- انشغال مجتمع المانحين الدوليين بمشاكلهم الداخلية، وبقضايا التنافس الجيوسياسي، أخذ يصرف الاهتمام بعيداً عن دعم البلدان الأشد فقراً، الأمر الذي يُسهِم في مفاقمة دورة من العواقب الخطرة التي قد تستمر في تغذية نفسها لفترة طويلة.
- قد تضطر الدول المانحة إلى تسخير موارد أكبر بكثير للتعامل مع تداعيات تفاقُم أزمات البلدان الأشد فقراً بالمقارنة مع الموارد المطلوبة لدعم تعافيها الاقتصادي على المدى الطويل، وما ينتج عن تلك التداعيات من مهددات محتملة لأمن الدول المانحة واستقرارها السياسي ومصالحها الاقتصادية.
- يتعيَّن إعادة النظر جذرياً في أسلوب إدارة الدعم الدولي المقدم للبلدان الأشد فقراً، بحيث يوظَّف بأفضل طريقة ممكنة لمساعدة هذه البلدان على تجاوز أوضاعها الصعبة، وليس لمجرد التخفيف من تداعيات أزماتها الحالية فقط.
في منتصف أكتوبر 2024، حذَّر البنك الدولي بأن البلدان الـ26 الأكثر فقراً في العالم (وتضم بينها 4 دول عربية هي السودان، والصومال، وسوريا، واليمن)، والتي يتركز فيها 40% من السكان الذين يعيشون دون عتبة الفقر، تعاني من تراجع المساعدات الدولية إلى أدنى مستوياتها منذ بداية القرن، يقابله تدهور وضعها الاقتصادي والاجتماعي.
وعبر الإشارة إلى الحالة اليمنية، تحاول هذه الورقة إبراز الكيفية التي تأثرت بها الأزمة الإنسانية والاقتصادية في هذا البلد، الذي يُعاني من صراع مسلح لم يتوقف منذ زهاء العقد، بتراجُع المساعدات الدولية، والتداعيات الخطرة للأمرين معاً على وضعه الإنساني والاقتصادي، وما الممكن عمله للتخفيف من آثار هذه التداعيات في المدى المنظور، ليس في اليمن وحسب على وجه التحديد، بل وأيضاً في غيره من البلدان الأشد فقراً التي تعاني من صراعات ممتدة وأزمات إنسانية مستفحلة.
الأزمات الإنسانية تشتد، والدعم الدولي يتراجع
تؤكِّد مجمل المؤشرات المتاحة أن الأزمة الإنسانية والاقتصادية في اليمن تفاقمت في مسار مستمر وتصاعدي منذ العام 2015 لتصل اليوم إلى أكثر مراحلها حِدَّة، ومن هذه المؤشرات، مثلاً، حالة انعدام الأمن الغذائي الحاد، حيث تفيد تقديرات المنظمات الأممية، في خلال الفترة الممتدة من منتصف العام 2015 وحتى شهر أكتوبر من العام 2024، أن نسبة السكان الذين يعانون حالة من حالات انعدام الأمن الغذائي كانت تتزايد في منحى مستمر، وإن شهدت بعض التذبذب أحياناً، كما لم تراجع نسبة السكان الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي من المستوى الثالث (مستوى الأزمة) وأكثر دون عتبة الـ50% منذ نهاية العام 2020.
ومع أن المنظمات الأممية منذ بداية العام 2023 ما عادت تتابع انعدام الأمن الغذائي الحاد إلا على مستوى مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دولياً، بسبب تحديات وإشكاليات واجهت تلك المنظمات في مناطق سيطرة جماعة “أنصار الله” الحوثيين؛ فإن تقديراتها منذ ذلك الحين كشفت أن مستوى الأمن الغذائي يشهد تراجعاً مستمراً يطغى على أي تحسُّن (تذبذب) مؤقت بسبب تقلبات الطقس ومواسم الزراعة.
وتُفيد مؤشرات الاقتصاد الكلي أن الاقتصاد اليمني قد عانى منذ عام 2015 من انكماش لم يتوقف على مستوى نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي (بالأسعار الثابتة)، وهي نتيجة تؤكد أن الأوضاع الاقتصادية في اليمن ظلت تتراجع إلى أن وصلت أشد حالاتها سوءاً في المرحلة الحالية.
وبالتوازي مع هذا التراجع، شهد الدعم الدولي المقدم لتمويل المساعدات الإنسانية في اليمن، هو الآخر، تراجعاً مستمراً منذ العام 2018 حين سجل أعلى قيمة له عند 5.239 مليار دولار أمريكي، بينما سجَّل في العام الجاري (2024) 2.066 مليار دولار فقط؛ كما أن التمويل المقدم لخطة الاستجابة الإنسانية في اليمن، على وجه التحديد، شهد تراجعاً متواصلاً منذ العام 2019 عندما سجل أعلى قيمة له عند 3.641 مليار دولار، بينما لم يسجل في خلال العام الجاري سوى 1.296 مليار دولار فقط (انظر الجدول 1).
جدول 1: يوضح تراجُع حجم الدعم الدولي الإنساني لليمن بين عامي 2015 و2024
السنة | حجم الدعم الدولي المقدم لتمويل المساعدات الإنسانية في اليمن ككل (بالمليار دولار) | حجم الدعم الدولي المقدم لتمويل خطة الاستجابة الإنسانية (بالمليار دولار) |
2015 | 1.751 | 0.874 |
2016 | 1.804 | 1.026 |
2017 | 2.364 | 1.756 |
2018 | 5.239 | 2.503 |
2019 | 4.076 | 3.641 |
2020 | 2.256 | 1.991 |
2021 | 3.340 | 2.423 |
2022 | 2.812 | 2.315 |
2023 | 2.202 | 1.781 |
2024 | 2.066 | 1.296 |
المصدر: بيانات منصة الأمم المتحدة للتتبع المالي.
تداعيات تَلِدُ أخرى
سيترك هذا التراجع في حجم الدعم المقدم لليمن، كما هو الحال مع غيره من البلدان الأشد فقراً حول العالم، تداعيات خطرة وربما كارثية بالنسبة إلى سكان هذا البلد، حيث يتوقع أن تشهد ظروفهم المعيشية تدهوراً ملحوظاً في خلال الفترة المقبلة في ظل تزايد معدلات الفقر وانعدام الأمن الغذائي الحاد، كما يُرجَّح حصول تراجع كبير أيضاً في مجمل مؤشرات الصحة العامة، وتحديداً وفيات المواليد والأطفال الرضع، وأن تعيش البلاد تراجعاً موازياً في معدلات الالتحاق بالمدارس والتعليم العالي وبقية المؤشرات ذات الصلة بالآفاق التنموية والاقتصادية؛ أي أن هذا التراجع في الدعم الإنساني والاقتصادي الدولي بالتزامن مع اشتداد أزمات البلدان الأكثر فقراً، المتأثرة بالصراعات، لن يؤثِّر عليها فقط في المرحلة الحالية وإنما في المستقبل أيضاً، وربما على مدار عدة عقود مقبلة.
لكن تداعيات هذا التراجع في دعم المانحين ربما تقود أيضاً إلى تقويض استقرار بقية البلدان الأشد فقراً التي لا تشهد صراعات في الوقت الحالي، خاصةً وأن هذا التراجع يتزامن مع تخلفها بشكل واضح عن تحقيق المستهدفات التنموية، ومع وجود تحديات اقتصادية متزايدة أمامها بحسب تقرير البنك الدولي، وبالتالي فإن تراجُع المساعدات الإنسانية سيزيد أوضاعها سوءاً، وربما يفضي إلى إثارة انقسامات ونزاعات جديدة فيها على النحو الذي يمكن أن يُقوِّض استقرارها في نهاية المطاف.
كما أن هذه الموجة الواسعة من التداعيات الخطرة في الدول الأشد فقراً حول العالم ربما تتفاعل وتترك تداعيات جديدة خارج حدودها، من طريق إطلاق موجات جديدة من الهجرة باتجاه الدول المجاورة، ووصولاً أيضاً إلى الدول المتقدمة، أو عبر المنظمات الإجرامية والإرهابية التي ستزدهر في الدول الأشد فقراً وربما تتخذها منطلقاً لاستهداف دول الجوار والدول المتقدمة، وهي تداعيات ستمس حتماً بالأمن والاقتصاد العالمي.
والمؤكد أن انشغال الدول المتقدمة (المانحة) بمشاكلها الداخلية، وبقضايا التنافس الجيوسياسي الدولي، وما ينتج عنها من تداعيات تطالها وتطال الأمن والاقتصاد العالمي قد يصرف اهتمامها بشكل أكبر عن دعم البلدان الأشد فقراً، وهو ما أثبتته مثلاً أزمة البحر الأحمر في حالة اليمن، الأمر الذي يُسهِم في مفاقمة نفس الأزمات التي خلقت تلك التداعيات في المقام الأول، وهي دورة بائسة يمكن أن تستمر في تغذية نفسها وتتضخم تداعياتها إلى أن يجري تبني المعالجات والحلول المناسبة للتعاطي مع هذا الملف، والتي لا تشمل زيادة الدعم الدولي إلى البلدان الأشد فقراً فقط وإنما تتضمن كذلك إعادة النظر في طريقة استخدامه.
خيارات ممكنة لاحتواء النزيف
يجادل معظم الخبراء ومراقبي الشأن الإنساني بأن الدول الغنية والمتقدمة (الدول المانحة) معنية بزيادة حجم الدعم الذي تقدمه لصالح البلدان الأشد فقراً حول العالم، من منطلق مصلحتها الذاتية بدرجة أولى؛ إذ إن هذه الدول قد تضطر إلى تسخير موارد أكبر بكثير للتعامل مع تداعيات تفاقم أزمات البلدان الأشد فقراً بالمقارنة مع الموارد المطلوبة لدعمها، خاصةً أن الحديث هنا عن تداعيات تهدد أمن الدول المانحة ومصالحها الاقتصادية، وربما ستمتد إلى تهديد استقرارها السياسي، وتحديداً من طريق التأثير السلبي الذي تتركه موجات المهاجرين على الحياة السياسية مع تصاعد مكانة التيارات الشعبوية والمتطرفة.
إضافةً إلى ذلك، فإن الدول المانحة ليس لديها خيارات أخرى يمكن من طريقها احتواء هذه المشكلة؛ إذ يستبعد أن تتمكن من عزل نفسها تماماً عن تداعيات تفاقم أزمات البلدان الأشد فقراً حول العالم، وحتى إذا تمكنت من عزل نفسها من التداعيات المباشرة مع إغلاق أبوابها أمام المهاجرين، واتخاذ إجراءات أمنية مشددة كفيلة بالحيلولة دون وصول التهديدات الإجرامية والإرهابية إليها، لكنها لن تستطيع أن تعزل نفسها من التداعيات والانعكاسات الأخرى على الأمن والاقتصاد العالمي ككل في ظل تصاعد النشاط الإجرامي والإرهابي في البلدان الأشد فقراً، وتزايد موجات الهجرة منها إلى الدول المجاورة على الأقل.
إن حقائق كهذه تفترض إعادة النظر بشكل جذري في أسلوب إدارة الدعم المقدم للبلدان الأشد فقراً، وبالتحديد من أجل توظيفه بأفضل طريقة ممكنة لمساعدة هذه الدول على تجاوز أوضاعها الصعبة وليس التخفيف من تداعيات أزماتها الحالية فقط، ومن ثمّ تقليص حجم الدعم المطلوب من الدول المانحة وربما حتى إعفائها من تقديم هذا الدعم على المدى البعيد، وذلك مراعاة لحقيقة وجود أولويات أخرى لديها إلى جانب بقية التحديات والحسابات السياسية والاقتصادية التي قد تُقيِّد قدرتها على المساهمة.
وإلى جانب العديد من المقترحات التي سبق طرحها بخصوص تعزيز المساءلة والشفافية في العمل الإنساني، وتطوير مستوى أداء المنظمات العاملة في هذا المجال، إضافةً إلى الدمج بين الإغاثة العاجلة وبين تعزيز الاقتصاد والأمن الغذائي والمرونة والصمود المجتمعي، يمكن تقديم مقترحات إضافية، على النحو الآتي:
1. مراعاة الأولويات الفعلية خلال تقديم المعونات للبلدان الأكثر فقراً
في السنوات الأخيرة لوحِظَ أن الدعم المقدم لصالح الدول الأكثر فقراً يجري تخصيصه بناء على قائمة طويلة من المستهدفات غير ذات الصلة بتقديم مساهمة إغاثية أو تنموية، حيث أضحى العديد من المنظمات الأممية والغربية وبعض الدول الغربية المانحة، تحديداً، تعمل على إقحام أجندة إضافية توصف بـ “التقدمية” تتعلق بحماية البيئة أو تمكين النساء من دون مراعاة للأولويات الفعلية في البلدان المستهدفة والمستحقة للمساعدات الدولية. ويفوتُ الدول المانحة وتلك المنظمات المعنية بالعمل الإنساني أن معظم هذه الأجندة ومستهدفاتها قد تتحقق تلقائياً في حالة إنجاز تنمية اقتصادية في البلد المعني، بينما يصعب العمل على تحقيقها في ظل الظروف الصعبة التي تعيشها البلدان الأكثر فقراً حالياً؛ فعلى سبيل المثال، لا يمكن إقناع أو إلزام السكان بالحفاظ على البيئة وعدم استخدام الأشجار حطباً لطهي الطعام طالما لا تتوفر لديهم بدائل مجدية اقتصادياً، بينما ثبت أن السكان يتخلون عن هذه الممارسة من تلقاء أنفسهم عندما تتحسن ظروفهم المعيشية، وتصبح هذه الممارسة حينئذٍ غير مجدية وغير مناسبة لنمط حياتهم الجديد.
وقد تنجح المنظمات وبعض الدول المانحة في تحقيق تقدم نسبي خلال العمل على هذه الأجندة حتى في ظل الظروف الصعبة التي تعيشها البلدان الأكثر فقراً حالياً، لكنها ستنجح من طريق تخصيص موارد كبيرة كان يمكن تسخيرها في العمل لإنجاز تنمية اقتصادية أوسع نطاقاً تتحقق معها تلك الأجندة تلقائياً، أي أنها تأتي على حساب تأخُّر الدول الأشد فقراً في تجاوز أحوالها الصعبة، وقطع مسافة كبيرة على مسار التنمية.
ولعل المفارقة الحقيقية أن بعض الأصوات التقدمية في الغرب بدأت تنادي بضرورة التخلي عن هذا النهج في استهداف أجندة متعددة ومتفرقة عبر المشاريع والخطط الاقتصادية داخل الدول الغربية نفسها، وذلك بسبب أن هذا النهج يشتت المشاريع والخطط عن أهدافها الرئيسة ولا يخدم تلك الأجندة التقدمية، بل وربما يسيء إلى سمعتها لدى الشارع بسبب إمكانية تحميلها المسؤولية عن فشل تلك المشاريع والخطط، لكن العديد من المنظمات الإنسانية وبعض الدول المانحة لا تزال تعتقد بإمكانية نجاح هذا النهج في الدول الأكثر فقراً على رغم أنها تعيش ظروفاً أسوأ بكل المقاييس.
2. توظيف الدعم لتحقيق أكبر تأثير إيجابي في اقتصاديات البلدان الأشد فقراً
من المهم أن يجري تغيير طريقة توظيف الدعم المقدم للبلدان الأشد فقراً من أجل تحقيق أكبر قدر ممكن من التأثير الإيجابي في اقتصاداتها، أي بشكل يحقق أكبر تأثير مضاعِف (Multiplier Effect) ممكن، وبالتالي المساهمة في تمكين هذه الدول من نيل قدر أكبر من المكاسب، وقطع مسافة أطول على مسار تحسين أوضاعها، وربما تحقيق نهضتها التنموية المُنتَظرَة.
وعلى سبيل المثال، يمكن إعادة النظر في آلية إدارة برامج “النقد مقابل العمل”، وهي برامج يجري فيها تكليف السكان الأكثر حاجة بالعمل في تشييد مشاريع خدمية بسيطة في مناطقهم ويتحصلون مقابل ذلك على أجر مالي يُمكِّنهم من سد احتياجاتهم الأساسية، لكن هذه المشاريع محدودة الجدوى في الواقع ولا تخلق تأثيراً مضاعفاً حقيقياً، بينما يمكن اعتماد آلية مختلفة يتم فيها تنظيم السكان كقوة عمل مهيئة للتوظيف من المستثمرين ورواد الأعمال، وفق أعلى مقابل مالي يتقدمون به في مناقصة معلنة، وبحيث يعاد استخدام هذا المقابل المالي مجدداً في تمديد عمر برنامج “النقد مقابل العمل”، أو في تمويل مشروع تنموي جديد، وبما يضمن تحقيق مكاسب أكبر بكثير بالمقارنة مع الطريقة المعتمدة حالياً.
ومن الممكن تطبيق نفس الفكرة في مختلف برامج الدعم التنموي وحتى الإغاثي، وإن كان من الصعب تحقيق مضاعِفات كبيرة من طريق الدعم الإغاثي بسبب حقيقة أن البلدان المتلقية لهذا الشكل من الدعم تعيش في الغالب ظروفاً اقتصادية، وربما أمنية، غير مواتية، كما أن الدعم الإغاثي يأتي عادة استجابةً لحاجة عاجلة لا تحتمل التأخير والانتظار إلى حين تكتمل الترتيبات التي تضمن تحقيق أكبر تأثير مضاعِف، لكن يظل هناك هامش بسيط يمكن استغلاله حتى في إطار الدعم الإغاثي، من طريق -مثلاً- اعتماد أو حتى تطوير مصادر توريد محلية لبعض السلع والمواد المقدمة في حملات الدعم الإغاثي.
3. تبنّي نهج استباقي
ربما ينبغي أيضاً التفكير في إمكانية تبني نهج مختلف عن النهج الحالي الذي تنأى فيه الدول المانحة عن تقديم الدعم للبلدان الأكثر فقراً إلى حين تفاقم أزمات هذه الأخيرة ووصولها إلى عتبة خطرة، وذات تبعات أمنية عالية في العديد من الحالات، أي تبنّي نهج استباقي قائم على المبادرة لدعم البلدان الأشد فقراً ومساعدتها على تحسين أوضاعها في مرحلة مبكرة، وهو نهج يلتقي مع مصالح الدول المانحة نفسها، ويخفف عنها العبء المتوقع بسبب حقيقة أن الدعم المقدم على نحو استباقي يتخذ منحاً تنموياً، ويمكن أن تتجاوز معه البلدان الأشد فقراً أوضاعها الصعبة بتكلفة أقل، وفي خلال مدى زمني أقصر، وبحيث تتقلص الحاجة إلى تقديم دعم إضافي لها أو ربما تنتهي تماماً، لكن الدعم المقدم عند تفاقم أزمات تلك الدول يكون إغاثياً في الغالب، ولن يغني عن تقديم دعم تنموي لها في المستقبل، وغالباً عبر مسار يستغرق مدة أطول ويتطلب موارد أكبر.
ومن الممكن أيضاً، في إطار هذا النهج الاستباقي، اللجوء إلى خيارات وبدائل أخرى أقل تكلفة على الدول المانحة، مثل اعتماد برامج قائمة على الاستثمار في الدول الأشد فقراً بدل تقديم الدعم إليها، سواءً بصورة مباشرة وبتمويل الدول (الحكومات) المانحة نفسها أو من طريق سلسلة ترتيبات وقوانين تشجع مستثمري القطاع الخاص، وبالشكل الذي يتوقع أن يحقق نتائج أفضل من البرامج القائمة على الدعم والمساعدات المباشرة بسبب إداراتها من قبل المنظمات غير الربحية التي تتزايد الملاحظات حول أداءها وكفاءتها مؤخراً حتى في الدول الغربية نفسها.
وعلى الرغم من أن الاستثمارات من هذا القبيل قد لا تكون مُشجِّعة بالنظر إلى تكلفة الفرص الضائعة (Opportunity Cost)، أي نظراً للاحتمال المرجح بوجود خيارات استثمارية أكثر جدوى وأقل مخاطرة من الاستثمار في البلدان الأشد فقراً، لكن الفارق على مستوى العوائد والمخاطرة يمثل مساهمة الدول المانحة، وهذا الفارق سيكون في الغالب أقل وليس أكبر من حجم الدعم الذي يفترض أن تقدمه الدول المانحة إلى البلدان الأشد فقراً في ظل النهج الحالي.