في الشأن التركي في الوقت الذي يبدو فيه الرئيس التركي عاقدًا العزم على الاحتفاظ بالسلطة في البلاد.

أما ستوكهولم وهلسنكي فهما مدفوعتان حقيقة للانضمام للناتو بواقع عدم امتلاكهم لترسانات نووية، ومع تعالي صوت التهديد الروسي بتوظيف ترسانتها كلما احتدمت الأمور، تصبح الطريقة الوحيدة التي يمكن أن تحصل بها فنلندا والسويد على الحماية من الابتزاز النووي الروسي هي الانضمام إلى حلف الناتو، الذي يمتلك ثلاثة من أعضائه (الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا) أسلحة نووية خاصة بهم، ونظرًا لأن جميع أعضاء الناتو ملزمون بحماية أي عضو يتعرض للهجوم، فإن ذلك يمنح السويديين والفنلنديين ضمانًا نوويًا.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/71336/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M