نشرت صحيفة بوليتيكو الأمريكية في 5 إبريل 2022 مقالاً لميريديث لي، مراسلة الصحيفة المتخصصة في سياسات الأغذية والزراعة، بعنوان: “’نرى العاصفة قادمة‘: الولايات المتحدة تكابد لاحتواء تفاقم أزمة غذاء عالمية”، حيث استهلته بقولها إنه على الرغم من أن “المسؤولين في إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن يبذلون جهوداً حثيثة للحد من الأضرار الناجمة عن نقص الغذاء المتفاقم الذي أشعلت فتيله الحرب الروسية-الأوكرانية، إلا أنهم يواجهون تحديات سياسية ولوجستية معقدة” لتحقيق ذلك.
بينما تركز القوات الروسية من جديد الجزء الأكبر من هجماتها العسكرية على المنطقة الجنوبية الشرقية المنتجة للغذاء في أوكرانيا، يكابد المسؤولون والمشرّعون الأمريكيون للمساعدة في درء خطر أزمة عميقة داخل أوكرانيا والاقتصادات الهشة حول العالم، والتي تعاني بالفعل من كوارث مناخية، بالإضافة إلى التداعيات التي نتجت عن أزمة كوفيد -19.
يندفع الجيش الروسي بشكل أكبر نحو حقول القمح الأوكرانية، الأمر الذي قد يعرض ملايين الأطنان من الحبوب والتي من المقرر حصادها في يوليو القادم للخطر – مما يهدد بتفاقم عجز مستمر في إمدادات الدول عبر إفريقيا والشرق الأوسط، والتي تعتمد على أوكرانيا كمصدر رئيسي للحبوب وزيت عباد الشمس، لإطعام الملايين من البشر. كما ساهمت الأزمة أيضاً في الارتفاع الصاروخي لأسعار الحبوب، الأمر الذي جعل من الصعب على المنظمات الإنسانية مثل برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة الاستجابة لتلك المتطلبات؛ حيث تقول الوكالة إنها بحاجة إلى 16 مليار دولار إضافية لإطعام 137 مليون شخص لبقية العام فقط.
وقد أبلغ الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يوم الثلاثاء خ إبريل بأن موسكو تسببت في حدوث “أزمة غذاء عالمية يمكن أن تؤدي إلى مجاعة في إفريقيا وآسيا و مناطق أخرى، وبالتالي إلى فوضى سياسية واسعة النطاق في العديد من الدول”.
ويعمل مسؤولو البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأمريكية جنباً إلى جنب مع الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية وبرنامج الأغذية العالمي لمواجهة هذا العجز في الغذاء، وتعهد الرئيس جو بايدن بتقديم مليار دولار من المساعدات الإنسانية “للمتضررين من الحرب الروسية- الأوكرانية وتأثيراتها الشديدة في جميع أنحاء العالم”. لكن بعد أن وافق الكونجرس الأمريكي على 4 مليا دولار من المساعدات الإنسانية لأوكرانيا واللاجئين في البلدان المجاورة في حزمة الإنفاق الشامل الشهر الماضي، فإن العديد من المشرّعين الجمهوريين ليس لديهم رغبة سياسية كبيرة لإقرار المزيد من التمويل للمعونات الغذائية العالمية. وبينما تمتلك الإدارة الأمريكية بعض الموارد التي يمكنها الاستفادة بها من دون الكونجرس لإرسال الأغذية التي تتم زراعتها في الولايات المتحدة إلى المناطق المحتاجة؛ إلا أن واقع الزراعة الأمريكية، بما في ذلك الجفاف المنتشر على مدار العام الماضي، وتوقيت موسم الزراعة، وارتفاع تكلفة المدخلات مثل الأسمدة والوقود، يؤدي إلى الحد من كمية المحاصيل الأمريكية التي يمكن أن تساعد في سد الفجوة التي تسببت بها الأزمة في أوكرانيا.
ووفقاً لشخصين مطلعين على الخطط في الولايات المتحدة، فإن الإدارة الأمريكية تخطط لإطلاق مساعدات غذائية دولية إضافية في الأيام المقبلة، بما في ذلك صندوق بيل إيمرسون الإنساني – وهو احتياطي نقدي فيدرالي قدره 260 مليون دولار تحتفظ به الحكومة لشراء الحبوب الأمريكية والسلع الأخرى لإرسالها إلى الدول الأجنبية المتأزمة. وفي الوقت ذاته، يضغط المشرّعون الأمريكيون على وزير الزراعة توم فيلساك للموافقة على سحوبات الأموال لصالح الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، والتي تحتاج في البداية إلى التقدم بطلب ذلك بشكل رسمي. لكن مساعدي الكونجرس يعترفون بأن التمويل المتاح لا يمثل سوى قطرة في بحر، مقارنة بالمساعدات الإجمالية المطلوبة.
في غضون ذلك، فشلت محاولة الكونجرس لتقديم مساعدات خارجية إضافية في نهاية الأسبوع الماضي. حيث كانت مجموعة صغيرة من أعضاء مجلس الشيوخ تسعى إلى إحياء الجهود لخفض من 1 إلى 2 مليار دولار من التمويل الدولي في إطار حِزَم مساعدات كوفيد -19، بما في ذلك حوالي 200 مليون دولار من المساعدات الغذائية العالمية. لكن الخطة فشلت بعد أن رفض الجمهوريون الطُرق التي اقترحها الديمقراطيون لتمويل المعونات، وطالب العديد من الجمهوريين إدارة بايدن بالتراجع عن اتخاذ خطوة لإلغاء سياسة ترحيل المهاجرين التي تم إقرارها في عهد ترامب، حيث يتم تطبيق قانون الصحة العامة الباب 42 على الحدود الجنوبية، وذلك وفقاً لثلاثة من معاوني الكونجرس الأمريكي.
فقد أعرب كريس كونز (سيناتور ديمقراطي من ديل)، وهو أحد أعضاء مجلس الشيوخ الذين يضغطون من أجل توفير مساعدات غذائية إضافية، أعرب عن أسفه لهذه الخطوة من جانب بعض الجمهوريين ووصفها بأنها “خطأ فادح” وجادل بأن “المجاعة الجماعية تشكل تهديداً حقيقياً وشيكاً”. وبالإضافة إلى ذلك، حذر كونز والجمهوري ليندسي جراهام من ساوث كارولينا وأعضاء آخرون على نفس طريقة التفكير من أن مثل هذا العجز في الغذاء على نطاق واسع يمكن أن يؤدي إلى هجرة جماعية وزعزعة الاستقرار السياسي عبر شمال إفريقيا والشرق الأوسط، مما قد يمثل بدوره تهديداً للأمن القومي للولايات المتحدة. وقال كونز إنه سيضغط من أجل سداد فاتورة منفصلة لتمويل لقاحات ومساعدات غذائية عالمية.
وقال أحد كبار مساعدي مجلس الشيوخ: “نحن نرى العاصفة قادمة ولكننا نشعر بأننا غير جاهزين للتعامل معها”.
وقد أرسل السيناتور بوب مينينديز (وهو ديمقراطي من نيوجيرسي) وجيم ريش (وهو جمهوري من ولاية أيداهو)، خطاباً الثلاثاء يطالب فيه إدارة بايدن بوضع استراتيجية لمعالجة تداعيات انعدام الأمن الغذائي العالمي، بما في ذلك ” الاستفادة الكاملة” من صندوق بيل إيمرسون الإنساني وبرامج أخرى. لكنهما لم يصلا إلى حد المطالبة بتمويل إضافي من الكونجرس.
ويرصد المسؤولون في مكتب الشؤون الاقتصادية والتجارية بوزارة الخارجية الأمريكية تداعيات انعدام الأمن الغذائي العالمي الناتج عن قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بغزو أوكرانيا.
وقال رامين تولوي، رئيس المكتب (مكتب الشؤون الاقتصادية والتجارية بوزارة الخارجية الأمريكية)، إن “الفئات الضعيفة، لا سيما في الشرق الأوسط وإفريقيا، معرضة لخطر أكبر بسبب الحرب الروسية”.
وقال تولوي إن مسؤولي الدبلوماسية الأمريكية على اتصال وثيق بالدول التي يتعرض شعبها لخطر زيادة انعدام الأمن الغذائي، وأن المسؤولين الأمريكيين يعملون مع الحلفاء والوكالات متعددة الأطراف والمؤسسات المالية الدولية لمعالجة انعدام الأمن الغذائي.
ويشعر المسؤولون الأمريكيون بقلق خاص تجاه دول مثل أفغانستان واليمن، والتي تعاني بالفعل من أزمات جوع حادة؛ وكذلك الحال بالنسبة لدولة لبنان، حيث يعيش ثلاثة أرباع السكان في حالة من الفقر. وكانت تلك الدولة (لبنان)، والتي تعيش بالفعل في حالة انهيار اقتصادي، تحصل على حوالي 80 % من احتياجاتها من الحبوب من روسيا وأوكرانيا قبل اندلاع الحرب مؤخراً. وفي ضربة أخرى تعرض لها لبنان، لا تستطيع البلاد تخزين ما يكفي من القمح سوى لشهر واحد فقط، وذلك منذ انفجار بيروت عام 2020 الذي دمر صوامع الحبوب الرئيسية.
ومع تزايد عجز الغذاء، تضغط الولايات المتحدة على الهند والأرجنتين والصين ودول أخرى لديها احتياطيات كبيرة من الحبوب للتبرع ببعض إمداداتها لبرنامج الغذاء العالمي أو على الأقل إطلاقها في الأسواق العالمية. وقد حذر بايدن، بعد اجتماعه مع قادة مجموعة السبع أواخر الشهر الماضي، من عجز “حقيقي” في الغذاء العالمي. وأضاف بايدن بأن الولايات المتحدة وكندا، وهما مصدران رئيسيان للحبوب، ناقشا كيف يمكن للبلدين إرسال المزيد من الحبوب إلى الخارج للمساعدة في سد الفجوات في الإمدادات الغذائية.
لكن بينما يعمل المسؤولون الأمريكيون على التخفيف من العجز الغذائي، فإنهم يواجهون تحديات أخرى: وهي أن مستوى احتياطيات القمح العالمية، بما في ذلك في الولايات المتحدة، أصبح أقل من المعتاد بعد الجفاف القياسي الذي ضرب العالم العام الماضي. وقد جعل ذلك الحكومات التي لديها فوائض في الحبوب تتردد في الإفراج عن الكثير من إمداداتها، بما في ذلك كندا.
ويتزايد الطلب على القمح والذرة والإمدادات الغذائية الأخرى في وقت يتعرض فيه المزارعون في جميع أنحاء العالم لضغوط مالية هائلة بسبب ارتفاع تكاليف الوقود والأسمدة والبذور والمدخلات الزراعية الأخرى.
ففي الولايات المتحدة، أشارت سيسيليا روس، رئيسة مجلس المستشارين الاقتصاديين في إدارة بايدن، في حديث إلى المراسلين الأسبوع الماضي أن البيت الأبيض يتوقع من المزارعين الأمريكيين زيادة الإنتاج من أجل الاستفادة من ارتفاع أسعار السلع الأساسية، والتي قفزت بعد أن قامت روسيا بغزو أوكرانيا.
وقالت روس: “سوف يتفاعل المزارعون الأمريكيون مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية، من خلال القيام بزراعة مساحات إضافية ومحاولة الاستفادة من مؤشرات تزايد الأسعار. ولذا، فإن سوق الأغذية سيدفع بهذا الاتجاه، بحسب آليات السوق المعروفة”.
وأضافت روس بأن الحكومة الأمريكية، بما في ذلك الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، تعمل جنباً إلى جنب مع شركاء ومنظمات دولية أخرى “من أجل توفير الغذاء وتخفيف ضغوط الأسعار” على الدول المحتاجة.
لكن المزارعين الأمريكيين، والذين بشكل عام يضعون الخطط ويطلبون الإمدادات اللازمة في فصل الشتاء لموسم الزراعة الربيعي، لا يزالون موجودين بالفعل في الحقول في بعض الولايات. وقد أصدرت وزارة الزراعة بعد أيام فقط من تصريحات روس تقريراً يشير إلى أن المزارعين الأمريكيين يخططون لزراعة نفس العدد تقريباً من الأفدنة كما في العام السابق، ولكن مع زراعة مساحات أقل من الذرة – مما زاد من المخاوف بشأن احتياطيات الحبوب.
وقال النائب الجمهوري جي. تي. طومسون من ولاية بنسلفانيا، وهو كبير الجمهوريين في لجنة الزراعة بمجلس النواب، إنه من “السذاجة تماماً” من البيت الأبيض القول بأن المزارعين الأمريكيين سيمكنهم زيادة الإنتاج وسط ارتفاع أسعار الوقود وتكاليف الإنتاج الأخرى.
وقال طومسون: “نحن لا نتحدث عن مجرد الإنتاج كما دأبنا على فعله من قبل دائماً”، ولكن “في ظل أخطار الجوع والمجاعة والموت التي سيحدث، سنكون في حاجة إلى إمداد المزارعين الأمريكيين بالأدوات اللازمة التي تكفل زيادة محاصيلهم”.
ويقول طومسون ومشرّعون جمهوريون آخرون وبعض الروابط الزراعية إنهم يريدون من وزير الزراعة الأمريكي توماس فيلساك السماح للمزارعين بزراعة محاصيل على أرض تخضع حالياً لبرامج الحماية الفيدرالية، في مسعى لتلبية الطلب العالمي على الغذاء. حيث كان فيلساك قد رفض هذا الطلب مؤخراً، بحجة أن تأثير مثل هذه الخطوة سيكون محدوداً لأن “نسبة كبيرة” من تلك الأراضي تقع في مناطق تعاني من الجفاف. كما أنه غالباً ما تقع تلك الأراضي، حسب التصميم، في أماكن يصعب الوصول إليها للمساعدة في التخفيف من تآكل التربة واحتجاز الكربون. وكانت جماعات المحافظة على البيئة تضغط على فيلساك للبحث عن بدائل.
ويخشى بعض المشرّعين الأمريكيين من أن تسعى الصين أو الدول المنافسة الأخرى – في حال فشل الولايات المتحدة في حل أزمة الغذاء في العالم – إلى استخدام احتياطياتها من الحبوب لكسب نفوذ سياسي إضافي، خاصة في إفريقيا وآسيا.
و قال السيناتور كيفن كريمر (وهو جمهوري من ولاية نورث داكوتا) متحدثاً عن الصين، “إنهم مبتزون”، مشيراً إلى مساعي بكين السابقة لاستخدام السلع وأصولها الخاصة كنوع من أدوات “الإقراض الابتزازي”.
ومن غير المرجح أن تكون الصين في وضع يمكنها من تصدير كميات كبيرة من الحبوب في أي وقت قريباً، وفقاً لخبراء اقتصاديين يتابعون الموقف. ولكن من الممكن أن تحاول روسيا سد جزء صغير من فجوات الإمدادات الغذائية التي تسببت بها حربها على أوكرانيا. ولكن المسؤولين الأمريكيين يشعرون بالقلق من أن يؤدي التهديد الروسي الأخير بتصدير منتجاتها الزراعية إلى الدول “الصديقة” لها فقط، إلى التزام بعض الدول الضعيفة الصمت حيال الغزو الروسي.
وقال كريمر “هذا هو السبب في أننا – بصفتنا أمة محبة للسلام، ومحبّة للحرية، وكريمة – لا يمكننا التخلي عن دورنا في هذه المناطق الهشة”، مضيفاً بأنه سيميل إلى دعم مشروع قانون تمويل قائم بذاته بهذا الخصوص. وقال: “سيسعى آخرون لملء فراغات القيادة التي تخلفها الولايات المتحدة لأغراض أقل نبلاً بكثير”.
يقف كريمر وزملاؤه ضمن أقلية الحزب الجمهوري في الوقت الحالي، حيث يشير كثير منهم إلى أن الولايات المتحدة تمثل بالفعل أكبر مزود للمساعدات الغذائية على مستوى العالم، وأن الإدارة الأمريكية لا تزال تملك تلك الأموال من برامج المساعدات الحالية، والتي يمكنها إنفاقها لهذا الغرض – بما في ذلك جون هوفين، زميل كريمر في ولايته الأم.
فعندما سُئل هوفن عما إذا كان يتعين على الولايات المتحدة زيادة التمويل للبرامج التي تقوم على شراء السلع الأمريكية وإرسالها إلى الخارج، فأجاب بقوله، “يجب أن نستخدم البرامج الحالية” للقيام بذلك.
.
رابط المصدر: