أعلن الرئيس الأمريكي “جو بايدن” مطلع أغسطس الجاري مقتل زعيم تنظيم القاعدة “أيمن الظواهري” بطائرة مسيرة في العاصمة الأفغانية كابول، في غارة جوية أمريكية تُعد الأولى من نوعها منذ انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان (أغسطس 2021). وأضاف “بايدن” في خطاب ألقاه من البيت الأبيض، الاثنين، أن الضربة الدقيقة التي استهدفت “الظواهري” كانت نتيجة مثابرة ومهارة غير عادية من الاستخبارات الأمريكية التي استطاعت تحديد موقع الرجل الأول في تنظيم القاعدة بعد مقتل مؤسسه “أسامة بن لادن”، ووجهت صوبه ضربة قاتله دون إلحاق أي أذى بالمدنيين.
وتطرح عملية مقتل “الظواهري” جملة من التساؤلات حول ما تحمله من دلالات، سواء من حيث توقيتها المتزامن مع قرب الاحتفاء بالذكرى السنوية الأولى لولاية طالبان الثانية، أو ما تتضمنه من مؤشرات عديدة على تمتع القاعدة وقادتها بملاذات آمنة في كنف حركة طالبان التي لا تزال رواياتها الرسمية تتنصل- حتى الآن- من أية ارتباطات تجمعها مع التنظيمات الإرهابية، فضلًا عن تداعيات مقتل “الظواهري” على مستقبل نشاط تنظيم القاعدة عبر أفرعه المختلفة، وكذا نشاط باقي التنظيمات الإرهابية الأخرى، لاسيما تلك التي تنشط في منطقة وسط وجنوب آسيا، وعلى رأسها الفرع الخراساني لتنظيم داعش.
عملية استخباراتية دقيقة
تُشير تصريحات مسؤولي الإدارة الأمريكية إلى أن عملية اغتيال “الظواهري” كانت استخباراتية بالدرجة الأولى؛ إذ عكفت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية لعدة أشهر على تعقب مؤشرات وجود زعيم القاعدة في أفغانستان منذ سيطرة حركة طالبان على الحكم (15 أغسطس 2021)، حتى تمكنت من تحديد مكانه بعد انتقاله برفقة زوجته وابنته وأطفالها إلى منزل في العاصمة كابول.
وفى تمام الساعة التاسعة و48 دقيقة مساء بتوقيت جرينتش مساء السبت الماضي، نُفذت العملية الأمريكية التي استهدفت رأس “الظواهري” إبان خروجه في شرفة المنزل الذي كان يقطن به في منطقة “شربور” التي تعد واحدة من أرقى المناطق التي يسكنها كبار مسؤولي طالبان في العاصمة الأفغانية. وتؤكد المصادر الأمريكية المختلفة أن عملية الاغتيال كانت مُحددة وعلى درجة عالية من الدقة، ومُصممة خصيصًا لتنفيذ مُهمة قتل “الظواهري” دون إحداث تهديد للسلامة الهيكلية للمبني أو إصابة أفراد عائلته أو أي مدنيين آخرين في المنطقة المحيطة بالمنزل.
(إحدى الصور المتداولة للمبنى الذي نُفذت فيه عملية اغتيال الظواهري)
وتُفيد المعلومات التي أفصح عنها مسؤولون أمريكيون كبار بأن العملية لم تأتِ بشكل عرضي، وإنما كانت نتاج جهد استخباراتي دقيق؛ فبحسب المعلومات المتاحة، رصدت المخابرات الأمريكية انتقال زوجة الظواهري وابنته وأحفاده إلى منزل بوسط كابول، وسرعان ما تعرفوا على زعيم القاعدة في نفس المكان حيث شوهد في مناسبات متعددة ولفترات طويلة على شرفة المنزل الذي استخدمه في إنتاج أشرطة فيديو دعائية.
وهكذا استمر مسؤولو الاستخبارات في مراقبته وتتبعه من خلال مصادر معلومات مستقلة متعددة. وبحلول أوائل أبريل بدأوا في إحاطة كبار مسؤولي الإدارة الأمريكية بتلك المعلومات، بما في ذلك مستشار الأمن القومي “جيك سوليفان” ونائب مستشار الأمن القومي “جون فينر” ومستشارة الأمن الداخلي بالبيت الأبيض “إليزابيث شيروود راندال” ثم تم إخطار الرئيس “بايدن” بعد ذلك بوقت قصير.
وعليه، حقق المسؤولون في طبيعة المنزل لاستكشاف إمكانية تنفذ العملية دون تهديد السلامة الهيكلية للمبنى وتقليل المخاطر على المدنيين وعائلة “الظواهري”. وخلال الأشهر التالية، تلقى “بايدن” عدة تحديثات من كبار المستشارين وأعضاء مجلس الوزراء بشأن إمكانية تنفيذ العملية وعقد اجتماعات عدة مع كبار المستشارين وأعضاء مجلس الوزراء لفحص المعلومات الاستخباراتية وتقييم أفضل مسار للعمل، حيث أعرب خلالها عن قلقه من احتمال سقوط ضحايا مدنيين، بحسب مسؤول أمريكي كبير.
وفي 1 يوليو، تم إطلاع “بايدن” على عملية مقترحة في غرفة العمليات بالبيت الأبيض من قبل أعضاء حكومته بما في ذلك مدير وكالة المخابرات المركزية وليام بيرنز، وطرح بايدن أسئلة تفصيلية حول المعلومات المتاحة وكيفية جمعها، وفحص عن كثب نموذجًا للمنزل الذي يعيش فيه الظواهري والذي بناه مجتمع الاستخبارات وأحضره إلى الاجتماع.
ووفقًا للمسؤول نفسه، سأل “بايدن” تفصيليًا بشأن الإضاءة والطقس ومواد البناء وعوامل أخرى قد تؤثر على نجاح العملية، وطلب تحليل التداعيات المحتملة لضربه في كابول. وعليه، فحصت دائرة ضيقة من كبار المحامين التداعيات القانونية للعملية وتوصلوا إلى قانونيتها؛ بالنظر إلى كون “الظواهري” زعيمًا لتنظيم إرهابي. وفي 25 يوليو الفائت، دعا “بايدن” أعضاء حكومته الرئيسين ومستشاريه لتلقي إحاطة أخيرة ومناقشة كيف سيؤثر قتل “الظواهري” على علاقة واشنطن مع طالبان، لينتهي الأمر بإعطاء الضوء الأخضر لتوجيه ضربة جوية دقيقة، بشرط أن تقلل من خطر وقوع إصابات في صفوف المدنيين.
وتشير المعلومات إلى أن العملية التي استهدفت موقع “الظواهري” نُفذت بواسطة صاروخين من طراز “هاليفير” Hellfire” وهو أحد الذخائر المفضلة التي تستخدمها الولايات المتحدة الأمريكية لقتل قادة الجماعات المتطرفة، نظرًا لقدرتها على ضرب الهدف بشكل مُركز لتجنب وقوع إصابات بين المدنيين، فتحتوي هذه النوعية من الصواريخ على 6 سكاكين (شفرات) تُمكنها بعد الحصول على معلومات استخباراتية عالية الدقة من تحقيق الهدف دون حدوث انفجار، ما يُقلص من دائرة الاستهداف بشكل كبير، وبالتالي تقليل حجم الخسائر في صفوف المدنيين، وهو ما يواكب استراتيجية التخفي في المناطق السكنية التي يلجأ إليها قادة التنظيمات الإرهابية مؤخرًا للفرار من الضربات الأمنية التي توجه ضدهم.
دلالات ورسائل مهمة
تحمل عملية مقتل زعيم تنظيم القاعدة “أيمن الظواهري” جملة من الدلالات والرسائل المهمة، نذكر أبرزها فيما يلي:
• تعكير ذكرى استرداد طالبان الحكم: تأتي عملية مقتل زعيم القاعدة في العاصمة الأفغانية كابول قبل أيام قليلة من حلول الذكرى السنوية الأولى لاحتفال طالبان بسيطرتها عسكريًا على الجغرافيا الأفغانية للمرة الثانية، وذلك بعد أن نجحت في إجبار القوات الأمريكية والناتو على الخروج من أفغانستان بعد حرب استمرت قرابة 20 عامًا، تمكنت خلالها الحركة من التغلغل في مفاصل الدولة الأفغانية وإسقاط حكومة “أشرف غني”، انتهاءً بوصول مُقاتليها إلى القصر الرئاسي في العاصمة الأفغانية كابول “وإعلان إمارة أفغانستان الإسلامية” في منتصف أغسطس 2021.
وعليه، تأتي عملية مقتل “الظواهري” في هذا التوقيت المتزامن مع الذكرى الأولى للانسحاب الأمريكي من أفغانستان –والذي عدته طالبان نصرًا لها- لترسل برسالة أمريكية مباشرة إلى الحركة مفادها أن واشنطن لا تزال لديها القدرة على توجيه ضرباتها على الجغرافيا الأفغانية، حتى وإن اُضطرت إلى الانسحاب ميدانيًا.
