بحث الانسان طوال التاريخ عن اختراع يمكنه محاكاة العقل البشري، وطرح هذه الفرضية مرارًا وتكرارًا في الكتب وأفلام الخيال العلمي التي سلطت الضوء على فوائد هذه التقنية وكيف ستجعل حياة الإنسان مشرقة، ولكنها أيضًا لم تغفل الجوانب السيئة المتوقعة منها، وصورت هذه التقنية على أنها العدو الشرس الذي يعتزم استبدال الانسان وتدميره. وبالفعل، خرج الذكاء الاصطناعي من مختبرات البحوث ومن صفحات الخيال، ليصبح جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية، بداية من مهام بسيطة لتجنب الازدحام المروري مثلًا، وصولًا لـ “مساعدين افتراضيين” يؤدون بدلًا من الإنسان المهام اليومية، ويستمر استخدام هذه التقنية تحت مسمى “الصالح العام”.
قراءة في ماهية الذكاء الاصطناعي
لقد أصبح “الذكاء الاصطناعي” مصطلحًا يتردد صداه كثيرًا هذه الأيام، ويطلق على جميع التطبيقات التي تؤدي مهامًا مُعقدة كانت تتطلب في الماضي إدخالات بشرية. لكنه رغم ذلك لا يزال يستخدم البيانات التي يوفرها العنصر البشري له، وهذا يجعلنا نسلط الضوء على أهم عنصر مستخدم لنجاح هذه التقنية وهو “علم البيانات”.
فللحصول على القيمة الكاملة من الذكاء الاصطناعي، تستثمر كبرى الشركات في مجال علوم البيانات، وهو مجال متعدد التخصصات يستخدم الأساليب العلمية وأساليب أخرى لاستخلاص القيمة من البيانات، تجمع بين المهارات المستمدة من مجالات مثل الإحصاء وعلوم الكمبيوتر مع المعرفة العلمية لتحليل البيانات التي يتم جمعها من مصادر متعددة، هذا بجانب الاعتماد على “الخوارزميات”، وهي قوائم القواعد التي يجب اتباعها بالترتيب الصحيح لإكمال المهمة.
وعن طريق محاكاة العقل البشري من خلال الشبكات العصبية التي تشبه الدماغ البشري في الطريقة التي يتعلمون بها المعلومات ويعالجونها، وتخطي الطريقة التي يستوعب ويتفاعل بها البشر مع العالم الخارجي، وبوجود البيانات والتحليل كما ذكرنا؛ أصبحت هذه التقنية مجهزة تمامًا للتنبؤ بالخطوة التالية التي قد يفكر بها العنصر البشري، بالإضافة إلى القدرة على حلها المشكلات والتعلم من الأخطاء كما لو كانت إنسانًا، وبالتالي القدرة على تنفيذ أي مهمة معقدة مهمًا كانت وبسرعة، حتى التي لا يستطيع الإنسان البشري نفسه حلها، وهو ما تعول عليه الشركات الآن من أجل تسريع التنافسية والإنتاجية فيما بينها، ومن المتوقع بحلول عام 2030 أن يضيف الذكاء الاصطناعي 15 تريليون دولار إلى الاقتصاد العالمي.
ويمتلك الذكاء الاصطناعي العديد من التطبيقات المهمة التي يمكن أن تساعد في تسريع التقدم نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة في العديد من المجالات المهمة، وعلى سبيل المثال:
● في مجال الرعاية الصحية؛ إذ يُستعمل الذكاء الاصطناعي للمساعدة في تقديم الفحوصات الصحية عن بُعد، ويمكن أن يحلل كميات كبيرة من البيانات لتجميع الرؤى من مجموعات كبيرة من المرضى، وتحسين التشخيص والتحليل التنبئي.
● في مجال التعليم؛ لرصد انتباه التلاميذ أو لإجراء مراقبة عاطفية لتحديد مدى راحة الأطفال في تعلم موضوعات معينة.
● في مجال التمويل؛ يقدم عادة رؤى ومساعدة في أعمال المحاسبة والاستثمار.
● في مجال الصناعة التحويلية والصناعة والنمو الاقتصادي المستدام، أدى استعمال الأتمتة، والمهاتفة المتنقلة من الجيل الخامس(5G)، وإنترنت الأشياء(IoT)، والروبوتات الأكثر شمولًا؛ إلى إحداث تحول في المصانع ومخازن الإمداد والمستودعات في جميع أنحاء آسيا وأوروبا والأمريكتين، مما يتيح تصنيع وإنتاج وتوزيع أكثر كفاءة وفعالية.
● في مجال النقل، يساعد في تسهيل تشغيل المركبات ذاتية القيادة وأنظمة القيادة المستقلة.
● في مجال الزراعة، يمكن استعماله لإدارة المزارع والتحليلات التنبؤية بناءً على بيانات من المحاصيل والتربة، ومراقبة الطقس لدعم اتخاذ القرار وتحسين استعمال الموارد.
الذكاء الاصطناعي التوليدي
في الأشهر الأخيرة، أصبح هناك عدة تطبيقات قوية وفعالة تعمل بالذكاء الاصطناعي على مستوى عالٍ للغاية، ومنها: “ChatGPT”، و”Snapchat My AI”، و“Bing Ai” و“Bard”، وهي أمثلة على الذكاء الاصطناعي التوليدي الذي يستخدم الأنماط والهياكل التي يحددها بكميات هائلة من بيانات المصدر نفسه لإنشاء محتوى جديد و“أصلي” يبدو أنه أُنشئ بواسطة إنسان.
وتقترن هذه التطبيقات ببرنامج يعرف باسم “Chatbot”، والذي من خلاله يتواصل مع المستخدمين عبر الرسائل، دون الشعور أن من تتحدث إليه هو مجرد أداة وإنما إنسان حقيقي؛ إذ يمكن لهذه التطبيقات: الإجابة على الأسئلة، ورواية القصص، واقتراح سطور من التعليمات البرمجية يمكن للمبرمجين تشغيلها واختبارها، وحتى كشف الثغرات ومحاولات الاختراق. ولكن أيضًا وفقًا للمصادر التي أعطيت لهذه التطبيقات بواسطة العنصر البشري منذ البداية مع التطوير عليها، ومن المتوقع أن يتوسع الذكاء الاصطناعي ليشمل جميع الاستخدامات اليومية؛ نظرًا لتطوره واحتمالية تقليل تكلفته في المستقبل القريب.
والجدير بالذكر أن “ChatGPT” المدعوم ماليًا من شركة مايكروسوفت والمطور من قبل شركة “Open AI” قد وصل إلى 100 مليون مستخدم في غضون شهرين، وهو رقم استغرق تطبيق “Instagram” الوصول إليه بعد عامين ونصف. ويجب التذكير هنا أن كل ما سبق ذكره هو المرحلة الأولى فقط من الذكاء الاصطناعي، وهناك مرحلتان أخريان يخشى بعض العلماء أن تهدد بقاء الجنس البشري، وباستعراض المراحل الثلاثة نجد أننا أمام:
1 – الذكاء الاصطناعي ضيق النطاق (NAI): لا يمكنه اتخاذ القرارات بمفرده، ويركز على مهمة واحدة أو أداء عمل متكرر ضمن مجموعة محددة من الوظائف، وذلك من خلال البيانات المتوفرة عبر الإنترنت، في حدود المنطقة التي تمت البرمجة من أجلها، مثل لعبة الشطرنج أو تطبيق الـ “GPS”، و”ChatGPT”.
2 – الذكاء الاصطناعي العام (AGI): ونصل إلى هذه المرحلة عندما تتمكن الآلة من أداء أي مهمة فكرية يستطيع الإنسان القيام بها، وهو ما يجري محاكاته الآن من خلال “ChatGPT-4”. ولكن في مارس 2022، دعا أكثر من 1000 خبير تقني إلى التوقف فورًا ولمدة 6 أشهر عن تدريب هذا النظام، بسبب المخاطر العميقة على المجتمع والإنسانية.
3 – الذكاء الاصطناعي الفائق (ASI): وهي المرحلة النهائية، وبتحقيقها نصل إلى أن يكون الذكاء الاصطناعي أعلى من الذكاء البشري في جميع المجالات، ما يشمل الإبداع العلمي والحكمة والمهارات الاجتماعية، الأمر الذي يصل إلى تحقيق روايات الخيال العلمي.
وعن التحديات التي تواجه الذكاء الاصطناعي، نجد أننا أمام عدة مسائل رئيسة تتعلق بـ: جودة المعلومات التي تُستعمل لتدريب التقنية، والمساءلة القانونية والمسؤولية المصاحبة لاستعمالها حال وجود تحيزات اجتماعية أو اقتصادية، بجانب الأغراض التي تُستعمل من أجلها بالأساس، وبالتأكيد ملكية البيانات “حقوق الطبع والنشر” في ظل الانتشار المتزايد للتزييف العميق.
خطورة الذكاء الاصطناعي وحقيقة استبدال البشرية
وتيرة تسريع الذكاء الاصطناعي فاجأت حتى مبدعيها؛ فقد حذر الخبراء من النمو السريع للذكاء الاصطناعي، خوفًا من أن ينافس هذا الذكاء الذكاء البشري، وقد يتفوق عليه، ويجادلون بإمكانية استخدام هذه التقنية لتوليد معلومات خاطئة يمكن أن تزعزع استقرار المجتمعات. وفي أسوأ السيناريوهات المطروحة، يعتقد الخبراء أن الآلات قد تتولى زمام الأمور، مما يؤدي إلى انقراض البشرية، ولهذا فهو لا يقل خطورة عن الأوبئة والحروب النووية؛ فقد يستخدم الذكاء الاصطناعي في صنع الأسلحة الكيميائية، ونشر المعلومات المضللة التي تقوض صنع القرار الجماعي، ونشر المراقبة والرقابة القمعية من قبل الأنظمة المستبدة، وبالطبع ضعف البشرية التي ستصبح معتمدة بشكل كامل على هذه التقنية.
يمتلك الذكاء الاصطناعي القدرة على إحداث ثورة في عالم العمل، لكن هذا يثير تساؤلات حول الأدوار التي قد يحل محلها، وهل سيتم تحرير العمال من المهام الشاقة أم تدمر فرص الحصول على الوظائف؟، فوفقًا لتقرير حديث صادر عن بنك الاستثمار، تمت الإشارة إلى أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يحل محل ما يعادل 300 مليون وظيفة بدوام كامل في جميع أنحاء العالم، وهذا يعادل ربع العمل الذي يقوم به البشر حاليًا في الولايات المتحدة وأوروبا.
ومن الصناعات التي أشار إليها التقرير التي قد تتأثر، فنجد أنها تشمل: الوظائف الإدارية بأنواعها، والوظائف القانونية، والهندسة المعمارية، والوظائف الاقتصادية والمحاسبية، والصحافة، والتصميم، والبرمجة، وحتى صناعة الأفلام وكتابة السيناريوهات، مع العلم أن استبدال الذكاء الاصطناعي في هذه الوظائف محل البشر قد يزيد الناتج المحلي العالمي بنسبة 7%، ويقلل من المرتبات الممنوحة في هذه القطاعات، هذا بجانب وظائف حيوية أخرى تتعلق بمجالات الطب والعلوم وتطوير الأدوية.
ووفقًا للتصريحات المختلفة من كبار المسؤولين حول العالم، يخشى بعضهم من تزايد قدرة الذكاء الاصطناعي على تضخيم التحيز أو التمييز، فمثلًا يمكن أن يلعب الذكاء الاصطناعي دورًا في اتخاذ قرارات مصيرية تؤثر على سبل عيش الناس، أو أن يؤثر مثلًا على نتائج الانتخابات في البلدان، ونشر معلومات مضللة، وقد تُدمر البشرية في غضون 5 إلى 10 سنوات من الآن، وفقًا لـ 42% من الرؤساء التنفيذيين لشركات حول العالم.
وقد حذر الأب الروحي للذكاء الاصطناعي “جيفري هينتون”، والمستقيل مؤخرًا من جوجل بعد أن مهدت أبحاثه حول الشبكات العصبية والتعلم العميق الطريق لأنظمة الذكاء الاصطناعي الحالية، من مخاطر التقنية؛ فأكد أنه بالرغم من أنهم لا يشكلون خطورة الآن، فإنهم مع التطور السريع سيتخطون قدرات البشر، محذرًا من الاستخدام السيئ لهذه القنبلة الموقوتة التي يمكن للمرء من خلالها أن يقلد بسرعة أسلوب الشخصيات العامة أو شبهها في محاولة لخلق حملات إعلامية مضللة، وبالتالي تمزيق الواقع وتقويض الثقة العامة، ودفع المزيد من عدم المساواة.
وقد وقع العديد من رؤساء الشركات وصناع السياسات والجمهور على عريضة تشير إلى مخاطر الذكاء الاصطناعي، وشهدت هوليود إضرابًا من قبل الكتاب التلفزيونين والسينمائيين والمدبلجين؛ خشية أن يتم إعطاؤهم أجورًا أقل إذا استخدم المنتجون الذكاء الاصطناعي في معالجة وكتابة السيناريوهات والكتب وإضافة تعليقات صوتية أقرب للحقيقية، وبالتالي الاستغناء عن خدماتهم.
بينما يرى آخرون أن العالم عليه تجنب ما يعرف بـ “هيستريا الذكاء الاصطناعي”، والتقليل من الخوف غير المبرر و”الخيالي” تجاه هذه التقنية التي طُورت بالأساس لخدمة البشرية، ولهذا يجب الاستفادة من مميزاتها وعدم الالتفات لعيوبها، وعلى العالم الاستثمار بكثافة في “أمان” الذكاء الاصطناعي والتحكم فيه.
جهود الاتحاد الأوربي والعالم لتنظيم الذكاء الاصطناعي
مما لا شك فيه أن حكومات العالم تسرع الخطى الآن لمواجهة الذكاء الاصطناعي، وتتطلع في نفس الوقت إلى وضع نفسها كمراكز له، لأن هذه التكنولوجيا ثورية، وبالتالي ذات أهمية استراتيجية للحكومات في جميع أنحاء العالم، ولهذا تحاول من خلال سن قواعد وتشريعات تنظيم عمل هذه التقنية ليكون الأمر “شأنًا عالميًا” وليس أوروبيًا فقط.
فنجد أن أعضاء الاتحاد الأوروبي قاموا بالتصويت لصالح “قانون الذكاء الاصطناعي” الذي اقترحه الاتحاد الأوروبي، والذي سيضع إطارًا قانونيًا صارمًا الأول من نوعه في العالم للذكاء الاصطناعي، وسيتعين على الشركات اتباعه؛ إيمانًا بوجود وجود “حواجز حماية” لمواجهة أكبر المخاطر التي يشكلها الذكاء الاصطناعي في قضايا كالإرهاب أو الاتجار بالبشر.
ويسعى قانون الاتحاد الأوروبي للذكاء الاصطناعي إلى “تعزيز استيعاب الذكاء الاصطناعي الجدير بالثقة والمتمحور حول الإنسان وضمان مستوى عالٍ من حماية الصحة والسلامة والحقوق الأساسية والديمقراطية وسيادة القانون والبيئة من الآثار الضارة” ويمنح القانون كذلك المواطنين الحق في تقديم شكاوى ضد مزودي أنظمة الذكاء الاصطناعي، وينص على وجود مكتب لمنظمة العفو الدولية في الاتحاد الأوروبي لمراقبة إنفاذ التشريعات، ويتطلب من الدول الأعضاء تعيين سلطات إشرافية وطنية للذكاء الاصطناعي.
يصنف التشريع -الذي من المتوقع أن يدخل حيز التنفيذ في عام 2025- تطبيقات الذكاء الاصطناعي إلى مستويات من المخاطر على المستهلكين، وستواجه الأنظمة عالية المخاطر أشد الضوابط صرامة، وهي تلك التي تسبب ضررًا جسيمًا لصحة الناس أو سلامتهم أو حقوقهم الأساسية أو البيئة، مع وجود مراقبة جماعية على كافة التطبيقات، وفرض غرامات للمخالفين تصل إلى 40 مليون يورو، أو مبلغ يساوي 7% من حجم الأعمال السنوية للشركة في جميع أنحاء العالم. في الوقت نفسه ، ستكون العقوبات “متناسبة” مع مراعاة الوضع السوقي لمقدمي الخدمات الصغيرة ، مما يشير إلى أنه قد يكون هناك بعض التساهل مع الشركات الناشئة.
وقد حصل هذا التشريع عند عرضه للتصويت على البرلمان الأوروبي على 499 صوتًا لصالحه، و28 ضده، وامتنع 93 عن التصويت، ما يعني أن هذا القانون سينطبق على أي شخص يطور وينشر أنظمة الذكاء الاصطناعي في الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك الشركات الموجودة خارج الكتلة. ومن الأمثلة على الأنظمة التي تندرج تحت مظلة الحظر التام، أنظمة التعرف على الوجه في الوقت الفعلي في الأماكن العامة، وأدوات الشرطة التنبؤية بسبب انتهاكها الحقوق المدنية والتمييز ضد الأقليات، وأنظمة تسجيل النتائج الاجتماعية، مثل تلك الموجودة في الصين، والتي تمنح الأشخاص “درجة صحية” بناءً على سلوكهم.
هذا بجانب الأنظمة المستخدمة للتأثير على الناخبين في الانتخابات، فضلًا عن منصات وسائل التواصل الاجتماعي التي تضم أكثر من 45 مليون مستخدم يوصون بمحتوى لمستخدميهم -وهي قائمة تشمل “Facebook”، و”Twitter”، و”Instagram”. وسيتعين على أنظمة مثل “ChatGPT” الكشف عن أن محتواها تم إنشاؤه بواسطة الذكاء الاصطناعي، وتمييز الصور المزيفة بشكل عميق عن الصور الحقيقية، وتوفير ضمانات ضد إنشاء محتوى غير قانوني؛ حفاظًا على الملكية الفكرية للبيانات.
لكن المملكة المتحدة المعاندة والمخالفة لقوانين الاتحاد الأوروبي بحكم خروجها من الكتلة قررت عدم تطبيق هذه القواعد؛ إذ استبعدت إنشاء منظمة مخصصة للذكاء الاصطناعي، وأوكلت هذه المهمة لكل هيئة على حدة تستخدم هذه التقنية؛ خشية أن تتم إعاقة الشركات من استخدام التقنية بلا حدود إذا تم فرض قواعد، وسوف تستخدم الهيئات القوانين الحالية دون استحداث، ما يعني عدم وجود التزامات قانونية جديدة على المنظمين أو المطورين أو مستخدمي أنظمة الذكاء الاصطناعي، وتنص القوانين القديمة على:
- السلامة والأمان والمتانة: يجب أن تعمل تطبيقات الذكاء الاصطناعي بطريقة آمنة وقوية حيث تتم إدارة المخاطر بعناية.
- الشفافية و “القابلية للتفسير”: يجب أن تكون المنظمات التي تطور الذكاء الاصطناعي وتنشره قادرة على التواصل متى وكيف يتم استخدامه، وشرح عملية صنع القرار في النظام بمستوى مناسب من التفاصيل يتناسب مع المخاطر التي يشكلها استخدام الذكاء الاصطناعي.
- الإنصاف: يجب استخدام الذكاء الاصطناعي بطريقة تتوافق مع قوانين المملكة المتحدة الحالية، بشأن المساواة أو حماية البيانات، ويجب ألا تميز ضد الأفراد أو تخلق نتائج تجارية غير عادلة.
- المساءلة والحوكمة: الحاجة إلى تدابير لضمان وجود رقابة مناسبة على طريقة استخدام الذكاء الاصطناعي ومساءلة واضحة عن النتائج.
- القابلية للمنافسة والتعويض: يحتاج الناس إلى طرق واضحة للاعتراض على النتائج الضارة أو القرارات الناتجة عن الذكاء الاصطناعي.
وبالنظر إلى جهود الولايات المتحدة الأمريكية، نجد أن المشرعين هناك لا يزالون قلقين بشأن ما إذا كان قانون المساءلة الخوارزمية “الطوعي” الذي تم فرضه عام 2022 قد يؤدي الغرض؛ إذ يتطلب القانون من الشركات تقييم تأثيرات الأنظمة الآلية التي تستخدمها وتبيعها وتقديم تقرير للجنة التجارة الفيدرالية، ويخلق شفافية جديدة حول متى وكيف يتم استخدام الأنظمة الآلية، ويمكّن المستهلكين من اتخاذ خيارات مستنيرة حول أتمتة القرارات الحاسمة (جعلها أوتوماتيكية).
وقد استدعى الكونجرس الأمريكي الرئيس التنفيذي لشركة “Open AI”، سام ألتمان، للإجابة على أسئلة حول “ChatGPT”، واتفقا على أنه من “الضروري” أن تنظم الحكومة هذا المجال؛ لأن الذكاء الاصطناعي يغدو “قويًا بشكل مطرد”، خاصة مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2024، لذلك يجب أن تستمر البلاد في تطوير هذه التقنية وعدم التوقف، لأن الصين حينها ستحصل على الريادة والتقدم في هذا المجال.
أما الصين، المتوقع أن تكون رائدة هذه التقنية، فقد أخذت زمام المبادرة في نقل لوائح الذكاء الاصطناعي إلى ما بعد مرحلة الاقتراح بقواعد تفرض على الشركات إخطار المستخدمين عندما تلعب خوارزمية الذكاء الاصطناعي دورًا من منطلق الإفصاح والشفافية.
كيف ترى مصر الذكاء الاصطناعي؟
صورة خيالية عن مصر صُنعت بواسطة الذكاء الاصطناعي
مما لا شك فيه أن مصر تنظر إلى هذه التقنية الهائلة بإعجاب، فبالطبع تريد الشركات الكبرى الاستفادة منها؛ لتعظيم الناتج القومي المحلي ولمواكبة كبرى الشركات العالمية، ولكن منذ ظهور هذه التقنية، ظهرت أيضًا بعض الآراء المعارضة المحذرة من خطورة هذه التقنية على المجتمع المصري.
ترى هذه الأصوات أن الذكاء الاصطناعي -بالرغم من أهميته- يحط من مهارات البحث، ويقلل من المساهمات البشرية، وهو الأمر الذي سيؤثر سلبًا على الثقافة العامة، وينشر ثقافة “الاستسهال” وعدم بذل أي جهد حقيقي للتعلم والمعرفة؛ إذ تفتقر هذه التكنولوجيا إلى الموضوعية، فتقدم المعلومات فقط من منظور أحادي الجانب، فضلًا عن عامية الموضوعات وعدم تحديدها.
لا تعترض هذه الأصوات على التقنية ككل، لكنها تتخوف من سلبياتها على المجتمع، لكن بالتأكيد يؤمن الكثيرون بأن مصر عليها فتح أبوابها للذكاء الاصطناعي لتحقيق أقصى استفادة إيجابية، خاصة وأن مصر بها القدرات التي تمكنها من ذلك، خاصة وأن هناك مئات الآلاف من الأبحاث “الحقيقية” للطلاب والدارسين، ويمكن الاستفادة منها عبر هذه التقنية لإتاحة البيانات والمعلومات اللازمة.
وعلى كلٍ، أنشأت الحكومة المصرية “المجلس الوطني للذكاء الاصطناعي” في نوفمبر 2019 بوصفه شراكة بين المؤسسات الحكومية والأكاديميين والممارسين البارزين من الشركات الرائدة في مجال الذكاء الاصطناعي، برئاسة وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والذي يُعد مسؤولًا عن وضع “استراتيجية الذكاء الاصطناعي” وتنفيذها وإدارتها من خلال تعاون وثيق مع الخبراء والجهات المعنية، ومن أهم مسؤوليات هذا المجلس بجانب وضع الاستراتيجية:
● تحديد آليات المتابعة لتنفيذ الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي بطريقة تتوافق مع أفضل الممارسات الدولية في هذا المجال.
● تحديد الأولويات الوطنية في مجال تطبيقات الذكاء الاصطناعي.
● اقتراح سياسات وطنية وتقديم توصيات ذات صلة بالأطر الفنية والقانونية والاقتصادية لتطبيقات الذكاء الاصطناعي.
● تعزيز التعاون في هذا المجال على المستويين الإقليمي والدولي، بما في ذلك تبادل أفضل الممارسات والخبرات.
● تحديد تطبيقات الذكاء الاصطناعي التي تقدم حلولًا وخدمات ذكية وآمنة ومستدامة.
● مراجعة البروتوكولات والاتفاقات الدولية في مجال الذكاء الاصطناعي.
● التوصية ببرامج بناء القدرات وتعزيز مهارات ومعارف الكوادر الوطنية.
وتمثل الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي أولوية رئيسة لمساعدة مصر على تحقيق أهدافها في مجال التنمية المستدامة، وهي تبرز خطط الدولة من أجل تعزيز استخدام تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي لتحويل الاقتصاد ليتجاوز مجرد اعتماد التكنولوجيا وتبنيها إلى إعادة التفكير بصورة رئيسة في نماذج الأعمال وإحداث تغييرات عميقة؛ لجني مكاسب الإنتاجية وخلق مجالات جديدة للنمو على رأسها المجالات الطبية والزراعية والبيئية والتخطيط الاقتصادي والبنية التحتية، ومن المتوقع أن تُنفذ هذه الاستراتيجية خلال ثلاثة إلى خمسة أعوام، من خلال عدة محاور:
● الذكاء الاصطناعي من أجل الحكومة: دمج تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي في العمليات الحكومية لرفع الكفاءة وتعزيز الشفافية.
● الذكاء الاصطناعي من أجل التنمية: تعزيز استخدام الذكاء الاصطناعي في القطاعات التنموية الحيوية من خلال استثمار الشراكات مع مستفيدين محليين وشركاء محليين أو أجانب في مجال التكنولوجيا لضمان نقل المعرفة مع تلبية احتياجات مصر التنموية.
● بناء القدرات: تهيئة المصريين لعصر الذكاء الاصطناعي على جميع المستويات، بدءًا من نشر الوعي العام وحتى توجيه التعليم الرسمي وتقديم برامج تدريب على المستويين الفني والمهني.
● العلاقات الدولية: تعزيز مكانة مصر القيادية على المستويين الإقليمي والدولي من خلال دعم المبادرات ذات الصلة، وتمثيل الموقفين الأفريقي والعربي، والمشاركة بفاعلية في المناقشات ذات الصلة بالذكاء الاصطناعي في المنظمات الدولية المختلفة.
وأخيرًا، نحن نقف عند فجر حقبة جديدة؛ إذ تعمل الثورة التكنولوجية على تغيير حياتنا بسرعة هائلة، مما يغير بشكل كبير الطرق التي نعمل ونتعلم ونعيش بها، ولا شك أن الذكاء الاصطناعي هو الحدود الجديدة للإنسانية التي بمجرد عبورها سيتغير شكل الإنسانية بحضارة جديدة. لذا على العالم أن يتكاتف ويتأكد من تطويره من خلال نهج إنساني قائم على القيم وحقوق الإنسان، فالإنسان هو الوحيد القادر من خلال الذكاء الاصطناعي تحديد شكل المجتمع الذي يريده غدًا.
.
رابط المصدر: