بين مطرقة تغير المناخ وسندان التمويل

د. وفاء صندي

 

الحفاظ على ارتفاع درجة الحرارة بمقدار 1.5 درجة مئوية، والنجاح فى الحد من تداعيات التغيرات المناخية إلى مستويات مستدامة وصالحة للعيش هى تحديات رئيسية مرهونة بعدم الاستمرار فى حرق جميع احتياطات الوقود الأحفورى الموجودة فى العالم. تحقيق ذلك يتطلب سياسات تُوجه الدول نحو الحياد الكربونى قبل عام 2050. وهذا يعنى الحاجة الى موارد مالية واستثمارات هائلة لمواجهة التغيرات المناخية وللإسهام فى جهود التخفيف لتقليل الانبعاثات، وتعزيز التكيف مع التداعيات السلبية وبناء القدرة على التحمل.

اذا كانت الدول الصناعية هى المسئول الأول عن انبعاثات غاز ثانى أكسيد الكربون، فهي، مع ذلك، لا تقوم بالقدر الكافى مما هو مطلوب منها لمساعدة الدول الفقيرة، التى تعانى اكثر من تداعيات ظاهرة الاحتباس الحراري، على مواجهة أزمة المناخ التى تسببت فيها الدول المتقدمة منذ الثورة الصناعية والتى استهلكت الغلاف الجوي. فى مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ فى كوبنهاجن عام 2009، قررت الدول الصناعية تخصيص 100 مليار دولار سنويا بحلول عام 2020 لتمويل مشاريع ترمى للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى وللمساهمة فى تكيف الدول النامية مع التغير المناخي. وحتى الآن ونحن فى نهايات عام 2022، ما زلنا نسعى إلى الوصول الى تحقيق هذا الرقم. استطاعت الدول الغربية حشد 83 مليار دولار، وفقا لبيانات عام 2020، تخصص الغالبية العظمى منها للتخفيف، متجاهلة التكيف الذى يمثل اولوية اكبر للدول النامية المتضررة من تغير المناخ الذى لم تتسبب فيه، خاصة فى ظل اوضاع اقتصادية دولية صعبة فرضت تحديات ردة تنموية خطيرة كنتيجة للحروب والاوبئة.

لم يأت إلزام الدول الصناعية المتقدمة بالتمويل المناخى كمشاركة تطوعية، انطلاقا من قوتها التكنولوجية والاقتصادية فحسب، بل جاء من منطلق العدالة فى تحمل المسئولية، إذ تسهم 10 دول متقدمة فى تصدير أكثر من ثلثى انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى بنسبة 68%، تتقدمها امريكا والاتحاد الأوروبي، فى مقابل 3% فقط من الانبعاثات تصدر من 100 دولة أخرى. وقد تبين إلى حدود الآن ان تمويل التكيف لايزال يشكل نسبة صغيرة من تمويل إجراءات مواجهة التغيرات المناخية بشكل عام، رغم كل ما تؤكده التقارير العلمية والخطاب العام لزعماء العالم حول أولوية التكيف.

تتحمل الدول النامية تكلفة باهظة على خلفية تغير المناخ، فهى تعانى ارتفاع معدلات الديون وارتفاع تكلفة الاقتراض، التى تفاقمت بشكل كبير جراء جائحة كوفيد-19، وهو ما أدى بالتبعية إلى ضعف الحيز المالى المتاح لها لتمويل جهودها للتعامل مع تغير المناخ من خلال التكيف والتخفيف. فى المجمل، تعتمد الدول النامية على القروض وأدوات مالية منشئة للديون كمصادر لتمويل المناخ، وهو ما يجعلها عالقة فى دائرة مفرغة من الديون. كما ان صعوبة وصولها للتمويل الكافى لا تتعلق فقط بنقص الاموال المخصصة، بل أيضا بمعوقات محلية، مثل عدم قدرتها على تحديد حجم احتياجاتها التمويلية، وغياب كيان مركزى لحصر الغازات الدفيئة وتتبع تدابير التخفيف والتكيف، وبالتالى صعوبة الوصول إلى بيانات دقيقة.

لإنقاذ الإنسانية من آثار تغير المناخ ومساعدة وتأهيل الدول النامية لمواجهة جميع التحديات المرتبطة، هناك حاجة لاتخاذ مجموعة من التدابير منها: تقديم برامج لتخفيف الديون على الدول النامية، بما فى ذلك برامج لإلغاء الديون ومبادلتها مع مشروعات تسهم فى مواجهة تغير المناخ؛ توفير آليات لتمويل المناخ غير منشئة للديون، وتشجيع الدول المتقدمة على إعادة توزيع حقوق السحب الخاصة من جانب صندوق النقد الدولى يمكن استخدامها لتمويل جهود الدول النامية لمواجهة تغير المناخ؛ إنشاء نظم معلومات قوية وتدريب الكوادر القادرة على إعداد مقترحات التمويل المقبولة من جانب المانحين؛ مساعدة الدول النامية على تحسين قدرتها على الوصول إلى التمويل، والاستخدام الأمثل للموارد المتاحة، وتقديم الدعم الفنى لها؛ دعم المشروعات المناخية الصغيرة بتوفير منح، او على الأقل، تمويل ميسور التكلفة، ومنح التدريب اللازم، وتسهيل الوصول إلى التكنولوجيا الخضراء خاصة فى مجال الطاقة الجديدة والمتجددة.

من هذا المنطلق، الامل معقود على كوب ٢٧ لشحذ الإرادة السياسية لتنفيذ التعهدات المعقودة ولرفع الطموح فى مسارات التخفيف والتكيف والخسائر والأضرار والتمويل، وتقديم الدعم اللازم للدول النامية لمواجهة الآثار الناتجة عن تغير المناخ وفقا لمبدأ المسئوليات المشتركة والأعباء المتباينة، مع إعلاء مبدأ الانتقال العادل وتحقيق التعافى المستدام من الأزمات المتعددة الراهنة.

نقلا عن جريدة الأهرام 13 أكتوبر 2022

 

.

رابط المصدر:

https://ecss.com.eg/21200/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M