• إثبات علاقة طالبان بالقاعدة: تدفع عملية مقتل “الظواهري” بصوابيه التكهنات القائلة بوجود علاقات وثيقة تربط بين طالبان والقاعدة، وأن الأولى تحرص على استمرار إيجاد ملاذ آمن للأخيرة في كنفها، حتى وإن حاولت بطريقة أو بأخرى إثبات عكس ذلك. وهو ما يُمثل خرقًا واضحًا لاتفاق الدوحة (2020) الذي تعهدت فيه الحركة بمنع استخدام الأراضي الأفغانية للقيام بعمليات من شأنها تهديد أمن الولايات المُتحدة الأمريكية وحلفائها، ووقف تعاونها مع التنظيمات الإرهابية على رأسها تنظيم القاعدة.
ويُعزز من الطرح السابق جملة من المؤشرات، أبرزها تنديد الحركة باغتيال “الظواهري” واعتبار أن العملية الأمريكية تُعد انتهاكًا لسيادة البلاد، وتتعارض مع مصالح واشنطن في المنطقة، فضلًا عن وجود زعيم القاعدة في منزل يملكه أحد كبار مساعدي وزير الداخلية والقيادي البارز بطالبان “سراج الدين حقاني” وفى أحد الأحياء الفاخرة لكابول، وهو ما يشي بأن الحركة لم تكتفِ فقط بإعطاء مساحة حركة أكبر لعناصر القاعدة للعمل علانيًة ولملة شتاتها واستعادة قوتها من جديد في أفغانستان، بل كانت حريصة على إبقاء قائدها على مقربة بنحو 200 متر من القصر الرئاسي بغرض الاستفادة من خبرات الأخير، والحصول على توجيهات استراتيجية تعزز من قدرتها في إدارة مقدرات الدولة الأفغانية، ومجابهة التحديات التي تواجهها وعلى رأسها الخطر المتنامي لتنظيم “داعش-خراسان.
ولا ينفي تورط طالبان في علاقات وثيقة بالقاعدة فرضية أن عملية مقتل “الظواهري” ربما جاءت بتعاون وثيق مع الحركة، أو بالأحرى مع العناصر المنشقة عنها، لاسيما في ظل تصاعد الحديث مؤخرًا عن بوادر لانقسامات وانشقاقات داخل صفوفها، والتي دفعت العديد من عناصرها لحل الارتباط مع الحركة والانضمام إما إلى جبهات المقاومة الوطنية أو إلى صفوف تنظيم داعش.
ويستدل على ذلك أيضًا مما قاله المتحدث باسم مجلس الأمن القومي التابع للبيت الأبيض “جون كيربي” إن “الولايات المتحدة ليس لديها تأكيد من خلال تحليل الحمض النووي لمقتل زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري في قلب كابول، لكنها تأكدت من هويته من خلال مصادر أخرى” مما يؤكد استعانة الاستخبارات الأمريكية بمصادر ميدانية داخل أفغانستان، وربما يكون من بين هذه المصادر أيضًا بعض المواطنين الأفغان بالداخل الذين تحتفظ معهم واشنطن بعلاقات تعاون للحصول على المعلومات سواء عن حركة طالبان أو تنظيمي داعش والقاعدة.
وثمة افتراض آخر باحتمالية تورط “داعش-خراسان” في استهداف “الظواهري”، خصوصًا أن اغتيال الأخير قد يُربك صفوف تنظيم القاعدة ويُهيئ الساحة الجهادية الأفغانية أمام المزيد من هيمنة الفرع الخراساني لداعش، في ظل التنافس بين التنظيمين على تصدر المشهد الجهادي العالمي.
• استراتيجية قطع الرؤوس: تأتي عملية مقتل “الظواهري” بعد مرور أقل من شهر على عملية اغتيال “ماهر العقال” زعيم تنظيم داعش في سوريا في غارة أمريكية استهدفته شمال غرب البلاد في يوليو الماضي. وذلك بعد أشهر قليلة من مقتل زعيم التنظيم “أبو إبراهيم الهاشمي القريشي” في غارة أخرى نفذتها قوات العمليات الخاصة الأمريكية في فبراير الماضي.
وهو ما يأتي استمرارًا لاستراتيجية “قطع الرؤوس” التي تتباها الولايات المتحدة في حربها على الإرهاب منذ بداية العقد الماضي، والتي نجحت في توجيه ضربات موجعة للتنظيمات الإرهابية بفروعها المختلفة. ففي حالة تنظيم القاعدة على وجه الخصوص كثّفت الولايات المتحدة الأمريكية عملياتها المستهدفة لقادة التنظيم في باكستان وأفغانستان بداية من منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ومنها على سبيل المثال استهداف أمير القاعدة في شبة الجزيرة العربية “ناصر الوحيشي” في غارة أمريكية بواسطة طائرة بدون طيار في اليمن عام 2015.
• رسائل أمريكية: تنطوي عملية مقتل “الظواهري” على مجموعة من الرسائل الأمريكية على الصعيدين الداخلي والخارجي؛ فداخليًا تسعى إدارة “بايدن” إلى توجيه رسائل للأصوات المعارضة للانسحاب الأمريكي من أفغانستان بأن الولايات المتحدة لا تزال تحتفظ بقدرات استخباراتية عبر الأفق تُمكنها من القيام بضربات على الساحة الأفغانية عند الحاجة. وخارجيًا تبعث واشنطن برسائل إلى القوى الكبرى -على رأسها روسيا والصين- التي حاولت ملء الفراغ الاستراتيجي المتمخض عن الانسحاب الأمريكي، وكذا دول الجوار الأفغاني بأنها لا تزال حاضرة في المنطقة حتى وإن انسحبت ميدانيًا.
تداعيات محتملة
سوف تحمل عملية اغتيال الظواهري العديد من التداعيات على أكثر من مستوى، وذلك على النحو التالي:
• توظيف العملية لخدمة أغراض انتخابية: تُمثل عملية مقتل “الظواهري” انتصارًا كبيرًا على مستوى مكافحة الإرهاب لإدارة الرئيس “بايدن”، التي قد تسعى إلى محاولة تسويقها لتعزيز فرص الديمقراطيين في انتخابات التجديد النصفي المقرر انعقادها في نوفمبر المُقبل، خاصة أن ملف الخروج العشوائي من أفغانستان كان أحد الملفات التي استغلها الجمهوريون والرئيس السابق “دونالد ترامب” والرأي العام الأمريكي لتوجيه اتهامات بالفشل لإدارة “بايدن” على الصعيد الخارجي.
ولكن في الجهة المُقابلة، ثمة رأى آخر يدفع بأن عملية مقتل “الظواهري” رغم كونها انتصارًا تكتيكيًا للاستخبارات الأمريكية، إلا أنها تشير إلى أن عملية الانسحاب الفوضوي للولايات المتحدة أتاحت قدرًا كبيرًا من حرية العمل لعناصر القاعدة، والتي تعززت مع عودة حركة طالبان إلى السلطة في أفغانستان.
• إضعاف معنوي وليس عملياتي لتنظيم القاعدة: تُمثل عملية مقتل “الظواهري” ضربة معنوية لتنظيم القاعدة؛ فعلي الرغم من افتقار الزعيم المقتول للشخصية الكاريزمية بعكس سلفة “ابن لادن”، وتحول التنظيم في عهده إلى نمط القيادة اللامركزية وفقدانه لقدراته على التأثير على ساحة الجهاد المعولم؛ إلّا أن تصفيته على يد القوات الأمريكية قد تتسبب في إحداث هزّة معنوية ربما تخدم الهدف الاستراتيجي الأمريكي المتمثل في تفكيك التنظيم، ذلك لأن القيادة في التنظيمات الإرهابية بشكل عام يكون لها مركزية وثقل معنوي كبير.
لكن احتمالية تأثر التنظيم معنويًا بمقتل “الظواهري” لا تعني توقف نشاطه؛ إذ من المتوقع أن تُكثف أفرع التنظيم المختلفة المنتشرة على الجغرافيا الآسيوية والأفريقية خلال الفترة المقبلة من أنشطتها للثأر لمقتل زعيمها، وربما تنجح على المدى البعيد في توجيه ضرباتها للولايات المتحدة بشكل مباشر أو عبر استهداف مصالحها في مناطق العالم المختلفة.
أما عن المرشح المحتمل لقيادة التنظيم خلفًا للظواهري، يدفع السواد الأعظم من التقديرات باحتمالية تولي “سيف العدل المصري” قيادة التنظيم في الفترة المقبلة، أو صهر الظواهري “عبد الرحمن المغربي”، ويوجد احتمال ثالث يشير إلى إمكانية تصعيد قيادي جديد من خارج الجيل المؤسس للتنظيم.
• وضع طالبان في مأزق بين القاعدة وواشنطن: تطرح عملية مقتل الظواهري تساؤلات جديدة حول مستقبل علاقة حركة طالبان بالولايات المتحدة الأمريكية والتي ربما تتعقد بعض الشيء، لا سيما إذا صحت رواية أن مقتل زعيم القاعدة تم دون التنسيق مع الحركة، وهو ما عدّته الأخيرة اعتداءً على سيادتها في أفغانستان بما يخالف النصوص المتفق عليها في اتفاق الدوحة.
ورغم ذلك من المرجح أن تنأى طالبان في الوقت الراهن عن التصعيد مع واشنطن؛ حرصًا على بلوغ مآربها في نيل الشرعية الدولية الغائبة عنها حتى الآن. وعلى صعيد مُتصل، قد تشهد العلاقة بين طالبان والقاعدة توترًا في الفترة المُقبلة؛ لكون الأولى فشلت في أن توفر ملاذًا آمنًا لأهم عناصر الأخير وهو الزعيم.
• مُفاقمة الأزمات الداخلية لطالبان: ثمة مجموعة من الارتدادات السلبية لعملية مقتل “الظواهري” على حركة طالبان نفسها؛ إذ من المرجح أن تشهد الحركة حالة من الاستنفار الداخلي بين عناصرها، للتأكد من أنه ما إذا كانت عملية اغتيال زعيم القاعدة جاءت بوشاية من عناصر داخل صفوفها أم لا. وفى الوقت ذاته فإن مكان استهداف “الظواهري” بما يحمله من دلالات على وجود علاقات وثيقة بين طالبان والقاعدة، قد يُعرقل من مساعي الأولى لنيل الاعتراف الدولي بحكومتها التي تواجه جملة من الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تتفاقم يومًا بعد يوم، وتزيد من حالة السخط الشعبي ضد الحركة وتحفز من نشاط جبهات المقاومة ضدها.
• رفع حالة التأهب الأمني لدول الجوار الأفغاني: تُزيد عملية اغتيال “الظواهري” من حالة التأهب للسلطات الأمنية في دول الجوار الأفغاني؛ تحسبًا لآية عمليات محتمله من أفرع التنظيم النشطة في المنطقة، وفى الهند على وجه الخصوص، لا سيما أن الظهور الأخير للزعيم المقتول في 5 إبريل 2022 في فيديو بعنوان “حرة الهند” والذي تحدّث فيه عن محاربة الحجاب في ولاية كاراناتكا الهندية، يُظهر انصباب اهتمام التنظيم بشكل كبير على الجغرافيا الهندية، وينذر باحتمالية تنامي نشاط التنظيم هناك في الفترات المُقبلة.
• تنامي نشاط “داعش-خراسان”: يُمثل اغتيال “الظواهري” وتوجيه ضربة معنوية لتنظيم القاعدة فرصة سانحة لتنظيم داعش للتمدد وتعزيز نفوذه عبر فرعه الخراساني النشط في دول آسيا الوسطى، والذي اتسعت تمركزاته الجغرافية في أفغانستان خارج مناطق عملياته التاريخية في شرق البلاد، لتشمل جميع الولايات الأفغانية (34 ولاية) تقريبًا؛ سعيًا إلى الهيمنة على الخريطة الجهادية الأفغانية تمهيدًا للانطلاق منها نحو باقي دول وسط وجنوب آسيا ومن ثم تحقيق حلم الخلافة المزعوم لتنظيم داعش. علاوة على احتمالية تعزيز فرص التنظيم في عملية استقطاب وتجنيد المزيد من العناصر؛ فربما تتجه بعض كوادر القاعدة المُحبطين إلى نقل ولائها لداعش بحثًا عن ملاذ آمن، وربما رغبًة في الانتقام من طالبان إذا ثبت تورط بعض عناصرها في الإرشاد عن “الظواهري”.
ختامًا، تضيف عملية اغتيال الظواهري داخل كابول المزيد من التعقيدات على المشهد السياسي والأمني المضطرب بالنظر لتداعياتها المتوقعة على العلاقات بين الفواعل الجهادية الأفغانية، ومن ثم ارباك وتوتير المشهد الأمني ليس داخل أفغانستان فحسب بل ربما يمتد لدول الجوار الإقليمي، فضلًا عن تأثيراتها على مسار العلاقات بين الولايات المتحدة وحكومة طالبان التي تطوق لانتزاع اعتراف دولي بولايتها الثانية.
.
رابط المصدر: