مصطفى السراي – قسم الدراسات السياسية بمركز البيان
بدأت الحياة الحزبية في العراق مع بداية تكوين الدولة العراقية عام 1920، وكانت الانطلاقة الأولى لتأسيس الأحزاب هو صدور قانون الأحزاب السياسية في العهد الملكي لعام 1922، واتصفت الأحزاب السياسية بهذه الفترة بنوع من التعدد والغموض، وانقسمت آنذاك إلى خمس مجموعات رئيسة كالمحافظين، والاشتراكيتين الإصلاحين، والقوميين، والماركسيين، والدينين، كانت تحاول كل مجموعة من هذه المجاميع إلى تصدّر الحياة الحزبية العراقية ومن ثَم المسك بزمام الأمور السياسية للقيادة، استمرّت هذه الأحزاب بالعمل والتنظيم الذي اتخذ من القيم الثقافية_ الفكرية مُنطلقاً له في رصّ صفوفه، إذ كانت الأحزاب تحرص على نشأة فكر سياسي مُعيّن من خلال استمالة الطلاب والمثقفين، وإصدار الصحف والمجلات والبناء الهيكلي الداخلي للحزب، ومع بداية التغيّرات في الساحة العالمية وأحداث الحرب العالمية الثانية بدأ يظهر تياران فكريان يتنافسان على القيادة السياسية والحزبية وهما المحافظين والمحدثين، إذ انقسمت أغلب الأحزاب ضمن توجّهاتهما، واستمرّ ذلك حتى تغيّر النظام السياسي في العراق عام 1958، وبدأ التيار القومي يلعب دوراً بمعية باقي الأحزاب السياسية ومع تسنّم حزب البعث زِمام الأمور السياسية والقيادية في البلد، بدأت تذوب الحياة الحزبية ولم يبقَ منها شيء سوى الأحزاب المعارضة (أحزاب المعارضة الدينية) التي اتخذت المعارضة المسلحة أسلوباً لتوجهاتها، كانت هذه الأحزاب السياسية جميعها تعمل على البناء الحزبي التنظيمي والجماهيري، إما بالشكل الهرمي الذي ينطلق من الأسفل إلى الأعلى أو بالشكل السلطوي من ناحية المستأثر أو المعارض.
ومع تغيّر النظام السياسي في العراق بعد 2003، بدأت الحياة الحزبية بالعمل السريع والمتعدّد في ظل بيئة سياسية واجتماعية وثقافية مُختلفة جداً، الأمر الذي سهّل عملها تارةً وعقّد الأمر تارةً أخرى، لذا مرّت الأحزاب السياسية في العراق بعد 2003، بعدة مراحل من الناحية التنظيمية بغّية الوصول إلى التنظيم الحزبي الحقيقي، وتكوين بناء حزبي قوي يستند على أُسس قانونية وقواعد تنظيمية من أجل تحقيق عدة أهداف منها:
عكس الصورة الديمقراطية للنظام السياسي بضمان وجود أحزاب سياسية وتعددية سياسية.
تنظيم عمل الأحزاب السياسية بشكل مُنسق يسهل عملية التعامل معها واستمرارها وديمومتها.
إضفاء الشرعية القانونية على وجود الأحزاب، وحسم الجدل حول شرعيتها القانونية؛ بسبب عدم وجود قانون مشرّع يُنظم عملية الأحزاب السياسية.
ضمان استمرار العملية الانتخابية بجزء من الكامل من خلال وجود أحزاب مُنظمة ولها عمل خلال فترة ما قبل الانتخابات وما بعدها، ولا تنشط كتكتّل انتخابي في فترة الانتخابات فقط.
وبناءً على ذلك شُرّع قانون الأحزاب والتنظيمات السياسية رقم (36) لسنة 2015، من مجلس النواب العراقي، حمل هذا القانون العديد من المواد الإيجابية وفي الوقت ذاته حمل الكثير من المواد السلبية والفضفاضة وحمّالة الأوجه، وبعد مرور ما يقارب ست سنوات على تشريع القانون وإقامة دورتين انتخابيتين في ظل وجوده، وتكوين أحزاب عديدة وفقاً لهذا القانون، من المهم أن نناقش دور وطبيعة قانون عملية بناء الحزب السياسي أو المنتظم السياسي من خلال عدة محاور:
الأحزاب السياسية العراقية قبل 2015:
جاء أول تنظيم للأحزاب السياسية بعد عام 2003، وفق قرار (97) لسنة 2004 من سلطة الائتلاف المؤقتة بقيادة (بول بريمر)، الذي عُدَّ بمثابة قانون الأحزاب السياسية آنذاك والذي نظم عملها؛ ليتمشى الأمر مع مضمون قرار رقم (92) لسنة 2004، الصادر أيضاً من سلطة الائتلاف المؤقتة التي شُكّلت بموجبه المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، جاء القراران وفق رؤية تكاملية كون (لا ديمقراطية من دون أحزاب)، وكان لا بُدّ أن تُنظم هذه العملية بإطار قانوني، لذا بموجب قرار رقم (97) تشكلت الكيانات السياسية، وبموجب القرار رقم (92) سُمح لها خوض الانتخابات، إلا أنَّ هذا الأمر واجه الكثير من الانتقادات والمآخذ إلى ما آلت إليه شكل العملية السياسية فيما بعد، ومن أهم هذه المآخذ ما يأتي:
إنَّ القرار صدر من بيئة ضعيفة ولا تتماشى مع طبيعة وحجم الوضع السياسي، أو الاجتماعي الذي يؤسس إلى نظام ديمقراطي قوي.
لقراءة المزيد اضغط هنا
.
رابط المصدر: