بوتين 2036: القائد الأوحد

عبد الامير رويح

 

استطاع الرئيس الروسي فلاديمير تحقيق انتصار سياسي جديد، بعد التصويت على التعديلات الدستورية التي تتيح له البقاء في حكم حتى لعام 2036، هذا التعديلات المهمة ستتيح لقيصر روسيا تنفيذ جميع الخطط والاهداف المرسومة، وستمكنه من توسيع نفوذ روسيا في بعض المناطق المهمة. روسيا هي إحدى الدول العظمى التي تحتفظ بالعضوية الدائمة في مجلس الأمن الدولي ولها حق الفيتو إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية والصين وفرنسا وبريطانيا. كما أنها أكبر جمهوريات الاتحاد السوفيتي سابقا.

وتلعب روسيا بحكم قوتها العسكرية وكونها أحد أعضاء مجلس الأمن الدولي الدائمين دورا رئيسيا في السياسة العالمية. غير أن الغرب يتهمها بتقييد حرية الرأي والتعبير وتأجيج نار الأزمة الأوكرانية ونزاعات أخرى في ظل حكم بوتين، وقد أدى ذلك إلى زيادة التوترات بين الطرفين خلال السنوات القليلة الماضية. وعلى مدار سنوات، صنّف الرئيس الروسي بأنه “الرجل الأقوى في العالم”، بقدرة عالية على الموازنة بين مختلف عناصر القوة الداخلية والخارجية.

ويرى بعض المراقبين ان الرئيس الروسي قد استفاد اليوم من الازمة الصحية الكبيرة التي يشهدها العالم بسبب تفشي فيروس كورونا، من خلال تضييق الخناق على المعارضة ووسائل الاعلام المحلية ومنع الاحتجاجات والتجمعات وهو ما اتاح له الحصول على تأييد شعبي مهم. وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن المجتمع الروسي أظهر وحدته من خلال التصويت بتأييد إصلاحات، وإن الروس كانوا يشعرون بقلوبهم بالحاجة إلى هذا التغيير.

وأصدر بوتين (67 سنة) مرسوما يقضي بدخول التعديلات الدستورية حيز التنفيذ اعتبارا من الرابع من يوليو تموز بعد أن أيدها 78 في المئة تقريبا من الروس، بحسب النتائج الرسمية لتصويت استمر أسبوعا. وأشاد الكرملين بالنتيجة واصفا إياها بأنها انتصار لكن منتقدين قالوا إن التصويت غير قانوني وغير شرعي، وقالت مجموعة مراقبة مستقلة إنه شابته مخالفات خطيرة. وقال بوتين في أول تعليق علني على التصويت ”كان الناس يشعرون من قلوبهم بأن ما هو معروض عليهم (التعديلات)… هو المطلوب وهو ما تحتاجه البلاد“. وأضاف ”بصورة عامة، أظهرت نتائج التصويت درجة عالية من الوحدة في المجتمع بشأن القضايا الرئيسية الهامة للوطن“. وتمنح التغييرات الأخرى في الحزمة الإصلاحية الرؤساء السابقين الحصانة من الملاحقة القضائية.

أغلبية ساحقة

وفي هذا الشان فتح الروس الباب أمام الرئيس فلاديمير بوتين ليبقى في السلطة حتى عام 2036 بتصويتهم بأغلبية ساحقة لصالح حزمة تعديلات دستورية تسمح له بترشيح نفسه للرئاسة فترتين جديدتين غير أن معارضين قالوا إن النتائج شهدت تزويرا على نطاق واسع. وأظهرت النتائج الرسمية التي نشرت بعد فرز 99.9 في المئة من بطاقات الاقتراع أن بوتين، ضابط المخابرات السوفيتية السابق الذي يحكم روسيا منذ أكثر من 20 عاما كرئيس أو رئيس للوزراء، فاز بسهولة بالحق في الترشح مرتين أخريين للرئاسة بعد انتهاء ولايته الحالية في 2024. وهذا معناه أن بوسع بوتين (67 عاما) أن يبقى رئيسا لروسيا لمدة 16 سنة أخرى.

وقالت لجنة الانتخابات المركزية إن 77.9 في المئة من الأصوات التي تم فرزها في أنحاء أكبر دولة في العالم من حيث المساحة جاءت مؤيدة لتغيير الدستور. وصوت برفض التعديلات الدستورية ما يزيد قليلا على 21 في المئة من الأصوات. وقالت إيلا بامفيلوفا رئيسة اللجنة إن التصويت اتسم بالشفافية وإن المسؤولين بذلوا كل ما في وسعهم لضمان نزاهته. غير أن السياسي المعارض أليكسي نافالني كان له رأي مختلف إذ وصف التصويت بأنه استعراض لا شرعية له وغير قانوني هدفه إضفاء الصبغة القانونية على تولي بوتين الرئاسة مدى الحياة.

وأضاف أن المعارضة لن تنظم احتجاجات الآن بسبب جائحة فيروس كورونا المستجد لكنها ستخرج للاحتجاج بأعداد كبيرة في الخريف إذا منعت السلطات مرشحيها من المشاركة في انتخابات إقليمية أو تعرضت نتائج هذه الانتخابات للتزوير. ومما شجع الناخبين على المشاركة في التصويت إجراء سحوبات على جوائز تقدم شققا سكنية وحملة إعلانية تسلط الضوء على تعديلات أخرى في ذات الحزمة لها شعبية مثل حماية معاشات التقاعد وفرض حظر على زواج المثليين.

وبأمر من بوتين جرى تحويل مبلغ عشرة آلاف روبل (141 دولارا) كمنحة مالية لمرة واحدة إلى كل أُسرة من أُسر الناخبين لديها أطفال وتوجهت لمراكز الاقتراع، وقال الناخب ميخائيل فولكوف، من سكان موسكو ”صوت لصالح التعديلات الدستورية. نحتاج إلى تعديلات جذرية وأنا أؤيدها“. وصوت آخرون لصالح التعديلات لكن بحماس أقل. من هؤلاء ناخبة تدعى ليودميلا قالت ”صراحة لم أقرأ عن التعديلات… ما جدوى التصويت إذا كانوا قرروا بالفعل من أجلك. هذا حال بلدنا، اقرأ شيئا وصوّت، وأنا أدليت بصوتي“. وقال مسؤولو الانتخابات إن نسبة الإقبال بلغت نحو 65 في المئة. بحسب رويترز.

وذكر تلفزيون راين أن مجموعة صغيرة من النشطاء نظمت احتجاجا رمزيا في الميدان الأحمر وشكلوا بأجسامهم تاريخ 2036 قبل أن تلقي الشرطة القبض عليهم على وجه السرعة. وشكا الحزب الشيوعي المعارض، الذي نصح أنصاره بالتصويت برفض التعديلات الدستورية، من حدوث تجاوزات. وقال زعيم الحزب جينادي زيوجانوف إن بوتين والناخبين في حاجة لتقييم عواقب التمسك بسياسات القائد الروسي التي قال إنها أفشلت الاقتصاد. وأشاد الكرملين بنتيجة التصويت واصفا إياه بأنه انتصار ودليل على ثقة الجماهير بالرئيس.

الإنقسام بين الأجيال

من جانب اخر تخوض ليودميلا يودينا (81 عام)، وهي معالجة نطق متقاعدة ومؤيدة لفلاديمير بوتين، منذ أسابيع جدلا مع حفيديها المعارضين للإصلاحات الدستورية التي يريدها الرئيس الروسي. وتقول ليودميلا “إني أوضح (لأحفادي) أنه لا توجد جريمة في هذه الاصلاحات، وأنه أول رئيس لا يثير لدينا الخجل، وأنه حازم ويعرف كيف يدافع عن بلدنا”، وذلك بعد غداء عائلي على شرفة منزلهم الريفي في قرية أندريفسكويي، التي تبعد 50 كم عن موسكو. وترى الجدة أن “الجيل الجديد منخرط مع الأسف لصالح الغرب بدلاً من الحفاظ على القيم الروسية الخاصة”.

وتنتقي الجدة أيضًا كلماتها كي تشرح لإيفان (19 عام) وإيليا (20 عام) أن المادة التي تحدد الزواج بالذكور والإناث تهدف إلى الدفاع عن “الأسرة الحقيقية”، معتبرة المثلية الجنسية “لعبة لمواكبة العصر لدى البعض ومرض بالنسبة للبعض الآخر”. ويشير طالب الطيران إيفان، من جهته، إلى أن “الشباب هم الذين سيضطرون للعيش مع هذا الدستور” وأنه لا يريد أن تكون روسيا “دولة محافظة شمولية أكثر”.

ويعرب إيليا، وهو طالب في جامعة لومونوسوف المرموقة في موسكو، عن حنقه إزاء إصلاح “الواجهة” هذا، الذي يعتبر أن “هدفه الرئيسي” هو ضمان بقاء بوتين في السلطة حتى عام 2036، أي حتى يبلغ 84 عاما. ويرى أنه تم تكييف المسنين منذ العهد السوفيتي بخطابات رسمية وبالدعاية التي تبثها وسائل الإعلام العامة. ولا تبدو هذه الحالة وحيدة، فقد أشارت استطلاعات الرأي إلى أن غالبية الروس الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و 24 عامًا غير راضين عن السياسة القائمة، وفق ما أشار عالم الاجتماع أليكسي ليفنسون.

إلا أن هذه الفئة العمرية لم تشهد سوى رئيسا واحدًا فقط هو فلاديمير بوتين. وتظهر دراسة أجراها مركز ليفادا المستقل أن 61 بالمئة من الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و 24 عامًا يعتقدون أن “روسيا لا تسير في الاتجاه الصحيح” وأن 33 بالمئة فقط يؤيدون الإصلاحات الدستورية مقابل 45 بالمئة ممن يعارضونها. وفي المقابل، لدى الفئات العمرية الأخرى، يرى 65 بالمئة من الروس الذين تتجاوز أعمارهم 65 عام أن البلاد تسير على الطريق الصحيح، ويؤيد 71 بالمئة منهم التعديلات التي يعارضها 11 بالمئة منهم.

وأوضح ليفنسون أن “الجيل الجديد يفضل الحريات الفردية على القيم التقليدية، إنه لا يثمن هذه السلطة الثابتة”. ويمثل هذا الجيل المدون يوري دود (33 عام) الذي صنع شهرته عبر بث أفلامه الوثائقية على الانترنت. وحصل أحد أفلامه التي بثها في شباط/فبراير على 18 مليون مشاهدة، ويروي فيه أضرار مرض الأيدز في روسيا وشجب لامبالاة السلطات بآلام لمرضى. وندّد، في 20 حزيران/يونيو، ندد على تطبيق الانستغرام بـ “استفتاء مخزٍ” يهدف فقط إلى إطالة حكم بوتين. وحصد المنشور أكثر من مليون إعجاب. بحسب فرانس برس.

واعتبرت سفيتلانا خوخلوفا (50 عام) وهي عضوة سابقة في البرلمان عن المحافظين في ضاحية إسترا، بالقرب من موسكو أن السبب الرئيسي لمعارضة الشباب تعود إلى “الدعاية المناهضة لروسيا”. ولجأت هذه الناشطة إلى شبكات التواصل الاجتماعي لشرح أهمية الذهاب إلى صناديق الاقتراع، لاستهداف الشباب الذين لا يجمعون الكثير من المعلومات من خلال وسائل الإعلام التقليدية. وأوضحت “الأمر بسيط، من يعارضون دستور بوتين لم يشهدوا الاتحاد السوفييتي كقوة عظمى ولم يعرفوا الكارثة التي حدثت في السنوات التي اعقبت (انهيار) الاتحاد السوفييتي”. وأضافت وعيناها مغرورقتان بالدموع “لدي ثلاثة أحفاد (…) ولا أريد أن يصبح أحفادي دون جنس أو جنسية أو وطن”. ولكنها ستكون مطمئنة، حيث لن تتمكن معارضة الشباب من الحؤول دون اعتماد الإصلاحات بأغلبية كبيرة في الأول من تموز/يوليو.

بوتين وضريبة الدخل

على صعيد متصل اقترح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رفع معدل ضريبة الدخل من 13 بالمئة إلى 15 بالمئة للمواطنين الأثرياء وعرض مساعدات حكومية جديدة للأسر التي لديها أطفال. وفي خطاب تلفزيوني إلى الشعب، قال بوتين (67 عاما) إن رد روسيا على أزمة فيروس كورونا أنقذ عشرات الآلاف من الأرواح وأمر بتمديد بضعة إجراءات للدعم لتخفيف التداعيات الاقتصادية.

وقال الرئيس الروسي إن المواطنين الذين يزيد دخلهم السنوي على خمسة ملايين روبل (72833 دولارا) سيدفعون ضريبة 15 في المئة بدلا من 13 في المئة حاليا. وأضاف أن التغيير في معدل الضريبة سيبدأ سريانه في أول يناير كانون الثاني 2021 وسيجلب للخزانة العامة 60 مليار روبل ستذهب لمساعدة الأطفال المرضى. وسجلت روسيا ثالث أعلى عدد في العالم لحالات الإصابة بفيروس كورونا وأنهت إلى حد كبير إجراءات العزل العام، لكن الأزمة من المتوقع أن تتسبب في انكماش الاقتصاد بنسبة 6 في المئة هذا العام. واقترح بوتين أيضا خفض الضربية على شركات تكنولوجيا المعلومات من 20 بالمئة إلى 3 بالمئة. ورغم أنه لم يقدم مزيدا من التفاصيل إلا أن الاقتراح دفع أسهم عملاق الانترنت الروسي ياندكس للصعود بأكثر من 3 في المئة.

كما حدد الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، خلال اجتماع حكومي، الأهدف الرئيسية أمام الاقتصاد الروسي في المرحلة المقبلة. وقال الرئيس الروسي، إنه من الضروري تحقيق نمو سكاني مستدام، ومكافحة الفقر، وذلك من خلال خلق وظائف جديدة، وتوفير الظروف المواتية لقطاع الأعمال. وأضاف، أن المهمة الرئيسية في ظل الصعوبات الاقتصادية، التي ظهرت مؤخرا (بسبب جائحة كورونا)، هي دعم التوظيف وتحقيق استقرار في دخل المواطنين الروس.

وأشار إلى أنه خلال هذا الربيع تم اعتماد حزمة إجراءات غير مسبوقة لدعم الاقتصاد الروسي، وذلك لمواجهة تداعيات أزمة كورونا. كما طالب بوتين الحكومة والجهات المختصة بمواصلة العمل على “تبيض” وزيادة شفافية الاقتصاد، من خلال محاربة الفساد. ودعا الرئيس الروسي الحكومة إلى توسيع الأفق لتخطيط الأهداف والمشاريع الوطنية إلى ما بعد العام 2024، وتحديد الأهداف الوطنية للعقد القادم. وأشار إلى أن روسيا بشكل عام مستعدة لتصبح دولة رائدة في مجال الرقمنة والتطور التكنولوجي.

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M